الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د- معرف دال على طرق المعرفة بما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد
.
فأما ما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد، فتأخذ منها المعاني التي ليس فيها تعرض للقدح فيها وجميع ما يتعلق بها من جهات وعبارات ليجعل ذلك بساطا للتدرج إلى الهزل.
1-
إضاءة: وقد تأخذ من معانيها أيضاً ما يقدح فيه لكن على جهة حكايتها والرد عليها والتفنيد لها بعد التقرير. وأما أخذ جميع ذلك على جهة صرفه إلى طريقة الهزل بما في العبارة الجدية لذلك من الاحتمال يكون العبارة الجدية يمكن فيها أكثر من مفهوم من قبل اشتراك يكون في بعض العبارات أو إيهام اشتراك يعرض في التركيب أو غير ذلك من الوجوه التي لا يكون الكلام بها نصا على معنى واحد فسائغ فيها.
2-
تنوير: ومما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد أيضاً إيراد بعض المعاني العلمية على نحو من الإحالة عليها ببعض معاني الهزل والمحاكاة بها، كقول أبي نواس:(المتقارب -ق- المترادف)
صرت له رفعا على الابتداء
…
وصار لي نصبا على الحال
3-
إضاءة: وتشارك طريقة الهزل طريقة الجد في الأخذ بطرف من المتانة، أو يكون ذلك مما تأخذه طريقة الهزل منها لأنه أليق بطريقة الجد وأنجع فيها وأكثر استصحابا لها.
4-
تنوير: فهذه قواني مقنعة فيما يتعلق بالطريقة الجدية وما يتعلق بالطريقة الهزلية وما يتعلق بهما معا. ومعرفتها أكيدة في صناعة النقد والبصيرة بطرق الكلام وما يجب بها. فكثير من وجوه النقد والنظر في هذه الصناعة يتعلق بها. وأيضا فإنه إذا أريد الحكم بن شاعرين متماجنين أيهما أشعر أو بين جاد وماجن أيهما أمضى في طريقته وأبرع فيها لم يكن بد من معرفة هذه القوانين فيا لطريقتين، إذ بها يتبين نمط كلامه وإعراقه في الطريقة التي هو مبني عليها وسلامته بحسب ما يجب فيها. فلهذا ألمعت إلى ما يجب فيا لطريقتين ببعض القول، فمن تفهم ذلك وكان اعتباره بحسبه يصب إن شاء الله.
المنهج الثاني في الإبانة عن طرق الشعر من حيث تنقسم إلى فنون الأغراض، وما تعتبر
به أحوال الشعر في جميع ذلك من حيث تكون ملائمة أو منافرة لها.
أ- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب ما قصد به من الأغراض
.
اختلف الناس في قسمة الشعر: فقسمه بعض من تكلم في ذلك إلى ستة أقسام: مدح وهجاء ونسيب ورثاء ووصف وتشبيه.
وقال بعضهم: الصحيح أن تكون أقسامه خمسة لأن التشبيه راجع إلى معنى الوصف.
وممكن أيضاً أن يقول قائل: إن قسم الوصف أيضاً داخل في قسم الحمد أو قسم الذم، وإن كان جاعل الوصف قسما غنما يعني الأوصاف التي ليس بالإنسان حاجة إلى حمد موصوفاتها ولا إلى ذمها ولا هي أيضاً يصل إليها من ذلك شيء، وإنما القصد بوصفها سبر الخواطر ورياضتها.
وقال بعضهم::أركان الشعر أربعة: الرغبة والرهبة والطرب والغضب) . وقال بعضهم: (الشعر كلمة فيا لحقيقة راجع إلى معنى الرغبة والرهبة) .
وهذه التقسيمات كلها غير صحيحة لكون كل تقسيم منها لا يخلو من أن يكون فيه نقص أو تداخل.
وأنا أذكر الوجه الصحيح والمأخذ المستقيم في القسمة التي لا نقص فيها ولا تداخل.
1-
إضاءة: فأما طريق معرفة القسمة الصحيحة التي للشعر من جهة أغراضه فهو أن الأقاويل الشعرية لما كان القصد بها استجلاب المنافع واستدفاع المضار ببسطها النفوس إلى ما يراد من ذلك وقبضها عما يراد بما يخيل لها فيه من خير أو شر، وكانت الأشياء التي يرى أنها خيرات أو شرور منها ما حصل ومنها ما لم يحصل، وكان حصول ما من شأنه أن يطلب يسمى ظفرا، وفوته في مظنه الحصول يسمى إخفاقا، وكان حصول ما من شأنه أن يهرب عنه يسمى أداة أو رزءا، وكفايته في مظنه الحصول تسمى نجاة، سمي القول في الظفر والنجاة تهنئة، وسمي القول بالإخفاق إن قصد تسلية النفس عنه تأسيا، وإن قصد تحسرها تأسفا، وسمي القول في الرزء إن قصد استدعاء الجلد على ذلك تعزية، وإن قصد استدعاء الجزع من ذلك سمي تفجيع. فإن كان المظفور به على يدي قاصد للنفع جوزي على ذلك بالذكر الجميل وسمي ذلك مديحا، وإن كان الضار على يدي قاصد لذلك فأدى ذلك إلى ذكر قبيح سمي ذلك هجاء، وإذا كان الرزء بفقد شيء فندب ذلك الشيء سمي ذلك رثاء.
2-
تنوير: ولما كانت المنافع كأنها تنقسم إلى ما يكون بالنسبة والملاءمة مثل ما يوجد من مناسبة بعض الصور لبعض النفوس فيحصل لها بمشاهدة تلك الصورة المناسبة لها نعيم وابتهاج - وذلك الابتهاج نوع من المنافع لتلك النفس- وإلى ما يكون بالفعل والاعتماد مثل ما يعتمده الإنسان من إسعاف آخر بطلبته فيكون في إسعافه بها منفعة له، وإلى ما يكون منفعة بالقوة والمال أو بتشفي النفس فقط مثل ما تحل مضرة بعدو إنسان فتنفع ذلك الإنسان بان تضعه له وتقويته على مقاومته والانتصاف منه، وربما لم ينتفع من ذلك إلا بسرور التشفي فقط، وكانت المضار أيضاً تنقسم إلى أضداد ما ذكرته اقتضى ذلك انقسام الذكر الجميل إلى ما يتعلق بالأشياء المناسبة لهوى النفس وسمي ذلك نسيبا، وإلى ما يتعلق بالأشياء المستدعية رضى النفس وسمي ذلك كما تقدم مديحا، وكان ما يتعلق من الذكر القبيح بالأشياء المنافرة لهوى النفس والأشياء المباعدة عن رضاها كلاهما داخل تحت قسمة واحدة وهي الهجاء.
3-
إضاءة: فالطرق قد تختلف بحسب اختلاف المنافع وكذلك بحسب اقتران الأحوال التي للقائلين والمقول فيهم، مثل أن يقترن في القول وصف حال مرتاح بحال مرتاح له أو حال مكترث بحال مكترث له، فتختلف الطرق أيضاً بحسب اختلاف ذلك. ألا ترى أن الميزة بين المديح والنسيب إذا لم يتعرض المشبب لوصف حاله غنما هو بأن النسيب يكون بأوصاف مناسبة لهوى النفس ويكون مع ذلك مقترنا به وصف حال توجع المشبب في كثير من الأمر، والمديح يكون بأفعال شريفة دالة على كمال الإنسان مستدعية لرضى النفوس من غير أن يقرن بذلك من صفة حال القائل ما اقترن بالتشبيب. والفرق بين النسيب المقترن به وصف حال توجع ورثاء النساء المقترن به حال توجعه أيضاً أن النسيب بموجود والرثاء لمفقود. فهذه أيضاً من الجهات التي تختلف الطرق بها.
4-
تنوير: ولما كان ما يهرب منه قد يقع ممن يحتمل منه ذلك ولو أدنى احتمال - فلا يؤاخذ به جملة أو لا يؤاخذ به كبير مؤاخذة، ومنهم من يؤاخذ به أشد المؤاخذة - سمي ما يتعلق من القول بذلك بحسب طبقات من يقع ذلك منهم ونسبتهم إلى القائل معاتبة وتعديدا وتوبيخا وتقريعا. فإن صدر ما يكون منه الهرب من القائل إلى المخاطب ثم أعفاه منه وتعلق القول بذلك سمي إعتابا. فإذن تنقسم الأقوال فيما حصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه إلى تهان وما معها، وتعاز وما معها، ومدائح وما معها، وأهاج وما معها.
5-
إضاءة: ولا يخلو الشيء الحاصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه من أن يكون ذو العناية به أحدا - كان القائل أو غيره - ويكون هو حاكيا ذلك عنه، أو يكون قد عني به متنازعان في استجلابه أو مدافعته - كان القائل أحد المتنازعين أو لم يكن - غير أنه يحكي حالهما أو يكون حاكما بينهما، فيكون الكلام على هذا إما اقتصاصا وإما مشاجرة وإما فصلا في مشاجرة؛ وقد تكون المشاجرة والفصل فيها متعلقين بما يستقبل.
6-
تنوير: فأما الأمور التي لم تحصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه فلا يخلو من أن يكون المتكلم هو الطالب لها أو الهارب منها من تلقاء السامع، أو يكون السامع هو الطالب لها أو الهارب عنها من تلقاء المتكلم. فما كان من المتكلم إلى السامع مما شأنه أن يطلب يسمى إذا لم يعلم رأيه فيه غرضا، وما كان من تلقاء السامع إلى المتكلم وكان طلبا جزما سمي اقتضاء، فإن كان بتلطف سمي استعطافا، وإن كان يرى أنه قد جاوز الوقت الذي كان يجب فيه سمي استبطاء، فإن كان مما شأنه أن يهرب منه وأنذر به المتكلم من تلقاء نفسه أو من غيره سمي ذلك إبعادا وتهديدا وإنذارا وتخويفا ونحو ذلك. فإن خافه من تلقاء السامع واستدفعه إياه سمي ذلك استعفاء أو استقالة أو ترضيا أو نحو ذلك.
فقد حصل بهذا الاعتبار إذن أقاويل عرضيات وترهيبات وتخويفات واستدفاعيات ومنها الإطماعيات أيضاً ومقابلتها وهو ما أطمع القائل فيه أو أيأس منه.