الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الحشر (59) : الآيات 22 الى 24]
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
قال الجمل: لما وصف- تعالى- القرآن بالعظم، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف، أتبع ذلك بوصف عظمته- تعالى- فقال: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أى: هو الله الذي وجوده من ذاته، فلا عدم له بوجه من الوجوه، فلا شيء يستحق الوصف بهذا غيره، لأنه هو الموجود أزلا وأبدا، فهو حاضر في كل ضمير، غائب بعظمته عن كل حس، فلذلك تصدع الجبل من خشيته.
أى: هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة والألوهية إلا له، الذي لا إله إلا هو، فإنه لا مجانس له، ولا يليق ولا يصح، ولا يتصور، أن يكافئه أو يدانيه شيء
…
«1» .
وقوله: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أى: هو- سبحانه- العليم علما تاما بما غاب عن أذهان الخلائق وعقولهم، وبما هو حاضر ومشاهد أمام أعينهم.
فالمراد بالغيب: كل ما غاب عن إحساس الناس وعن مداركهم..
والمراد بالشهادة: ما يشاهدونه بعيونهم، ويدركونه بعقولهم..
والتعريف فيهما للاستغراق الحقيقي، لأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء في هذا الكون.
وقوله- تعالى-: هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ أى: هو العظيم الرحمة الدائمة، لأن لفظ
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 321.
الرَّحْمنُ صيغة مبالغة لكثرة الشيء وعظمته، ولفظ الرَّحِيمُ صيغة تدل على الدوام والاستمرار.
وقوله- سبحانه-: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
…
تأكيد لأمر التوحيد لأن مقام التعظيم يقتضى ذلك.
ثم عدد- سبحانه- بعد ذلك بعض أسمائه الحسنى، وصفاته الجليلة فقال: الْمَلِكُ أى: المالك لجميع الأشياء، والحاكم على جميع المخلوقات والمتصرف فيها تصرف المالك في ملكه.
الْقُدُّوسُ أى: المنزه عن كل نقص، البالغ أقصى ما يتصوره العقل في الطهارة وفي البعد عن النقائص والعيوب، وعن كل ما لا يليق.
من القدس بمعنى الطهارة، والقدس- بفتح الدال- اسم للإناء الذي يتطهر به ومنه القادوس.
وجاء لفظ القدوس بعد لفظ الملك، للإشعار بأنه- تعالى- وإن كان مالكا لكل شيء، إلا أنه لا يتصرف فيما يملكه تصرف الملوك المغرورين الظالمين، وإنما يتصرف في خلقه تصرفا منزها عن كل ظلم ونقص وعيب..
السَّلامُ أى: ذو السلامة من كل ما لا يليق، أو ذو السلام على عباده في الجنة، كما قال- تعالى-: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ.
الْمُؤْمِنُ أى: الذي وهب لعباده نعمة الأمان والاطمئنان، والذي صدق رسله بأن أظهر على أيديهم المعجزات التي تدل على أنهم صادقون فيما يبلغونه عنه.
الْمُهَيْمِنُ أى: الرقيب على عباده، الحافظ لأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، من الأمن، ثم قلبت همزته هاء، وقيل أصله هيمن بمعنى رقب، فهاؤه أصلية.
الْعَزِيزُ أى: الذي يغلب غيره، ولا يتجاسر على مقامه أحد..
الْجَبَّارُ أى: العظيم القدرة، القاهر فوق عباده.
قال القرطبي: قال ابن عباس: الجبار: هو العظيم. وجبروت الله عظمته. وهو على هذا القول صفة ذات، من قولهم: نخلة جبارة..
وقيل هو من الجبر وهو الإصلاح، يقال: جبرت العظم فجبر، إذا أصلحته بعد الكسر، فهو فعال من جبر، إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير.. «1» .
(1) تفسير القرطبي ج 18 ص 46.
الْمُتَكَبِّرُ أى: الشديد الكبرياء، والعظمة والجلالة. والتنزه عما لا يليق بذاته.
وهاتان الصفتان- الجبار المتكبر- صفتا مدح بالنسبة لله- تعالى-، وصفتا ذم بالنسبة لغيره- تعالى-، وفي الحديث الصحيح عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيما يرويه عن ربه:«الكبرياء ردائي. والعظمة إزارى. فمن نازعنى في واحد منهما قصمته. ثم قذفته في النار» .
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ أى: تنزه- سبحانه وتقدس عن إشراك المشركين. وكفر الكافرين.
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ لكل شيء الموجد لهذا الكون على مقتضى حكمته..
الْبارِئُ أى: المبدع المخترع للأشياء. والمبرز لها من العدم إلى الوجود.
الْمُصَوِّرُ أى: المصور للأشياء والمركب لها، على هيئات مختلفة، وأنواع شتى من التصوير، وهو التخطيط والتشكيل..
لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى والحسنى تأنيث الأحسن. أى: له الأسماء التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أفضل المعاني. من تحميد. وتقديس. وقدرة. وسمع.. وغير ذلك من الأسماء الكريمة، والصفات الجليلة.
يُسَبِّحُ لَهُ- تعالى- وينزهه عن كل سوء ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من مخلوقات..
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أى: وهو- عز وجل الغالب لغيره. الحكيم في كل تصرفاته.
قال الإمام ابن كثير: وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما- مائة إلا واحدا- من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر..
ثم ذكر- رحمه الله هذه الأسماء نقلا عن سنن الترمذي فقال: هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلى، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوى، المتين، الولي، الحميد، المحصى، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر،
المقتدر، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنى، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد الصبور.
ثم قال الإمام ابن كثير: وسياق ابن ماجة- لهذا الحديث- بزيادة ونقصان، وتقديم وتأخير.. والذي عول عليه جماعة من الحفاظ، أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه- أى: ذكر الراوي في الحديث كلاما لنفسه أو لغيره من غير فصل بين ألفاظ الحديث وألفاظ الراوي- وأن أهل العلم جمعوا هذه الأسماء من القرآن الكريم.
ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين، بدليل ما رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إنى عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فىّ حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أعلمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري. وجلاء حزنى، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا» .
فقيل يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال:«بلى، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها» وذكر أبو بكر بن العربي أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة ألف اسم لله- تعالى- «1» .
وبعد: فهذا تفسير لسورة «الحشر» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القاهرة- مساء الخميس 22 من شعبان 1406 هـ 1/ 5/ 1986 م كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى
(1) راجع تفسير ابن كثير ج 3 ص 515 وج 8 ص 106.