المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية - منهاج البلغاء وسراج الأدباء

[القرطاجني]

فهرس الكتاب

- ‌المنهاج الأول

- ‌أ- معلم (دال) على طرق (العلم بالمعاني) وحقائقها وأنحاء (النظر) فيها (وبما ينبغي)

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق اجتلاب المعاني وكيفيات التئامها وبناء بعضها على

- ‌ب- معلم علة طرق العلم باقتباس المعاني وكيفية اجتلابها وتأليف بعضها إلى بعض

- ‌ب?- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء وجود المعاني

- ‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات تركيب المعاني وتضاعفها

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم باستثارة المعاني من مكامنها واستنباطها من معادنها

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بما توجد المعاني معه حاضرة منتظمة في الذهن على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بالمناسبة بين بعض المعاني وبعض والمقارنة بين ما تناظر

- ‌ح- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وما تقدم في المعلم المفتتح به هذا

- ‌ط- مأم من المذاهب المستشرفة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب المقابلة

- ‌ي- مأم من المذهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو التقسيم

- ‌يب_ مأم من المذاهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب التفريع

- ‌المنهج الثالث، في الإبانة عما به تتقوم صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع

- ‌أ?- معلم دال على طرق العلم بما تتقوم به صناعة الشعر من التخييل، وما به تتقوم

- ‌ب- معرف دال على المعرفة بماهية الشعر وحقيقته

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بالأشياء المخيلة

- ‌د- معرف دال عل طرق المعرفة بجهات مواقع التخييل من الأقاويل وما بإزائها من

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما تنقسم غليه المحاكاة

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بأحكام المحاكيات وما يجب أن يعتبر فيها، والاستبانة

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يخص المحاكاة التشبيهية من الأحكام

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بالوجوه التي لأجلها حسن موقع المحاكاة من النفس

- ‌وقال ابن سينا أيضاً في كتاب الشعر من كتاب الشفاء:

- ‌د- المنهج الرابع في الإبانة عن الأحوال التي تعرض للمعاني في جميع مواقعها من

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في أحوال المعاني وما يجب اعتباره فيها من

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما يوضع من المعاني وضع غيره من حيث تكون واجبة أو

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بالوجوه التي بها يقع التدافع بين بعض المعاني وبعض

- ‌ز- معلم دال على طرق بوقوع المعاني المتقاربة متمكنة

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون من المعاني أصيلا في بابي المدح والذم، وما

- ‌ط- معلم دال على طريقة العلم بما يجب أن يعتمد في مدح صنف صنف من الناس

- ‌ي- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون به وضوح المعاني أو غموضها

- ‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما

- ‌يب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في المعاني من حيث يكون فهمها متوقفا

- ‌يج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في المعاني، من حيث تكون قديمة متداولة

- ‌المباني

- ‌القسم الثالث في النظم وما تعرف به أحواله من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافراً

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن قواعد الصناعة النظمية والمآخذ التي هي مداخل إليها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بقواعد الصناعة النظمية التي عليها تقوم مباني النظم

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بكيفية العمل في المروى والمرتجل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفية التصرف في مقاصد الشعر وجهاته

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بتحسين هيآت العبارات والتأنق في اختيار موادها، وإجادة

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بمجازي الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها

- ‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما وقع في أوزان العرب من ضروب التركيبات المتلائمة

- ‌ج - معلم دال على طرق العلم بمقادير تناسب الوزان وما يسوغ فيها من التعابير وما لا

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في بناء الأشعار على أوفق الأوزان لها

- ‌فالتأليف من المتناسبات له حلاوة في المسموع، وما ائتلف من غير المتناسبات

- ‌هـ- معلم دال على طرق العم بما قصد في أبنية القول من أنحاء التناسب وذهب فيها من

- ‌معرف دال على طرق المعرفة بتأصيل القوافي وبناء ما قبلها عليها وبنائها على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يجب في المطالع والمقاطع على رأي من قال هي أوائل

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عما يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها ببعض وتحسين

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأحكام مباني الفصول وتحسين هيئاتها ووصل بعضها ببعض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب اعتاده في الفصول من جهة اشتمالها على أوصاف

- ‌ج - مأم من مذاهب البلاغة المستبانة بهذا المنهج وهو مذهب التسويم

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة مما تقدم أيضا، وهو مذهب التحجيل

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن كيفية العمل في إحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بإحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها وما تجب العناية

- ‌ب- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وهو مذهب الإبداع في الاستهلال

- ‌ج- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء التخلصات من حيز إلى حيز وعطف أعنة الكلام من

- ‌د- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب الإبداع في التخلص

- ‌هـ- معلم دال على طق العلم بالفرق بين المقصد والمقطع

- ‌الأسلوب

- ‌القسم الرابع في الطرق الشعرية وما تنقسم إليه وما ينحى بها نحوه من الأساليب

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن طريق الشعر من حيث تنقسم إلى جد وهزل، وما تعتبر به

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في طريقة الجد

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب أن يعتمد في طريقة الهزل

- ‌ج- معلم دال على طرق العمل بما تأخذه طريقة الجد من طريقة الهزل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق الشعر من حيث تنقسم إلى فنون الأغراض، وما تعتبر

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب ما قصد به من الأغراض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يوجد لبعض الخواطر من قوة على التشبه فيما لا يجري

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب اختلافات أنحاء التخاطب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما ينقسم إليه الشعر بحسب إيقاع الحيل الشعرية فيه

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده فيكل غرض من أغراض الشعر المتقدم تقسيمه

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عن الأساليب الشعرية وأنحاء الاعتمادات فيها، وما يجب أن

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بالأساليب الشعرية وما تنوع إليه، وينحى بها نحوه

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما ينحى بالأساليب نحوه من جهة ما يقصد حسن موقعها من

- ‌ج- مأم من المذاهب المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب تأنيس المعاني بعضها ببعض

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة بالعلم المتقدم أيضا، وهو مذهب المراوحة بين المعاني

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بكيفية الاستمرار في الأساليب والاطراد عليها وما يحسن

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن المنازع الشعرية وأنحائها وطرق المفاضلة بين الشعراء

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في المنازع الشعرية التي يكون للكلام

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بالمآخذ اللطيفة في المنازع التي ربما خفي الوجه الذي

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما يجب أن يعتقد ويقال في المفاضلة بين الشعراء، بحسب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بمبلغ هذا الكتاب من أصول هذه الصناعة

الفصل: ‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية

15-

إضاءة: وقد تقدم الكلام في ما تكون عليه الألفاظ في أنفسها وبالنظر إلى هيآتها ودلالتها وكيفية مواقع تلك الهيآت بدلالتها من النفوس. وبقي الآن أن نتكلم في المعاني الذهبية وفي بعض ما يحتاج إليه في هذه الصناعة مما يتعلق بالأشياء التي تلك المعاني الذهبية صور لها مما تكون عليه تلك الأشياء وما تكون عليه صورها، ومن جهة مواقعها من النفوس، وكونها مما يستميل النفس أو ينفرها لكونها ملائمة لها أو منافرة، أو بإيهام النفس ذلك فيها بتخييل شعري أو إقناع خطابي وما يكون فيه معونة على تقوية ذلك.

16-

تنوير: وأنا أدرج تفاصيل هذه الجملة في ما أشرعه إثر هذا من المعالم والمعارف بحسب ما يتوجه إليه النظر في معلم معلم ومعرف معرف من ذلك، لتعرف بذلك الطرق الصحيحة في اعتبار ما تكون عليه أحوال المعاني الذهنية وما هي أمثلة له بالنظر إلى ما يستحسن في كل مذهب من مذاهب هذه الصناعة وما لا يستحسن من ذلك. وقد سلكت من التكلم في جميع ذلك مسلكا لم يسلكه أحد قبلي من أرباب هذه الصناعة لصعوبة مرامه وتوعر سبيل التوصل إليه. هذا على أنه روح الصنعة وعمدة البلاغة. وعلى هذا جريت في أكثر ما تكلمت به فيما عدا هذا القسم من أقسام الكتاب. فإني رأيت الناس لم يتكلموا إلا في بعض ظواهر ما اشتملت عليه تلك الصناعة، (فتجاوزت أنا تلك الظواهر) بعد التكلم في جمل مقنعة مما تعلق بها التكلم في كثير من خفايا هذه الصنعة ودقائقها على حسب ما تقدم وما يأتي إن شاء الله.

‌ب?- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء وجود المعاني

.

إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان. فكل شيء له وجود خارج الذهن فإنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة الذهنية في أفهام السامعين وأذهانهم. فصار للمعنى وجود آخر من جهة دلالة الألفاظ. فإذا احتيج إلى وضع رسوم من الخط تدل على الألفاظ من لم يتهيأ له سمعها من المتلفظ بها صارت رسوم الخط تقيم في الأفهام هيآت الألفاظ فتقوم بها في الأذهان صور المعاني فيكون لها أيضاً وجود من جهة دلالة الخط على الألفاظ الدالة عليها.

1-

إضاءة: قد تبين أن المعاني لها حقائق موجودة في الأعيان ولها صور موجودة في الأذهان ولها من جهة ما يدل على تلك الصور من الألفاظ وجود في الأفهام، ولها وجود ما يدل على تلك الألفاظ من الخط يقيم صور الألفاظ وصور ما دلت عليه في الأفهام والأذهان.

2-

تنوير: وقد تقدم الكلام في كثير مما يجب معرفته من المعاني من حيث توجد في الألفاظ. وبقي أن نتكلم الآن فيها من حيث توجد في الأذهان، وأن نشفع ذلك بذكر بعض ما يتعلق بها من جهة وجودها خارج الذهن مما يتأكد معرفته في هذه الصناعة، وأن نستدرك ما لعلنا لم نذكره مما يتعلق بجهة وجودها في الألفاظ. فأما الوجود الذي لها من جهة الخط فليس التكلم فيه من مبادئ هذه الصناعة.

‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية

الانتساب إلى طرق الشعر المألوفة والأغراض المعروفة عند جمهور من له فهم بالطبع، أو ضعيفة الانتساب إلى ذلك.

لما كان علم البلاغة مشتملا على صناعتي الشعر والخطابة وكان الشعر والخطابة يشتركان في مادة المعاني ويفترقان بصورتي التخييل والإقناع وكان لكلتيهما أن تخيل وأن تقنع في شيء شيء من الموجودات الممكن أن يحيط بها علم إنساني وكان القصد في التخييل والإقناع حمل النفوس على فعل شيء أو اعتقاده أو التخلي عن فعله واعتقاده وكانت النفس إنما تتحرك لفعل شيء أو اعتقاده أو التخلي عن واحد واحد من الفعل والطلب والاعتقاد بأن يخيل لها أو يوقع في غالب ظنها أنه خير أو شر بطريق من الطرق التي يقال بها في الأشياء إنها خيرات أو شرور

ص: 4

1-

إضاءة: والأشياء التي يقال فيها إنها خيرات وشرور أو يتوهم أنها كذلك منها أمور يشترك في معرفتها وإدراكها الخاصة والجمهور ومنها أمور ينفرد بإدراكها ومعرفتها الخاصة دون الجمهور_ وكانت علقة جل أغراض الناس وآرائهم بالأشياء التي اشترك الخاصة والجمهور في اعتقادهم أنها خير أو شر، وكان أحق تلك الأشياء بأن يميل الناس إليها أو ينفروا عنها الأشياء التي فطرت النفوس على استذاذها أو التألم منها أو حصل لها ذلك بالاعتياد، وجب أن تكون أعرق المعاني في الصناعة الشعرية ما اشتدت علقته بأغراض الإنسان وكانت دواعي آرائه متوفرة عليه، وكانت نفوس الخاصة والعامة قد اشتركت في الفطرة على الميل إليها أو النفور عنها أو من حصول ذلك إليها بالاعتياد، ووجب أن يكون ما لم تتوفر دواعي أغراض الإنسان عليه وما انفرد بإدراكه المكتسب الخاصة دون الجمهور غير عريق في الصناعة الشعرية بالنسبة إلى المقاصد المألوفة والمدارك الجمهورية.

2-

تنوير: فأما بالنظر إلى حقيقة الشعر فلا فرق بين ما انفرد به الخاصة دون العامة وبين ما شاركوهم فيه، ولا ميزة بين ما اشتدت علقته بالأغراض المألوفة وبين ما ليس له كبير علقة إذا كان التخييل في جميع ذلك على حد واحد، إذ المعتبر في حقيقة الشعر إنما هو التخييل والمحاكاة في أي معنى اتفق ذلك.

3-

إضاءة: ولنبين الآن الطرق التي بها تكون علقة المعاني بالأغراض المألوفة عند الجمهور أكيدة وكيف لا تكون علقتها بذلك متأكدة: فأقول: إن الأقاويل المخيلة لا تخلو من أن تكون المعاني المخيلة فيها مما يعرفه جمهور من يفهم لغتها ويتأثر له، أو مما يعرفه ولا يتأثر له، أو مما يتأثر له إذا عرفه، أو مما لا يعرفه ولا يتأثر له لو عرفه. وأحق هذه الأشياء بأن يستعمل في الأغراض المألوفة من طرق الشعر ما عرف وتؤثر له، أو كان مستعدا لأن يتأثر له إذا عرف وكان في قوة كل واحد من جمهور من جبلته في الفهم صالحة أن يتصور ذلك إذا عرف به وذلك كالأخبار التي يحيل عليها الشعراء.

4-

تنوير: وأحسن الأشياء التي تعرف ويتأثر لها أو يتأثر لها إذا عرفت هي الأشياء التي فطرت النفوس على استلذاذها أو التألم منها أو ما وجد فيه الحالان من اللذة والألم كالذكريات للعهود الحميدة المتصرمة التي توجد النفوس تلتذ بتخيلها وذكرها وتتألم من تقضيها وانصرامها. فإذن طرق الشعر إذا في ثلاث جهات: إما أن تكون مفرحة محضة يذكر فيها لقاء الأحبة في حال وجوده واجتلاء الروض والماء وما ناسبهما والتنغم بمواطن السرور ومجالس الأنس، وإما أن تكون (مفجعة) يذكر فيها التفرق والتوحش وما ناسب ذلك وبالجملة أضداد المعاني المفرحة المنعمة، وإما أن تذكر فيها مستطابات قد انصرمت فيلتذ لتخيلها ويتألم لفقدها فتكون طريقة شاجية. واستقصاء القول في هذا يجيء في القسم الرابع ولعلي أن أدرج أيضاً في هذا القسم فضل بيان لذلك.

5-

إضاءة: فما فطرت نفوس الجمهور على استشعار الفرح منه والحزن أو الشجو أو حصل لها ذلك بالعادة هو المعتمد في الأغراض المألوفة في الشعر والمبنى عليه طرقها. وما لم توجد نفوسهم مفطورة عليه من ذلك بما اعتادته فإنما تقع في الأغراض المألوفة بحسب التبعية لما كانت مفطورة عليه أو معتادة له. وذلك بأن يستدرج مما وجد في النفس بحسب الجبلة والعادة إلى ما وجد بالكسب والاستفادة. وتذكر هذه على أنها بعيدة عن التأثير. فلذلك لا يحسن إيراد مثل هذه الأقاويل في الأغراض المألوفة من الشعر ولا يحسن أن تحاكى الأشياء العريقة في الشعر التي اشترطنا فيها الشروط المتقدمة إلا بمثلها مما توجد فيه تلك الشروط.

ص: 5

6-

تنوير: فالمتصورات التي في فطرة النفوس ومعتقداتها العادية أن تجد لها فرحا أو ترحا أو شجوا هي التي ينبغي أن نسميها المتصورات الأصلية. وما لم يوجد ذلك لها في النفوس ولا معتقداتها العادية فهي المتصورات الدخيلة، وهي المعاني التي إنما يكون وجودها بتعلم وتكسب كالأغراض التي لا تقع إلا في العلوم والصناعات والمهن. فالمعاني المتعلقة بهذه الطرق الخاصة ببعض الجماهير لا تحسن في المقاصد العامة المألوفة التي ينحى بها نحو ما يستطيبه الجمهور أو يتأثرون له بالجملة. فإذا استعملت فيها فإنها معيبة لكونها دخيلة في الكلام بحسب الغرض. وإنما تكون أصيلة في الشعر إذا كان غرض الكلام مبنيا على ذلك. فأما إذا لم يكن قصده بنية الكلام على تخييل ما لا يعرفه الجمهور ولا تتأكد علقته بالأغراض، ولكن يورد ذلك على سبيل التبعية على جهة من المحاكاة أو غير ذلك، فإن ذلك غير أصيل في الشعر، ويكون الكلام معيبا بذلك.

7-

إضاءة: والمعاني الشعرية منها ما يكون مقصودا في نفسه بحسب غرض الشعر ومعتمدا إيراده ومنها ما ليس بمعتمد إيراده ولكن يورد على أن يحاكى به ما اعتمد من ذلك أو يحال به عليه أو غير ذلك. ولنسم المعاني التي تكون من متن الكلام ونفس غرض الشعر المعاني الأول، ولنسم المعاني التي ليست من متن الكلام ونفس الغرض ولكنها أمثلة لتلك أو استدلالات عليها أو غير ذلك لا موجب لإيرادها في الكلام غير محاكاة المعاني الأول بها أو ملاحظة وجه يجمع بينهما على بعض الهيآت التي تتلاقى عليها المعاني ويصار من بعضها إلى بعض المعاني الثواني. فتكون معاني الشعر منقسمة إلى أوائل وثوان.

8-

تنوير: وحق الثواني أن تكون أشهر في معناها من الأول لتستوضح معاني الأول بمعانيها الممثلة بها، أو تكون مساوية لها لتفيدتأكيدا للمعنى. فإن كان المعنى فيها أخفى منه في الأول قبح إيراد الثواني لكونها زيادة في الكلام من غير فائدة، فهي بمنزلة الحشو غير المفيد في اللفظ، ولمناقضة المقصد الشعري في المحاكاة والتخييل يكون إتباع المشتهر بالخفي حيث يقصد زيادة المشتهر شهرة أو تأكيد ما فيه من الاشتهار مناقضا للمقصد من حيث كان الواجب في المحاكاة أن يتبع الشيء بما يفضله في المعنى قصد تمثيله به أو يساويه أو لا يبعد عن مساواته، وهي أدنى مراتب المحاكاة.

فالأول هي التي يكون مقصد الكلام وأسلوب الشعر يقتضيان ذكرها وبينة الكلام عليها. والثواني هي التي لا يقتضي مقصد الكلام وأسلوب الشعر بنية الكلام عليها.

9-

إضاءة: ومن المتصورات ما يليق بحقيقة مقاصد الشعر المألوفة وأغراضه المتداولة، وتصلح أن تورد فيها أوائل وثواني، ومنها ما لا يليق بها ولا يصلح فيها أن تورد أوائل ولكن تورد ثواني على ما تقدم ذكره. فالتي يصلح أن تورد أوائل وثواني هي ما تعلق المتصور فيه بشيء معروف عند الجمهور من شأنهم أن يرتاحوا إليه أو يكترثوا له، كان ذلك الشيء مدركا بالحس أو بغيره.

والتي لا يصلح أن تورد أوائل وتورد ثواني هي ما تعلق التصور فيها بحقيقة شيء لا تعم معرفته جميع الجمهور.

10-

تنوير: فالأصيل في الأغراض المألوفة في الشعر من هذين الصنفين ما صلح أن يقع فيها أولا وثانيا متبوعا وتابعا، لأن هذا يدل على شدة انتسابه إلى طرق الشعر وحسن موقعه منها على كل حال. وهي المعاني الجمهورية. ولا يمكن أن يتألف كلام بديع عال في الفصاحة إلا منها.

ص: 6

والصنف الآخر وهو الذي سميناه بالدخيل لا يأتلف منه كلام عال في البلاغة أصلا إذ من شروط البلاغة والفصاحة حسن الموقع من نفوس الجمهور، وذلك غير موجود في هذا الصنف من المعاني. وأيضا فإنه لا يقع في أغراض الشعر المألوفة إلا (ثانيا وتابعا) . ومن تتبع المعاني الواقعة في الشعر التي مرادها ما ذكرت، وكان له أدنى حظ من البلاغة، واعتبر كلا منها بالقوانين الموضوعة في أصول البلاغة، علم صحة ما قلته. وأنا أقرب على من لم يشد شيئا من علم البلاغة مرام التوصل إلى صحة ما ذكرته، بأن يتتبع في كتب الآداب والبلاغة مذاهب العلماء بالشعر في أي بيت -قالته الشعراء من المتقدمين والمحدثين- أو شعر في كل طريق من طرق الشعر التي منها النسيب والمديح والرثاء والهجاء. فإنه لا يجد مواد ما نص على فضله إلا من المعاني التي ذكرت أنها تقع أولا وثواني، ولا يجد فيها من المواد التي ذكرت أنها لا تقع إلا ثواني شيئا البتة. ولو لم يكن في ذلك إلا أن البصراء بهذه الصناعة، كأبي الفرج قدامة وأضرابه قد نص جميعهم على قبح إيراد المعاني العلمية والصناعية والعبارات المصطلح عليها في جميع ذلك، ونهوا عن إيراد جميع ذلك في الشعر.

وسيأتي في ما أذكره بعد، في هذا القسم إن شاء الله، ما يؤكد صدق القول وصحة المذهب في قبيح تلك المعاني بالنسبة إلى الأغراض المألوفة في الشعر.

11-

إضاءة: وإنما احتجت إلى هذا لأن الطباع منذ اختلت، والأفكار منذ قصرت، والعناية بهذه الصناعة منذ قلت، وتحسين كل من المدعين صناعة الشعر ظنه بطبعه، وظنه أنه لا يحتاج في الشعر إلى أكثر من الطبع، وبنيته على أن كل كلام مقفى موزون شعر، جهالة منه: أن الطباع قد تداخلها من الاختلال والفساد أضعاف ما تداخل الألسنة من اللحن، فهي تستجيد الغث وتستغث الجيد من الكلام ما لم تقمع بردها إلى اعتبار الكلام بالقوانين البلاغية، فيعلم بذلك ما يحسن وما لا يحسن.

ولا شك أن الطباع أحوج إلى التقويم في تصحيح المعاني والعبارات عنها من الألسنة إلى ذلك في تصحيح مجاري أواخر الكلم، إذ لم تكن العرب تستغني بصحة طباعها وجودة أفكارها عن تسديد طباعها وتقويمها باعتبار معاني الكلام بالقوانين المصححة لها، وجعلها ذلك علما تتدارسه في أنديتها ويستدرك به بعضهم على بعض وتبصير بعضهم بعضا في ذلك. وقد نقل الرواة من ذلك الشيء الكثير لكنه مفرق في الكتب، لو تتبعه متتبع متمكن من الكتب الواقع فيها ذلك لاستخرج منه علما كثيرا موافقا للقوانين التي وضعها البلغاء في هذه الصناعة.

12-

تنوير: وكيف يظن ظان أن العرب، على ما اختصت به من جودة الطباع لنشئهم على الرياضة واستجداد المواضع وانتجاع الرياض العوازب فضلا عن هذه الطباع التي داخلها الفساد منذ زمان واستولى عليها الخلل، كانت تستغني في قولها الشعر الذي هو بالحقيقة شعر ونظمها القصائد التي كانت تسميها أسماط الدهور عن التعليم والإرشاد إلى كيفيات المباني التي يجب أن يوضع عليها الكلام، والتعريف بأنحاء التصرف المستحسن في جميع ذلك، والتنبيه على الجهات التي منها يداخل الخلل المعاني ويقع الفساد في تأليف الألفاظ والمعاني.

وأنت لا تجد شاعرا مجيدا منهم إلا وقد لزم شاعرا آخر المدة الطويلة، وتعلم منه قوانين النظم، واستفاد عنه الدربة في أنحاء التصاريف البلاغية. فقد كان كثير أخذ الشعر عن جميل، وأخذه جميل عن هدبة ابن خشرم، وأخذه هدبة عن بشر بن أبي خازم، وكان الحطيئة قد أخذ علم الشعر عن زهير، وأخذه زهير عن أوس بن حجر، وكذلك جميع شعراء العرب المجيدين المشهورين. فإذا كان أهل ذلك الزمان قد احتاجوا إلى التعلم الطويل فما ظنك بأهل هذا الزمان، بل أية نسبة بين الفريقين في ذلك؟!

ص: 7

13-

إضاءة: وأنت تجيد الآن الحريص على أن يكون من أهل الأدب المتصرفين في صوغ قافية أو فقرة من أهل زماننا يرى وصمة على نفسه أن يحتاج مع طبعه إلى تعليم معلم أو تبصير مبصر. فإذا تأتى له تأليف كلام مقفى موزون، وله القليل الغث منه، بالكثير من الصعوبة، بأى وشمخ، وظن أنه قد سامى الفحول وشاركهم، رعونة منه وجهلا، من حيث ظن أن كل كلام مقفى موزون شعر. وإن مثله في ذلك مثل أعمى أنس قوما يلقطون درا في موضع تشبه حصباؤء الدر في المقدار والهيئة والملمس، فوقع بيده بعض ما يلقطون من ذلك فأدرك هيأته ومقداره وملمسه بحاسة لمسه، فجعل يعني نفسه في لقط الحصباء على أنها در، ولم يدر أن ميزة الجوهر وشرفه إنما هو بصفة أخرى غير التي أدرك. وكذلك ظن هذا أن الشعرية في الشعر إنما هي نظم أي لفظ اتفق كيف اتفق نظمه وتضمينه أي غرض اتفق على أي صفة اتفق، لا يعتبر عنده في ذلك قانون ولا رسم موضوع. وإنما المعتبر عنده إجراء الكلام على الوزن والنفاذ به إلى قافية. فلا يزيد بما يصنعه من ذلك على أن يبدي عن عواره، ويعرب عن قبح مذاهبه في الكلام وسوء اختياره.

14-

تنوير: وإنما احتجت إلى الفرق بين المواد المستحسنة في الشعر والمستقبحة وترديد القول في إيضاح الجهات التي تقبح وإلى ذكر غلط أكثر الناس في هذه الصناعة لأرشد من لعل كلامي يحل منه محل القبول من الناظرين في هذه الصناعة إلى اقتباس القوانين الصحيحة في هذه الصناعة، وأزع كل ذي حجر عما يتعب به فكره ويصم شعره.

15-

إضاءة: واعلم أن من المعاني المعروفة عند الجمهور ما لا يحسن إيراده في الشعر. وذلك نحو المعني المتعلقة بصنائع أهل المهن لضعتها. (فإن غالب) عباراتهم لا يحسن أن تستعار ويعبر بها عن معان تشبهها لأنها مزيلة لطلاوة الكلام وحسن موقعه من النفس.

16-

تنوير: ومن المعاني التي ليست بمعروفة عند الجمهور ما يستحسن إيراده في الشعر، وذلك إذا كان مما فطرت النفوس على الحنين إليه أو التألم منه، وبالجملة على ما تتأثر له النفس تأثر ارتياح أو اكتراث بحسب ما يليق بغرض من ذلك، وكان من أوائلها الأصلية أو ما يناسبها مما هو بها شديد التعلق، ومن شأنه أن يستطرد منه إليها أبدا كأوصاف البروق. هذا إذا كان في قوة جميع الجمهور أن يعرف المعنى الذي بهذه الصفة إذا ألقي إليه كيفية وقوعه في الوجود ويستحسنه بعد المعرفة، وذلك كالإحالات على الأخبار القديمة المستحسنة وطرف التواريخ المستغربة. فإنها حسنة الموقع من النفوس وفي الشعر ما اشتهر من هذا القبيل، ويعبر عنه بحسان العبارات حتى يعرف الخبر منه مفصلا. ومن قصر عن تفهم شيء من ذلك لم يعوزه وجدان من يفهمه إياه، كما أن اللفظ المستعذب وإن كان لا يعرفه جميع الجمهور مستحسن إيراده في الشعر لأنه مع استعذابه قد يفسر معناه، لمن لا يفهمه، ما يتصل به من سائر العبارة. وإن لم يكن في الكلام ما يفسره لم يعوز أيضاً وجدان مفسره لكونه مما يعرفه خاصة الجمهور أو كثير منهم. والإتيان بما يعرف أحسن.

ص: 8