المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٤

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 51]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 60]

- ‌تفسير سورة الطّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 44]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير سورة النّجم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 62]

- ‌تفسير سورة القمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 23 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌تفسير سورة الرّحمن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 9 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌تفسير سورة الصّفّ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 5]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة التّغابن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة الطّلاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌تفسير سورة التّحريم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

- ‌فهرس المجلد الرابع عشر من سورة الذاريات إلى سورة التحريم

الفصل: ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان بعض الأحكام التي تتعلق بالنساء المؤمنات، اللاتي تركن أزواجهن الكفار، ورغبن في الهجرة إلى دار السلام فقال- تعالى-:

[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)

قال الإمام القرطبي: قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ: لما أمر الله المسلمين بترك موالاة المشركين، واقتضى ذلك مهاجرة المسلمين عن بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة، فبين- سبحانه- أحكام مهاجرة النساء.

قال ابن عباس: جرى الصلح مع مشركي قريش عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، فجاءت سعيدة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية بعد، فأقبل زوجها- وكان كافرا.. فقال: يا محمد، اردد على امرأتى، فإنك شرطت ذلك، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية.

وقيل: جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها.

وقيل: هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخويها وحبسها، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ردها علينا للشرط، فقال: «كان الشرط في الرجال لا في

ص: 337

النساء» فأنزل الله هذه الآية «1» .

والمعنى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ، من دار الكفر إلى دار الإيمان، وراغبات في فراق الكافرين، والبقاء معكم.

فَامْتَحِنُوهُنَّ أى: فاختبروهن اختبارا يغلب معه الظن بأنهن صادقات في هجرتهن وفي إيمانهن، وفي موافقة قلوبهن لألسنتهن.

وقد ذكر ابن جرير في كيفية امتحانهن صيغا منها: ما جاء عن ابن عباس أنه قال: كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفها بأنها ما خرجت بغضا لزوجها، ولا رغبة في الانتقال من أرض إلى أرض، ولا التماسا لدنيا، وإنما خرجت حبا لله ولرسوله «2» .

وجملة: اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ معترضة لبيان أن معرفة خفايا القلوب، مردها إلى الله- تعالى- وحده.

قال صاحب الكشاف: قوله: اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ أى: منكم، لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم، وإن استحلفتموهن ودرستم أحوالهن، وعند الله حقيقة العلم به «3» .

والمراد بالعلم في قوله- تعالى-: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ الظن الغالب.

أى: فإن غلب على ظنكم بعد امتحانهن أنهن مؤمنات صادقات في إيمانهن، فأبقوهن عندكم، ولا ترجعوهن إلى أزواجهن أو إلى أهلهن من الكفار.

وسمى الظن القوى علما للإيذان بأنه كالعلم في وجوب العمل بمقتضاه، وإنما رد الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال الذين جاءوه مؤمنين بعد صلح الحديبية، ولم يرد النساء المؤمنات، لأن شرط الرد كان في الرجال ولم يكن في النساء- كما سبق أن ذكرنا نقلا عن القرطبي-، ولأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة في الرد ما يخشى على المرأة، من إصابة المشرك إياها، وتخويفها، وإكراهها على الردة.

قال بعض العلماء: قال كثير من المفسرين: إن هذه الآية مخصصة لما جاء في معاهدة صلح الحديبية، والتي كان فيها من جاء من الكفار مسلما إلى المسلمين ردوه إلى المشركين، ومن جاء من المسلمين كافرا للمشركين، لا يردونه على المسلمين، فأخرجت الآية النساء من المعاهدة،

(1) راجع تفسير القرطبي ج 18 ص 61.

(2)

تفسير ابن جرير ج 28 ص 45.

(3)

راجع تفسير الكشاف ج 4 ص 517. [.....]

ص: 338

وأبقت الرجال، من باب تخصيص العموم.

وتخصيص السنن بالقرآن، وتخصيص القرآن بالسنن، أمر معلوم.

ومن أمثلة تخصيص السنة بالكتاب، قوله: صلى الله عليه وسلم: «ما أبين من حي فهو ميت» أى: فهو محرم، فقد جاء تخصيص هذا العموم بقوله- تعالى-: وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها أى: ليس محرما، ومن أمثلة تخصيص الكتاب بالسنة قوله- تعالى-:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ فقد جاء تخصيص هذا العموم بحديث: «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالكبد والطحال» .

وقال بعض المفسرين: إنها ليست مخصصة للمعاهدة، لأن النساء لم يدخلن فيها ابتداء، وإنما كانت في حق الرجال فقط.

والذي يظهر- والله أعلم- أنها مخصصة لمعاهدة الحديبية، وهي من أحسن الأمثلة لتخصيص السنة بالقرآن- كما قال الإمام ابن كثير «1» .

وقوله- سبحانه-: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ تعليل للنهى عن رد المؤمنات المهاجرات إلى دار الكفر، أو إلى أزواجهن الكفار.

أى: لا ترجعوا- أيها المؤمنون- النساء المؤمنات المهاجرات إليكم من أرض الكفر إلى أزواجهن الكافرين، فإن هؤلاء المؤمنات صرن بسبب إيمانهن لا يصح ارتباطهن بأزواجهن الكفار، كما لا يصح لهؤلاء الكافرين الارتباط بالنساء المؤمنات.

فالجملة الكريمة المقصود بها تأكيد النهى عن رد المؤمنات المهاجرات إلى أرض الكفر، ووجوب التفرقة بين المرأة المؤمنة وزوجها الكافر في جميع الأحوال.

قال ابن كثير: هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان ذلك جائزا في أول الإسلام، أن يتزوج المشرك المؤمنة.. «2» .

وقوله- تعالى-: وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا بيان لمظهر من مظاهر عدالة الإسلام في أحكامه. والخطاب لولاة الأمور. وهذا الإيتاء إنما هو للأزواج المعاهدين، أما إذا كانوا حزبيين فلا يعطون شيئا.

أى: وسلموا إلى المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات، ما دفعوه لهن من مهور، قال

(1) راجع أضواء البيان ج 8 ص 160.

(2)

تفسير ابن كثير ج 8 ص 118.

ص: 339

القرطبي: قوله: وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا: أمر الله- تعالى- إذا أمسكت المرأة المسلمة، أن يرد إلى زوجها المشرك ما أنفق، وذلك من الوفاء بالعهد، لأنه لما منع من أهله، بحرمة الإسلام، أمر- سبحانه- برد المال إليه، حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين: الزوجة والمال «1» .

فالمراد بقوله- تعالى- ما أَنْفَقُوا: ما دفعه المشركون لأزواجهم المؤمنات.

وعبر عن هذه المهور بالنفقة، للإشعار بأن هؤلاء الزوجات المؤمنات، أصبحت لا صلة لهن بأزواجهن المشركين.

وقوله- سبحانه-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ تكريم لهؤلاء النساء المسلمات اللائي فررن بدينهن من أزواجهن المشركين.

أى: ولا حرج عليكم- أيها المؤمنون- في نكاح هؤلاء المؤمنات، بعد فراقهن لأزواجهن المشركين، وبعد استبرائكم لأرحامهن، وعليكم أن تدفعوا لهن مهورهن كاملة غير منقوصة.

ونص على دفع المهر لهن- مع أنه أمر معلوم- لكي لا يتوهم متوهم، أن رد المهر الى الزوج الكافر، يغنى عن دفع مهر جديد لهن إذا تزوجن بعد ذلك بأزواج مسلمين، إذ المهر المردود للكفار، لا يقوم مقام المهر الذي يجب على المسلم إذا ما تزوج بامرأة مسلمة فارقت زوجها الكافر.

والمراد بالإيتاء: ما يشمل الدفع العاجل، والتزام الدفع في المستقبل.

ثم نهى الله- تعالى- المسلمين عن إبقاء الزوجات المشركات في عصمتهم فقال:

وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

والعصم: جمع عصمة، والمراد بها هنا: عقد النكاح الذي يربط بين الزوج والزوجة، والكوافر: جمع كافرة، كضوارب جمع ضاربة.

أى: ولا يصح لكم- أيها المؤمنون- أن تبقوا في عصمتكم، زوجاتكم اللائي آثرن الكفر على الإيمان، وأبين الهجرة معكم من دار الكفر إلى دار الإسلام، وقد بادر المسلمون بعد نزول هذه الآية بتطليق زوجاتهم الكافرات فطلق عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- امرأتين له كانتا مشركتين، وطلق طلحة بن عبيد الله إحدى زوجاته وكانت مشركة.

(1) تفسير القرطبي ج 18 ص 65.

ص: 340

وهذه الجملة الكريمة تأكيد لقوله- تعالى- قبل ذلك: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.

ثم بين- سبحانه- حكما آخر من الأحكام التي تدل على عدالة الإسلام في تشريعاته فقال: وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا.

أى: كما أنى شرعت لكم أن تعطوا الأزواج المشركين، مهور نسائهم المسلمات اللائي فررن إليكم، وتركن أزواجهن الكفار، فكذلك شرعت لكم أن تطلبوا مهور نسائكم المشركات اللائي انفصلتم عنهن لكفرهن، ولحقن بهؤلاء المشركين، وليطلب المشركون منكم مهور نسائهم المؤمنات اللائي انفصلن عنهم وهاجرن إليكم.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآية الكريمة ببيان أن هذه الأحكام، إنما هي من الله- تعالى- العليم بأحوال النفوس، الحكيم في أقواله وأفعاله، فقال: ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

أى: ذلكم الذي ذكرناه لكم من تشريعات تتعلق بالمؤمنات المهاجرات هي أحكام من الله- تعالى- فاتبعوها، فهو- سبحانه- صاحب الحكم المطلق بينكم، وهو- سبحانه- عليم بأحوال عباده، حكيم في كل تصرفاته وتشريعاته.

وقوله- سبحانه-: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ بيان لحكم آخر يتعلق بالنساء اللائي التحقن بالمشركين، وتركن أزواجهن المسلمين، وأبى المشركون أن يدفعوا للمسلمين مهور هؤلاء الزوجات.

والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا.

وقد ذكروا أن المسلمين لما نزل قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ.. الآية. كتبوا إلى المشركين يعلمونهم بما تضمنته هذه الآية.

فامتنع المشركون عن دفع مهور النساء اللائي ذهبن إليهم، بعد أن تركن أزواجهن المسلمين، فنزل قوله- تعالى-: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ «1» .

قال ابن كثير: أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوها

(1) راجع تفسير القرطبي ج 18 ص 68.

ص: 341

على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال الله- تعالى- للمؤمنين به، وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ الآية «1» .

وقوله فاتَكُمْ من الفوت بمعنى الفراق والترك والهرب

يقال: فاتنى هذا الشيء، إذا لم أتمكن من الحصول عليه، وعدى بحرف إلى لتضمنه معنى الفرار.

ولفظ «شيء» هنا المراد به بعض، وقوله: مِنْ أَزْواجِكُمْ بيان للفظ شيء.

وقوله: فَعاقَبْتُمْ يرى بعضهم أنه من العقوبة.

وعليه يكون المعنى: وإن تفلتت وفرت امرأة من أزواجكم- أيها المؤمنون- إلى الكفار، وامتنعوا عن دفع مهرها لكم. فَعاقَبْتُمْ أى: فغزوتم أنتم بعد ذلك هؤلاء الكافرين وانتصرتم عليهم وظفرتم بمغانم منهم.

فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ منكم إلى الكفار من هذه المغانم مِثْلَ ما أَنْفَقُوا أى: مثل المهور التي أنفقوها على زوجاتهم اللائي فررن إلى المشركين.

ويرى بعضهم أن قوله فَعاقَبْتُمْ صيغة تفاعل من العقبة- بضم العين وسكون القاف وهي النوبة، بمعنى أن يصير الإنسان في حالة تشبه حالة غيره.

قال الآلوسى: قوله: فَعاقَبْتُمْ من العقبة لا من العقاب، وهي في الأصل النوبة في ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما والآخر بعده: أى: فجاءت عقبتكم أى نوبتكم من أداء المهر.

شبه الحكم بالأداء المذكور، بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب.

وحاصل المعنى: إن لحق أحد من أزواجكم بالكفار، أو فاتكم شيء من مهورهن.

فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا من مهر المهاجرة التي تزوجتموها، ولا تعطوا شيئا لزوجها الكافر، ليكون قصاصا «2» .

وعبر عن هؤلاء الزوجات اللائي تركن أزواجهن المؤمنين، وفررن إلى المشركين، بلفظ «شيء» لتحقير هؤلاء الزوجات، وتهوين أمرهن على المسلمين، وبيان أنهن بمنزلة الشيء الضائع المفقود الذي لا قيمة له.

قال صاحب الكشاف: وجميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة.

(1) تفسير ابن كثير ج 8 ص 121.

(2)

تفسير الآلوسى ج 38 ص 79.

ص: 342