المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٤

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 51]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 60]

- ‌تفسير سورة الطّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 44]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير سورة النّجم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 62]

- ‌تفسير سورة القمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 23 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌تفسير سورة الرّحمن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 9 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌تفسير سورة الصّفّ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 5]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة التّغابن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة الطّلاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌تفسير سورة التّحريم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

- ‌فهرس المجلد الرابع عشر من سورة الذاريات إلى سورة التحريم

الفصل: ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

التفسير قال الله- تعالى-:

[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)

افتتحت سورة «الممتحنة» بهذا النداء للمؤمنين، وقد تضمن هذا النداء نهيهم عن موالاة أعداء الله وأعدائهم.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها، ما ذكره الإمام الآلوسى فقال: نزلت في حاطب بن أبى بلتعة.. فقد أخرج الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، وجماعة عن على بن أبى طالب- رضى الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ- وهو مكان بين مكة والمدينة- فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها فأتونى به فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها: أخرجى الكتاب. فقالت: ما معى

ص: 320

من كتاب، فقلنا: أخرجى الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبى بلتعة، إلى أناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

فقال صلى الله عليه وسلم «ما هذا يا حاطب،؟» فقال حاطب: لا تعجل علىّ يا رسول الله إنى كنت إنسانا ملصقا في قريش، ولم أكن منها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتنى ذلك من النسب فيها، أن أصطنع إليهم يدا، يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن الإسلام.

فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال، صلى الله عليه وسلم:«إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فنزلت هذه الآيات «1» .

وقد ذكروا أن هذه القصة كانت في الوقت الذي أعد فيه النبي صلى الله عليه وسلم العدة لأجل العمرة، سنة صلح الحديبية. وقيل كانت هذه القصة في الوقت الذي تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، وكان من بين الذين علموا ذلك حاطب بن أبى يلتعة.

والمراد بالعدو هنا: الأعداء عموما، ويدخل فيهم دخولا أوليا كفار قريش، الذين أرسل إليهم حاطب بن أبى بلتعة خطابه، لكي يحذرهم من مهاجمة المسلمين لهم.

والمراد بالعداوة: العداوة الدينية التي جعلت المشركين، يحرصون كل الحرص على أذى المسلمين، أى: يا من آمنتم بالله- تعالى- إيمانا حقا، احذروا أن تتخذوا أعدائى وأعداءكم أولياء وأصدقاء وحلفاء. بل جاهدوهم وأغلظوا عليهم، واقطعوا الصلة التي بينكم وبينهم.

وناداهم بصفة الإيمان، لتحريك حرارة العقيدة الدينية في قلوبهم ولحضهم على الاستجابة لما نهاهم عنه.

وقدم- سبحانه- عداوته للمشركين، على عداوة المؤمنين لهم، لأن عداوة هؤلاء المشركين لله- تعالى- أشد وأقبح، حيث عبدوا غير خالقهم، وشكروا غير رازقهم، وكذبوا رسل ربهم وآذوهم.

وفي الحديث القدسي: «إنى والجن والإنس في نبأ عظيم. أخلق ويعبد غيرى، وأرزق ويشكر سواي.. خيرى إلى العباد نازل، وشرهم إلى صاعد، أتحبب إليهم بالنعم.

ويتبغضون إلى بالمعاصي» .

(1) راجع تفسير الآلوسى ج 28 ص 65. وتفسير ابن كثير ج 8 ص 108.

ص: 321

وعبر- سبحانه- بالاتخاذ الذي هو افتعال من الأخذ، للمبالغة في نهيهم عن موالاة هؤلاء الأعداء، إذ الاتخاذ يشعر بشدة الملابسة والملازمة.

والمفعول الأول لقوله تَتَّخِذُوا قوله: عَدُوِّي والمفعول الثاني قوله:

أَوْلِياءَ.

وقوله- سبحانه-: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ تفسير وتوضيح لهذه المولاة التي نهوا عنها أو في موضع الحال من ضمير لا تَتَّخِذُوا.

وحقيقة الإلقاء: قذف ما في اليد على الأرض أو في الفضاء، والمراد به هنا: إيصال ما يدخل السرور على قلوب أعدائهم. والباء في قوله: بِالْمَوَدَّةِ لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله.

أى: احذروا أن تعاملوا أعدائى وأعداءكم معاملة الأصدقاء والحلفاء، بأن تظهروا لهم المودة والمحبة.

ويصح أن تكون الباء للسببية فيكون المعنى: تلقون إليهم بأخباركم التي لا يجوز لكم إظهارها لهم، بسبب مودتكم لهم.

وقد ذكروا أن حاطبا أرسل بهذه الرسالة إلى أهل مكة، عند ما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للذهاب إليها لأجل العمرة عام الحديبية، أو لأجل فتح مكة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: تُلْقُونَ بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يتعلق بقوله:

لا تَتَّخِذُوا حالا من ضميره.. ويجوز أن يكون استئنافا.

والإلقاء: عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم يقال: ألقى إليه خراشى صدره- أى أسرار صدره- وأفضى إليه بقشوره.

والباء في بِالْمَوَدَّةِ إما زائدة مؤكدة للتعدى مثلها في قوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف، ومعناه: تلقون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم «1» .

ثم ساق- سبحانه- الأسباب التي من شأنها تحمل المؤمنين على عدم موالاة أعداء الله وأعدائهم، فقال: وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ أى: لا تتخذوا- أيها المؤمنون- هؤلاء الأعداء أولياء، وتلقون إليهم بالمودة، والحال أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بما جاءكم

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 512.

ص: 322

على لسان رسولكم صلى الله عليه وسلم من الحق الذي يتمثل في القرآن الكريم، وفي كل ما أوحاه- سبحانه- إلى رسوله.

فالمقصود من هذه الجملة الكريمة، تصوير هؤلاء الكافرين، بما ينفر المؤمنين من إلقاء المودة إليهم.

وقوله- تعالى-: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ بيان لسبب آخر من الأسباب التي تدعو المؤمنين إلى مقاطعة أعدائهم الكافرين.

وجملة: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ يصح أن تكون مستأنفة لبيان كفرهم، أو في محل نصب حال من فاعل كَفَرُوا وقوله: وَإِيَّاكُمْ معطوف على الرسول، وقدم عليهم على سبيل التشريف لمقامه صلى الله عليه وسلم وجملة أَنْ تُؤْمِنُوا في محل نصب مفعول لأجله.

أى: أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بكفرهم بما جاءكم- أيها المؤمنون- من الحق، بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة إخراج رسولكم صلى الله عليه وسلم وإخراجكم من مكة، من أجل إيمانكم بالله ربكم، وإخلاصكم العبادة له- تعالى- وأسند- سبحانه- محاولة الإخراج إلى جميع الأعداء، لأنهم كانوا راضين بهذا الفعل.

ومتواطئين على تنفيذه بعضهم عن طريق التخطيط له، وبعضهم عن طريق التنفيذ الفعلى.

والمتأمل في هذه الجمل الكريمة، يراها قد ساقت أقوى الأسباب وأعظمها، للتشنيع على مشركي قريش، ولإلهاب حماس المؤمنين من أجل عدم إلقاء المودة إليهم.

وجواب الشرط في قوله- تعالى-: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي محذوف لدلالة ما قبله عليه أى: إن كنتم- أيها المؤمنون- قد خرجتم من مكة من أجل الجهاد في سبيلي، ومن أجل طلب مرضاتي، فاتركوا اتخاذ عدوى وعدوكم أولياء، واتركوا مودتهم ومصافاتهم.

فالمقصود من الجملة الكريمة، زيادة التهييج للمؤمنين، حتى لا يبقى في قلوبهم أى شيء من المودة نحو الكافرين.

وقوله- سبحانه-: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ بدل من قوله- تعالى-: قبل ذلك:

تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ. بدل بعض من كل. لأن إلقاء المودة أعم من أن تكون في السر أو في العلن.

ويصح أن يكون بدل اشتمال، لأن الإسرار إليهم بالمودة، مما اشتمل عليه إلقاء المودة إليهم.

ص: 323

وهذه الجملة جيء بها على سبيل العتاب والتعجيب ممن في قلبه مودة لهؤلاء الكافرين، بعد أن بين الله- تعالى- له، ما يوجب قطع كل صلة بهم.

ومفعول تُسِرُّونَ محذوف. أى: ترسلون إليهم أخبار المسلمين سرا، بسبب مودتكم لهم؟ وجملة: وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ هي مناط التعجيب ممن يتخذ هؤلاء الأعداء أولياء. أو من يسر إليهم بالمودة، وهي حالية من فاعل تُلْقُونَ وتُسِرُّونَ.

أى: تفعلون ما تفعلون من إلقاء المودة إلى عدوى وعدوكم، ومن إسراركم بها إليهم والحال أنى أعلم منهم ومنكم بما أخفيتموه في قلوبكم، وما أعلنتموه، ومخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم بذلك.

وما دام الأمر كذلك فكيف أباح بعضكم لنفسه، أن يطلع عدوى وعدوكم على ما لا يجوز اطلاعه عليه؟! قال الآلوسى: قوله: وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ في موضع الحال وأَعْلَمُ أفعل تفضيل. والمفضل عليه محذوف. أى: منكم

وما موصولة أو مصدرية، وذكر ما أَعْلَنْتُمْ مع الاستغناء عنه، للإشارة إلى تساوى العلمين في علمه- عز وجل.

ولذا قدم بِما أَخْفَيْتُمْ. وفي هذه الحال إشارة إلى أنه لا طائل لهم في إسرار المودة إليهم كأنه قيل: تسرون إليهم بالمودة والحال أنى أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم، ومطلع رسولي على ما تسرون، فأى فائدة وجدوى لكم في الإسرار؟ «1» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان سوء عاقبة من يخالف أمره فقال: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.

والضمير في قوله: يَفْعَلْهُ يعود إلى الاتخاذ المفهوم من قوله لا تَتَّخِذُوا.

أى ومن يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء. ويلقى إليهم بالمودة، فقد أخطأ طريق الحق والصواب. وضل عن الصراط المستقيم.

ثم بين- سبحانه- حال هؤلاء الأعداء عند ما يتمكنون من المؤمنين فقال: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ، وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ.

ومعنى يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم، ويدركوا طلبتهم منكم. وأصل الثقف: الحذق في

(1) راجع تفسير الآلوسى ج 28 ص 68.

ص: 324

إدراك الشيء وفعله، ومنه رجل ثقف إذا كان سريع الفهم، ويقال: ثقفت الرجل في الحرب إذا أدركته وظفرت به.

أى: إن يظفر بكم هؤلاء الأعداء- أيها المؤمنون- ويتمكنوا منكم، يظهروا لكم ما انطوت عليه قلوبهم نحوكم من بغضاء: ولا يكتفون بذلك، بل يمدون إليكم أيديهم بما يضركم، وألسنتهم مما يؤذيكم.

ثم هم بعد كل ذلك يودون ويتمنون أن تصيروا كفارا مثلهم.

فأنت ترى أن الآية الكريمة، قد وضحت أن هؤلاء الكافرين، قد سلكوا في عداوتهم للمؤمنين كل مسلك، فهم عند تمكنهم من المؤمنين يظهرون حقدهم القديم، ويؤذونهم بأيديهم وألسنتهم، ويتمنون في جميع الأحوال أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين.

وقال- سبحانه-: وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ.. للإشعار بكثرة ما ينزلونه بالمؤمنين من أذى، إذ التعبير بالبسط يدل على الكثرة والسعة.

وقوله: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ معطوف على جملة الشرط والجزاء، ويكون- سبحانه- قد أخبر عنهم بخبرين:

أحدهما: ما تضمنته الجملة الشرطية من عداوتهم للمؤمنين.

وثانيهما: تمنيهم ارتدادهم من الإيمان إلى الكفر.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله، ثم قال:

وَوَدُّوا بلفظ الماضي؟

قلت: الماضي وإن كان يجرى في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب. فإن فيه نكتة، كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم. يعنى: أنهم يريدون ان يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا، من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض، وردكم كفارا.

وهذا الرد إلى الكفر أسبق المضار عندهم وأولها، لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، لأنكم بذالون لها دونه. والعدو أهم شيء عنده، أن يقصد أعز شيء عند صاحبه «1» .

ثم بين- سبحانه- الآثار السيئة التي تترتب على ضلالهم عن سواء السبيل فقال:

لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ. وَلا أَوْلادُكُمْ، يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ....

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 513.

ص: 325

والأرحام: جمع رحم والمراد بهم الأقارب، الذين كان بعض المؤمنين يوالون المشركين من أجلهم.

أى: منكم- أيها المؤمنون- من أفشى أسراركم للكافرين، خوفا على أقاربه أو أولاده الذين يعيشون في مكة مع هؤلاء الكافرين، والحق أنه لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم الذين توالون المشركين من أجلهم شيئا من النفع يوم القيامة، لأنه في هذا اليوم يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ أى يفرق بينكم وبين أقاربكم وأولادكم يوم القيامة، كما قال- تعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ وكما قال- سبحانه-: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.

وخص- سبحانه- الأولاد بالذكر مع أنهم من الأرحام، لمزيد المحبة لهم- والحنو عليهم.

قال الشوكانى:، وجملة يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم. ومعنى يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ يفرق بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة.

ويدخل أهل معصيته النار، وقيل: المراد بالفصل بينهم، أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول.. قيل: ويجوز أن يتعلق يَوْمَ الْقِيامَةِ بما قبله. أى: لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة، فيوقف عليه، ويبتدأ بقوله يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ والأولى أن يتعلق بما بعده- أى: يفصل بينكم يوم القيامة، فيوقف على أَوْلادُكُمْ ويبتدأ بيوم القيامة «1» .

وقراءة الجمهور يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ- بضم الياء وإسكان الفاء وفتح الصاد- على البناء للمجهول. وقرأ عاصم يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ بفتح الياء وكسر الصاد- على البناء للفاعل، وقرأ حمزة والكسائي يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ- بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الصاد مع الكسر- بالبناء للفاعل- أيضا-.

وقرأ ابن عامر يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ- بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الصاد مع الفتح- على البناء للمجهول.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أى: والله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، بل هو مطلع عليها اطلاعا تاما وسيجازيكم يوم القيامة بما تستحقونه من ثواب أو عقاب.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآيات الكريمة ما يأتى:

(1) فتح القدير للشوكانى ج 5 ص 211. [.....]

ص: 326

1-

أن هذه الآيات أصل في النهى عن موالاة الأعداء ومصافاتهم بأية صورة من الصور، وشبيه بها قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً «1» .

وقوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا. وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ «2» .

2-

أن هذه الآيات الكريمة تتجلى فيها رحمة الله- تعالى- بعباده المؤمنين، حيث ناداهم بهذه الصفة مع وقوع بعضهم في الخطأ الجسيم، وهو إفشاء أسرار المؤمنين لأعدائهم قالوا: وفي هذا رد على المعتزلة الذين يقولون: إن المعصية تنافى الإيمان.

3-

أن هذه الآيات الكريمة فيها ما فيها من الأساليب الحكيمة في الدعوة إلى الفضائل واجتناب الرذائل، لأن الله- تعالى- عند ما نهى المؤمنين عن موالاة أعدائه وأعدائهم، ساق لهم الأسباب التي تحملهم على قطع كل صلة بهؤلاء الأعداء. بأن ذكر لهم أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بالحق، وحرصوا على إخراج الرسول والمؤمنين من ديارهم، وأنهم إن يتمكنوا من المؤمنين، فسينزلون بهم أشد ألوان الأذى.

وهكذا يجب أن يتعلم الدعاة إلى الله- تعالى- أن على رأس الوسائل التي توصلهم إلى النجاح في دعوتهم، أن يأتوا في دعوتهم بالأسباب المقنعة لاعتناق الحق، واجتناب الباطل.

4-

أن هذه الآيات الكريمة صريحة في أن ما يتعلق بالدين والعقيدة، يجب أن يقدم على ما يتعلق بالأرحام والأولاد، لأن الأرحام والأولاد لن تنفع يوم القيامة، وإنما الذي ينفع هو ما يتعلق بالاستجابة لما يفرضه الدين علينا من واجبات وتكاليف.

وبعد هذا النهى للمؤمنين عن موالاة أعداء الله وأعدائهم.. ساقت لهم السورة الكريمة، جانبا من قصة إبراهيم- عليه السلام الذي تبرأ من كل صلة تربطه بغيره سوى صلة الإيمان، وإخلاص العبادة لله- تعالى-، وأمرتهم بأن يقتدوا به في ذلك لينالوا رضا الله- عز وجل فقال- تعالى-:

(1) سورة النساء الآية 144.

(2)

سورة آل عمران الآية 118.

ص: 327