الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلَّا لا وَزَرَ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ «1» .
وقوله- سبحانه-: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ استئناف في جواب سؤال مقدر عما سيصيبهم إذا ما حاولوا الفرار.
والشواظ: اللهب الذي لا يخالطه دخان، لأنه قد تم اشتعاله فصار أشد إحراقا.
والنحاس: المراد به هنا الدخان الذي لا لهب فيه، ويصح أن يراد به: الحديد المذاب.
أى: أنتم لا تستطيعون الهرب من قبضتنا بأى حال من الأحوال، وإذا حاولتم ذلك، أرسلنا عليكم وصببنا على رءوسكم لهبا خالصا فأحرقكم، ودخانا لا لهب معه فكتم أنفاسكم، وفي هذه الحالة لا تنتصران. ولا تبلغان ما تبغيانه، ولا تجدان من يدفع عنكم عذابنا وبأسنا.
هذا والمتأمل في تلك الآيات الكريمة. يراها قد صورت بأسلوب بديع تفرد الله- تعالى- بالملك والبقاء، وافتقار الخلائق جميعا إلى عطائه، وأنهم جميعا في قبضته، ولن يستطيعوا الهروب من حكمه فيهم..
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك جانبا من أهوال يوم القيامة، ومن العذاب الذي يحيط بالمجرمين، وينزل بهم، فقال- تعالى-:
[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)
(1) سورة القيامة الآيات 7، 12.
وجواب «إذا» في قوله- سبحانه-: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ محذوف لتهويل أمره..
وقوله- سبحانه-: فَكانَتْ وَرْدَةً تشبيه بليغ، أى: فكانت كالوردة في الحمرة.
والوردة جمعها ورود، وهي زهرة حمراء معروفة ذات أغصان شائكة. والدهان: ما يدهن به الشيء.. أى: فإذا انشقت السماء، فصارت حين انشقاقها وتصدعها، كالوردة الحمراء في لونها، وكالدهان الذي يدهن به الشيء في ذوبانها وسيلانها، رأيت ما يفزع القلوب، ويزلزل النفوس من شدة الهول.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً «1» .
وقوله- سبحانه-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ.. «2» .
وقوله- عز وجل: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ، وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً «3» .
ثم بين- سبحانه- ما يترتب على هذا الانشقاق والذوبان للسماء من أهوال فقال:
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ. أى: ففي هذا اليوم العصيب، وهو يوم الحشر، لا يسأل عن ذنبه أحد، لا من الإنس ولا من الجن.
أى: أنهم لا يسألون عن ذنوبهم عند خروجهم من قبورهم، وإنما يسألون عن ذلك في موقف آخر، وهو موقف الحساب والجزاء، إذ في يوم القيامة مواقف متعددة.
وبذلك يجاب عن الآيات التي تنفى السؤال يوم القيامة، والآيات التي تثبته، كقوله- تعالى-: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ.
وبعضهم يرى أن السؤال المنفي في بعض الآيات هو سؤال الاستخبار والاستعلام، والسؤال المثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع.. عن الأسباب التي جعلتهم ينحرفون عن الطريق المستقيم، ويسيرون في طريق الفسوق والعصيان
…
(1) سورة الفرقان الآيتان 25، 26.
(2)
سورة الحاقة الآيات 13- 16.
(3)
سورة المعارج الآيات 8- 10.
ثم بين- سبحانه- ما يحل بالمجرمين في هذا اليوم من عذاب فقال: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ، فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وقوله: بِسِيماهُمْ أى: بعلاماتهم التي تدل عليهم، وهي زرقة العيون. وسواد الوجوه، كما في قوله- تعالى-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ
…
«1» .
وكما في قوله- سبحانه-: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً
…
«2» .
والنواصي: جمع ناصية، وهي مقدم الرأس. والأقدام: جمع قدم، وهو ظاهر الساق، و «أل» في هذين اللفظين عوض عن المضاف إليه.
والمراد بالطواف في قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها.. كثرة التردد والرجوع إليها بين وقت وآخر.
والحميم: الماء الشديد الغليان والحرارة.
وآنٍ: أى: قد بلغ النهاية في شدة الحرارة، يقال: أنى الحميم، أى انتهى حره إلى أقصى مداه، فهو آن وبلغ الشيء أناه- بفتح الهمزة وكسرها- إذا وصل إلى غاية نضجه وإدراكه، ومنه قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أى: نضجه..
أى: في هذا اليوم، وهو يوم الحساب والجزاء يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بسواد وجوههم، وزرقة عيونهم، وبما تعلو أفئدتهم من غبرة ترهقها قترة. فتأخذ الملائكة بالشعر الذي في مقدمة رءوسهم، وبالأمكنة الظاهرة من سيقانهم، وتقذف بهم في النار، وتقول لهم على سبيل الإهانة والإذلال: هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا أيها المجرمون، فترددوا بين مائها الحار، وبين سعيرها البالغ النهاية في الشدة.
وفي قوله: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ إشارة إلى التمكن منهم تمكنا شديدا، بحيث لا يستطيعون التفلت أو الهرب.
وقد ختمت كل آية من هذه الآيات السابقة بقوله- تعالى-: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لأن عقاب العصاة المجرمين، وإثابة الطائعين المتقين، يدل على كمال عدله
(1) سورة الزمر الآية 60.
(2)
سورة طه الآية 102.