المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٤

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 51]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 60]

- ‌تفسير سورة الطّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 44]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير سورة النّجم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 62]

- ‌تفسير سورة القمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 23 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌تفسير سورة الرّحمن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 81 الى 96]

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 9 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌تفسير سورة الصّفّ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 5]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌تفسير سورة التّغابن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة الطّلاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌تفسير سورة التّحريم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

- ‌فهرس المجلد الرابع عشر من سورة الذاريات إلى سورة التحريم

الفصل: ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

التفسير قال الله- تعالى-:

[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

بسم الله الرحمن الرحيم

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَاّ اللَاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4)

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خولة بنت ثعلبة قالت: فىّ والله وفي- زوجي- أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة.

قالت: كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت: فدخل على يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال: أنت على كظهر أمى.

ص: 243

قالت: ثم خرج فجلس في نادى قومه ساعة، ثم رجع، فإذا هو يريدني عن نفسي، فقالت له: كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلىّ، وقلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه..

قالت: فواثبنى، فامتنعت عنه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عنى.

ثم خرجت إلى بعض جاراتي، فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له صلى الله عليه وسلم ما لقيت من زوجي، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه.

قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا خويلة، ابن عمك شيخ كبير فاتقى الله فيه» .

قالت: فو الله ما برحت حتى نزل فىّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سرى عنه، فقال لي:«يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا» . ثم قرأ على هذه الآيات.

وفي رواية: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في، فلما خلا سنى، ونثرت بطني، جعلني عليه كأمه، وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله فحدثني بها.

فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت بشيء في شأنك حتى الآن» وفي رواية أنه قال لها: «ما أراك إلا قد حرمت عليه» .

فقالت: يا رسول الله، إنه ما ذكر طلاقا، وأخذت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قالت:

اللهم إنى أشكو إليك فاقتي، وشدة حالي، وإن لي من زوجي أولادا صغارا، إن ضمّهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلى جاعوا.

قالت: وما برحت حتى نزل القرآن، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا خولة أبشرى» ثم قرأ على هذه الآيات «1» .

و «قد» في قوله- تعالى-: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ للتحقيق ولتوقع الإجابة من الله- تعالى- على ما جادلت فيه تلك المرأة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت ما معنى «قد» في قوله: قَدْ سَمِعَ..؟

(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 318، وتفسير ابن جرير ج 28 ص 2.

ص: 244

قلت: «معناه التوقع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله- تعالى- مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرج كربها» «1» .

والسماع في قوله- تعالى-: سَمِعَ بمعنى علم الله- تعالى- التام بما دار بين تلك المرأة، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم واستجابته- سبحانه- لشكواها، وحكمه في تلك المسألة، بما يبطل ما كان شائعا بشأنها قبل نزول هذه الآية.

وقوله: تُجادِلُكَ من المجادلة، وهي المفاوضة على سبيل المغالبة والمنازعة، وأصلها من جدلت الحبل: إذا أحكمت فتله.

وقوله: تَشْتَكِي من الشكو، وأصله فتح الشّكوة- وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء- وإظهار ما فيها، ثم شاع هذا الاستعمال في إظهار الإنسان لما يؤلمه ويؤذيه، وطلب إزالته.

والمعنى: قد سمع الله- تعالى- سماعا تاما، قول هذه المرأة التي تجادلك- أيها الرسول الكريم- في شأن ما دار بينها وبين زوجها، وفيما صدر عنه في حقها من الظهار، وسمع- سبحانه- شكواها إليه، والتماسها منه- عز وجل حل قضيتها، وتفريج كربتها، وإزالة ما نزل بها من مكروه.

وقال- سبحانه- الَّتِي تُجادِلُكَ بأسلوب الاسم الموصول للإشعار بأنها كانت في نهاية الجدال والشكوى، وفي أقصى درجات التوكل على ربها، والأمل في تفريج كربتها، رحمة بها وبزوجها وبأبنائها.

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما جملة حالية، والتحاور: مراجعة الكلام من الجانبين. يقال: حاور فلان فلانا في الكلام إذا راجعه فيما يقوله.

أى: والحال أن الله- تعالى- يسمع ما يدور بينك- أيها الرسول الكريم- وبين تلك المرأة، من مراجعة في الكلام، ومن أخذ ورد في شأن قضيتها.

والمقصود بذلك، بيان الاعتناء بشأن هذا التحاور، والتنويه بأهميته، وأنه- تعالى- قد تكرم وتفضل بإيجاد التشريع الحكيم لحل هذه القضية.

وعبر- سبحانه- بصيغة المضارع، لزيادة التنويه بشأن ذلك التحاور، واستحضار صورته في ذهن السامع، ليزداد عظة واعتبارا.

وجملة: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ تذييل قصد به التعليل لما قبله بطريق التحقيق.

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 70.

ص: 245

أى: أنه- سبحانه- يسمع كل المسموعات، ويبصر كل المبصرات، على أتم وجه وأكمله، ومن مقتضيات ذلك، أن يسمع تحاوركما، ويبصر ما دار بينكما.

قال القرطبي: «أخرج ابن ماجة أن عائشة- رضى الله عنها- قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى على بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله!! أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سنى.. ظاهر منى!! اللهم إنى أشكو إليك.

وفي البخاري عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله- تعالى-: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «1» .

ثم شرع- سبحانه- في بيان شأن الظهار في ذاته، وفي بيان حكمه المترتب عليه شرعا فقال: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ.

وقوله: يَظْهَرُونَ من الظهار، وهو لغة مصدر ظاهر، وهو مفاعلة من الظهر.

قال الآلوسى: والظهار يراد به معان مختلفة راجعة إلى الظهر معنى ولفظا باختلاف الأغراض، فيقال: ظاهر زيد عمرا، أى: قابل ظهره بظهره حقيقة، وكذا إذا غايظه

وظاهره إذا ناصره باعتبار أنه يقال: قوى ظهره إذا نصره» «2» .

والمراد به هنا: أن يقول الرجل لزوجته: أنت على كظهر أمى، قاصدا بذلك تحريم زوجته على نفسه كتحريم أمه عليه.

وكان هذا القول من الرجل لامرأته يؤدى إلى طلاقها منه، بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقيل: إلى طلاقها منه طلاقا مؤبدا لا تحل له بعده.

وقيل: إن هذا القول لم يكن طلاقا من كل وجه، بل كانت الزوجة تبقى بعده معلقة، فلا هي مطلقة، ولا هي غير مطلقة.

و «من» في قوله مِنْ نِسائِهِمْ بيانية، لإفادة أن هذا تشريع عام، وليس خاصا بخولة بنت ثعلبة، التي نزلت في شأنها هذه الآيات.

وجملة: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ قائمة مقام الخبر، ودالة عليه.

(1) راجع تفسير القرطبي ج 17 ص 270.

(2)

راجع تفسير الآلوسى ج 28 ص 4. [.....]

ص: 246

والمعنى: الذين يظاهرون منكم- أيها المؤمنون- من نسائهم بأن يقولوا لهن: أنتن علينا كظهر أمهاتنا، مخطئون فيما يقولون، فإن زوجاتهم لسن بأمهاتهم.

إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أى: ليس أمهاتهم على سبيل الحقيقة والواقع إلا النساء اللائي ولدنهم وأرضعنهم، وقمن برعايتهم في مراحل الطفولة والصبا والشباب.

ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى بقوله: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً.

أى: وإن هؤلاء الرجال الذين يقولون لأزواجهم: أنتن علينا كظهور أمهاتنا في الحرمة، ليتفوهون بما هو منكر من القول، في حكم الشرع وفي حكم العقل، وفي حكم الطبع. وفضلا عن كل ذلك فهو قول كاذب وباطل إذ لم يحرم الله- تعالى- الزوجة على زوجها، كما حرم عليه أمه. فعلاقة الأزواج بأمهاتهم، تختلف اختلافا تاما عن علاقتهم بزوجاتهم.

وإذا فالمقصود بهذه الجملة الكريمة: التوبيخ على هذا القول، وهو قول الرجل لزوجته:

أنت على كظهر أمى، وذم من ينطق به، لأنه يعرض مقام الأمهات- وهو مقام في أسمى درجات الاحترام والتبجيل- إلى تخيلات قبيحة تصاحب النطق بهذا الكلام.

وكعادة القرآن الكريم في قرن الترهيب بالترغيب، حتى لا تيأس النفوس من رحمة الله، ختمت الآية الكريمة بما يدل على فضله- تعالى-.

فقال: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ أى: وإن الله- تعالى- لكثير العفو والمغفرة، لمن تاب إليه- سبحانه- وأناب وأقلع عن تلك الأقوال والأفعال التي يبغضها- سبحانه-.

ثم أخذت السورة الكريمة في تفصيل حكم الظهار، بعد بيان كونه منكرا من القول وزورا، فقال- تعالى-: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.

وقد اختلف العلماء في معنى قوله- تعالى-: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا.

فمنهم من يرى أن المراد منه، ثم يرجعون عما قالوا، قاصدين معاشرة زوجاتهم..

أو قاصدين تحليل ما حرموه على أنفسهم بالنسبة لزوجاتهم بسبب الظهار.

ومنهم من يرى أن المراد بهذه الجملة: العودة إلى ما كانوا يقولونه في الجاهلية، بعد أن هداهم الله- تعالى- إلى الإسلام، فيكون المعنى: ثم يعودون إلى ما كانوا يقولونه في الجاهلية من ألفاظ الظهار، التي يبغضها الله- تعالى-.

وهذا القول يبدو عليه الضعف من جهة: جعله الفعل المضارع الدال على الحال والاستقبال وهو يَظْهَرُونَ، بمعنى الماضي المنقطع، ومن جهة جعلهم أن المظاهر بعد الإسلام، كان

ص: 247

قد ظاهر في الجاهلية، مع أن هذا ليس بلازم. إذ لم يثبت أن «أوس بن الصامت» كان قد ظاهر من زوجته في الجاهلية، وهذا الحكم إنما هو حق المظاهر في الإسلام.

ومنهم من يرى أن المراد بهذه الجملة: تكرار لفظ الظهار، فمعنى ثم يعودون لما قالوا: ثم يعودون إلى تكرار لفظ الظهار مرة أخرى.

وكان أصحاب هذا القول يرون، أن الكفارة لا تكون إلا بتكرار ألفاظ الظهار، وهو قول لا يؤيده دليل، لأنه لم يثبت أن خولة- أو غيرها- كرر عليها زوجها لفظ الظهار أكثر من مرة، بل الثابت أنه عند ما قال لها: أنت على كظهر أمى، ذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصت عليه ما جرى بينها وبين زوجها.

وقد رجح الإمام ابن جرير الرأى الأول فقال: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معنى اللام في قوله: لِما قالُوا بمعنى إلى أو في، لأن معنى الكلام: ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه، وإن قيل: ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا، أو في تحليل ما حرموا فصواب، لأن كل ذلك عود له، فتأويل الكلام: ثم يعودون لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم «1» .

والمعنى: والذين يظاهرون منكم- أيها المؤمنون- من نسائهم، ثم يندمون على ما فعلوا، ويريدون أن يعودوا عما قالوه، وأن يرجعوا إلى معاشرة زوجاتهم.

فعليهم في هذه الحالة إعتاق رقبة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا أى: من قبل أن يستمتع أحدهما بالآخر، أى يحرم عليهما الجماع ودواعيه قبل التكفير.

والمراد بالرقبة: المملوك، من تسمية الكل باسم الجزء.

واسم الإشارة في قوله- سبحانه- ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يعود إلى الحكم بالكفارة.

أى: ذلكم الذي شرعنا لكم- أيها المؤمنون- وهو الحكم بالكفارة إنما شرعناه من أجل أن تتعظوا به، وتنزجروا عن النطق بالألفاظ التي تؤدى إلى الظهار، والله- تعالى- خبير ومطلع على كل ما تقولونه من أقوال، وما تفعلونه من أفعال- وسيحاسبكم على ذلك حسابا دقيقا.

وما دام الأمر كذلك، فافعلوا ما أمركم به، واجتنبوا ما نهاكم عنه.

(1) تفسير ابن جرير ج 28 ص 8.

ص: 248

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر يسره في أحكامه فقال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.

أى، فمن لم يجد منكم- أيها المؤمنون- رقبة يعتقها، أو يجد المال الذي يشترى به الرقبة فيعتقها.. فعليه في هذه الحالة، أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يستمتع أحدهما بالآخر.

فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً أى: فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين، لسبب من الأسباب كمرض أو غيره فعليه في هذه الحالة أن يطعم ستين مسكينا، بأن يقدم لهم طعاما يكفى لغدائهم وعشائهم بصورة مشبعة.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إشارة إلى ما سبق الحديث عنه، من تشريع يتعلق بالظهار. ومحله إما الرفع على الابتداء، أو النصب بمضمر معلل بما بعده.

أى: ذلك واقع، أو فعلنا ذلك ليزداد إيمانكم بالله ورسوله، وعملكم بشريعة الإسلام، وتنفيذكم للتكاليف التي كلفكم الله- تعالى- بها.

وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ أى: وتلك الأحكام التي ذكرناها لكم هي حدود الله- تعالى- التي لا يجوز تعديها، فالزموها وقفوا عندها، وللكافرين الذين يتعدونها ولا يقفون عندها، عذاب شديد الألم على من ينزل به.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:

1-

أن الدعاء متى صدر عن لسان صادق، وعن قلب عامر باليقين.. أجابه الله- تعالى- لصاحبه في الحال أو في الوقت الذي يريده- سبحانه-.

والدليل على ذلك أن السيدة خولة بنت ثعلبة، عند ما تضرعت إلى الله- تعالى- بالدعاء، أن يكشف كربها، وأن يحل قضيتها.. أجاب- سبحانه- دعاءها، وأنزل قرآنا يتلى، وأحكاما يعمل بها في شأن الظهار.

ورضى الله عن السيدة عائشة فقد قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت. ما أسمع ما تقول، فأنزل الله- عز وجل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها

الآيات.

وقال القرطبي: «المرأة التي اشتكت هي خولة بنت ثعلبة.. وقد مر بها عمر بن الخطاب في خلافته، والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك يا عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإن من أيقن بالموت خاف

ص: 249

الفوت، ومن أيقن الحساب خاف العذاب.

فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف هذا الوقوف لتلك المرأة العجوز؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة. أتدرون من هذه؟ إنها خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر» «1» .

2-

أخذ العلماء من قوله- تعالى-: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ

أنه ليس للنساء ظهار، فلو ظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء.. لأن الحل والعقد، والتحليل والتحريم في النكاح، إنما هو بيد الرجل لا بيد المرأة.

ويرى بعضهم أن عليها كفارة يمين، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها من مجامعتها. كما أخذ الحنفية والحنابلة والمالكية من هذه الآية، أن الظهار خاص بالمسلمين، لأنهم هم المخاطبون، ولأن غيرهم من الذميين ليسوا من أهل الكفارة.

وقال الشافعية: كما يصح طلاق الذمي وتترتب عليه أحكامه، يصح ظهار الذمي وتترتب عليه أحكامه.. كذلك أخذ العلماء من هذه الآية: صحة ظهار العبد من زوجته، لأن أحكام النكاح في حقه ثابتة، وإذا تعذر عليه العتق والإطعام. فإنه قادر على الصوم.

3-

يؤخذ من قوله- تعالى-: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً أن الظهار حرام، لأن الله- تعالى- قد وصفه بأنه منكر من القول، وبأنه زور.

والفعل الذي يوصف بهذا الوصف، يجب على المؤمن أن يتنزه عنه.

4-

يرى الحنفية والظاهرية أنه يكفى في الكفارة بالنسبة للظهار تحرير رقبة حتى ولو كانت كافرة، لأن الله- تعالى- يقول: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ولو كان الإيمان شرطا لبينه كما بينه في كفارة القتل. فوجب أن يطلق ما أطلقه، وأن يقيد ما قيده، ويعمل بكل منهما في موضعه.

ويرى جمهور الفقهاء اشتراط الإيمان في الرقبة، لأنه من المعروف حمل المطلق على المقيد إذا كان من جنسه، وما دام قد ورد النص على كون الرقبة مؤمنة في بعض الآيات، فيجب حمل بقية الآيات على ذلك.

5-

دل قوله- تعالى- مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا على حرمة الجماع قبل التكفير.

وألحق بعضهم بالجماع دواعيه من التقبيل ونحوه، لأن الأصل في الأحكام أنه إذا حرم شيء منها، أن يلحق بذلك الشيء المحرم ما يوصل إليه إذ طريق المحرم محرم.

(1) تفسير القرطبي ج 17 ص 269.

ص: 250

ويرى بعضهم أن المحرم إنما هو الجماع فقط، لأن حرمة الجماع ليست لمعنى يخل بالنكاح، وعليه فلا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه، فإن الحائض يحرم جماعها دون دواعيه.

قال القرطبي: ولا يقرب المظاهر امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ بشيء حتى يكفّر، خلافا للشافعي في أحد قوليه.. فإن وطئها قبل أن يكفر، استغفر الله- تعالى- وأمسك عنها حتى يكفر كفارة واحدة.

وقال مجاهد وغيره: عليه كفارتان «1» .

6-

قوله- تعالى-: فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ.. صريح في وجوب تتابع الصوم من غير انقطاع بين الأيام، فلو أفطر يوما من الشهرين من غير عذر انقطع التتابع، ولزمه استئناف الصوم من جديد.

أما الإفطار بعذر- كمرض ونحوه- فيرى بعضهم وجوب الاستئناف، لزوال التتابع الذي صرحت به الآية.

ويرى فريق آخر من العلماء، أن الإفطار بعذر لا يمنع التتابع.

7-

أخذ العلماء من قوله- تعالى- فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً أن المطلوب من المظاهر أن يطعم هؤلاء المساكين إطعاما يشبعهم في الغداء والعشاء، سواء أكان ذلك بالتمليك أم بالإباحة، فأيهما وقع من المكفر أجزأه، وسواء أطعمهم جملة أم متفرقين.

وأوجب الشافعية تمليك المساكين.. بأن يملك لكل مسكين مدّا أو صاعا من غالب قوت البلد الذي يسكنه من عليه الكفارة.

أما حكم من عجز عن الكفارة، فيرى جمهور العلماء أنها لا تسقط عنه، بل تستقر في ذمته حتى يتمكن من أدائها، كسائر الديون والحقوق، فإنها لا تسقط، وإنما تبقى في ذمة من عليه، حتى يتمكن من أدائها.

قال القرطبي: «وقد ذكر الله- تعالى- الكفارة هنا مرتبة، فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة، وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام» «2» .

(1) راجع تفسير القرطبي ج 17 ص 278.

(2)

راجع تفسير القرطبي ج 17 ص 285.

ص: 251