المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما - منهاج البلغاء وسراج الأدباء

[القرطاجني]

فهرس الكتاب

- ‌المنهاج الأول

- ‌أ- معلم (دال) على طرق (العلم بالمعاني) وحقائقها وأنحاء (النظر) فيها (وبما ينبغي)

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق اجتلاب المعاني وكيفيات التئامها وبناء بعضها على

- ‌ب- معلم علة طرق العلم باقتباس المعاني وكيفية اجتلابها وتأليف بعضها إلى بعض

- ‌ب?- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء وجود المعاني

- ‌ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات تركيب المعاني وتضاعفها

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم باستثارة المعاني من مكامنها واستنباطها من معادنها

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بما توجد المعاني معه حاضرة منتظمة في الذهن على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بالمناسبة بين بعض المعاني وبعض والمقارنة بين ما تناظر

- ‌ح- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وما تقدم في المعلم المفتتح به هذا

- ‌ط- مأم من المذاهب المستشرفة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب المقابلة

- ‌ي- مأم من المذهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو التقسيم

- ‌يب_ مأم من المذاهب المستشرقة بالمعلم المتقدم أيضاً وهو مذهب التفريع

- ‌المنهج الثالث، في الإبانة عما به تتقوم صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع

- ‌أ?- معلم دال على طرق العلم بما تتقوم به صناعة الشعر من التخييل، وما به تتقوم

- ‌ب- معرف دال على المعرفة بماهية الشعر وحقيقته

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بالأشياء المخيلة

- ‌د- معرف دال عل طرق المعرفة بجهات مواقع التخييل من الأقاويل وما بإزائها من

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما تنقسم غليه المحاكاة

- ‌و معرف دال على طرق المعرفة بأحكام المحاكيات وما يجب أن يعتبر فيها، والاستبانة

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يخص المحاكاة التشبيهية من الأحكام

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بالوجوه التي لأجلها حسن موقع المحاكاة من النفس

- ‌وقال ابن سينا أيضاً في كتاب الشعر من كتاب الشفاء:

- ‌د- المنهج الرابع في الإبانة عن الأحوال التي تعرض للمعاني في جميع مواقعها من

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في أحوال المعاني وما يجب اعتباره فيها من

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما يوضع من المعاني وضع غيره من حيث تكون واجبة أو

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بالوجوه التي بها يقع التدافع بين بعض المعاني وبعض

- ‌ز- معلم دال على طرق بوقوع المعاني المتقاربة متمكنة

- ‌ح- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون من المعاني أصيلا في بابي المدح والذم، وما

- ‌ط- معلم دال على طريقة العلم بما يجب أن يعتمد في مدح صنف صنف من الناس

- ‌ي- معرف دال على طرق المعرفة بما يكون به وضوح المعاني أو غموضها

- ‌2- تنوير: ووجوه الإغماض في المعاني: منها ما يرجع إلى المعاني أنفسها ومنها ما

- ‌يب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في المعاني من حيث يكون فهمها متوقفا

- ‌يج- معلم دال على طرق العلم بأنحاء النظر في المعاني، من حيث تكون قديمة متداولة

- ‌المباني

- ‌القسم الثالث في النظم وما تعرف به أحواله من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافراً

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن قواعد الصناعة النظمية والمآخذ التي هي مداخل إليها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بقواعد الصناعة النظمية التي عليها تقوم مباني النظم

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بكيفية العمل في المروى والمرتجل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بكيفية التصرف في مقاصد الشعر وجهاته

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بتحسين هيآت العبارات والتأنق في اختيار موادها، وإجادة

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بمجازي الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها

- ‌فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما وقع في أوزان العرب من ضروب التركيبات المتلائمة

- ‌ج - معلم دال على طرق العلم بمقادير تناسب الوزان وما يسوغ فيها من التعابير وما لا

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في بناء الأشعار على أوفق الأوزان لها

- ‌فالتأليف من المتناسبات له حلاوة في المسموع، وما ائتلف من غير المتناسبات

- ‌هـ- معلم دال على طرق العم بما قصد في أبنية القول من أنحاء التناسب وذهب فيها من

- ‌معرف دال على طرق المعرفة بتأصيل القوافي وبناء ما قبلها عليها وبنائها على ما

- ‌ز- معلم دال على طرق العلم بما يجب في المطالع والمقاطع على رأي من قال هي أوائل

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عما يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها ببعض وتحسين

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بأحكام مباني الفصول وتحسين هيئاتها ووصل بعضها ببعض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب اعتاده في الفصول من جهة اشتمالها على أوصاف

- ‌ج - مأم من مذاهب البلاغة المستبانة بهذا المنهج وهو مذهب التسويم

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة مما تقدم أيضا، وهو مذهب التحجيل

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن كيفية العمل في إحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بإحكام مباني القصائد وتحسين هيآتها وما تجب العناية

- ‌ب- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وهو مذهب الإبداع في الاستهلال

- ‌ج- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء التخلصات من حيز إلى حيز وعطف أعنة الكلام من

- ‌د- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب الإبداع في التخلص

- ‌هـ- معلم دال على طق العلم بالفرق بين المقصد والمقطع

- ‌الأسلوب

- ‌القسم الرابع في الطرق الشعرية وما تنقسم إليه وما ينحى بها نحوه من الأساليب

- ‌المنهج الأول في الإبانة عن طريق الشعر من حيث تنقسم إلى جد وهزل، وما تعتبر به

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في طريقة الجد

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب أن يعتمد في طريقة الهزل

- ‌ج- معلم دال على طرق العمل بما تأخذه طريقة الجد من طريقة الهزل

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما تأخذه طريقة الهزل من طريقة الجد

- ‌المنهج الثاني في الإبانة عن طرق الشعر من حيث تنقسم إلى فنون الأغراض، وما تعتبر

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب ما قصد به من الأغراض

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يوجد لبعض الخواطر من قوة على التشبه فيما لا يجري

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب اختلافات أنحاء التخاطب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بما ينقسم إليه الشعر بحسب إيقاع الحيل الشعرية فيه

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده فيكل غرض من أغراض الشعر المتقدم تقسيمه

- ‌المنهج الثالث في الإبانة عن الأساليب الشعرية وأنحاء الاعتمادات فيها، وما يجب أن

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بالأساليب الشعرية وما تنوع إليه، وينحى بها نحوه

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بما ينحى بالأساليب نحوه من جهة ما يقصد حسن موقعها من

- ‌ج- مأم من المذاهب المستشرفة بهذا المعرف وهو مذهب تأنيس المعاني بعضها ببعض

- ‌د- مأم من المذاهب المستشرفة بالعلم المتقدم أيضا، وهو مذهب المراوحة بين المعاني

- ‌هـ- معلم دال على طرق العلم بكيفية الاستمرار في الأساليب والاطراد عليها وما يحسن

- ‌المنهج الرابع في الإبانة عن المنازع الشعرية وأنحائها وطرق المفاضلة بين الشعراء

- ‌أ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده في المنازع الشعرية التي يكون للكلام

- ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بالمآخذ اللطيفة في المنازع التي ربما خفي الوجه الذي

- ‌ج- معلم دال على طرق العلم بما يجب أن يعتقد ويقال في المفاضلة بين الشعراء، بحسب

- ‌د- معرف دال على طرق المعرفة بمبلغ هذا الكتاب من أصول هذه الصناعة

الفصل: ‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما

الطبقة الثانية: من كان قسطه من جميع هذه القوى أو من أكثرها متوسطا أو غير بعيد من التوسط.

الطبقة الثالثة: من كانت أقساطه مما حصل له من هذه القوى مع قلتها غير عامة في جميعها.

فالطبقة الأولى هم الذين يقوون على تصور كليات المقولات ومقاصدها ومعانيها بالقوة قبل حصولها بالفعل. فيتأتى لهم بذلك تمكن القوافي وحسن صور القصائد وجودة بناء بعضها على بعض.

والطبقة الثانية تتصور كثيرا من ذلك وإن لم تبلغ في ذلك مبلغ الطبقة الأولى، فيتأتى لها بذلك كثير مما تأتى للأولى.

والطبقة الثالثة لا تتصور إلا القليل من ذلك كأوائل القصائد وصدورها وما يكون من مقاصد الشعر بمحل عناية من أنفسها، فقد يتفق لهذه الطبقة أيضاً أن تبني الكلام والقوافي بناء حسنا.

2-

والمرتبة الثانية: من له أدنى تخيل في المعاني وبعض دربة في إيراد عباراتها متزنة، وإن لم يكن له في القوى الباقية إلا ما يعتد به، فنظم هذا منحط عن نظم من استكمل ما نقصه ومرتفع عن كلام من لا تخيل له في المعاني ولا دربة بالتأليف.

3-

إضاءة: والمرتبة الثالثة وهم الذين لا ينتسبون إلى هذه الصناعة بغير الدعوى: فمنهم طائفة لا تنتقص ولكن تتلصص ولا تتخيل بل تتحيل بالإغارة على المعاني من تقدمها وإبرازها في عبارات أخر، والنمط الثاني لا يتخيل ولا يتحل ولكن يغير ويغير، والنمط الثالث وهم شر العالم نفوسا وأسقطهم همما وهم النقلة للألفاظ والمعاني على صورها في الموضع المنزل منه من غير أن يغيروا في ذلك ما يعتد به.

‌ب- معرف دال على طرق المعرفة بكيفيات مآخذ الشعراء في نظم الكلام وإنشاء مبانيه وما

يقدمونه بين يدي ذلك من تصور أغراض القصائد والمقاصد اللائقة بتلك الأغراض وتصور المعاني المنتسبة إلى تلك المقاصد والمنتمية إليها وتصور العبارات اللائقة بجميع ذلك وإعمال الحيل في تقفيتها ووزنها والإعلام بما يتسببون به إلى إدراك البغية في جميع ذلك.

يجب للشاعر إذا أراد نظم شعر - وكان الزمان له منفسحا والحال مساعدة - أن يأخذ نفسه بوصية أبي تمام الطائي لأبي عبادة البحتري في ذلك ويأتم به. فإنها تضمنت جملا مفيدة بما يحتاج إلى معرفته والعمل بحسبه صاحب هذه الصناعة.

قال أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري: (كنت في حداثتي أروم الشعر. وكنت أرجع فيه إلى طبع. ولم أكن أقف على تسهيل مأخذه ووجوه اقتضابه حتى قصدت أبا تمام وانقطعت فيه إليه واتكلت في تعريفه عليه. فكان أول ما قال لي: (يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات أن يقصد الإنسان لتأليف شيء أو حفظه في وقت السحر، وذلك أن النفس قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم. فإن أردت النسيب فاجعل اللفظ رقيقا والمعنى رشيقا وأكثر فيه من بنات الصبابة وتوجع الكآبة وقلق الأشواق ولوعة الفراق. وإذا أخذت في مدح سيد ذي أياد فأشهر مناقبه وأظهر مناسبه وأبن معالمه وشرف مقامه وتقاص المعاني واحذر المجهول منها وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الزرية، وكن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه فإن الشهوة نعم المعين. وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضين. فما استحسنه العلماء فاقصده وما تركوه فاجتنبه ترشد إن شاء الله) .

فقد تضمنت هذه الوصية جملا مما يحتاج إليه في هذا الباب.

1-

إضاءة: وأنا أصل وصية أبي تمام بما يكون تفصيلا لبعض ما أجمل فيها، وتكميلا لما نقص منها. فأقول: إن الناظم إذا اعتمد ما أمره به أبو تمام من اختيار الوقت المساعد وإجمام الخاطر والتعرض للبواعث على قول الشعر والميل مع الخاطر كيف مال فحقيق عليه إذا قصد الروية أن يحضر مقصده في خياله وذهنه والمعاني التي هي عمدة له بالنسبة إلى غرضه ومقصده ويتخيلها تتبعا بالفكر في عبارات بدد، ثم يلحظ ما وقع في جميع تلك العبارات أو أكثرها طرفا أم مهيئا لأن يصير طرفا من الكلم المتماثلة المقاطع الصالحة لن تقع في بناء قافية واحدة. ثم يضع الوزن والروي بحسبها لتكون قوافيه متمكنة تابعة للمعاني لا متبوعة لها.

ص: 64

2-

تنوير: ثم يقسم المعاني والعبارات على الفصول ويبدأ منها بما يليق بمقصده أن يبدأ به، ثم يتبعه من الفصول بما يليق أن يتبعه به ويستمر هكذا على الفصول فصلا فصلا، ثم يشرع ي نظم العبارات التي أحضرها في خاطره منتثرة فيصيرها موزونة إما بأن يبدل فيها كلمة مكان كلمة مرادفة لها أو بان يزيد الكلام ما تكون لزيادته فائدة فيه أو بان ينقص منه ما لا يخل به أو بأن يعدل من بعض تصاريف الكلمة إلى بعضها أو بأن يقدم بعض الكلام ويؤخر بعضا أو بأن يرتكب في الكلام أكثر من واحد من هذه الوجوه.

3-

إضاءة: ولا يخلو عروض الشعر من أن يكون طويلا أو قصيرا أو متوسطا: فأما الطويل فكثيرا ما يفضل مقداره عن المعاني فيحتاج إلى الحشو، وأما القصير فكثيرا ما يضيق عن المعاني ويقصر عنها فيحتاج إلى الاختصار والحذف، وأما المتوسط فكثيرا ما تقع فيه عبارات المعاني مساوية لمقادير الأوزان فلا يفضل عنها ولا تفضل عنه فلا يحتاج فيه إلى حذف ولا حشو، لكنه يشارك الطويل والقصير في الاحتياج فيه إلى الوجوه الباقية إلى: العدل والبدل والتقديم والتأخير أو مجموع أكثر من واحد من ذلك.

4-

تنوير: وللأعاريض اعتبار من جهة ما تليق به من الأغراض واعتبار من جهة ما تليق به من أنماط النظم: فمنها أعاريض فخمة رصينة تصلح لمقاصد الجد كالفخر ونحوه نحو عروض الطويل والبسيط وفئة وكثير من مقصرات ما سواه من الأعاريض.

ومنها أعاريض تليق مقاصد التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم يجب أن تنظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون نظمه فيها جزلا نحو عروض (الطويل) والكامل.

وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد يليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام (الرقيق) من ضعف مع ذلك، لكن ما قصد به من الشعر هذا المقصد، فمن شانه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة، لأن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف ووزن. فكانت الأعاريض التي بهذه الصفة غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل. وسيأتي لهذا زيادة بيان.

5-

إضاءة: واعلم أن الخواطر إذا تصورت فصول القصائد ومعانيها قبلا لشروع فيا لنظم، وقامت بها العبارات عن تلك المعاني قياما وهميا متخيلا، فقد يوجد في عبارة عبارة منها كلم يصلح أن تقع قوافي تكون كل عبارة منها فيها كلمة في كل ما عداها من العبارات كلمة تماثلها في المقطع، ويوجد فيها أيضاً كلم مغايرة مقاطعها المتماثلة لمقاطع الأولى ولا تبلغ الثواني مبلغ الأولى فيا لكثرة، ويوجد فيها أيضاً كلم لها مقطع ثالث إلا أنها في قليل من تلك العبارات.

6-

تنوير: فللشعراء بالنظر إلى ما يجب في المطالع وما يجب في القوافي، وبالنظر إلى ملاحظة ما يجب فيها ثلاثة مذاهب: أحدها مذهب المعتنين بالمبادئ. وهو أن يجعل مبدأ كلامه دالا على مقصده، ويفتتح القول بما هو عمدة في غرضه، وينظر في العبارة عن ذلك المعنى أصلح لفظة منها بالقافية؛ فإن كان مقطعها مماثلا لما تكاثر في معاني القصيدة من المقاطع المتماثلة حصلت له البغية في المبدأ والقوافي وتمكن مما أراد، وإن كان المقطع فيا لمبدأ مماثلا للمقاطع المتوسطة في مستأنف العبارات عن معاني القصيدة حصل له أيضاً كثير مما أراد واحتال في ما لم يكن فيه من العبارات ما يماثل مقطع المبدأ باجتلاب ما يماثله على جهة إلحاقه بالعبارة ويتحرى أن يكون ذلك مفيدا، فإن لم يماثل مقطع المبدأ إلا المقاطع التي وقعت قليلة فيا لعبارات احتال في وصل ما عز فيه وأبدل المقطع بما يوجد فيه تحرى الإفادة والبعد عن التكلف ما استطاع وأبدل مكان بعض المعاني التي كان يريد أن يقولها معاني مناسبة لها في ما وقع فيها عمدة أو فضلة مفيدة مقطع مماثل لمقطع المبدأ وحذف ما لم يجد منه بدلا، فهذا مذهب.

ص: 65

7-

إضاءة: والمذهب الثاني من آثر بنية الروي على ما تكاثر من المقاطع وافتتح بعمدة غرضه. فإن كان في العبارة ما يماثل مقطع الروي حصلت البغية، وإن لم يكن ذلك في العبارة احتال في تذييل العبارة بما يماثل مقاطع الروي إن أمكنه ذلك وتحرى الإفادة فيما ذيل به البعد عن التكلف أو عدل إلى معنى يناسب ذلك المعنى مما يتيسر هل فيه وجود المقطع الموافق. فإن أعوزه ذلك ركب أحد مركبين: إما يبدأ بأي معنى اتفق مما يتفق فيه وجود الروي متمكنا. وإما أن يترك التصريع ويفتتح بعمدة غرضه كيفما حضرته العبارة ولو واقعا في أولها الخزم. وبهذا المذهب كان الفرزدق يكمل نحو قوله: (الطويل -ق- المتدارك)

منا الذي اختبر الرجال سماحة

وجودا إذا هب الرياح الزعازع

8-

تنوير: والمذهب الثالث: أن يرجع المبدأ على القوافي في ما كانت فيه المقاطع متوسطة بين الكثرة والقلة، ويرجح القوافي على المبدأ حيث تقل المقاطع.

9-

إضاءة: واعلم أن للشعراء في تهديهم إلى العبارات التي ترد على الأفكار أول ما ترد عليها متزنة منطبعة على مقدار الكلام المقفى ومقطعه وإلى العبارة التي ليست توجد أول ورودها على الأفكار متزنة منطبعة على ما يرد صوغ الكلام بحسبه، لكن توجد قابلة لأدنى تغيير يصيرها منطبعة على ما يراد من ذلك، مراتب ثلاثا: الأولى أن تكون قوة الشاعر الناظمة في أكثر أمرها لا تلاحظ ما يصلح أن يكون عبارة عن المعنى مما ذمة الذكر به ملية عند اقتضائها إياه أول ملاحظتها إلا على الهيئات التي تكون نقل الحركات والسكنات فيها بحسب ما يقتضيه الوزن الذي يريد بناء كلامه عليه فيولج به الخاطر إلى اللسان موزونا.

10-

تنوير: وقد تقتصر هذه القوة التي بهذه الصفة عن هذه الدرجة في كثير من المواضع. وذلك يكون لعوادي ثمان تعرض: أربع منها راجعة إلى الشاعر، وأربع راجعة إلى نفس الشعر.

فأما ما يرجع إلى الشاعر من ذلك فمنها: 1- أن يكون بالخاطر كسل فلا تسمو تلك القوة معه سموها مع النشاط.

2-

وإما أن يكون الخاطر قد شغله تلفت إلى غير الغرض الذي هو آخذ في صوغ العبارة له، وعاقه ذلك عن تسليط تلك القوة عن ضروب ما يقوم فيه من العبارات المتخيلة وإمرارها على ضرب ضرب منها حتى تميز القوة بعرض جميعها حركاته وسكناته ومستمرة على ما يجب في ما بني الكلام عليه من الأوزان مما ليس التركيب في حركاته وسكناته كذلك إذ ذكا من التصور الذهني إلى التلفظ اللساني كامل وذلك التلفت منه يكون إما إلى جهة معنى يسنح له، وإما إلى جهة معنى قد قدمه فيسنح له فيما يتعلق به أو بالعبارة عنه ما يرفع قبحا ويضاعف حسنا. فينتهز الخاطر الفرصة في تحصيله. ففي حال الانصراف إلى محل الالتفات تتوافق القوة الناظمة عما كانت بسبيله من تصفح العبارة المستمرة الحركات والسكنات على منهاج الوزن الذي بني الكلام عليه والتغلغل إلى استخراجها من غمار العبارات غير المتزنة.

3-

وإما أن يدركه سهو، فينصرف عن الوزن الذي هو آخذ فيه إلى وزن يقاربه على سبيل الغلط. فيكون الخاطر غير آنس بالوزن الذي خرج إليه ولا ولع بالاستمرار على ما لم يتقدم له إلف له ولا سلف له عمل فيه، من شان النفس أن تحرص على إتمامه، ولا استثار فائدة فيه ولعه بما قد ألفه وتقدم له عمل فيه يشتاق إلى إتمامه. فلا ينبعث الخاطر بالقوة انبعاثا يمكنها من ملاحظة ما وضعه من العبارات موافق للوزن المبني بديها، فيتعذر على ها صوغ الكلام بحسب الوزن المخرج إلى السهو، ولو لم يتعذر على هذا التقدير أيضاً لم يحصل للناظم البغية مما أراد من الوزن الأول، فوقوع مثل هذا الغلط عائق عن وزن الكلام بحسب العروض المقصود بالقصد الأول على كل حال. وأكثر ما يقع هذا الغلط للفكر أيضاً إذا نال منه الكد والكسل، وإن كان هذا إنما يعرض في الأقل، وفي الأوزان المتشابهة نحو مجزو الوافر والهزج.

11-

إضاءة: ولا يعتاص وزن الكلام على المطبوعين إلا حيث يريدون تضمين المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، أو حيث يريدون صوغ الكلام على هيئات بديعة يحتاج فيها إلى إمرار الفكر على الألفاظ التي يحدس أن ذلك متأت فيها وإلى التنقيب عما يهيئ الكلام بتلك الهيئة من ضروب الترتيبات والوضع. فأما في ما سوى ذلك فالوزن أيسر شيء على من له أدنى بروع في هذه الصناعة.

ص: 66

12-

تنوير: ولما ذكرته من انبعاث الخاطر وولعه بما قد ألفه واستثار الفوائد فيه فهو يحرص على إتمامه ما لا يولع بما لم يألفه ولا تقدمت له استثارة فائدة فيه قد يعتاص القول على الشاعر في مبادئ القصائد وصدورها ويتيسر في أوساطها وأعجازها. هذا على كونه في المبادئ أجم خاطرا وأشد تمكنا من القوافي.

13-

إضاءة: 4- والسبب الرابع من عوادي الشاعر عن التسرع في وزن الكلام أن تكون مواد العبارات في الذكر قليلة فيعز وجود ما يجيء من العبارات عفوا من غير احتيال ولا تكلف لذلك.

14-

وأما ما يرجع إلى الشعر فمن ذلك: 1- أن يكون قدر الوزن فوق قدر المعنى، فيحتاج إلى إعمال الحيلة في ما يستحسن من الحشو، أو من المعاني التي يكون في اقترانها بالمعنى المقصود بالمقصد الأول تحسين للكلام وإبداع في حسن وضعه ونسقه وترتيب بعضه من بعض، فيقل أيضاً وجود ما يجيء من العبارات عفوا على هذه الصفة.

2-

أو يكون قد ر المعنى فوق قدر الوزن فيحتاج إلى الحذف والاختصار.

3-

أو يكون المعنى دقيقا داعيا إلى إيراد العبارة عنه على صورة يقل ورودها عفوا.

4-

أو يكون المعنى من المعاني التي العبارات عنها قليلة في اللسان، فلا يتمكن الخاطر من إيراد موزونة إلا بتعمل ومحاولة أو يكون للشاعر اختيار أن يورد المعنى في عبارة مخصوصة لكونها بارعة في نفسها أو بالنسبة إلى ما يليها.

15-

إضاءة: والمرتبة الثانية من ليس له قوة على إحضار العبارة متزنة على البديهية إلا في قليل من المواضع، بل يحضر العبارات بحيث تقبل التغيير والتصيير إلى الوزن المقصود بأدنى سعي.

16-

تنوير: والمرتبة الثالثة من لا يستطيع على إحضار العبارات متزنة أول إحضارها، ويحضرها مع ذلك غير قابلة التغيير إلى الوزن إلا بكد وتعب.

17-

إضاءة: وكذلك القول في رد غير الموزون إلى الوزن بأحد التغييرات، تتفاوت (القدرة) أيضاً في الشعراء، فمنهم من يلوح له التغيير الممكن في العبارة بيسر، ومنهم من يلوح له ذلك ببطء، ومنهم من يقع في ذلك بين الطرفين.

وقد قامت أن ضروب التغييرات التي تصير غير الموزون متزنا هي: إسكان متحرك أو تحريك ساكن أو زيادة في اللفظ أو نقص منه أو عدل صيغة إلى أخرى أو تقديم وتأخير أو إبدال لفظة مكان أخرى أو اجتماع أكثر من واحد من هذه التغييرات.

18-

تنوير: واعلم أن ذا القوة القوية على النظم قد يوجد أبطأ في القول من ذي القوة التي ليست متناهية، وذلك إذا قصد إبعاد الغاية في الروية والتنقيح فتطلب المعاني الشريفة ونزع بها المنازع اللطيفة وجهد في إبرازها من العبارات في صور بديعة؛ فيحتاج في كل ذلك إلى تنقيب وفحص ويحتاج معهما في قليل القول إلى كثير الزمان. فأما إذا كان ذو القوة الفائقة آخذا في مثل نمط ذي القوة القاصرة من الكلام فإن الأقوى قوة منها يربي على الأضعف في سرعة القول؛ ويكون التفاوت بينهما في ذلك على قدر ما بينهما من التفاوت في القوة. فربما نظم الأقوى الثلاثين بيتا فما فوقها خلال ما ينظم الأضعف عشرة الأبيات فما دونها. بل قد يربي عليه إرباء أكثر من هذا.

19-

إضاءة: والعوام ومن جرى مجراهم ممن لم يحل من هذه الصناعة بطائل يغلط في هذا فينسبون سرعة الخاطر إلى الشاعر فيما لا يجب فيه أن ينسب إلى السرعة، وينسبون إليه الإبطاء فيما لا يجب فيه أن ينسب إليه بطء.

ومن هذا ما حكي من أبا العتاهية قال الشاعر كان قدم مع المأمون من خراسان: (في كم تصنع القصيدة؟) . فقال له: (قد أصنع القصيدة تبلغ ثلاثين بيتا في شهر) . فقال أبو العتاهية: (أما إني لا ملي على الجارية من ليلتي خمسمائة بيت) . فقال له الخراساني: (أما مثل قولك: (الهزج -ق -المترادف)

ألا يا عتبة الساعة

أموت الساعة الساعة

فإني أملي منه ألف بيت إذا شئت) . فانقطع أبو العتاهية وضحك الحاضرون منه.

20-

تنوير: ولا يجب ألا يقتصر على ما للقوة الناظمة من سليم الذوق وما يصح فيه دون ما يصح في العروض، وألا ينظم الكلام إلا بحسب ما يصح فيهما معا ليكون كلامه مع كونه جاريا على أوضح طرق المناسبات موافقا لكلام العرب في جميع ذلك.

ص: 67