المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٤

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 51]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 60]

- ‌تفسير سورة الطّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 44]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير سورة النّجم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 62]

- ‌تفسير سورة القمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 23 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌تفسير سورة الرّحمن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 9 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌تفسير سورة الصّفّ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 5]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة التّغابن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة الطّلاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌تفسير سورة التّحريم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

- ‌فهرس المجلد الرابع عشر من سورة الذاريات إلى سورة التحريم

الفصل: ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)

والمقصود بالنداء في قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ

جميع المكلفين بها، الذين يجب عليهم أداؤها..

وناداهم- سبحانه- بصفة الإيمان، لتحريك حرارة الإيمان في قلوبهم، ولتحريضهم على المسارعة إليها، إذ من شأن المؤمن القوى، أن يكون مطيعا لما يأمره خالقه به.

والمراد بالنداء: الأذان والإعلام بوقت حلولها.

والمقصود بالصلاة المنادى لها هنا: صلاة الجمعة، بدليل قوله- تعالى- مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

واللام في قوله لِلصَّلاةِ للتعليل، ومِنْ بمعنى في، أو للبيان، أو للتبعيض، لأن يوم الجمعة زمان، تقع فيه أعمال، منها الصلاة المعهودة فيه وهي صلاة الجمعة لأن الأمر بترك البيع خاص بها، لوجود الخطبة فيها.

وقوله: فَاسْعَوْا

جواب الشرط، من السعى، وهو المشي السريع.

والمراد به هنا: المشي المتوسط بوقار وسكينة، وحسن تهيؤ لصلاة الجمعة..

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أى: امشوا إليه بدون إفراط في السرعة..

فقد أخرج الستة في كتبهم عن أبى سلمة من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» .

ص: 387

والمراد بذكر الله: الخطبة والصلاة جميعا، لاشتمالهما عليه، واستظهر بعضهم أن المراد به الصلاة، وقصره بعضهم على الخطبة.. «1» .

وإنما عبر- سبحانه- بالسعي لتضمنه معنى زائدا على المشي، وهو الجد والحرص على التبكير، وعلى توقى التأخير.

والمعنى: يا من آمنتم بالله حق الإيمان، إذا نادى المنادى لأجل الصلاة في يوم الجمعة، فامضوا إليها بجد، وإخلاص نية، وحرص على الانتفاع بما تسمعونه من خطبة الجمعة، التي هي لون من ألوان ذكر الله- تعالى- وطاعته.

والأمر في قوله- سبحانه-: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، وَذَرُوا الْبَيْعَ.. الظاهر أنه للوجوب، لأن الأمر يقتضى الوجوب، ما لم يوجد له صارف عن ذلك، ولا صارف له هنا.

والمراد من البيع هنا: المعاملة بجميع أنواعها، فهو يعم البيع والشراء وسائر أنواع المعاملات.

أى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاخرجوا إليها بحرص وسكينة ووقار. واتركوا المعاملات الدنيوية من بيع، وشراء، وإجارة، وغيرها.

وإنما قال- سبحانه-: وَذَرُوا الْبَيْعَ

لأنه أهم أنواع المعاملات، فهو من باب التعبير عن الشيء بأهم أجزائه.

واسم الإشارة في قوله- سبحانه-: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعود إلى ما سبق ذكره من الأمر بالسعي إلى ذكر الله، متى نودي للصلاة، وترك الاشتغال بالبيع وما يشبهه.

أى: ذلكم الذي أمرتكم به من السعى إلى ذكر الله عند النداء للصلاة من يوم الجمعة، ومن ترك أعمالكم الدنيوية.. خير لكم مما يحصل لكم من رزق في هذه الأوقات، عن طريق البيع أو الشراء أو غيرهما.

فالمفضل عليه محذوف، لدلالة الكلام عليه، والمفضل هو السعى إلى ذكر الله- تعالى-.

وهذا التفضيل باعتبار أن منافع السعى إلى ذكر الله- تعالى- باقية دائمة، أما المنافع الدنيوية فهي زائلة فانية

وجواب الشرط في قوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ محذوف. أى: إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم، فاسعوا إلى ذكر الله عند النداء للصلاة، واتركوا البيع والشراء.

(1) تفسير الآلوسى ج 28 ص 102.

ص: 388

أو إن كنتم من أهل العلم والفقه السليم للأمور، عرفتم أن امتثال أمر الله- تعالى- بأن تسعوا، إلى ذكره عند النداء لصلاة الجمعة، خير لكم من الاشتغال في هذا الوقت بالبيع والشراء..

إذ في هذا الامتثال سعادتكم ونجاتكم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر تيسيره عليهم في تشريعاته فقال: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ، وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ....

أى: فإذا فرغتم من أداء الصلاة وأقمتموها على أكل وجه، فانتشروا في الأرض، وامشوا في مناكبها، لأداء أعمالكم التي كنتم قد تركتموها عند النداء للصلاة، واطلبوا الربح واكتساب المال والرزق، من فضل الله- تعالى- ومن فيض إنعامه، والأمر هنا للإباحة، لأنه وارد بعد حظر، فهو كقوله- تعالى-: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا....

أى: أن الانتشار في الأرض بعد الصلاة لطلب الرزق، ليس واجبا عليهم، إذ طلب الرزق قد يكون في هذا الوقت، وقد يكون في غيره

والمقصود من الآية إنما هو تنبيه الناس، إلى أن لهم في غير وقت الصلاة، سعة من الزمن في طلب الرزق، وفي الاشتغال بالأمور الدنيوية، فعليهم أن يسعوا إلى ذكر الله، إذا ما نودي للصلاة من يوم الجمعة، وأن يحرصوا على ذلك حرصا تاما، مصحوبا بالنية الطيبة، وبالهيئة الحسنة. وبالمضي المبكر إلى المسجد.

وقوله- سبحانه-: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تحذير لهم من الانتشار في الأرض لمصالحهم الدنيوية، دون أن يعطوا طاعة الله- تعالى- وعبادته، ما تستحقه من عناية ومواظبة.

أى: إذا قضيت الصلاة، فانتشروا في الأرض لتحصيل معاشكم، دون أن يشغلكم ذلك عن الإكثار من ذكر الله- تعالى- في كل أحوالكم، فإن الفلاح كل الفلاح في تقديم ما يتعلق بأمور الدين، على ما يتعلق بأمور الدنيا، وفي تفضيل ما يبقى على ما يفنى.

والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها ترسم للمسلم التوازن السامي، بين ما يقتضيه دينه، وما تقتضيه دنياه.

إنها تأمره بالسعي في الأرض، ولكن في غير وقت النداء للصلاة من يوم الجمعة، ودون أن يشغله هذا السعى عن الإكثار من ذكر الله، فإن الفلاح في الإقبال على الطاعات التي ترضيه- سبحانه-: ومن بين هذه الطاعات أن يكثر الإنسان من ذكر الله- تعالى-، حتى في حالة سعيه لتحصيل رزقه.

ص: 389

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بعتاب يحمل في طياته ثوب التأديب والإرشاد والتأنيب، لمن آثر مطالب الدنيا على مطالب الآخرة فقال- تعالى-: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً....

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: يعاتب- تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة، التي قدمت المدينة يومئذ، فقال: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً....

فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن جابر قال: قدمت عير- أى: تجارة- المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة- فخرج الناس، وبقي اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية.

وفي رواية عن جابر- أيضا- أنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقدمت عير إلى المدينة، فابتدرها الناس، حتى لم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا، فقال صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد، لسال بكم الوادي نارا» ونزلت هذه الآية.. «1» .

وفي رواية أن الذين بقوا في المسجد كانوا أربعين، وأن العير كانت لعبد الرحمن بن عوف، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر

«2» .

وفي رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فقدم دحية الكلبي بتجارة له فتلقاه أهله بالدفوف. فخرج الناس.

و «إذا» في قوله- تعالى-: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً

ظرف للزمان الماضي المجرد عن الشرط، لأن هذه الآية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن انفض عنه من انفض وهو يخطب وقوله: انْفَضُّوا من الانفضاض، بمعنى التفرق. يقال: انفض فلان عن فلان إذا تركه وانصرف عنه، وهو من الفض، بمعنى كسر الشيء والتفريق بين أجزائه.

والضمير في قوله إِلَيْها يعود للتجارة، وكانت عودته إليها دون اللهو، لأن الانفضاض كان لها بالأصالة، والمراد باللهو هنا: فرحهم بمجيء التجارة واستقبالهم لها بالدفوف، لأنهم كانوا في حالة شديدة من الفقر وغلاء الأسعار.

والتعبير بأو يشير إلى أن بعض المنفضين قد انفضوا من أجل التجارة، وأن البعض الآخر قد انفض من أجل اللهو.

(1) راجع تفسير ابن كثير ج 8 ص 149.

(2)

راجع تفسير الآلوسى ج 28 ص 105.

ص: 390

قال الجمل في حاشيته: والذي سوغ لهم الخروج وترك الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز، لانقضاء المقصود وهو الصلاة، لأنه كان صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يصلى الجمعة قبل الخطبة كالعيدين، فلما وقعت هذه الواقعة، ونزلت الآية، قدم الخطبة وأخر الصلاة

«1» .

وقوله- سبحانه-: وَتَرَكُوكَ قائِماً جملة حالية من فاعل انْفَضُّوا والمقصود بها توبيخهم على هذا التصرف، حيث تركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا يخطب على المنبر، وانصرفوا إلى التجارة واللهو.

وقوله- سبحانه-: قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ، وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ إرشاد لهم إلى ما هو الأنفع والأبقى والأكرم لهم.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الذين انفضوا عنك وأنت تخطب.. قل لهم:

ما عند الله- تعالى- من ثواب ومن عطاء خير من اللهو الذي يشغلكم عن ذكر الله، ومن التجارة التي تبتغون من ورائها الربح المادي، والمنافع العاجلة.

والله- تعالى- هو خير الرازقين، لأنه- سبحانه- هو وحده الذي يقسم الأرزاق، وهو الذي يعطى ويمنع، كما قال- سبحانه-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وقدمت التجارة على اللهو في صدر الآية، لأن رؤيتها كانت الباعث الأعظم على الانفضاض إليها، وترك الرسول صلى الله عليه وسلم قائما يخطب على المنبر، ولم يبق معه إلا عدد قليل من أصحابه.

وأخرت في آخر الآية وقدم اللهو عليها، ليكون ذمهم على انفضاضهم أشد وأوجع، حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:

1-

فضل يوم الجمعة، وفضل صلاة يوم الجمعة، والتحذير من ترك أدائها.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى، ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم. وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» .

وروى الشيخان عن أبى هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن الآخرون-

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 345.

ص: 391

أى: زمنا- السابقون يوم القيامة قبل غيرهم-، بيد أنهم- أى: اليهود والنصارى- أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم- أى:

تعظيمه- فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا- أى: السبت- والنصارى بعد غد- أى: الأحد-» .

وروى مسلم والنسائي عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره:

«لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات- أى: تركهم صلاة الجمعة- أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين..» .

قال القرطبي ما ملخصه: وإنما سميت الجمعة جمعة، لأنها مشتقة من الجمع حيث يجتمع الناس فيها للصلاة.. وكان يقال ليوم الجمعة: العروبة

قال البيهقي: وروينا عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري، أن مصعب بن عمير، كان أول من جمّع الجمعة بالمدينة للمسلمين، قبل أن يهاجر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم قال القرطبي: وأما أول جمعة جمعها صلى الله عليه وسلم بأصحابه، قال أهل السير والتاريخ:

قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا حتى نزل بقباء، على بنى عمرو بن عوف، يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى- ومن تلك السنة يعد التاريخ- فأقام بقباء إلى يوم الخميس، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بنى سالم بن عوف، في بطن واد لهم، فجمع بهم وخطب، وهي أول خطبة خطبها بالمدينة، وقال فيها: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه.. «1» .

2-

الآية الكريمة وإن كانت قد أمرت المؤمنين بالسعي إلى صلاة الجمعة عند النداء لها، إلا أن هناك أحاديث متعددة تحض على التبكير بالحضور إليها، وبالغسل لها، وبمس الطيب، وبالحضور إليها على أحسن حالة..

ومن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة- أى: كغسل الجنابة- ثم راح إلى المسجد، فكأنما قرب بدنة- أى: ناقة ضخمة.. ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن- أى له قرون- ومن راح في الساعة الرابعة

(1) راجع تفسير القرطبي ج 18 ص 99.

ص: 392

فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» .

وروى ابن ماجة عن ابن مسعود قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر ترواحهم إلى الجمعات، الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع، وما رابع أربعة من الله ببعيد» .

وروى الشيخان عن أبى سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«على كل مسلم الغسل يوم الجمعة، ويلبس من صالح ثيابه، وإن كان له طيب مس منه..» .

3-

أخذ العلماء من قوله- تعالى-:

إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ.. أن صلاة الجمعة فريضة محكمة، وأن السعى لأدائها واجب، وأن ترك ذلك محرم شرعا..

ومن المعروف بين العلماء أن الأمر يقتضى الوجوب، ما لم يوجد له صارف، ولا صارف له هنا..

قال الإمام القرطبي: فرض الله- تعالى- الجمعة على كل مسلم، ردا على من يقول:

إنها فرض على الكفاية، ونقل عن بعض الشافعية أنها سنة.

وجمهور الأمة والأئمة أنها فرض على الأعيان، لقوله- تعالى-:

إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ....

وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين» .

وهذا حجة واضحة في وجوب الجمعة وفرضيتها.. «1» .

قال بعض العلماء: جاء في الآية الكريمة الأمر بالسعي، والأمر للوجوب فيكون السعى واجبا، وقد أخذ العلماء من ذلك أن الجمعة فريضة، لأنه- سبحانه- قد رتب الأمر للذكر على النداء للصلاة، فإذا كان المراد بالذكر هو الصلاة، فالدلالة ظاهرة، لأنه لا يكون السعى لشيء واجبا، حتى يكون ذلك الشيء واجبا.

وأما إذا كان المراد بالذكر الخطبة فقط، فهو كذلك لأن الخطبة شرط الصلاة، وقد أمر بالسعي إليه، والأمر للوجوب، فإذا وجب السعى للمقصود تبعا، فما ذلك إلا لأن المقصود بالذات واجب

(1) تفسير القرطبي ج 18 ص 105.

ص: 393

كما أن الاشتغال بالبيع أو الشراء وقت النداء محرم، لأن الأمر للوجوب، وقال بعضهم:

هو مكروه كراهة تحريم.. «1» .

ومما يدل على أن صلاة الجمعة فريضة محكمة، وأن السعى إليها واجب، وأن الاشتغال عنها بالبيع أو الشراء محرم، ما جاء في الأحاديث من الأمر بالمحافظة عليها، ومن التحذير من تركها، ومن ذلك ما رواه أبو داود من حديث أبى الجعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«من ترك ثلاث جمع تهاونا بها، طبع الله على قلبه» .

4-

قوله- تعالى-: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ.. يدل دلالة واضحة، على سمو شريعة الإسلام، وعلى سماحتها ويسرها، وجمعها بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة.

ومع أن هذا الأمر بالانتشار بعد الصلاة للإباحة- كما سبق أن قلنا- إلا أن بعض السلف كان إذا انتهت الصلاة، خرج من المسجد، ودار في السوق ساعة، ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء أن يصلى.

قال الإمام ابن كثير: كان عراك بن مالك- أحد كبار التابعين- إذا صلى الجمعة، انصرف فوقف على باب المسجد وقال: اللهم إنى أجبت دعوتك وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتنى، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.. «2» .

هذا، وهناك أحكام أخرى توسع المفسرون والفقهاء في الحديث عنها، فليرجع إليها من شاء المزيد من معرفة هذه الأحكام والآداب..

وبعد: فهذا تفسير لسورة «الجمعة» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

القاهرة: مدينة نصر:

صباح الثلاثاء 10 من شوال سنة 1406 هـ الموافق 17/ 6/ 1986 م كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى

(1) تفسير آيات الأحكام ج 4 ص 152 للشيخ محمد على السائس.

(2)

تفسير ابن كثير ج 8 ص 149.

ص: 394