المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: المغالاة في المهور - منكرات الأفراح

[غانم غالب غانم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌تعريفات:

- ‌«ونبلوكم بالشر والخير فتنة»:

- ‌أسباب منكرات الأفراح:

- ‌العزوف عن الزواج وأضراره

- ‌المبحث الأول: منكرات قبل الزواج

- ‌المطلب الأول: الرغبة عن ذوات الدين

- ‌المطلب الثاني: العلاقات المحرمة قبل الزواج

- ‌ما هو حكم الحب

- ‌المبحث الثاني: منكرات الخطبة

- ‌المطلب الأول: قراءة الفاتحة عند الاتفاق

- ‌المطلب الثاني: لبس الذهب للرجال

- ‌المطلب الثالث: الخلوة بالمخطوبة

- ‌المطلب الرابع: الإسراف في بطاقات الدعوة

- ‌المبحث الثالث: منكرات عند العقد

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: التهنئة المخالفة للسنة

- ‌المطلب الثاني: فسق الشهود

- ‌المطلب الثالث: المغالاة في المهور

- ‌المبحث الرابع: منكرات العرس

- ‌المطلب الأول: التبرج والسفور

- ‌المطلب الثاني: الاختلاط المحرم

- ‌شبهات وردود:

- ‌المطلب الثالث: ضوابط ذهاب العروس للكوافيرة

- ‌المسألة الأولى: النمص

- ‌المسألة الثانية: وصل الشعر

- ‌المسألة الثالثة: الصبغ بالسواد

- ‌المسألة الرابعة: الاطلاع على العورات

- ‌المسألة الخامسة: الإسراف

- ‌المطلب الرابع: الزينة المحرمة

- ‌1 - العطور:

- ‌2 - طلاء الأظافر:

- ‌3 - تحلي الرجال بالذهب:

- ‌4 - تحلي الرجال بحلق اللحية:

- ‌المطلب الخامس: مصافحة الرجال للنساء

- ‌المطلب السادس: الغناء والموسيقى

- ‌الأدلة على تحريم سماع الأغاني والموسيقى:

- ‌ما هو حكم الزغاريد

- ‌حكم الزفة:

- ‌ما يجوز من الغناء

- ‌المطلب السابع: السهر الطويل وضياع الصلوات

- ‌المطلب الثامن: خطورة التصوير في العرس

- ‌المطلب التاسع: توزيع الدخان في العرس

- ‌المطلب العاشر: المنكرات في وليمة العرس

- ‌المطلب الحادي عشر: تعليق التمائم

- ‌المبحث الخامس: المنكرات بعد العرس

- ‌المطلب الأول: خروج المرأة بزينتها أمام المهنئين

- ‌المطلب الثاني: شهر العسل

- ‌المطلب الثالث: نشر أسرار الزواج

- ‌المطلب الرابع: وصف النساء للعروس

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌المواقع الالكترونية:

الفصل: ‌المطلب الثالث: المغالاة في المهور

‌المطلب الثالث: المغالاة في المهور

يختلف الناس في فهمهم للحياة بشكل عام، وللحياة الزوجية السعيدة بشكل خاص، حسب اختلافهم في منهجهم في الحياة الذي يسيرون عليه.

فمتى كان الدين هو المحرك للناس في حياتهم، ومتى ساس الناس الدنيا بالدين متى استراحوا من عناء البحث عن القوانين المثالية، لأن الله الخالق العالم بما خلق، والأعلم بما صنع، أراح الناس من عناء وضع هذه القوانين، فسن لهم أفضل الشرائع، وأنزل إليهم أفضل الكتب.

قال سبحانه: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير (الملك:14)» .

فيرى كثير من الناس الزوج المثالي هو الذي يشغل منصبا راقيا، أو الذي يملك المال الكثير، ظنا منهم أن هذا هو سبب سعادة ابنتهم في الحياة.

وهم يقتبسون ذلك من حياة غربية لا تمت لديننا وحياتنا وحتى عاداتنا بصلة، أو لأفلام ومسلسلات كاذبة تصور للناس أن الحياة ما هي إلا مال ومركب ونزهة، فيخترق عقل الفتيات ذاك الذي يعيش في برج، وتحته الخدم، وعنده المال أنه الرجل المثالي السعيد في حياته، فلا تقبل الفتاة عن مثله بديلا.

ولربما عرفوا الخطأ في هذا الذي يبحثون عنه، عندما ذاقوا الويلات من أمثال هؤلاء، لأن صاحب المال الكثير الذي يعيش في الحياة بلا دين، ينظر إلى ابنتك على أنها متاع كأي متاع يُشترى بالمال.

ونتيجة لهذه التراكمات الفكرية صار الناس يتفننون في تعقيد أمور

ص: 39

الزواج، حصولا منهم على الزواج المثالي كما يزعمون.

فتفنن الناس أكثر ما تفننوا في مغالاتهم في المهور، وهم يظنون بذلك أن الزوجة كلما كان مهرها أكثر كانت غالية على زوجها.

حتى صارت المرأة في الزواج كأنها سلعة تباع وتشترى، ونحن نسمع الناس ينفرون من فلان، لأنه يغالي في مهر بناته، بالفعل: عملية بيع وشراء.

وربما يزيد الأمر سوءاً عندما يركن الناس في ذلك لرأي النساء، وعواطفهن دون التدخل في مثل هذه الأمور، لأنه يعتبر أن المرأة أكثر تقديرا منه حتى يكون عرس ابنته يتميز عن أعراس الناس أو على الأقل مثله.

وكذا سكوت الدعاة عن مثل هذه الأمور أدى إلى تفشي مثل هذه الظاهرة بل تناميها، كيف إذا أضيف إلى ذلك أن العلماء أنفسهم لم يطبقوه على أنفسهم عند زواج بناتهم، فضلا عن عموم الملتزمين بالدين.

وأحيانا يكون السبب في ذلك هم الأزواج الذين يريدون بذلك أن يثبتوا أمام أهل الزوجة قدرتهم على فعل الفرح المثالي الذي تطمح به البنت وأهلها، فيبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك، ليس فقط في المهر بل هناك ما هو أدهى من ذلك وأمر.

فمنهم من يبيع أرضه لأجل إحضار فرقة موسيقية، أو الذهاب إلى قاعة فاخرة.

ونتيجة لمغالاة الناس في المهور نتج عندنا من المشاكل ما لا يحسد عليه المجتمع:

منها عدم قدرة العديد من الرجال على الزواج، وبالتالي تأخر سن الزواج، وبالتالي العديد من النساء العوانس التي لا تريد أن تتزوج إلا بمبلغ كبير من المهر، حتى إذا ما طالت بها العنوسة قبلت بأي

ص: 40

زوج، وندمت يوم لا ينفع الندم.

ولا شك أن تأخر سن الزواج لعدم القدرة يؤدي إلى لجوء العديد من الجنسين إلى المحرمات والفواحش، فلا شك أن البديل عن الزواج سيكون محرما: من أفلام خليعة، وصور هابطة، وعلاقات محرمة، وقد يصل الأمر إلى ما هو أبشع من ذلك أن ترتكب جريمة الزنا والعياذ بالله، خصوصا في جانب الرجال، وما ذلك من النساء ببعيد.

وتأخر سن الزواج قد يؤدي إلى مشاكل نفسية كبيرة عند الجنسين، لأن كل واحد يحس بنقص في حياته عن غيره من الناس.

وقد رأينا العديد ممن يتزوجون من الغربيات خصوصا من الطلاب الذين يدرسون في بلاد الغرب، بحجة عدم القدرة على أعباء الزواج بعد الخروج من التكاليف الدراسية الباهضة، وقد يكون في هذا الزواج من المفاسد ما فيه، ولو لم يكن فيه من المفاسد إلا أن الذي يتولى التربية في هذا البيت نساء بلا دين لكان ذلك كافيا.

ومن المشاكل التي تنتج عن المغالاة في المهور: كراهية الزوج لأهل زوجته، لأن الموضوع من بدايته يبنى على جهالة، وكما قيل: كل شيء فيه جهالة يؤدي إلى منازعة، والمنازعة بين المسلمين حرام.

فما الذي يحدث عند أكثر الناس؟ وكيف تكون الجهالة في المهور؟

الجهالة تكمن في عدم تسميتهم للمهر المعجل، ويكون ذلك إيقاعا منهم بالزوج، وإيهاما له أنهم يحسنون إليه، فماذا يقولون؟

مهر ابنتنا دينار واحد فقط، ثم يتحول الدينار إلى خمسة آلاف دينار وأكثر.

فما الذي حوله إلى خمسة آلاف دينار؟

ص: 41

إنها الجهالة، فيذهب إلى محل الذهب فيصبح الدينار أربعة آلاف، وإلى الملابس خمسة، ومن هنا وهناك، حتى يتراكم على العريس أكوام من الدين، فيشعر أنه مرغم على كل هذا لفرحه بإتمام هذا العرس، فإذا ما تم عرسه وأخذ يقضي دينه، تذكر أن سبب مشاكله ومصائبه وتراكم ديونه أهل زوجته، فتسوء الحياة بينهم، مما قد ينعكس سلبا على الحياة الزوجية.

ولو استطلعتَ آراء الناس تجد أن منهم من لا يقيمون العلاقات الطيبة مع أهالي زوجاتهم، وأكثر سوء العلاقات يكون قد نشب بينهم في فترة الإعداد للزواج، وكثرة طلبات الزوجة، وأكثر من ذلك أمها وأحيانا خالتها وعمتها.

وصحيح أن الإسلام لم يحدد مهرا معينا للمرأة، ولكنه حث على التيسير في أمور الزواج ورغب في ذلك أشد الترغيب.

فقال عليه الصلاة والسلام: «خير النكاح أيسره» رواه أبو داود: 2117، وصححه الألباني.

وقال أيضا فيما روي عنه عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً» رواه أحمد: 24375. وضعفه الشوكاني (1).

بل جاء الترغيب في أكثر من ذلك تسهيلا لأمر الزواج، حتى زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بما معه من القرآن:

فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله أهب لك نفسي، فنظر إليها رسول صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر فيها

(1) نيل الأوطار: 6/ 197

ص: 42

وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست.

فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها؟

فقال: فهل عندك من شيء؟

فقال: لا والله يا رسول الله.

فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟

فذهب ثم رجع، فقال: لا والله ما وجدت شيئاً.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد.

ولكن هذا إزاري، قال سهل: ما له رداء. فلها نصفه، فقال رسول الله ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء.

فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟

قال معي سورة كذا وكذا (عددها) فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟

قال: نعم.

قال: اذهب فقد مُلِّكْتَهَا بما معك من القرآن».

رواه البخاري: 4641، ومسلم واللفظ له:2554.

وقد كان المهر أحيانا في عهده صلى الله عليه وسلم شيئا معنويا رائعا.

فقد خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: «والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره، فكان كذلك» .

رواه ابن حبان: 725، وصححه

ص: 43

الألباني.

فما نحتاجه في هذا الزمن إلى أقوال رشيدة تتبعها أفعال

ونحتاج إلى خطباء من أمثال عمر بن الخطاب، فقد خطب الناس فقال في خطبته: أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً (1)».

رواه الترمذي: 1114، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.

وهنا لا بد من دور للمصلحين والخطباء والدعاة، وأكثر من ذلك العلماء في هذا الجانب، لأن المشكلة الأساسية في الموضوع هي الممارسة والتطبيق.

فمتى كان العلم حبرا على ورق، أو كلاما على المنابر، قلت فائدته، ومتى كان العلم يتبعه العمل، عاش الناس بفضل ذلك العلم.

يقول الشيخ الفوزان: ومن معوقات الزواج رفع المهور: وجعلها محلا للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر، دون تفكير في عواقب ذلك، ولا يعلمون أنهم قد سنوا في الإسلام سنة سيئة، عليهم وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وأنهم حملوا الناس عنتا ومشقة يوجبان سخطهم عليهم، وسخريتهم منهم، وإن ضخامة المهر، ربما يسبب كراهة الزوج لزوجته وتبرمه منها عند أدنى سبب،

(1) الأوقية: أربعون درهما. تحفة الأحوذي: 3/ 19.

ص: 44

وأن سهولة المهر مما يسبب الوفاق والمحبة بين الزوجين (1).

(1) رسالة إلى العروسين: ص39.

ص: 45