الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16-
تنوير: واعلم أن السواكنالتي تنفصل بين قطرين أصليين لا يجوز حذفهما وإن كانت من أسباب. وكذلك الساكن الذي يؤدي حذفه إلى اتصال قطر ثلاثي أي متسق فيه ثلاث حركات بركن رباعي أي متوالي فيه أربع سواكن؛ فإن هذا أيضاً لا يجوز حذفه، وذلك كالنون من مستفعلن في الخفيف. وينبغي أن تسمى هذه الأسباب بالأسباب المضارعة للأوتاد في مواقعها. وأحكام الأوزان تختلف في ما يسوغ حذفه من سواكن الأسباب في الزحاف المفرد والمزدوج بحسب اختلاف أنحاء الاعتمادات على نهايات الأجزاء وبحسب مواقع الأسباب من مواضع تلك الاعتمادات. ولذلك يسوغ من الزحاف المزدوج في سببي البسيط ما لا يسوغ في سببي الطويل. كذلك الزحافات المفردة لا تسوغ في الأسباب حيث تكون مظان اعتمادات وتحصينات للأوزان من توالي ما لا يسوغ فيها.
وهذه لمحة تدل الذكي الألمعي على ما يتفصل إليه القول المجمل فيها بحسب وزن وزن وتجزئة تجزئة.
17-
إضاءة: فهذا الذي قلته في مجاري الأوزان وأنحاء تركيباتها وما يسوغ فيها هو الرأي الصحيح الذي تعضده الآراء البلاغية والقوانين الموسيقية ويشهد به الذوق الصحيح والسماع الشائع عن فصحاء العرب.
فدع عنك ما غيره أو وضعه العروضيون أو الرواة من الأبيات المضمحلة التي لا توجد لها نظير في الأشعار الفصيحة الصحيحة الرواية. فقد رد بعض العروضيين ما استشهد به بعضهم من الأبيات الفاسدة، وزين بعضهم شواهد بعض. وكثير أيضاً مما وضع واختلق أو غير جاز عليهم أو على أكثرهم. فلهذا يجب أن لا يقبل شيء يخالف ما قلناه لأنا وضعنا هذه القوانين بحسب ما شهدت به أصول علوم جليلة، بها يتميز الصريح المحض من الزائف البهرج في كل مذهب من مذاهب اللسان ومأخذ من مآخذ البيان.
ولاستقصاء الكلام في صناعة العروض طول لا يحتمله هذا الموضع قد فرعت منه في موضع خاص بصناعة العروض. فمن هنا يعرف تفصيل هذا المجمل.
ج - معلم دال على طرق العلم بمقادير تناسب الوزان وما يسوغ فيها من التعابير وما لا
يسوغ على الوجه المختار.
أوزان الشعر منها متناسب تام التناسب متركب التناسب متقابلة متضاعفة، وذلك كالطويل والبسيط. فإن تمام التناسب فيها مقابلة الجزء بمماثله، وتضاعف التناسب هو كون الأجزاء التي لها (لها) مقابلات أربعة، وتركب التناسب هو كون ذلك في جزأين متنوعين كفعولن ومفاعيلن في الطويل، وتقابل التناسب هو كون كل جزء موضوعا من مقابله في المرتبة التي توازيه، فإن كان الواحد في صدر الشطر الأول كان الآخر في صدر الشطر الثاني، وإن كان ثانيا كان مقابله ثانيا، وإن ثالثا فثالث. فالأعاريض التي بهذه الصفة هي الكاملة الفاضلة. وكلما نقص عروضا شرط من هذه الشروط أو أكثر كان في الرتبة من مقاربة الكلام أو مباعدته بقدر ما نقص منه.
1-
إضاءة: وأوزان الشعر منها سبط، ومنها جعد، ومنها لين، ومنها شديد، ومنها متوسطات بين السباطة والجعودة، وبين الشدة واللين وهي أحسنها. والسبطات هي التي تتوالى فيها ثلاثة متحركات، والجعدة هي التي تتوالى فيها أربعة سواكن من جزأين أو ثلاثة من جزء، وأعني بتواليها ألا يكون بين ساكن منها وآخر إلا حركة. والمعتدلة هي التي تتلاقى فيها ثلاثة سواكن من جزأين، أو ساكنان في جزء. والقوية هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزائها على وتد أو سببين، ويكون طرفاه التي يكون الوقوف في نهاية أجزائها على سبب واحد، ويكون طرفاه قابلين للتغيير. وإذا تركب الضعيف مع القوي فربما غطى على ضعفه، وخصوصا إذا حدثت في التركيب جعودة كالحال في الخفيف. فإن تركب الضعيف مع معتدل لم يخف معه ضعفه كالحال في المديد.
2-
تنوير: فأما التغييرات اللاحقة للأوزان فمنهما ما يكون بنقص بعض أجزاء الوزن، ومنها ما يكون بزيادة. فأما النقص فضروب الزحاف الواقع في الأسباب بحذف بعض سواكنها وإسكان بعض متحركاتها. وكذلك أيضاً قد يقع التغيير في الأوتاد بتسكين أول متحركها، وذلك حيث تكون جزءا من فاصلة لم يتضاعف فيها تغيير، أو بحذف ثواني الأسباب الثقيلة وأوائل الأوتاد المجموعة في صدور البيت ويسمى خرما. وحذف أول الوتد في صدور البيوت أحسن من حذف ثاني السبب الثقيل. ويجب أن يكون لمورد الأبيات، قاصدا إقامة أوزانها، فضل اعتماد وتوقرات وإشباعات الحركات وما ينتسب إليها من الحروف القابلة للمد والإطالة في ما كشف مواضع المحذوفات ويتصل بها ليكون ذلك سادا مسدها وجاريا مجرى البدل منها.
3-
إضاءة: فأما التغييرات التي تكون بزيادة فمنها ما يقع في القوافي ومنها ما يقع في الأعاريض. فأما ما يقع في القوافي فإن الأعاريض التي يكون لها ضربان: ضرب مقطعه على سبب متوال أو وتد متضاعف، وضرب مقطعه على سبب خفيف غير متوال أن يوالي السبب في بعض الضروب وإن كان ذلك مستقبحا. ويجوز فيما بنيت قافيته على وتد غير متضاعف أن يضاعف الوتد في بعض الضروب من ذلك، وإن كان أيضاً ذلك قبيحا. وإنما استساغ بعض العرب هذا لأن العروض تقبل نسق كلا الضربين عليها. وإن وقعت بذلك بين بعض الضروب وبعض مخالفة، فليس ذلك من المخالفة التي يصير بها الجزءان طرفي نقيض في الوضع، بل هما متناسبان لم يختلفا إلا بالأزيد والأنقص. ويشبه أيضاً أن يكون العرب إنما تفخم الساكن في هذا الوضع الذي قد يستسيغونه في القوافي إذا كان مما يجري فيه الصوت ويكون التلفظ به قبل الساكن التالي له وأسهل من غيره وأخفى موقعا، ليكون ذلك الساكن توجد فيه مضارعة للحروف المصونة من جهة ما يوجد له بعض تصويت، ويوجد الهواء متسربا مع التلفظ به، وذلك نحو الهاء والعين والحاء والنون وما جرى مجرى ذلك.
ومما ورد من ذلك قول النابغة بن شيبان من قصيدة يقول فيها: (الرمل -ق- المتدارك)
امدح الكأس ومن أعملها
…
واهج قوما قتلونا بالعطش
غنما الكاس ربيع باكر
…
فإذا ما غاب عنا لم نعش
ثم قال في وصف الخيل:
فبها يحوون أسلاب العدى
…
ويصيدون عليها كل وحش
وأورد بيتين آخرين على هذا النحو.
ويجب ألا يعمل على هذا وإن كان وقع في أشعار العرب.
وأما الذي يقع في الأعاريض، فإن العروض التي يمطكن أن تبنى على سبب متوالي أو ووتد متضاعف إذا صرعت يسوغ أن يوقع فيها الكلم التي التقى فيها ساكنان بالإدغام بعد المد فيكون الساكنان نهاية العروض ويكون مبدأ اشطر الثاني ثاني المتضاعفين. وذلك نحو عروض المتقارب وعروض مربع الكامل. وينبغي أن يسامح الشعراء في هذا وألا يضايقوا فيه حيث يكونون مضطرين إلى ذكر اسم قد لزمه التشديد بعد المد. فأما إذا وجد مندوحة عن ذكر ذلك اللفظ بوجدان مرادف له وما يغني غناءه فينبغي له ألا يركب ذلك ولا يجعله سبيلا إلى انتقاد نظمه مع إضلال ضالة العذر في ذلك.
4-
تنوير: فأما ما رم العروضيون إثباته في متون الوزان من الزيادة التي يسمونها الخزم بالزاي فإنهم غلطوا في ذلك لأن العرب لم تكن تعد تلك الزيادات من متون الأوزان. وإنما كانوا يجعلونها توطئات وتمهيدات ووصلا لإنشاد البيوت وبناء عباراتها عليها، وإن كانت متميزة في التقدير والإيراد عنها بأزمنة قصيرة قد تخفى على السامع فيظن أنهم قد جعلوها من متون الأبيات. وذلك غير ممكن أصلا. فإن الأوزان مما يتقوم به الشعر ويعد من جملة جوهره. والوزن هو أن تكون المقادير المقفاة تتساوى في أزمنة متساوية لاتفاقها في عدد الحركات والسكنات والترتيب. فما حذف من بعضها على بعض الوجوه التي بيناها أمكن أن يتوقر على ما بني منه وأن يتلاقى لتمكين الحركات والسكنات المكتنفة له قدر ما فات من زمان النطق به. فيعتدل المقداران بذلك فيكونان متوازيين. والزيادة على المقدار المساوي لسائر المقادير ليس فيها حيلة يمكن معها تساوي المقدارين المزيد فيه والباقي على أصله. وإنما ساغ ذلك في السواكن حيث كانت أقصر الحروف زمانا، وكان لها أصل ترجع إليه في أبنية الأوزان، فوجدت مقبولة في الأذواق لذلك.