الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عليه الصلاة والسلام:» من علق تميمة فلا أتم الله له» رواه الحاكم: 7501، وقال: صحيح الإسناد، وقال الهيثمي (1): رجاله ثقات.
فالذي ينبغي على المسلمين أن يتحرروا من الأوهام والخرافات، وأن تكون ثقتهم بالله وحده لا شريك له، مالك الأرض والسموات، الذي يتصرف في ملكه كيفما شاء، فهو سبحانه الذي «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (الأنبياء: 23)، فمن توكل على الله فهو حسبه.
المطلب الثالث: الخلوة بالمخطوبة
.
ينبغي على الخاطب بداية أن يجمع كامل المعلومات عن البنت التي يريد الزواج منها، عن خلقها وخلق أمها، وعن أهلها جميعا لأن العرق دساس كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:«تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» رواه ابن ماجه: 1968، وحسنه الألباني.
وبعد جمع المعلومات ينبغي للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وينبغي على أهلها أن يمكنوه من ذلك، والغرض من ذلك حتى تدوم الحياة بينهما بالوفاق، لأن كل رجل له في نظره حظ، وعنده في قلبه صفات يريدها أن تكون في زوجته، وهي كذلك.
(1) مجمع الزوائد: 5/ 103.
ولو لزم الأمر أن ينظر إليها أكثر من مرة فلا بأس في ذلك.
روى مسلم في صحيحه: 2552، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا» .
وخطب المغيرة بن شعبة امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رواه الترمذي: 1087، وصححه الألباني.
فإذا نظر إليها وأعجبته، وتقدم لخطبتها، وتمت الموافقة فلا بد من الحذر من كثرة جلوس الخاطب معها.
والناس في ذلك على أصناف:
فيعيش كثير من الناس في حياتهم بين إفراط وتفريط، فبعض الناس يتشددون، ولا يسمح للخاطب أن يجلس مع المخطوبة، أو يسمع لحديثها، حتى يتعرف كل منهما على الآخر أكثر.
وبعضهم على النقيض تماما فيسمح بالجلوس متى وكيفما شاء الخاطب، في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما جلسا في غرفة مغلقة، أو خرجا إلى السوق، ويزيد البعض وربما يتهور بالسماح لهما بالسفر مع بعضهما البعض.
والسبب في كل هذا أن البعض يتشدد عن عادة لا عن دين، والبعض يريد أن يعيش الحياة الغربية ولو للحظات من عمره، والبعض لا يعرف معنى الخطبة، فيظن أن الخاطب صار زوجا لابنته.
فما هو معنى الخطبة؟
الخطبة: مأخوذة من المخاطبة، وهي: طلب المرأة للزواج، يقال: خطب فلان إلى فلان ابنته: أي طلب منه الزواج بها، قال تعالى:«وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ (البقرة: 235)» (1).
ومن هذا التعريف يتبين أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج وليست زواجا، فالمخطوبة لا زالت أجنبية عن الخاطب، لا تكشف شيئا من عورتها أمامه، ولا تخلو به، ولا تخرج معه، ولا تصافحه لأن مصافحة المرأة الأجنبية حرام كما سيأتي بيانه.
وربما يترك الخاطب المخطوبة، فهناك أعراف لا ترحم الرحماء.
فيقول الناس: كانت تخرج معه، وتخلو به، فتصبح في أعرافهم كأنها مطلقة بعد الدخول.
ولذلك لا ينصح بإطالة فترة الخطوبة لأن في إطالتها مظنة الفساد، والفساد يأتي من كثرة زيارة الخاطب لربما اصطدم مع أهلها بكثرة طلباتهم، ولربما شعروا بثقل زياراته المتكررة، وكثيرة هي المشاكل التي تنشأ بين الخاطبين، فيكون مصير ذلك وأد الحياة الزوجية قبل بدايتها.
وقد يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، لأن النفس الإنسانية أمارة بالسوء، فقد يترك الخاطب مخطوبته وقد حملت منه، فماذا تفعل بالجنين بعد ذلك، أتمسكه على هون أم تدسه في التراب؟
وكيف تحل مشكلة كهذه بعد ذلك؟!
لذلك جاء الإسلام بالتحذير الشديد من الخلوة بالنساء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما
(1) شرح قانون الأحوال الشخصية للأشقر: ص35.
الشيطان» رواه الترمذي: 1171، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني.
ومن هنا يجب على المرأة أن يكون عندها من العلم الكافي بحال الرجل، وصفاته وميوله ورغباته، حتى تكون على حذر، وعلى دراية في كيفية التعامل معه. فيختلف تفكير الرجل عن تفكير المرأة في الخطبة.
فهي تحلم في بيت جميل، وحياة زوجية سعيدة، وتفكر في شكلها يوم عرسها وما سيقول الناس عنها، وعن جمالها.
وأما الرجل فيكون غالبا تفكيره الجنسي هو الغالب على حياته قبل الزواج، فينظر للمخطوبة نظرة جنسية.
ومن هنا جاء الإسلام ليبين: أن مجرد الدخول على النساء فيه من المضرة والفتن ما فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ» رواه البخاري: 4831.
والحمو: قريب الزوج، من أخ وعم.
ويأتي الموت من قبل هؤلاء لأنه يؤمن جانبهم، ويُطمأن من طرفهم، فيدخل على البيت دون شك أو شبهة، فتحصل عندها الفتنة، وما لا يحمد عقباه.
والخاطب كذلك، فهو المحبوب إلى أهل البيت، سيما وهو الزوج المستقبلي للبنت، فهو حامي العورة وكافي المئونة، فيؤمن جانبه غالبا، فينبغي الحذر.
وحتى بعد عقد الزواج وقبل الدخول: فالأولى أن لا يتوسع العاقد في علاقته مع المرأة التي عقد عليها، وإن كانت زوجته شرعا، أو في حكم الزوجة، إلا أن العرف يقضي بمراسم احتفالية لانتقال المرأة لزوجها، والإسلام يحترم أعراف الناس التي لا تخالف