المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٤

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 51]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 60]

- ‌تفسير سورة الطّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 44]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير سورة النّجم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 62]

- ‌تفسير سورة القمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 23 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌تفسير سورة الرّحمن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 9 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌تفسير سورة الصّفّ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 5]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة التّغابن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة الطّلاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌تفسير سورة التّحريم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

- ‌فهرس المجلد الرابع عشر من سورة الذاريات إلى سورة التحريم

الفصل: ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

هذا، ومن أراد التوسع في هذه الأحكام الفقهية، فعليه يكتب الفروع وببعض كتب التفسير «1» .

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الذين يحاربون الله ورسوله، ولا يدركون أنه- سبحانه- معهم أينما كانوا، ويعلم ما يتناجون به من إثم وعدوان ومعصية للرسول صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:

[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)

وقوله- سبحانه-: يُحَادُّونَ من المحادة بمعنى المعاداة والمباغضة، وأصلها أن تكون أنت في حد- أى: في جانب- وعدوك في حد آخر، فكنى بها عن المعاداة لأنها لازمة لها.

(1) راجع تفسير الآلوسى ج 28 ص 3 وما بعدها.

ص: 252

وقوله: كُبِتُوا من الكبت بمعنى الخزي والذل، يقال: كبت الله العدو كبتا- من باب ضرب- إذا أهانه وأذله وأخزاه.

قال الجمل: والذين يحادون الله هم الكافرون، وهذه الآية وردت في غزوة الأحزاب.

والمقصود منها البشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم، سيصيبهم الكبت والذل، وسيتفرق جمعهم.. «1» .

والمعنى: إن الذين يحاربون دين الإسلام الذي شرعه الله- تعالى-. وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم كُبِتُوا وأصابهم الخزي والذل كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من أعداء الحق.

وأوثر هنا الفعل يُحَادُّونَ لوقوعه عقب الكلام عن حدود الله- تعالى- في قوله- عز وجل وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم.

وقوله- تعالى-: كُبِتُوا بمعنى سيكبتون، وعبر عن ذلك بالماضي، للإشعار بتحقق الذل والخسران، لأولئك المتحزبين الذين جمعوا جموعهم لمحاربة الله ورسوله.

وقد حقق الله- تعالى- وعده، إذ ردهم بغيظهم دون أن ينالوا خيرا.

وجملة: وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ

حال من الضمير في كُبِتُوا.. أى: كبتوا لمجادلتهم للحق، والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات، تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه، وتشهد بأن أعداءه على الباطل والضلال.

وَلِلْكافِرِينَ الذين أعرضوا عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وحاربوها عَذابٌ مُهِينٌ أى عذاب يهينهم ويذلهم ويخزيهم.

وقوله- تعالى-: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يصح أن يكون متعلقا بقوله: مُهِينٌ كما يصح أن يكون منصوبا فعل مقدر.

أى: اذكر- أيها العاقل- لتتعظ وتعتبر، يوم يبعث الله- تعالى- هؤلاء الكافرين جميعا من قبورهم، فينبئهم ويخبرهم بما عملوا من أعمال سيئة.

والمراد بالإنباء في قوله: فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا المجازاة والمحاسبة وإنزال حكمه بهم.

وجملة: أَحْصاهُ اللَّهُ مستأنفة، لأنها بمنزلة الجواب عما قبلها، فكأن سائلا سأل وقال: كيف ينبئهم الله بأعمالهم؟ فكان الجواب: أحصى الله- تعالى- عليهم عملهم، وسجله عليهم تسجيلا تاما.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 301.

ص: 253

وجملة وَنَسُوهُ حال من مفعول أحصى أى: والحال أنهم قد نسوا ما عملوه، لتهاونهم به حين اقترفوه، ولاعتقادهم بأنهم لن يسألوا عنه يوم القيامة، فهم قد أنكروا البعث والحساب والثواب والعقاب.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أى: والله- تعالى- مشاهد لكل شيء في هذا الكون، ولا تخفى عليه خافية من أحوال خلقه.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً «1» .

ثم أقام- سبحانه- الأدلة على شمول علمه فقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ.

والاستفهام في قوله: أَلَمْ تَرَ.. للتقرير، والرؤية بمعنى العلم والإدراك القلبي..

والخطاب لكل من هو أهل له.

والنجوى: اسم مصدر بمعنى المسارة، يقال: نجوته نجوا ونجوى وناجيته مناجاة، أى:

ساررته بكلام على انفراد. وأصله: ان تخلو بمن تناجيه بسر معين في نجوة من الأرض، أى:

في مكان مرتفع منفصل عما حوله.

وقيل: أصله من النجاة، لأن الإسرار بالشيء فيه معاونة على النجاة.

وتطلق النجوى على القوم المتناجين، كما في الآية التي معنا.

قال الآلوسى: وقوله- تعالى-: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ استئناف مقرر لما قبله من سعة علمه- تعالى-، و «يكون» من كان التامة. و «من» مزيدة و «نجوى» فاعل، وإضافتها إلى ثلاثة من إضافة المصدر إلى فاعله.. والاستثناء في قوله إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ مفرغ من أهم الأحوال

«2» .

والمعنى: لقد علمت- أيها العاقل- علما لا يخالطه شك أو تردد، أن الله- تعالى- يعلم علما تاما، ما في السموات وما في الأرض من كائنات مختلفة الأجناس والأنواع.. وأنه- سبحانه- ما يقع من تناجى ثلاثة فيما بينهم إلا وهو تعالى- يعلمه، كأنه حاضر معهم، ومشاهد لهم، كما يعلمه الرابع حين يكون معهم في التناجي.

وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ أى: ولا يكون التناجي بين خمسة إلا وهو- سبحانه- معهم، يعلم ما يتناجون به كما يعلم ذلك سادسهم فيما لو كان التناجي بين ستة.

(1) سورة الكهف الآية 49.

(2)

تفسير الآلوسى ج 28 ص 23.

ص: 254

وقوله- تعالى- وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا بيان لشمول علمه لجميع الأحداث.

أى: ولا يقع التناجي بين ما هو أقل من ذلك العدد أو أكثر- كالاثنين والستة- إلا وهو- سبحانه- يعلم علما تاما ما يجرى بينهم في أى مكان كانوا، وعلى أية حالة وجدوا.

ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ أى: ثم يخبرهم- سبحانه- يوم القيامة بما عملوه في الدنيا من أعمال كبيرة أو صغيرة، ويجازيهم عليها بما يستحقونه من ثواب أو عقاب.

إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

والمقصود بهذه الآية الكريمة، بيان شمول علم الله- تعالى- لكل شيء، وأنه- سبحانه- يحصى على الناس أعمالهم إحصاء الحاضر معهم، المشاهد لهم، الذي لا يعزب عنه شيء من حركاتهم أو سكناتهم، ولذا افتتح- سبحانه- الآية بالعلم، واختتمها بالعلم- أيضا-.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: ذكر- سبحانه- الثلاثة والخمسة لوجوه: أحدها: أن هذه إشارة إلى كمال رحمته، وذلك لأن الثلاثة إذا اجتمعوا، فإذا أخذ اثنان في التناجي والمشاورة بقي الواحد ضائعا وحيدا، فيضيق قلبه فيقول الله- تعالى- له: أنا جليسك وأنيسك.

وثانيها: أن العدد الفرد أشرف من الزوج، لأن الله وتر يحب الوتر، فخص الأعداد الفردية بالذكر للتنبيه على شرفها.

وثالثها: أن الآية نزلت في قوم من المنافقين، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين، وكانوا على هذين العددين: أى كانوا في مرة ثلاثة وفي مرة أخرى خمسة- فنزلت الآية الكريمة بيانا للواقع «1» .

ويبدو لنا أن ذكر العدد إنما هو من باب التمثيل، وأن المقصود الأصلى من الآية الكريمة، بيان أن علم الله- تعالى- يشمل كل كبير وصغير، وكثير وقليل، ولذا قال- سبحانه-:

وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا.

قال القرطبي: قال الفراء: المعنى غير مقصود، والعدد غير مقصود، لأنه- تعالى- إنما قصد- وهو أعلم- أنه مع كل عدد قل أو كثر، يعلم ما يقولون سرا وجهرا، ولا تخفى عليه خافية، فمن أجل ذلك اكتفى بذكر بعض العدد، دون بعض.. «2» .

(1) راجع تفسير الفخر الرازي ج 28 ص 226.

(2)

تفسير القرطبي ج 17 ص 290.

ص: 255

ثم عجّب الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم من حال قوم يؤثرون الغي على الرشد، وينصحون فلا يستجيبون للنصيحة، وينهون عن الشرور فيأبون إلا الانغماس فيها، فقال- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ، وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ.

قال الآلوسى: قال ابن عباس: نزلت في اليهود والمنافقين، كانوا يتناجون دون المؤمنين، وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم عليهم، يوهمونهم عند أقاربهم أنهم أصابهم شر، فلما كثر ذلك منهم. شكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن التناجي دون المؤمنين، فعادوا لمثل فعلهم.

والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والهمزة للتعجب من حالهم، وصيغة المضارع للدلالة على تكرار فعلهم، وتجدده، واستحضار صورته الغريبة «1» .

والمعنى: إن شئت أن تعجب- أيها الرسول الكريم- فاعجب من حال هؤلاء اليهود والمنافقين الذين نهيتهم أنت عن التناجي فيما بينهم، بما يقلق المؤمنين ويغيظهم

ولكنهم لم يستجيبوا لنصحك ونهيك، بل استمروا على تناجيهم بما هو إثم وعدوان ومعصية لك، ولما جئتهم به من عند الله- تعالى-.

وعبر بقوله- تعالى-: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ للإشعار بأنهم قوم لا تؤثر فيهم النصائح وإنما هم يستمعون إليها، ثم يهجرون العمل بها. ويعودون إلى فجورهم وفسقهم.

ووصف تناجيهم بأنه كان مشتملا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، لا على الإثم فقط أو على العدوان فقط.. لبيان أن تناجيهم مشتمل على كل أنواع السوء والفحشاء، فهم يتناجون بكلام هو إثم وشر في ذاته، وبأقوال مشتملة على ظلم المؤمنين والاعتداء على دينهم وعلى أعراضهم، وبأفعال هي معصية للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يستجيبوا لنهيه إياهم عن المناجاة بما يؤذى المؤمنين ويحزنهم.. بل استمروا في طغيانهم يعمهون.

والباء في قوله: بِالْإِثْمِ للملابسة، أى يتناجون متلبسين بالإثم وبالعدوان وبمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المنافقين ومن لف لفهم من اليهود، لم يكتفوا بتلك المناجاة القبيحة التي كانوا يديرونها فيما بينهم، لإغاظة المؤمنين، بل أضافوا إلى ذلك النطق أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالكلام السيئ وبالعبارات التي تدل على سوء طويتهم، فقال- تعالى-:

(1) تفسير الآلوسى ج 28 ص 25.

ص: 256

وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.

أى: وإذا جاء هؤلاء المنافقون واليهود إلى مجلسك- أيها الرسول الكريم- ألقوا إليك بتحية، هذه التحية لم يأذن بها الله- تعالى- ولم يخاطبك بها.

وقد كان المنافقون عند ما يدخلون على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقولون له كلمة: «السلام عليكم» - وهي تحية الإسلام، إنما يقولون له: أنعم صباحا أو مساء.. متجنبين النطق بتحية الإسلام، ومستعملين تحية الجاهلية.

روى الشيخان عن عائشة: أن ناسا من اليهود، دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام- أى: الموت- عليك يا أبا القاسم. فقال صلى الله عليه وسلم «وعليكم» .

قالت عائشة: وقلت: عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم.

فقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش والمتفحش.

فقلت: ألا تسمعهم يقولون: السام؟ فقال صلى الله عليه وسلم «أو سمعت قولي: عليكم» فأنزل الله- تعالى- وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ «1» .

ثم بين- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة فقال: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ.

والمراد بأنفسهم هنا: أى فيما بينهم وفي مجامعهم، أو فيما بينهم وبين أنفسهم.

أى: إذا جاءك هؤلاء المنافقون ومن على شاكلتهم في الضلال، نطقوا أمامك بتحية لم يحيك بها الله- تعالى- ولا يكتفون بذلك، بل يقولون فيما بينهم على سبيل التباهي والجحود للحق لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ أى: هلا يعذبنا الله بسبب ما قلناه لو كان محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من عنده- تعالى- أى: أنهم ينكرون نبوته صلى الله عليه وسلم لأنها- في زعمهم لو كانت حقا، لعذبهم الله- تعالى- بسبب إساءتهم إليه، وإعراضهم عن نهيه لهم.

وقد رد الله- تعالى- عليهم بما يكبتهم، وبما يسلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

أى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لمسالك هؤلاء المنافقين معك ومع أصحابك، فإن هؤلاء المنافقين ومن لف لفهم، كافيهم من العذاب جهنم يصلونها ويقاسون حرها، فبئس المصير جهنم لو كانوا يعلمون.

(1) راجع تفسير الآلوسى ج 28 ص 26.

ص: 257