المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء - منهاج البلغاء وسراج الأدباء

[القرطاجني]

فهرس الكتاب

- ‌المنهاج الأول

- ‌أ- معلم (دال) على طرق (العلم بالمعاني) وحقائقها وأنحاء (النظر) فيها (وبما ينبغي)

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق اجتلاب المعاني وكيفيات التئامها وبناء بعضها على

- ‌ب- معلم علة طرق العلم باقتباس المعاني وكيفية اجتلابها وتأليف بعضها إلى بعض

- ‌ب?- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء وجود المعاني

- ‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات تركيب المعاني وتضاعفها

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم باستثارة المعاني من مكامنها واستنباطها من معادنها

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بما توجد المعاني معه حاضرة منتظمة في الذهن على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بالمناسبة بين بعض المعاني وبعض والمقارنة بين ما تناظر

- ‌ح- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وما تقدم في المعلم المفتتح به هذا

- ‌ط- مأم من المذاهب المستشرفة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب المقابلة

- ‌ي- مأم من المذهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو التقسيم

- ‌يب_ مأم من المذاهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب التفريع

- ‌المنهج الثالث، في الإبانة عما به تتقوم صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع

- ‌أ?- معلم دال على طرق العلم بما تتقوم به صناعة الشعر من التخييل، وما به تتقوم

- ‌ب- معرف دال على المعرفة بماهية الشعر وحقيقته

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بالأشياء المخيلة

- ‌د- معرف دال عل طرق المعرفة بجهات مواقع التخييل من الأقاويل وما بإزائها من

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما تنقسم غليه المحاكاة

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بأحكام المحاكيات وما يجب أن يعتبر فيها، والاستبانة

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يخص المحاكاة التشبيهية من الأحكام

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بالوجوه التي لأجلها حسن موقع المحاكاة من النفس

- ‌وقال ابن سينا أيضاً في كتاب الشعر من كتاب الشفاء:

- ‌د- المنهج الرابع في الإبانة عن الأحوال التي تعرض للمعاني في جميع مواقعها من

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في أحوال المعاني وما يجب اعتباره فيها من

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما يوضع من المعاني وضع غيره من حيث تكون واجبة أو

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بالوجوه التي بها يقع التدافع بين بعض المعاني وبعض

- ‌ز- معلم دال على طرق بوقوع المعاني المتقاربة متمكنة

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون من المعاني أصيلا في بابي المدح والذم، وما

- ‌ط- معلم دال على طريقة العلم بما يجب أن يعتمد في مدح صنف صنف من الناس

- ‌ي- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون به وضوح المعاني أو غموضها

- ‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما

- ‌يب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في المعاني من حيث يكون فهمها متوقفا

- ‌يج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في المعاني، من حيث تكون قديمة متداولة

- ‌المباني

- ‌القسم الثالث في النظم وما تعرف به أحواله من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافراً

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن قواعد الصناعة النظمية والمآخذ التي هي مداخل إليها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بقواعد الصناعة النظمية التي عليها تقوم مباني النظم

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بكيفية العمل في المروى والمرتجل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفية التصرف في مقاصد الشعر وجهاته

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بتحسين هيآت العبارات والتأنق في اختيار موادها، وإجادة

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بمجازي الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها

- ‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما وقع في أوزان العرب من ضروب التركيبات المتلائمة

- ‌ج - معلم دال على طرق العلم بمقادير تناسب الوزان وما يسوغ فيها من التعابير وما لا

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في بناء الأشعار على أوفق الأوزان لها

- ‌فالتأليف من المتناسبات له حلاوة في المسموع، وما ائتلف من غير المتناسبات

- ‌هـ- معلم دال على طرق العم بما قصد في أبنية القول من أنحاء التناسب وذهب فيها من

- ‌معرف دال على طرق المعرفة بتأصيل القوافي وبناء ما قبلها عليها وبنائها على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يجب في المطالع والمقاطع على رأي من قال هي أوائل

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عما يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها ببعض وتحسين

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأحكام مباني الفصول وتحسين هيئاتها ووصل بعضها ببعض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب اعتاده في الفصول من جهة اشتمالها على أوصاف

- ‌ج - مأم من مذاهب البلاغة المستبانة بهذا المنهج وهو مذهب التسويم

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة مما تقدم أيضا، وهو مذهب التحجيل

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن كيفية العمل في إحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بإحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها وما تجب العناية

- ‌ب- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وهو مذهب الإبداع في الاستهلال

- ‌ج- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء التخلصات من حيز إلى حيز وعطف أعنة الكلام من

- ‌د- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب الإبداع في التخلص

- ‌هـ- معلم دال على طق العلم بالفرق بين المقصد والمقطع

- ‌الأسلوب

- ‌القسم الرابع في الطرق الشعرية وما تنقسم إليه وما ينحى بها نحوه من الأساليب

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن طريق الشعر من حيث تنقسم إلى جد وهزل، وما تعتبر به

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في طريقة الجد

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب أن يعتمد في طريقة الهزل

- ‌ج- معلم دال على طرق العمل بما تأخذه طريقة الجد من طريقة الهزل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق الشعر من حيث تنقسم إلى فنون الأغراض، وما تعتبر

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب ما قصد به من الأغراض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يوجد لبعض الخواطر من قوة على التشبه فيما لا يجري

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب اختلافات أنحاء التخاطب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما ينقسم إليه الشعر بحسب إيقاع الحيل الشعرية فيه

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده فيكل غرض من أغراض الشعر المتقدم تقسيمه

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عن الأساليب الشعرية وأنحاء الاعتمادات فيها، وما يجب أن

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بالأساليب الشعرية وما تنوع إليه، وينحى بها نحوه

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما ينحى بالأساليب نحوه من جهة ما يقصد حسن موقعها من

- ‌ج- مأم من المذاهب المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب تأنيس المعاني بعضها ببعض

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة بالعلم المتقدم أيضا، وهو مذهب المراوحة بين المعاني

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بكيفية الاستمرار في الأساليب والاطراد عليها وما يحسن

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن المنازع الشعرية وأنحائها وطرق المفاضلة بين الشعراء

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في المنازع الشعرية التي يكون للكلام

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بالمآخذ اللطيفة في المنازع التي ربما خفي الوجه الذي

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما يجب أن يعتقد ويقال في المفاضلة بين الشعراء، بحسب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بمبلغ هذا الكتاب من أصول هذه الصناعة

الفصل: ‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء

6-

تنوير: وبقوة التهدي إلى العبارات الحسنة يجتمع في العبارات أن تكون مستعذبة جزلة ذات طلاوة. فالاستعذاب فيها بحسن المواد والصيغ والائتلاف والاستعمال المتوسط. والطلاوة تكون بائتلاف الكلم من حروف صقيلة وتشاكل يقع في التأليف ربما خفي سببه وقصرت العبارة عنه. والجزالة تكون بشدة التطالب بين كلمة وما يجاورها وبتقارب أنماط الكلم في الاستعمال. وسائرها يتعلق بالألفاظ المفردة من الشروط المذكورة التي تطرد الكلم بوجودها فيها أحسن اطراد.

فهذه إشارة إلى ما يجب أن يتفقده الناظم ويلتفت إليه، وعلى قدر قوته، من الجهات التي تحسن منها العبارات أو تقبح، قد أجملت الكلام فيها، وجعلتها كالإحالة على ما قدمته، مما يتعلق بالألفاظ وتأليفها في العبارات عن المعاني. من قابل هذا لإجمال بذلك التفصيل ظفر بالغبية والمراد إن شاء الله.

‌المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني

الكلام وعلى القوافي وما يليق بكل وزن منها من الأغراض، والإشارة إلى طرف من أحوال القوافي وكيفية بناء الكلام عليها وما تعتبر به أحوال النظم في جميع ذلك من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافراً لها.

‌أ- معلم دال على طرق العلم بمجازي الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها

.

قد صح بالاعتبارات البلاغية في تناسب المسموعات وانتظامها وترتيباتها وكون المناسبات الوزنية جزءا يدخل تلك الجملة أن الوزان المستعملة الآن عند أهل النظم - مما ثبت استعمال العرب له وما شك في ثباته، وما لم يثبت أصلا بل وضعه المحدثون قياسا على ما وضعته العرب - متركبة من ثلاثة أصناف من الأجزاء خماسيات وسباعيات وتساعيات، وإن لم يتسلم في هذا العروضيون. وليس يجب أن يلتفت إلى تسليهم في ذلك ولا منازعتهم، فإنهم فقراء إلى أن يقتبسوا تصحيح أصول صناعتهم في هذه الصناعة؛ فإن معرفة صناعتهم موقوفة على معرفة جهات التناسب في تأليف بعض المسموعات إلى بعض ووضع بعضها تالية لبعض أو موازية لها في الرتبة.

ومعرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان إلا بالعلم الكلي في ذلك وهو علم البلاغة الذي تندرج تحت تفاصيل كلياته ضروب التناسب والوضع، فيعرف حال ما خفيت به طرق الاعتبارات من ذلك بحال ما وضحت فيه طرق الاعتبار وتوجد طرقهم في جميع ذلك تترامى إلى جهة واحدة من اعتماد ما يلائم واجتناب ما ينافر.

1-

إضاءة: ولنقل الآن مقالا مختصرا في تعديد التركيبات والأبنية الوزنية التي يصوغ أهل النظم في هذا الزمان الكلام عليها مما ثبت وضعه عن العرب وما لم يثبت وما شك في ثباته.

‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء

سباعية، ومنها ما تركب من أجزاء تساعية، ومنها ما تركب من أجزاء خماسية وسباعية، ومها ما تركب من أجزاء سباعية وتساعية، ومها ما تركب من خماسية وسباعية وتساعية.

2-

تنوير: فأما ما تركب من الخماسية الساذجة، المتقارب. وبناء شطره على فعولن مكررا أربعا، نحو قول الأعشى همذان:(المتقارب -ق- المترادف)

تقادم عهدك أم الحلال

3-

إضاءة: وأما ما تركب من السباعية الساذجة فإن الشطر فيها على ثلاثة أجزاء، وربما حذفوا الثالث منها أو بعضه.

فمن ذلك الرجز، وبناء شطره من مستفعلن ثلاث مرات، نحو قول جرير:(الرجز -ق- المتدارك)

أقلبن من فهلان أو جنبي خيم

ومنها الكامل، وبناء شطره على متفاعلن ثلاث مرات، نحو قول عنترة:(الكامل -ق- المتدارك)

طال الثواء على رسوم المنزل

ومنها الوافر، وأصل بناء شطره على مفاعلتن ثلاثا إلا أن السبب حذف من نهايتي شطره وأسكن ما قبله فبقي الجزء الثالث على فعولن، فصار تقدير الشطر: مفاعلتن، مفاعلتن، فعولن، نحو قول زهير:(الوافر - -ق المترادف)

لمن طلل برامة لا يريم

ومنها الرمل، وبناء شطره من فاعلاتن ثلاث مرات إلا أنه التزم فيه حذف سبب من جزء العروض - والعروض هي الجزء الذي في نهاية الشطر الأول من البيت - فصار تقدير أشطاره الأول، فاعلاتن، فاعلاتن، فاعلن، نحو قول نابغة بني شيبان:(الرمل -ق- المتدارك)

حل قلبي من سليمى نبلها

ص: 72

ومنها الهزج، وأصل بناء شطره مفاعيلن ثلاث مرات إلا أنه التزم فيه حذف الجزء الثالث من كلا شطريه، فصار مجموع الوزن مربعا وكلا شطريه مثنى على مفاعيلن، مفاعيلن، كقول الشاعر:(الهزج -ق- المترادف)

صفحنا عن بني ذهل

وقلنا القوم إخوان

4-

تنوير: وأما ما تركب من التساعية الساذجة فالخبب. وبناء شطره متفاعلتن متفاعلتن مرتان هكذا كقول بعض الشعراء الأندلسيين: (الخبب -ق- المتراكب)

أملت لقاءك في الحلم

فزجرت العين فلم تنم

ويدخله الإضمار فيصير متفاعلتن في تقدير المتطرف لوقوعه في فيصير إلى مفعولاتن. وعلى هذا يجب أن يتأول التشعيب في الجميع لأن الوتد يصير بخبن السبب الذي قبله جزءا من فاصلة فيسكن رأس الوتد تخفيفا لأن الفواصل قد يستثقل توالي الحركات فيها. فهذا هو الرأي الصحيح في التشعيث. وبه أخذ من حقق من العروضيين إذ لا معنى لقطع الأوتاد في الحشد، لأن القطع في الأوتاد إنما قصد به تنويع الضروب، وإنما يكون ذلك في نهايات الأجزاء لا في صدورها. وهذا الوجه هو بعض الوجوه التي يتبين بها فساد رأى من جعل شطر الخبب مركبا من فاعلن أربع مرات، وزعم أن الخبن التزم في جميع أجزائه وجاز فيها القطع. ولا يلتزم خبن ولا يجوز قطع إلا في عروض أو ضرب. وإنما حملهم على هذا حرصهم على أن يجعلوا الخبب يساوق في ترتيب حركاته وسكناته المتقارب، فيكون نظام كل واحد منهما إذا وضعت له أشكال في الخط أو تصور في الذهن، ثم تأخرت عن مبدأ ذلك النظام إلى أول جزء يلي الجزء الأول الذي هو مبدأ النظام، فبدأت بأول الجزء الثاني واستمررت على جميع النظام ووصلت بآخره الجزء الذي فاتك منه أولا، حصلت بذلك بنية الوزن الآخر وهيأته. فيجعل العروضيون أحد العروضيين بذلك منفكا عن الآخر. وهذا من الأعراض الواقعة في الأوزان من غير قصد، إذ النظام الذي يكون من أجزاء متماثلة إذا ابتدأت برأس أي وتد أو سبب منه خرج لك وزن تام من أجزاء متماثلة، وإذ ابتدأت برأس أي وتد أو سبب منه خرج لك وزن متداخل من جزأين متغايرين، وإذا النظام الذي يكون شطره مؤتلفا من ثلاثة أجزاء شفع ووتر - قدم الوتر أو وسط أو أخر - إذا ابتدأت برأس أي وتد أو سبب منه خرج لك وزن قد ترتبت أجزاؤه شفعا ووترا على واحد ممن الترتيبات الثلاثة. فنشا من ذلك في النظام المركب أجزاء خماسية متماثلة وزنان، وفي المركب من جزأين متغايرين يعاقب أحدهما الآخر خمسة أوزان، وفي المركب شطره من جزأين متغايرين مكرر أحدهما تسعة أوزان.

وتوجد بعض هذه الأوزان متلائمة خفيفة، وبعضها متنافرة ثقيلة والتنافر والثقل يكون فيها لوجوه: منها أن تقع الأسباب الثقيلة والأوتاد المفروقة في نهايات الأجزاء التي هي مظان اعتمادات وتوقرات ومقاطع أنفاس، فيكون وقوع الحركات هنالك غير ملائم للنفوس وثقيلا عليها. وكذلك وقوع الفواصل في نهايات الشطور، فإنه مستثقل وليس منافراً.

ولذلك يحتمل وقوعها فيا لمقدار القصير والمتوسط نحو المقتضب والخبب ولا يحتمل وقوعها في الطويل نحو الوافر، ولاسيما وقد تكررت في الوافر ثلاثا ولم تقع في الخبب إلا مرتين. ومن تلك الوجوه التي يقع بها التنافر والثقل تشافع الأجزاء الطويلة في أوساط الأشطار ونهاياتها ووقوع الجزء المفرد صدرا، ومنها بناء الوزن على أجزاء كلها يقع الثقيل في نهايته والخفيف في صدره، وذلك مثل أن يركب شطر وزن على فاعلن أربع مرات.

فلهذه الأسباب وما جرى مجراها مما لا يتسع لذكره هذا الموضع اقتضى النظر البلاغي أن يعدل بكثير من تقديرات الأوزان عما قدر به العروضيون، إذ كانوا بطرق التناسب والتنافر حتى أنهم جزأوا كثيرا من الأوزان تجزئة وقعوا بها في حيز الوضع المتنافر. فلذلك حققنا في كل وزن تجزئته المتناسبة، وجعلنا شطر الخبب مبنيا من جزأين تساعيين كلاهما مركب من سبب ثقيل ووتد مفروق ووتد مجموع، إذ كانت القسمة تقتضي هذا الوضع اقتضاء ضروريا إذ كان تركيب الأجزاء من الأسباب والأوتاد لا يخلو من أن يكون بضم سبب إلى وتد فيكون الجزء من ذلك خماسيا، أو بضم سببين إلى وتد فيكون الجزء من ذلك سباعيا، أو بضم سبب إلى وتدين فيكون الجزء من ذلك تساعيا. فباستقصاء هذه القسمة تهدى إلى وضع عروض الخبب.

ص: 73

5-

إضاءة: وإذ قد تبين هذا فينبغي لمن طمحت به همته إلى مرقاة البلاغة المعضودة بالأصول المنطقية والحكمية لوم تسفف به إلى حضيض صناعات اللسان الجزئية المبنية أكثر آرائها على شفا جرف هار ألا يعتقد في وزن من الأوزان أنه مفتقر في وضعه إلى أن يفك من نظام آخر، بل إنما يستنبط الوزن باستقصاء ضروب تركيبات الأسباب والأوتاد واستقصاء ضروب ما يتركب من الأجزاء المؤتلفة من تركيبات الأسباب والأوتاد، ثم يلزمه بعد الوضع أن يوجد وزن آخر أو أوزان سياق نظامها نظامه بان تجعل مبدأها من رؤوس الأسباب والأوتاد متأخرا عن مبدئه على ما تقدم. فلهذا وجب أن يعتقد أن هذه الانفكاكات التي لهذا الأعاريض من الدوائر أمور عارضة لا يفتقر في تصور ماهيات الأعاريض وحقائقها إليها، ولذلك لم يقل بها كثير من العروضيين. ومن أوردها فإنما أوردها على أنها ملحة عرضية لحقت الأوزان اتفاقا لا أنها حقيقة بنيت عليها الأعاريض وضعا واعتمادا. فلهذا يجب ألا يبلغ الحرص بالمتأدب على أن يستقصي جميع ما ينفك من كل دائرة ويروم أن يرد كثيرا من الأوزان إلى ذلك ولو بتجزئة متنافرة ثقيلة كما فعل ذلك العروضيون، بل يجب عليه أن يقدر كل وزن بالتجزئة المتناسبة اللائقة به سواء وجد ذلك الوزن بتلك التجزئة منفكا من بعض الدوائر التي قد وقعت فيها أوزان مستعملة أو وجد أمة وحده غير منفك من وزن مستعمل أو منفك منه وزن مستعمل. فقد بينا أن أكثر الدوائر تنفك منها أوزان غير ملائمة ولا خفيفة. وهناك أيضاً دوائر أخر لم يستعمل منها شيء. وهي عزيزة الإحصاء لكثرتها، إذ لكل تركيب من تركيبات الأسباب والأوتاد والجزاء المركبة منها دائرة تخصه.

وضروب التركيبات كثيرة جدا. وإنما استعملت العرب من جميع ذلك ما خف وتناسب وليس يوجد أصلا في ضورب التركيبات والوضع الذي للحركات والسكنات والأجزاء المؤتلفة من ذلك أفضل مما وضعته العرب من الأوزان. وإذا تصفحت ما قلته في ترتيب الحركات والسكنات والمسموعات المستطابة من ضروب ترتيباتها في مواضع قد تقدمت من هذا الكتاب عرفت صحة ذلك.

ولنرجع الآن ما كنا بسبيله من الإبانة عن ضروب التركيبات الوزنية.

6-

تنوير: فإما الأوزان المتركبة من خماسية وسباعية فإن أصل البناء أشطارها على أربعة أجزاء. فمن ذلك الطويل، وشطره فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن، نحو:(الطويل -ق- المترادف)

صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

إلا أنهم التزموا حذف الخامس من جزء العروض وهو الجزء الرابع، فلا يثبتون الخامس الساكن إلا في التصريع المقابل لضرب تام، ويستقطعونه في جميع الأعاريض الواقعة في تضاعيف القصيدة، حيث لا تصريع على الصفة المذكورة. وذلك كقول امرئ القيس:(الطويل -ق- المترادف)

وهل يعمن إلا سعيد مخلد

فتقدير جزء العروض في هذا مفاعلن، بغير ياء، ويسمى حذف هذا الساكن الخامس القبض.

ومنها البسيط. وشطره مربع متداخل على نحو وضع الطويل، إلا أن الخامس فيه يسبق السابع، وذلك نحو قول النابغة:(البسيط -ق- المتراكب)

يا دار مية بالعلياء فالسند

وكان أصل شطوره: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، إلا أنهم التزموا الخبن، وهو حذف الثاني الساكن في فاعلن في جزئي العروض والضرب مع تصريع وغير تصريع.

ومنها المديد. وأصل بناء شطره على أربعة أجزاء إلا أنهم التزموا حذف جزء من عروضه وجزء من ضربه، وهو فاعلن. فصار الشطر: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن، نحو قول مهلمل:(المديد -ق- المترادف)

يا لبكر، انشروا لي كليبا

ص: 74

ومنها المقتضب. وأصل بناء شطره: فاعلن مفاعلتن فاعلن مفاعلتن، إلا أن هذا ثقل لكثرة الأوتاد فيه والأسباب وتكرر الفاصلة ووقوعها في النهايات. وقد قدمنا أن ذلك مستثقل. فلهذا لم يستعملوه إلا منصوفا أي محذوف النصف من كل شطر. فهذا هو الصحيح الذي يشهد به السماع والقياس والقوانين البلاغية في اعتبار تناسب التركيبات، إذ الدليل يقوم على أنهم لم يوقعوا الوتد المفروق ولا السبب الثقيل في نهاية جزء خماسي ولا سباعي ولا فيما فوق ذلك، لأنا قد ذكرنا أن قانونهم ألا يضعوا الثقيل في النهايات ولاسيما في أواخر الأجزاء التي هي مظان اعتمادات وتوقرات وتقاطع أنفاس بوقفات خفية أو بينة عليهم أو روم لذلك وإيماء إليه، وأيضا فإن الزحافات لا تلتزم في غير تنويع الأعاريض الضروب، وقد لزم ذلك التجزئة التي قدر بها أهل العروض المقتضب ووقع ذلك في حشوها فدل على فساد رأيهم، وأيضا فإنهم يلزمهم أن يقابلوا بفعولات فاعلات على أنها من وضع التماثل حيث كان هذان الجزءان قد وضعا في صدر الشطر الأول وصدر الشطر الثاني على أن يتساوقا في الزمان ويتساويا في الترتيب.

وقد وضح في صناعة الموسيقى أن فعولات مضاد لفاعلات كما أن فعولن مضاد لفاعل، لأن الوضع فيهما متخالف، حيث كان أحدهما مفتتحا بمتحرك بعده ساكن ومختتما بساكن بعد متحركين، وكان الآخر مفتتحا بمتحركين بعدهما ساكن ومختتما بمتحرك بعده ساكن. فكانا لذلك متضادين. فكيف يوضع المتضادان وضع المتماثلين في ترتيب يقصد به تناسب المسموع والتنظير بين الأجزاء المتماثلة في الوضع وأن يجعل عمود اللحن؟.

فهذا ينبغي ألا يلتفت إلى ما وضعه أو غيره العروضيون أو الرواة من الأبيات التي تدفعها المقاييس البلاغية والقوانين الموسيقية والأذواق الصحيحة في هذا الوزن وغيره، ونحو ما غيروه من قول القائل:(المقتضب -ق- المتراكب)

جانا مبشرنا

بالبيان والنذر

فيصيروه بتحريفهم وجهلهم بما يضمحل في أصول وضع الأوزان إلى هذا التغيير الفاسد وهو:

أتانا مبشرنا

بالبيان والنذر

وذلك ليطر لهم رأيهم الفاسد في ما أثبتوه من التراقب الذي لا يصح ولا يثبت، إذ قد ظهر اضمحلاله في هذا الوزن واضمحلال التجزئة التي توجد فيها الأسباب مهيئة لإمكان وقوع ذلك فيها لولا انه شيء لا معنى له إلا إفساد الوزن والإخلال بوضعه والخروج به عن الوضع الملائم إلى الوضع المنافر بالجملة.

7-

إضاءة: فأما المتركبة من السباعيات المتغايرة فبناء أشطارها على ثلاثة أجزاء مزدوجان ومفرد.

فمن ذلك ما تأخر في بناء المفرد كالسريع، وتجزئته الصحيحة التي تشهد بها القوانين البلاغية: مستفعلن مستفعلن فاعلان، نحو قول حسان:(السريع -ق- المترادف)

ما هاج حسان ربوع المغاني

ومظعن الحي ومبنى الخيام

ودعوى العروضيين أن نظامه مأخوذ من دائرة المنسرح باطلة للوجوه التي تقدم ذكرها.

وليس الجزء الواقع نهاية كلا الشطرين من هذا الوزن بمحذوف من غيره ولا مغير من سواه وإنما هو مركب من سبب خفيف ووتد مجموع متضاعف لأن الأرجل التي تتركب منها أجزاء جميع الأوزان ستة أصناف: 1- سبب ثقيل وهو متحركان نحو: بم، لك، 2- وسبب خفيف وهو متحرك بعده ساكن نحو: من، عن، 3- وسبب متوال وهو متحرك يتوالى بعده ساكنان نحو: قال بتسكين اللام، 4- ووتد مفروق وهو متحركان بينهما ساكن نحو: كيف، أين، 5- ووتد مجموع وهو متحركان بعدهما ساكن نحو: لقد، 6- ووتد متضاعف وهو متحركان بعدهما ساكنان نحو: مقال بتسكين اللام.

فالسبب الثقيل والوتد المفروق لا يقع في نهاية جزء، وإنما يقعان في صدور الأجزاء وتضاعيفها. والسبب المتوالي والوتد المتضاعف لا يقعان إلا في نهايات الضروب والأعاريض المصرعة. والسبب الخفيف والوتد المجموع هما اللذان يقعان من صدور الأجزاء وأوساطها وأعجازها كل موقع.

8-

تنوير: ويجب أن تعلم أن العرب استقصت القسمة في تركيب المقارنة بين بعض هذه الأرجل وبعض ووضعها في أوزان أخر غير متقارنة فاعتمدت من ذلك في كل وزن ما كان مناسبا للوضع الخاص به. فبنوا أكثر الأعاريض من أكثر هذه الأرجل تصرفا، وهي الأسباب الخفيفة والأوتاد المجموعة: فمما بنوه على ذلك من الأعاريض: الطويل والبسيط والمديد والمتقارب والرجز والهزج والرمل.

ص: 75

ومما بنوه من الأسباب الثقيلة والخفيفة والأوتاد المجموعة: الوافر والكامل.

ومما بنوه من الأسباب الثقيلة والأوتاد المجموعة والمفروقة: الخبب.

ومما بنوه من الأسباب الثقيلة والخفيفة والأوتاد المجموعة والمفروقة: المقتضب، على ما بيناه قبل.

ومما بني على الأسباب الخفيفة والأوتاد المجموعة والمفروقة والمضاعفة الضرب الأول من المجتث. وقد غاب عن العروضيين كونه من المجتث وجعلوه ضربا ثالثا من البسيط وقد روا شطر الضرب منه: مستفعلن فاعلن مستفعلان، مقاييس البلاغة تقتضي أن يكون تقديره: مستفعلن فاعلاتن فاعلان، لوجوه يطول ذكرها. ومنها: أن زيادة المدة في مستفعلان في البسيط لا معنى لها، ومنها أن التجزئة التي قد روابها المحتث- وهي أن يكون أصل شطره: مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن - خارجة عن القوانين التي اعتمدتها العرب في تركيب أوزانها، فإنهم لم يضاعفوا جزءا سباعيا في ما يلي نهايات الأشطار لما قدمناه من استثقال ذلك. وإنما وقع لهم مضاعفا فيا لنهايات وما يليها الخماسي لأنه أخف، نحو العروض المجزوءة المحذوفة من المديد وتقديرها: فاعلاتن فاعلن فاعلن. فلهذا جعلنا نحن تقدير شطر الضرب الأول من المحتث: مستفعلن فاعلاتن فاعلان. فيكون تركيبه على هذا من جزء مفرد وجزأين متضارعين وقع أخفهما في النهاية.

وهذا النحو من الوضع من جملة التركيبات المتناسبة. وهناك ضروب جعلوها من مقصرات البسيط، ويمكن أن ترد إلى هذا، وهي به أليق لأن مجاريها أوفق بمجاريه لأن الخبن في فاعلن من البسيط يحسن ما لا يحسن في تلك المقصرات، فلهذا كانت أنسب إلى المجتث. وأيضا فإن الطويل والبسيط عروضان فاقا الأعاريض في الشرف والحسن وكثرة وجوه الوضع، فإذا أزيل عنهما بعض أجزائهما ذهب الوضع الذي به حسن التركيب وتناهى في التناسب فلم يوجد لمقصراتها طيب لذلك. وغيرهما من الأعاريض قد يوجد في مقصراته ما يكون أطيب منه. فلما كانت مقصرات الطويل والبسيط تنحط عن درجة الوزن التام في ذلك انحطاطا متفاوتا كان لإهمال تلك المقصرات وجه من النظر إذ كانت الأوزان التامة كالآباء وهذه المقصرات المقتضبة كالأبناء. وإذا لم يلد الكريم كريما كان أحسن له أن لا يلد. لكن الناس قد نسبوا الوزن الذي صلح عندنا أن يكون ضربا ثانيا من المجتث إلى البسيط، فلنسامحهم في ذلك. وحكم مخلع البسيط الذي تجيء نهاياته على مثال مفعولن هذا الحكم. وكلاهما صالح أن ينسب إلى المجتث.

فأما الوزن المضارع لهذا المخلع وهو الذي اعتمد المحدثون إجراء نهاياته على مثال فعولن، فليس راجعا إلى واحد من هذه الأوزان. وإنما هو عروض قائم بنفسه مركب شطره من جزأين تساعيين على نحو تركيب الخبب وتقديره: مستفعلاتن مستفعلاتن، وكأنهم يلتزمون حذف السين من الجزء الثاني لأن السواكن في كل وزن إذا توالى منها أربعة ليس بين كل ساكن منها وساكن إلا حركة تأكد حذف الساكن الثالث وحسن الوزن بذلك حسنا كثيرا.

فمما ورد من ذلك محذوف الساكن قول علي بن الجهم: (اللاحق -ق- المترادف)

بسر من را إمام عدل

تغرف من جوده البحار

لم تأت منه اليمين شيئا

إلا أتت مثله اليسار

ومما جاء على أصل الوزن قول بعض الأندلسيين: (اللاحق -ق- المترادف)

وحي عني إن فزت حيا

أمضى مواضيهم الجفون

وقول أبي بكر بن مجبر: (اللاحق -ق- المترادف)

إن سل سيفا بناظريه

لم تر فينا إلا قتيلا

فمثل هذه النون من قوله (إن فزت) مقبولة في الذوق، وإن كان حذفها أخف. فواجب أن تجعل تجزئة الوزن بحسب ما وجد مقبولا فيه لتسلم أقاويل كثير ممن يوثق بصحة ذوقه من الكسر، لأنه كالمستحيل عليهم. فإن طباعهم لا تقبل ذلك إلا وله وجه. وليس يمكن أن يقع هذا الساكن في مثل قوله:(اللاحق -ق- المترادف)

أقفر من أهله ملحوب

لأن اجتماعها مع اللام في قوله ملحوب لا يقبله الذوق إذا كانت السواكن في ذلك الوزن الذي لا يثبت فيه مثل اللام الساكنة في ملحوب قد تناهت في الكثرة، فكانت أربع أخماس المتحركات، ولا يمكن أن تكون نسبة السواكن من المتحركات أكثر من هذا. فلهذا اقتضى النظر البلاغي أن يجعل وزنا برأسه. وليس أخذ هذا الوزن عن العرب يثبت بل هو مثل الخبب في ذلك.

ص: 76

9-

إضاءة: وقد فصلوا أيضاً في بعض مقصرات الأوزان أن يوقعوا فيها من اقترانات الأسباب والأوتاد ما لم يوقعوه في مطولاتها.

فمن ذلك اقتران السببين الثقيل والخفيف والوتد المجموع والمضاعف في الضرب السادس من الكامل. وهو الذي آخر أجزائه متفاعلان، واقتران الوتد المجموع والسبب الخفيف والسبب المتوالي في الرمل في الضرب الذي آخر أجزائه فاعليان.

10-

تنوير: ولنرجع إلى ما كنا شرعنا فيه من الكلام في الأوزان المتركبة من السباعيات المتغايرة فنقول: إن عروض السريع وعروض كل وزن كانت غاية ضربه سببا متواليا أو وتدا متضاعفا بان ترد السبب والوتد إلى أصليهما بحذف الساكن الأخير من كليهما.

11-

إضاءة: ومن تركيب السباعيات المتغايرة ما يتوسط فيه المفرد ويتطرف الجزءان المتماثلان كالخفيف، وتقدير كلا شطريه: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن، نحو قول أبي دهبل:(الخفيف -ق- المترادف)

صاح حي الإله أهلا ودارا

عند أصل القناة من جيرون

فأما ما يتقدم فيه المفرد على المزدوجين فمهمل في أوزان العرب، لأن الجزأين المتكررين أثقل من المفرد. فالصدر أولى بهما على قياساتهم، وتصدير الأشطار أيضاً بما يظهر فيه التناسب أولى من تصديرها بما لا يظهر فيه تناسب. ولهذا ولاعتبارات أخر أيضاً أهملوا هذا الضرب من الأبنية الوزنية.

وقد وضع بعض الشعراء الأندلسيين على هذا البناء وزنا إلا أنه جعل الجزأين المزدوجين خماسيين فرارا من الثقل الواقع بتشافع السباعيين في النهاية، فكان التشافع في ذلك الوضع أخف في الخماسي وذلك قوله:(المديد -ق- المتدارك)

أقصر عن لومي اللائم

لما درى أنني هائم

تقدير شطره: مستفعلن فاعلن فاعلن.

وقد تقدم أن من مقصرات المديد ما يصير إلى هذا الوضع أعني الوضع الذي يصدر الشطر فيه بالجزء المفرد ويعقب بالجزأين المتشافعين.

12-

تنوير: فأما المتركب من سباعي وتساعي فهو من وضع المتأخرين من شعراء المشرق. جعلوا الجزء المفرد فيه تساعيا والمتشافعين سباعيين، فقدموا التساعي وتلوه بما يناسبه من السباعيات، وجعلوه الجزء الثاني من السباعيين في أكثر استعمال - وهو المستطاب في الذوق والأحسن في الوضع - ينقص عن الأول ليكون كل واحد من الجزاء أخف مما قبله. وتحرروا في ذلك أن يكون كل جزء مناسبا لما قبله، وذلك هو الوزن الذي يسمونه الدبيتي وشطره المستعمل: مستفعلتن مستفعلن مفتعلن، نحو قول القائل:(الدبيتي -ق- المتراكب)

هذا ولهي، وقد كتمت الولها

صونا لحديث من هوى النفس لها

يا آخر محبتي ويا أولها

أيام عنائي فيك ما أطولها

وقد يجيء الجزء الأخير على مستفعلن، وهو الأصل، ولكن في الأقل. ويستعمل أيضاً مقطوعا فيصير مستفعلن إلى مفعولن نحو قول بعضهم:(الدبيتي -ق- المترادف)

ما أشوقني إلى نسيم الرند

يشفي كمدى، إذا أتى من نجد

ويشعثون الفاصلة التي في الجزء الأول فيصير مستفعلتن إلى مفعولاتن، نحو قوله:(الدبيتي -ق- المترادف)

شوقي شوقي به ووجدي وجدي

13 -

إضاءة: فأما المتركب من خماسي وسباعي وتساعي فبنته العرب على أن تكون النقلة فيه من الأثقل إلى الأخف ومن الجزء إلى ما يناسبه فبدأوا بالتساعي وتلوه بسباعي يناسبه وتلوه بخماسي يناسب السباعي، والتزموا الخبن في الضرب وهو جزء القافية. وهذا الوزن هو المنسرح. وبناء شطره: مستفعلاتن مستفعلن فاعلن. والخبن في فاعلن في العروض أحسن.

14-

تنوير: فالأوزان التي ثبت وضعها عن العرب أربعة عشر وزنا. وهي: الطويل، والبسيط، والمديد، والوافر، والكامل، والرجز، والرمل، والهزج، والمنسرح، والخفيف، والسريع، والمتقارب، والمقتضب، والمجتث. وإن كان المقتضب والمجتث لي لهما تلك الشهرة في كلامهم.

والذي يشك في وضع العرب له الخبب.

والذي لم يثبت للعرب أصلا بل هو من وضع المحدثين الوزن الذي يسمى الدبيتي، ولا بأس بالعمل عليه، فإنه مستطرف ووضعه متناسب.

ص: 77