المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٤

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 51]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 60]

- ‌تفسير سورة الطّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 44]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير سورة النّجم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 62]

- ‌تفسير سورة القمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 23 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌تفسير سورة الرّحمن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 9 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌تفسير سورة الصّفّ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 5]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة التّغابن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة الطّلاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌تفسير سورة التّحريم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

- ‌فهرس المجلد الرابع عشر من سورة الذاريات إلى سورة التحريم

الفصل: ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

لا يَمَسُّهُ هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى؟ وكذلك اختلف في الْمُطَهَّرُونَ من هم؟ ..

فقال أنس وسعيد بن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة..

وقيل المراد بالكتاب: المصحف الذي بأيدينا، وهو الأظهر، وقد روى مالك وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في كتابه الذي كتبه إلى شرحبيل بن كلال

«ألا يمس القرآن إلا طاهر» .

وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فقام واغتسل. ثم أخذ الصحيفة التي بيدها، وفيها القرآن.

ثم قال: واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء: فالجمهور على المنع

وفي مس الصبيان إياه على وجهين: أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ والثاني الجواز، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن. لأن تعلمه حال الصغر، ولأن الصبى وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة، لأن النية لا تصح منه، فإذا جاز أن يحمله على طهارة، جاز أن يحمله محدثا «1» .

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة بقوله: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أى: هذا الكتاب الكريم منزل من رب العالمين، لا رب سواه، ولا خالق غيره، وبذلك يرى: أن هذه الآيات الكريمة، قد وصف الله- تعالى- فيها القرآن الكريم، بجملة من الصفات الجليلة، فقد وصفه- سبحانه- بأنه كريم، ووصفه بأنه مصون ومحفوظ من أن يمسه أحد سوى ملائكته المقربين، وسوى عباده المطهرين من الأحداث، ووصفه بأنه منزل من عنده لا من عند أحد سواه كما زعم أولئك الجاهلون.

ثم تتحدث السورة في أواخرها. بأسلوب مؤثر، عن لحظات الموت. وعن اللحظات التي يفارق الإنسان فيها هذه الحياة، وأحباؤه من حوله لا يملكون له نفعا.. وعن بيان الحالة التي يكون عليها هذا المفارق لهم، فتقول:

[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85)

فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90)

فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)

(1) تفسير القرطبي ج 17 ص 326.

ص: 185

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ للإنكار والتوبيخ.

وهو داخل على مقدر.

والمراد بالحديث: القرآن الكريم، وما تضمنه من هدايات وإرشادات وتشريعات..

وقوله: مُدْهِنُونَ من الإدهان وأصله جعل الجلد ونحوه مدهونا بشيء من الدهن ليلين، ثم صار حقيقة عرفية في الملاينة والمسايرة والمداراة ومنه قوله- تعالى-: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ.

والمراد به هنا: تظاهر المشركين بمهادنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من قرآن كريم، وإبداؤهم من اللين خلاف ما يبطنون من المكر والبغضاء.

ويصح أن يكون الإدهان هنا: بمعنى التكذيب والنفاق، إذ أن هذه المعاني- أيضا- تتولد عن المداهنة والمسايرة.

أى: أتعرضون- أيها المشركون- عن الحق الذي جاءكم به رسولنا صلى الله عليه وسلم فتظهرون أمامه بمظهر المداهن والمهادن، الذي يلين أمام خصمه، ولا يقابله بالشدة والحزم: مع أنه في الوقت نفسه يضمر له أشد أنواع السوء والكراهية؟ ..

إذا كان هذا شأنكم، فاعلموا أن تصرفكم هذا لا يخفى علينا؟! ..

وقوله- سبحانه- وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون معطوف على ما قبله من باب عطف الجملة على الجملة. والكلام على حذف مضاف.

والمعنى: أتعرضون عن هذا القرآن على سبل المداهنة والملاينة، وتجعلون شكر نعمة رزقنا

ص: 186

لكم به. وبالمطر الذي لا حياة لكم بدونه، أنكم تكذبون بكونهما من عند الله- تعالى- فتقولون في شأن القرآن، أساطير الأولين، وتقولون إذا ما أنزلنا المطر عليكم: مطرنا بسبب نوء كذا. أى: بسبب سقوط النجم في جهة المغرب من الفجر.

قال الآلوسى: قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أى: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون، تقولون أمطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا وأكثر الروايات أن قوله- تعالى-: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ نزل في القائلين: مطرنا بنوء كذا.. أخرج مسلم- في صحيحه- عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم:

أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتى بلغ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ.

ثم قال الإمام الآلوسى: والآية على القول بنزولها في قائلى ذلك: ظاهرة في كفرهم المقابل للإيمان، فكأنهم كانوا يقولونه عن اعتقاد أن الكواكب مؤثرة حقيقة موجدة للمطر، وهو كفر بلا ريب بخلاف قوله مع اعتقاد أنه من فضل الله- تعالى-، وأن النوء ميقات وعلامة فإنه ليس بكفر.. «1» .

وقد ذكر المفسرون هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى فارجع إليها إن شئت.. «2» .

ثم انتقلت الآيات إلى توبيخهم على أمر آخر، وهو غفلتهم عن قدرة الله- تعالى- ووحدانيته وهم يشاهدون آثار قدرته أمام أعينهم فقال- تعالى-: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ، فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

ولو في الموضعين للتحضيض على التذكر والاعتبار، ولإبراز عجزهم في أوضح صورة، إذ إظهار عجزهم هو المقصود هنا بالحض..

وقوله إِذا بَلَغَتِ ظرف متعلق بقوله تَرْجِعُونَها أى: تردونها، وقد قدم عليه لتهويله، والتشويق إلى الفعل المحضوض عليه، وهو إرجاع الروح إلى صاحبها.

والضمير في بَلَّغْتَ يعود إلى الروح، وهي وإن كانت لم تذكر إلا أنها مفهومه من الكلام.

(1) تفسير الآلوسى ج 27 ص 156.

(2)

راجع تفسير ابن كثير ج 4 ص 299. وتفسير القرطبي ج 17 ص 228.

ص: 187

والحلقوم: مجرى الطعام وأل فيه للعهد الجنسي.

وجملة: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ حال من ضمير بَلَغَتِ، ومفعول تَنْظُرُونَ محذوف والتقدير: تنظرون وتبصرون صاحب الروح وهو في تلك الحالة العصيبة.

وجملة تَرْجِعُونَها

جواب الشرطين في قوله: إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ وفي قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

وجملة وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ مستأنفة لتأكيد توبيخهم على جهالاتهم وعدم اعتبارهم حتى في أوضح المواقف التي تدل على قدرة خالقهم- عز وجل.

والمعنى: إذا كنتم- أيها الجاحدون المكذبون- لم تعتبروا ولم تتعظوا بكل ما سقناه لكم من ترغيب وترهيب على لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فهلا اعتبرتم واتعظتم وآمنتم بوحدانيتنا وقدرتنا.. حين ترون أعز وأحب إنسان إليكم، وقد بلغت روحه حلقومه، وأوشكت على أن تفارق جسده

وَأَنْتُمْ أيها المحيطون بهذا المحتضر العزيز عليكم حِينَئِذٍ أى: حين وصل الأمر به إلى تلك الحالة التي تنذر بقرب نهايته، أنتم تَنْظُرُونَ إلى ما يقاسيه من غمرات الموت، وتبصرون ما فيه من شدة وكرب، وتحرصون كل الحرص على إنجائه مما حل به ولكن حرصكم يذهب أدراج الرياح.

وَنَحْنُ في هذه الحالة وغيرها، أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أى: ونحن أقرب إليه منكم بعلمنا وبقدرتنا، حيث إنكم لا تعرفون حقيقة ما هو فيه من أهوال ولا تدركون عظيم ما فيه من كرب، ولا تقدرون على رفع شيء من قضائنا فيه وفي غيره.

وقوله: وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ استدراك للكلام السابق. أى: ونحن أقرب إلى هذا المحتضر منكم، ولكنكم لا تدركون ذلك لجهلكم بقدرتنا النافذة، وحكمتنا البالغة..

فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أى: فهلا إن كنتم غير عاجزين عن رد قضائنا في هذا المحتضر الحبيب إليكم، وغير مربوبين لنا، وخاضعين لسلطاننا.. يقال: دان السلطان الرعية، إذا ساسهم وأخضعهم لنفوذه.

هلا إن كنتم غير خاضعين لنا تَرْجِعُونَها أى: ترجعون الروح إلى صاحبها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في اعتقادكم بأن آلهتكم تستطيع الدفاع عنكم وفي اعتقادكم أنه لا بعث ولا حساب بعد الموت، وفي توهمكم أن هناك قوة سوى قوة الله- عز وجل يمكنها أن تساعدكم عند الشدائد والمحن.

ص: 188

وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة، تقيم أوضح الأدلة وأكثرها تأثيرا في النفوس، على كمال قدرة الله- تعالى- وعلى نفاذ مشيئته وإرادته

فهي تتحدى البشر جميعا أن يعيدوا الروح إلى أحب الناس إليهم، وهم واقفون من حوله وقفة الحائر المستسلم. العاجز عن فعل أى شيء من شأنه أن يدفع عن هذا المحتضر ما فيه من كرب، أو أن يؤخر انتزاع روحه من جسده، ولو لزمن قليل..

ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك، في بيان مصير هذه الروح، التي توشك أن تستدبر الحياة الفانية، وتستقبل الحياة الباقية فتقول: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ.

والروح: بمعنى الراحة والأمان والاطمئنان والريحان شجر طيب الرائحة.

أى: فأما إن كان صاحب هذه النفس التي فارقت الدنيا، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات.. فله عندنا راحة لا تقاربها راحة، وله رحمة واسعة، وله طيب رائحة عند قبض روحه، وعند نزوله في قبره، وعند وقوفه بين أيدينا للحساب يوم الدين، وله جنات ينعم فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وَأَمَّا إن كان هذا الإنسان مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وهم الذين ثقلت موازين حسناتهم..

فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ أى: فتقول له الملائكة عند قبض روحه وفي قبره، وفي الجنة، سلام لك يا صاحب اليمين، من أمثالك أصحاب اليمين.

قال الآلوسى: وقوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ قيل هو على تقدير القول.

أى: فيقال لذلك المتوفى منهم: سلام لك يا صحاب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين.

وجوز أن يكون المعنى: فسلامة لك عما يشغل القلب من جهتهم فإنهم في خير. أى: كن فارغ البال من جهتهم فإنهم بخير.

وذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة، كلام يفيد عظمة حالهم، كما يقال: فلان ناهيك به، وحسبك أنه فلان، إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل.. «1» .

وَأَمَّا إِنْ كانَ هذا المتوفى مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ وهم أصحاب الشمال فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ أى: فله نزل- أى: مكان- مِنْ حَمِيمٍ أى: من ماء قد بلغ أقصى

(1) تفسير الآلوسى ج 27 ص 160.

ص: 189

درجات الحرارة وعبر عن المكان الذي ينزل فيه بالنزل، على سبل التهكم، إذا النزل في الأصل يطلق على ما يقدم للضيف على سبل التكريم..

وقوله: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أى: وله- أيضا- إدخال في نار جهنم التي تشوى جسده وتحرقه.

إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ أى: إن هذا الذي قصصناه عليك- أيها الرسول الكريم- في هذه السورة وغيرها، لهو الحق الثابت الذي لا يحوم حوله شك أو ريب..

فقوله: حَقُّ الْيَقِينِ من إضافة الصفة إلى الموصوف، أى: لهو اليقين الحق..

أو هو من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين، كما في قوله- تعالى-: حَبْلِ الْوَرِيدِ إذ الحبل هو الوريد، والقصد من مثل هذا التركيب التأكيد.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أى: إذا كان الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- فنزه ربك العظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، عن كل ما لا يليق به..

وبعد فهذا تفسير لسورة «الواقعة» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

الدوحة- قطر صباح الأربعاء 16 من رجب سنة 1406 هـ 26/ 3/ 1986 م كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى

ص: 190