الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله ورحمته على هذه الأمة، حيث جعل كتابه ميسرا في حفظه وفهمه، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
أى: والله لقد سهلنا القرآن لِلذِّكْرِ أى: للتذكر والحفظ، بأن أنزلناه فصيحا في ألفاظه، بليغا في تراكيبه، واضحا في معانيه، سهل الحفظ لمن أراد أن يحفظه.. فهل من معتبر ومتعظ، بقصصه، ووعده، ووعيده، وأمره، ونهبه؟.
وقد وردت هذه الآية في أعقاب قصة نوح وهود وصالح ولوط- عليهم السلام، لتأكيد مضمون ما سبق في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ. حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ.
وللتنبيه والإشعار بأن كل قصة من تلك القصص جديرة بإيجاب الاتعاظ، وكافية في الاعتبار والازدجار لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
والمقصود بالآية الكريمة التحضيض على حفظ القرآن الكريم والاعتبار بمواعظه، والعمل بما فيه من تشريعات حكيمة، وآداب قويمة، وهدايات سامية..
ثم انتقلت إلى الحديث عن قصة قبيلة عاد مع نبيهم هود- عليه السلام فذكرت ما حل بهم من عقاب بسبب كفرهم وطغيانهم، فقال- تعالى-:
[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
والمراد بعاد، تلك القبيلة التي ينتهى نسبها إلى جدهم عاد، وكانت مساكنهم بالأحقاف في جنوب الجزيرة العربية. وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله- تعالى- إليهم نبيهم هودا- عليه السلام لكي يأمرهم بعبادة الله- تعالى- وحده، وينهاهم عن عبادة غيره..
وقد جاء الحديث عنهم بصورة أكثر تفصيلا، في سور: الأعراف، وهود، والشعراء، والأحقاف
…
ولم تعطف قصتهم هنا على قصة نوح التي قبلها، للإشعار بأنها قصة مستقلة جديرة بأن يعتبر بها المعتبرون، ويتعظ بها المتعظون..
وحذف المفعول في قوله: كَذَّبَتْ عادٌ للعلم به وهو نبيهم هود- عليه السلام أى: كذبت قبيلة عاد نبيها هودا- عليه السلام.
والاستفهام في قوله- سبحانه-: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ للتهويل، ولتشويق السامعين إلى معرفة العذاب الشديد الذي حل بهم. أى: كذبت قبيلة عاد نبيها، فهل علمتم ما حل بها من دمار وهلاك؟ إن كنتم لم تعلموا ذلك فهاكم خبره..
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً
…
أى: إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة والقوة، ذات صوت هائل.
فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ أى: في يوم مشئوم عليهم، وشؤمه دائم ومستمر لم ينقطع عنهم حتى دمرهم.
قال ابن كثير: قوله: مُسْتَمِرٍّ أى: مستمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروى.. «1» .
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ «2» .
وإضافة «يوم» إلى «نحس» من إضافة الزمان إلى ما يقع فيه، كقولهم: يوم فتح خيبر
…
والمراد أنه يوم منحوس ومشئوم بالنسبة لهؤلاء المهلكين، وليس المراد أنه يوم منحوس بذاته، لأن الأيام يداولها الله- تعالى- بين الناس، بمقتضى إرادته وحكمته.
وقوله: تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ بيان لقوة هذه الريح وشدتها..
والنزع: الإزالة للشيء بعنف، حتى يزول عن آخره، وينفصل عما كان متصلا به.
والمراد بالناس: هؤلاء المهلكين من قوم هود- عليه السلام.
والأعجاز: جمع عجز، وهو مؤخر الشيء وأسفله. وأعجاز النخل: أصولها التي تقوم عليها. والمراد بها هنا: النخل بتمامه ما عدا الفروع.
وقوله: مُنْقَعِرٍ اسم فاعل انقعر، مطاوع قعره أى: بلغ قعره بالحفر، يقال: قعر فلان البئر إذا بلغ قعرها في الحفر، وهو صفة للنخل. أى: أن الريح لشدتها وقوتها، كانت
(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 364.
(2)
سورة فصلت الآية 16. [.....]