المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما - منهاج البلغاء وسراج الأدباء

[القرطاجني]

فهرس الكتاب

- ‌المنهاج الأول

- ‌أ- معلم (دال) على طرق (العلم بالمعاني) وحقائقها وأنحاء (النظر) فيها (وبما ينبغي)

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق اجتلاب المعاني وكيفيات التئامها وبناء بعضها على

- ‌ب- معلم علة طرق العلم باقتباس المعاني وكيفية اجتلابها وتأليف بعضها إلى بعض

- ‌ب?- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء وجود المعاني

- ‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات تركيب المعاني وتضاعفها

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم باستثارة المعاني من مكامنها واستنباطها من معادنها

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بما توجد المعاني معه حاضرة منتظمة في الذهن على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بالمناسبة بين بعض المعاني وبعض والمقارنة بين ما تناظر

- ‌ح- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وما تقدم في المعلم المفتتح به هذا

- ‌ط- مأم من المذاهب المستشرفة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب المقابلة

- ‌ي- مأم من المذهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو التقسيم

- ‌يب_ مأم من المذاهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب التفريع

- ‌المنهج الثالث، في الإبانة عما به تتقوم صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع

- ‌أ?- معلم دال على طرق العلم بما تتقوم به صناعة الشعر من التخييل، وما به تتقوم

- ‌ب- معرف دال على المعرفة بماهية الشعر وحقيقته

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بالأشياء المخيلة

- ‌د- معرف دال عل طرق المعرفة بجهات مواقع التخييل من الأقاويل وما بإزائها من

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما تنقسم غليه المحاكاة

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بأحكام المحاكيات وما يجب أن يعتبر فيها، والاستبانة

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يخص المحاكاة التشبيهية من الأحكام

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بالوجوه التي لأجلها حسن موقع المحاكاة من النفس

- ‌وقال ابن سينا أيضاً في كتاب الشعر من كتاب الشفاء:

- ‌د- المنهج الرابع في الإبانة عن الأحوال التي تعرض للمعاني في جميع مواقعها من

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في أحوال المعاني وما يجب اعتباره فيها من

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما يوضع من المعاني وضع غيره من حيث تكون واجبة أو

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بالوجوه التي بها يقع التدافع بين بعض المعاني وبعض

- ‌ز- معلم دال على طرق بوقوع المعاني المتقاربة متمكنة

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون من المعاني أصيلا في بابي المدح والذم، وما

- ‌ط- معلم دال على طريقة العلم بما يجب أن يعتمد في مدح صنف صنف من الناس

- ‌ي- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون به وضوح المعاني أو غموضها

- ‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما

- ‌يب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في المعاني من حيث يكون فهمها متوقفا

- ‌يج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في المعاني، من حيث تكون قديمة متداولة

- ‌المباني

- ‌القسم الثالث في النظم وما تعرف به أحواله من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافراً

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن قواعد الصناعة النظمية والمآخذ التي هي مداخل إليها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بقواعد الصناعة النظمية التي عليها تقوم مباني النظم

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بكيفية العمل في المروى والمرتجل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفية التصرف في مقاصد الشعر وجهاته

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بتحسين هيآت العبارات والتأنق في اختيار موادها، وإجادة

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بمجازي الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها

- ‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما وقع في أوزان العرب من ضروب التركيبات المتلائمة

- ‌ج - معلم دال على طرق العلم بمقادير تناسب الوزان وما يسوغ فيها من التعابير وما لا

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في بناء الأشعار على أوفق الأوزان لها

- ‌فالتأليف من المتناسبات له حلاوة في المسموع، وما ائتلف من غير المتناسبات

- ‌هـ- معلم دال على طرق العم بما قصد في أبنية القول من أنحاء التناسب وذهب فيها من

- ‌معرف دال على طرق المعرفة بتأصيل القوافي وبناء ما قبلها عليها وبنائها على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يجب في المطالع والمقاطع على رأي من قال هي أوائل

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عما يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها ببعض وتحسين

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأحكام مباني الفصول وتحسين هيئاتها ووصل بعضها ببعض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب اعتاده في الفصول من جهة اشتمالها على أوصاف

- ‌ج - مأم من مذاهب البلاغة المستبانة بهذا المنهج وهو مذهب التسويم

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة مما تقدم أيضا، وهو مذهب التحجيل

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن كيفية العمل في إحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بإحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها وما تجب العناية

- ‌ب- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وهو مذهب الإبداع في الاستهلال

- ‌ج- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء التخلصات من حيز إلى حيز وعطف أعنة الكلام من

- ‌د- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب الإبداع في التخلص

- ‌هـ- معلم دال على طق العلم بالفرق بين المقصد والمقطع

- ‌الأسلوب

- ‌القسم الرابع في الطرق الشعرية وما تنقسم إليه وما ينحى بها نحوه من الأساليب

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن طريق الشعر من حيث تنقسم إلى جد وهزل، وما تعتبر به

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في طريقة الجد

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب أن يعتمد في طريقة الهزل

- ‌ج- معلم دال على طرق العمل بما تأخذه طريقة الجد من طريقة الهزل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق الشعر من حيث تنقسم إلى فنون الأغراض، وما تعتبر

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب ما قصد به من الأغراض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يوجد لبعض الخواطر من قوة على التشبه فيما لا يجري

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب اختلافات أنحاء التخاطب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما ينقسم إليه الشعر بحسب إيقاع الحيل الشعرية فيه

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده فيكل غرض من أغراض الشعر المتقدم تقسيمه

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عن الأساليب الشعرية وأنحاء الاعتمادات فيها، وما يجب أن

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بالأساليب الشعرية وما تنوع إليه، وينحى بها نحوه

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما ينحى بالأساليب نحوه من جهة ما يقصد حسن موقعها من

- ‌ج- مأم من المذاهب المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب تأنيس المعاني بعضها ببعض

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة بالعلم المتقدم أيضا، وهو مذهب المراوحة بين المعاني

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بكيفية الاستمرار في الأساليب والاطراد عليها وما يحسن

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن المنازع الشعرية وأنحائها وطرق المفاضلة بين الشعراء

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في المنازع الشعرية التي يكون للكلام

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بالمآخذ اللطيفة في المنازع التي ربما خفي الوجه الذي

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما يجب أن يعتقد ويقال في المفاضلة بين الشعراء، بحسب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بمبلغ هذا الكتاب من أصول هذه الصناعة

الفصل: ‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما

إن المعاني وإن كانت أكثر مقاصد الكلام ومواطن القول تقتضي الإعراب عنها والتصريح عن مفهوماتها فقد يقصد في كثير من المواضع إغماضها وإغلاق أبواب الكلام دونها. وكذلك أيضاً قد نقصد تأدية المعنى في عبارتين: إحداهما واضحة الدلالة عليه، والأخرى غير واضحة الدلالة لضروب من المقاصد. فالدلالة على المعاني إذن على ثلاثة أضرب: دلالة إيضاح، ودلالة إبهام، ودلالة إيضاح وإبهام معا.

1-

إضاءة: وقد تقدم التعريف بكثير من الوجوه التي بها يكون إيضاح الدلالات على المعاني في مواضع كثيرة من هذا الكتاب. وبقي أن نذكر الآن ما يتيسر لنا ذكره من الوجوه التي يكون في المعاني بوجودها فيها أو في عباراتها إغماض لها وبعد بها عن البيان ليعتمد الشاعر ما يليق بكلامه من تك الوجوه حيث يقصد كناية أو إلغازا وما شابه ذلك مما لا يقصد في الدلالة عليه التصريح، ولتجتنب تلك الوجوه حيث يقصد التصريح عن المعاني والإبانة عنها حتى يأتي في كل موضع بما يليق به.

‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما

يرجع إلى الألفاظ والعبارات المدلول بها على المعنى، ومنها ما يرجع على المعاني والألفاظ معا.

3-

إضاءة: فأما ما يرجع إلى المعاني أنفسها فمن ذلك أن يكون المعنى في نفسه دقيقا ويكون الغور فيه بعيدا، أو يكون المعنى مبنيا على مقدمة في الكلام قد صرف الفهم عن التفاتها بعد حيزها من حيز ما بني عليها أو تشاغله بمستأنف الكلام عن فارطه أو غير ذلك مما شأنه أن يثني غروب الأفهام كليلة قاصرة عن تحقق مفهومات الكلام، أو يكون مضمنا معنى علميا أو خبرا تاريخيا أو محالا به على ذلك ومشارا به غليه فيكون فهم المعنى متوقفا على العلم بذلك المضمن العلمي أو الخبري، أو يكون المعنى مضمنا إشارة إلى مثل أو بيت أو كلام سالف بالجملة يجعل بعض ذلك المثل أو البيت جزءا من أجزاء المعنى أو غير ذلك من أنحاء التضمني، أو يكون المعنى قد قصد به الدلالة على بعض ما يلتزمه من المعاني ويكون منه بسبب على جهة الإرداف أو الكناية به عنه أو التلويح به إليه أو غير ذلك - وكلما كان الملتزم بعيدا كان المعنى بعيدا من الفهم- أو يكون المعنى قد وضعت صور التركيب الذهني في أجزائه على غير ما يجب فتنكره الأفهام لذلك، فقد لا تفهمه على وجهه وقد لا تهدى آلى إلى فهمه بالجملة، أو يكون بعض ما يشتمل عليه المعنى مظنة لانصراف الخواطر في فهمه على أنحاء من الاحتمالات، أو يكون المعنى قد اقتصر في تعريف بعض أجزائه أو تخييلها على الإشارة إليه بأوصاف تشترك فيها معه أشياء غير أنها لا توجد مجتمعة غلا فيه. وكلما كانت الأوصاف في مثل هذا مؤتلفة من أعراض الشيء البعيدة لم تتهد الأفكار إلى فهمه إلا بعد بطء.

4-

تنوير: فأما ما يرجع إلى الألفاظ والعبارات من تلك الوجوه فمثل أن يكون اللفظ حوشيا أو غريبا أو مشتركا فيعرض من ذلك ألا يعلم ما يدل عليه اللفظ أو أن يتخيل أنه دل في الموضع الذي وقع فهي من الكلام على غير ما جيء به للدلالة عليه فيتعذر فهم المعنى لذلك. وقد يتفق مثل هذا بأن يعرض في تركيب اللفظ اشتباه يصير به بمنزلة اللفظ المشترك نحو قول امرئ القيس: (البسيط -ق- المتدارك) =لفتك لأمين على نابل ومن ذلك أن يقع في الكلام تقديم وتأخير، أو يتخالف وضع الإسناد فيصير الكلام مقلوبا، ا، يقع بين بعض العبارة وما يرجع إليها فصل بقافية أو سجع فتخفى جهة التطالب بين الكلامين، أو بأن تفرط العبارة في الطول فيتراخى بعض أجزائها عما يستند إليه وما هو منه بسبب فلا يشعر باستناده إليه واقتضائه له لاسيما إذا وقع في الكلام اعتراضات وفصول وكان مشتملا على أشياء يمكن أن ترجع إلى كل واحد منها ذلك الشيء. ومما يبعد به الشيء عما يستند غليه الصلات والاعتراضات. ومن ذلك أن ترد العبارة التي يقصد انفصال بعض أجزائها عن بعض في صورة المتصلة وأن يرد المتصل في صورة المنفصل، ومن ذلك فرط الإيجاز الذي يكون بقصر أو حذف، وقد تقدم ذكر ذلك.

ص: 55

5-

إضاءة: فكل معنى غامض وعبارة مستغلقة فغموضة واستغلاق عبارته راجعان إلى بعض هذه الوجوه المعنوية أو العبارية أو إليهما معا أو إلى ما ناسبهما وجرى مجراهما مما لعلنا لم نذكره من وجوه الإغماض الراجعة على معنى أو عبارة. فعلى هذه الوجوه ووقع بعضها مع بعض في الكلام مدار الأقاويل التي يقصد بها الكنايات والإلغاز وما جرى مجراهما مما لا يقصد فيه الإبانة والتصريح.

6-

تنوير: ويحتاج في موضع التصريح والإبانة أن يتحفظ من وقوع وجه من هذه الوجوه في لفظ أو عبارة. ومتى اضطر وزن أو قافية أو انحصار للكلام في مجال غير متسع له من مقادير الأوزان إلى وقوع شيء من ذلك فليجهد في ما يرفع الإبهام أ، اللبس الواقع بذلك من القرائن المخلصة للكلام إلى ما نحي به نحوه، فإن ورود المعنى غامضا في كلام قد قصد به الإبانة مما يوعر سبيله ويزيله عن الاعتدال والاستواء مع مناقصته للمقصد.

7-

إضاءة: وجملة الأمر أن اشتكال المعاني وغموضها من جهة ما يرجع إليها أو إلى عباراتها يكون لأمور راجعة إلى مواد المعنى أو مواد العبارة أو إلى ما يكون عليه إجراؤهما من وضع وترتيب أو إلى مقاديرها ترتب من ذلك أو إلى أشياء مضمنة فيهما أو أشياء خارجة عنهما.

8-

تنوير: وإذا قد عددت جملة ما به يكون اشتكال المعاني من جهة ما يرجع إليها أو إلى عباراتها فنذكر بعض وجوه الحيل التي من شأنها أن يماط بوجه وجه منها ما وقع في المعاني من غموض وإشكال بوجه وجه مما به يكون اشتكال المعاني وغموضها ذكرا موجزا على جهة الإشارة والإيماء.

9-

إضاءة: فأما طريق الحيل في إزالة الغموض والاشتكال الواقعين بهذه الأشياء فهي أن يعتاض من الشيء الذي وقع به الإغماض والإشكال أو أن يقرن به ما يزل الغموض والاشتكال. فالاعتياض في المعاني يكون بأخذ مماثلاتها مما يكون في معناه أوضح منها. والاعتياض في الألفاظ يكون بما يماثلها من جهة الدلالة. وقد يكون بين العوض والمعوض منه مع ذلك مخالفة في الوضع مثل وصل المنفصل وفصل المتصل وإطالة القصير وتقصير الطويل، وقد لا يكون ذلك.

10-

وقران الشيء بما يزيل الغموض أو الاشتكال الواقع فيه يكون بأن يتبع الشيء بما يكون شرحا له وتفسيرا من جهة ما يكون في معناه أو تكون دلالته في معنى دلالته أو من جهة ما يناسبه ويشابهه، ويكون بأشياء خارجة عن معنى الشيء إلا أن فيها دلالات على إبانة ما أنبهم في الأشياء المقترنة بها.

11-

إضاءة: ولهذه الجملة تفصيل طويل لا يمكن أن نتقصاه بالتمثيل في وجه وجه من تلك الأشياء التي من قبلها تشتكل المعاني في أنفسها ومن جهة عباراتها إذ بعض الشواغل ومراعاةما اعتمدته في هذا الكتاب من الاكتفاء في كل باب منه بالإجمال عن التفصيل وباللمحة الدالة عن الجملة الشارحة يمنعان من الزيادة على القسط الواجب فيه بحسب ما اعتمدته، لكني أورد في ما تعلق ببعض ذلك كلاما كنت قيدته فيما تقدم، فإن فيه زيادة إفادة إلى ما ذكرته، فيجعل الناظر وجه النظر والعمل في ما لم أذكره من ذلك بحسب الأمر في ما ذكرته، وليتول اعتبار جميع ذلك في وجه منها بنفسه. فقد أوضحت له السبيل إليها ودمثت له الطريق الدال عليها.

يا-معلم دال على طرق العلم بما يزيل الغموض والاشتكال العارضين في المعاني، من حيث ذكر في المعرف الفارط.

وقد تقدمت الإشارة إلى بعض ذلك. وأنا شارع في تتميم ذلك وتكميله وإيراد القول فيه مفصلا والتعريف بما لم يجر له ذكر من ذلك.

فأقول: إن المعاني منها ما يقصد أن تكون في غاية من البيان على ما تقدمن ومنها ما يقصد أن تكون في غاية من الإغماض، ومنها ما يقصد أن يقع فيه بعض غموض، ومنها ما يقصد أن يبان من جهة وأن يغمض من جهة.

وبيان المعاني يكون بتعريها من الأوصاف التي تبعدها عن البيان. وتلك الأوصاف تنقسم: إلى ما يرجع إلى المعنى وإلى ما يرجع على اللفظ المعبر عنه. وتلك الأشياء الراجعة إلى المعنى أو إلى العبارة: إما أن تكون راجعة في كليهما إلى مادة أو إلى وضع وترتيب أو إلى مقدرا أو على ما يكون متضمنا لهما أو ملتزما.

ص: 56

1-

إضاءة: فمما يرجع إلى المعنى من ذلك: أن يكون المعنى في نفسه دقيقا لطيفا يحتاج على تأمل وفهم، ومنها أن يكون المعنى قد أخل ببعض أجزائه ولم تستوف أقسامه، ومن ذلك أن يكون المعنى مرتبا على معنى آخر لا يمكن فهمه وتصوره إلا به، ومنه أن يكون المعنى منحرفا بالكلام وغرضه عن مقصده الواضح معدولا إليه عما هو أحق بالمحل منه.

2-

تنوير: فأما الوجه الأول وهو أن يكون المعنى في نفسه دقيقا لطيفا يحتاج إلى تأمل وتفهم فيجب في ما كان بهذه الصفة أن يجهد في تسهيل العبارة المؤدية عن المعنى وبسطها حتى يقابل خفاؤه بوضوحها وغموضه ببيانها حتى تبلغ الغاية المستطاعة في ذلك. فإذا اجتهد الشاعر في توفية العبارة حقها من البيان وقصد بها الإيضاح غاية ما يستطيع فقد أزال عن نفسه اللوم في ذلك ونفى عنها التقصير، ووجب عذره في خفاء المعنى إذ لا يمكن أن يصيره في نفسه جليا.

3-

إضاءة: ويجب أيضاً على الشاعر فيما لم يمكنه أن يبين عنه حق الإبانة أن يقرن ذلك المعنى بما يناسبه ويقرب منه من المعاني الجلية ليكون في ذلك دليل على ما انبهم من ذلك المعنى، إذ قد يستدل على المعنى بما يجاوره من المعاني وينبه بعضها على بعض.

4-

تنوير: وأما الوجه الثاني وهو الإخلال ببعض أركان المعنى وترك الاستيفاء لها فهذا يقع للشاعر بأن يذهل عن بعض أركان المعنى أو يجهله، أو بأن يتركه من غير ذهول منه لكن لاضطرار الشعر له بانضمامه على القافية أو لان الوزن غير مساعد له. فإذا طرأ في هذا المعنى غموض من الوجه فهو مما يرجع إلى العبارة. ويخلص من ذلك تسريح عنان الكلام يسيرا. فإن ضاق المجال عن استيفاء أجزاء المعنى في بيت واحد فليكن ذلك في بيت وبعض بيت آخر أو في بيتين، فقد يمكنه استقصاء ما أراده بهذه الطريقة. فإن تعذر عليه الاستقصاء بالجملة فليسقط ذلك المعنى، فإن نقصه نقص في حقه. ولا يزال ذو المعرفة بتصاريف الكلام والدربة بتأليف النظام يضع اللفظة موضع اللفظة ويبدل صيغة مكان صيغة حتى يتأتى له مراده وينال من كمال المعنى بغيته.

5-

إضاءة: وأما الوجه الثالث وهو أن يكون المعنى مرتبا على معنى آخر لا يمكن فهمه إلا به فقد يكون المعنى المبني عليه داخل الكلام وخارجه. ويجب أن يقصد - فيما يبني المعنى عليه مما هو خارج الكلام- الشهرة وأن يحسن الدلالة على ذلك من العبارة وأل يحال بين المعنى وما يبنى عليه مما هو موجود في الكلام بما هو أجنبي عنهما، وأن يحسن مساق الكلام في ذلك حتى يعلم أن أحدهما بسبب من الآخر.

6-

تنوير: وأما الوجه الرابع: وهو أن يكون المعنى متحرفا بغرض الكلام عن مقصده الواضح معدولا إليه عما هو أحق بالمحل منه حتى يوهم المعنى أن المقصود به ضد ما يدل عليه اللفظ المعبر به عنه. وأكثر الناس يجعلون هذا النوع من الكلام مقلوبا. وبعض الناس يتأول ما ورد من ذلك تأويلا فيه سلامة من القلب، ويرى أن ذلك وإن بعد التأويل أولى من حم الكلام على القلب، إذ العبارة إنما تدل على المعنى بوضع مخصوص وترتيب مخصوص، فإن بدل ذلك الوضع والترتيب زالت تلك الدلالة. وهذا موضع يجب أن يوقف به عند السماع وإلا يقاس عليه لأنه إن كان الكلام مقلوبا، وكانت العبارة مقصودا بها غير ما تدل عليه بوضعها، وسوغ هذا عند حامل الكلام على هذا المذهب أن المقصد من الكلام واضح، وإن كانت العبارة غير دالة عليه، فقد ذهب بالكلام مذهب فاسد وكان ذلك خطأ في العبارة. وفي سعة الكلام مندوحة عن المذاهب الفاسدة. وإن كان الكلام غير مقلوب، ولكنه قصد به معنى آخر غير المعنى الذي يريد به من يجعل الكلام مقلوبا، فذلك أيضاً قبيح لأنه وضع المعنى البعيد الذي لم يؤلف موضع المعنى القريب المألوف، فلا يجب أيضاً سلوك هذا المذهب. فكلا التأويلين في هذا الباب خارج بالكلام عن المهيع الذي يكون للمعنى فيه موقع من النفس ومكانة مكينة من الفهم. فالواجب في فصيح الكلام أن يكون خاليا منه.

ص: 57

7-

إضاءة: ويشبه أن يكون هذا الضرب من الكلام مما غلط فيه من ليس من علية فصحاء العرب وبلغائها (بالحمل) على العلية منهم. فكل امرئ منهم إنما يأتم في الفصاحة بمن فوقه. فإذا وجد المؤتم منهم كلاما لمن يأتم به قد قصد به مقصدا يمكن أن يفهم على خلافه بل ربما كان خلافه أسبق إلى الفهم لكونه أشهر في ما يقال في الغرض المقصود بالكلام، وكان الشاعر قد عدل عن الأشهر إلى الأخفى إما اضطرارا على ذلك أو قصدا على الافتنان في معاني الكلام والاتساع في مذاهبه -فمن عادتهم أن يأخذوا الكلام من كل مآخذ ويجتلبوا المعاني من كل مجتلب وأن يتلاعبوا بالكلام على وجوه من الصحة- فهم الكلام على خلاف ما قصده القائل ورأى العبارة لا تدل على ما فهم إلا بعد القلب، فظن أن هذا مذهب في الكلام لمن يأتم به، وأن للشاعر أن يعبر عن المعنى بما لا يدل عليه إلا بعد القلب، ويكتفي بما يسبق إلى الأفهام في ذلك فيجعل ذلك مذهبا له فيخطئ فيه.

وعلى هذا النحو وقع كثير من المذاهب الفاسدة في كلام العرب لأن أرداف الفصاحة منهم إذا رأوا لصدورهم استعمالا ما في شيء قاسوا على ذلك ما يرون أنه مماثل لذلك الشيء، وقد تكون بينهما مفارقة من وجه أو أوجه فيغلطون في القياس، وكذلك في كثير مما يتأولونه عليهم.

فلذلك يجب ألا يقبل من الضرائر غلا ما وجد في ما اجتمعت عليه الروايات الصحيحة من كلام علية الفصحاء منهم مما تحقق براعته انتسابه إليهم كقصائد امرئ القيس والنابغة وزهير ومن جرى مجراهم.

8-

تنوير: وقد وقعت أبيات من الشعر حملها قوم على القلب وخرجها آخرون على وجوه يصح الكلام عليها لفظا ومعنى. كقول الحطيئة: (الطويل -ق- المتدارك)

فلما خشيت الهون والعير ممسك

على رغمه ما أمسك الحبل حافره

لأن الحبل إذا أمسك الحافر فالحافر أيضاً قد شغل الحبل وأمسكه عن أن يتخلى عنه ويتلفت، فعلى هذا ليس بمقلوب.

وكذلك قول أبي النجم: (الرجز -ق- المتدارك)

قبل دنو الأفق من جوزائه

لأن الجوزاء إذا دنت من الأفق دنا منها.

وقد حمل قوم قطري بن الفجاءة: (الكامل -ق- المترادف)

ثم انصرفت، وقد أصبت ولم أصب

جذع البصيرة قارح الإقدام

على القلب. قالوا يريد قارح البصيرة جذع الإقدام كما يقال إقدام غر ورأي مجرب. والأحسن في هذا البيت حمله على غير القلب، وذلك على تأويلين: أحدهما أن يريد أن هذا الموطن الذي وصفه كان أعظم موطن حضره وأشد موقف شهده فيئس فيه من الحياة وأيقن بالتلف حين رأى نفسه دريئة للرماح ودمه قد خضب سرجه ولجامه كما ذكر في هذا الشعر، ثم خلص من هول ذلك الموقف ووقع الأمر على خلاف ما كان وقع في نفسه حين انصرف وقد قتل ولم يقتل، فحدثت له إذاك بصيرة أن الإقدام غير علة للحمام وأن من يركن إلى الإحجام خفية من أن يصاب فليس على بصيرة، إذ لو شهد ما شهدت ثم انصرف مصيبا لا مصابا لحديث له بصيرة بأن السلامة غير مقصورة على مواطن الدعة وأن الهلاك غير موقوف على مواقف المكافحة، وحمله اجتماع الظفر له والسلامة بالإقدام على ألا يركن إلى الإحجام. فعبر عن قرب عهد حدوث البصيرة له عند انصرافه عن تلك الحرب بأن جعل البصيرة جذعة لأن الجذع هو الذي على أول سنة الأخذ في الاستحكام وجعل الإقدام قارحا لأنه كان من سجيته ثابتا قبل البصيرة.

9-

إضاءة: والتأويل الثاني ما حكاه ابن سنان الخفاجي عن أبي العلاء صاعد به عيسى الكاتب أنه جاراه في بعض الأيام في هذا البيت، فقال صاعد: "ما المانع أن يكون مقصوده لم اصب أي لم ألف على هذه الحال بل وجدت على خلافها جذع الإقدام قارح البصيرة، ويكون الكلام على وجه غير مقلوب، فتمكن الدلالة على أن قوله في البيت لم أصب بمعنى لم ألف دون ما يقولون من أن مراده لم أجرح من قوله قبل:

لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى، متخوفا لحمام

لقد أراني للرماح دريئة

من عن يميني مرة، وأمامي

حتى خضبت بما تحدر من دمي

أكناف سرجي أو عنان لجامي

ثم انصرفت، وقد أصبت، ولم أصب

جذع البصيرة، قارح الإقدام

ص: 58

فكيف يكون لم يصب وقد خضب بدمه أكناف سرجه ولجامه. فأما قولهم: إنه أراد من دمي أي من دماء قومي وبني عمي فمبالغة منهم في التعسف والعدول عن وجه الكلام ليستمر لهم أن يكون الكلام فاسدا غير صحيح) .

ثم قال الخفاجي: (وهذا الذي ذكره أبو العلاء وسبق له وجه يجب تقبله وإتباعه فيه. وفحوى كلام قطري تدل على أنه أراد أنه جرح ولم يمت إعلاما أن الإقدام غير علة فيا لحمام وحضا على الشجاعة وبغض الفرار.

وقد حمل قوم قوله سبحانه: (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة)، وقوله تعالى:(وإنه لحب الخير لشديد) على القلب. وحمل الكلام على القلب في غير القرآن إذا أمكن حمله على الاستقامة تعسف شديد، فكيف في الكتاب العزيز والواجب أن تجعل الباء في قوله تعالى بالعصبة للتعدية ويكون المراد - والله أعلم - أن المفاتح تنوء بالعصبة أي تميلها من ثقلها، وهو قولا لقراء، وأن يكون قوله تعالى لشديد بمعنى بخيل، أي أنه لحب المال لبخيل والخير المال) .

10-

تنوير: فكل كلام يمكن حمله على غير القلب بتأويل لا يبعد معناه، فليس يجب حمله على القلب.

وأما ما لا يمكن فيه التأويل فواجب ألا يعمل عليه وأن يوقف عنده. ومنه عقول عروة بن الورد: (الوافر -ق- المترادف)

فلو أني شهدت أبا معاذ

بمهجته غداتئذ يفوق

فديت بنفسه نفسي ومالي

فما آلوك إلا ما أطيق

يريد فديت بنفسي، فهذا وأمثاله لا يجب أن يعمل عليه لأنه كلام خطأ على ما قدمناه. ويحتمل أن يكون هذا وما أشبهه مما غيره بعض الرواة لتقارب العبارات واشتباه بعضها ببعض. فقد ينحرف محفوظ الراوي عن أصل وضعه قليلا فلا يشعر بذلك: ألا ترى أن هذا البيت يتأتى تغيير العبارة الواقعة في صدره إلى وضع يدل على مفهوم صحيح فيقال فيه: جعلت فداءه نفسي ومالي. وبدل فديت بنفسه.

11-

إضاءة: وأما ما يرجع إلى اللفظ مما يوقع في المعاني غموضا واشتكالا فمن ذلك أن تكون الألفاظ الدالة على المعنى أو اللفظة الواحدة.

منها حوشية أو غريبة فيتوقف فهم المعنى عليها. والواجب على الشاعر أن يجتنب من هذا ما توغل فيا لحوشية والغرابة ما استطاع حتى تكون دلالته على المعاني واضحة وعبارته مستعذبة. ومتى لزه إلى شيء من ذلك اضطرار وأمكنه أن يقرن باللفظة ما يهتدى به إلى معناها من غير أن يكون ذلك حشوا كان الأمر في ذلك أشبه.

12-

تنوير: ومن ذلك أن تكون اللفظة أو الألفاظ مشتركة فتدل على معنيين أو أكثر لا في حال واحدة، فيجب للناظم أن ينوط باللفظة أو الألفاظ التي بهذه الصفة من القرائن ما يخلص معناها إلى المفهوم الذي قصده حتى يكون المعنى مستبينا، وذلك حيث يقصد البيان. وينبغي ألا يكثر من هذا النوع حيث يقصد الإبانة عن المعاني.

ومما ورد من ذلك فاضطرب الناس في تأويله قول الحارث بن حلزة: (الخفيف -ق- المترادف)

زعموا أن كل من ضرب العير

موال لنا وأنى الولاء

فقيل أراد بالعير الوتد وأراد بالضاربين العرب لأنهم كانوا أصحاب عمد، وقيل أراد عير العين وهو ما نتأ منها أي كل من ضرب عير عينه بجفنه، وقيل أراد بالعير ما يطفو على الحوض من الأقذاء وأصله التشديد وهو العاثر والعير، فخفف كما قيل هين وهين، وقيل فيه وجوه أخر غير هذه.

13-

إضاءة: ومن ذلك أن تكون كلمة قد وصلت بحرف أو حذف منها حرف فتتصل بكلمة يحتمل لفظها أن يكون الحرف الموصول بالأول داخلا عليها أو من جملة حروفها أو يكون قد دخل على الثانية حرف يخيل لك أنه صلة للأولى أو تتمة لما نقص منها فيعرض من هذا فهم الكلام على غير وجهه.

ومن هذا قول امرئ القيس: (البسيط -ق- المتدارك)

نطعنهم سلكى ومخلوجة

لفتك لأمين على نابل

لأن الكاف محتملة أن كون ضميرا مضافا إليها ما قبلها، وأن تكون حرفا جارا لما بعدها.

ومن هذا ما روي من أن الأصمعي أنشد يوما: (الخفيف -ق- المترادف)

لم ينالوا مثل الذي نلت منهم

وسواء ما نلت منهم ونالوا

ثم قال لأصحابه: كيف أوجب في آخر البيت ما نفى في أوله؟. فقالوا: لا ندري، قال: قد أجلتكم فيه شهرا. قالوا: لو أجلتنا فيه سنة ما علمناه، فقال: إنما هي لمي ترخيم لمياء ثم قال: نالوا مثل الذي نلت منهم، فهذا إيجاب أنهم نالوا وليس بنفي على ما يتوهم سامعه.

ص: 59