الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15-
إضاءة: فأما الوزن الذي سموه المضارع، فما أرى أن شيا من الاختلاق على العرب أحق بالتكذيب والرد منه، لأنه طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها. وما أراه أنتجه إلا شعبة بن برسام خطرت على فكر من وضعه قياسا. فيا ليته لم يضعه ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها، فإنه أسخف وزن سمع، فلا سبيل إلى قبوله ولا العمل عليه أصلا.
16-
تنوير: فعلى ما قدمته من ضروب تقادير التجزئة في الأوزان العربية والملحقة بها والمشكوك في كونها عربية أو ملحقة يجب أن يعتمد؛ فإن استيفاء قسمة الوضع المتناسب في الأوزان يقتضي أن تكون تقديرات هذه الأوزان على النحو الذي ذكرته وأن تكون تجزئتها على الصفة التي قدمتها.
فمن كان له أدنى بصيرة لم يتخالجه الشك في أن الصحيح ما ذكرته لاستناد ما قلته إلى علم اللسان الكلي الذي لا تتبين أصول علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه، ولكون علم اللسان الكلي منشأ على أصول منطقية وآراء فلسفية موسيقية وغير ذلك. فلذلك كان كلامنا في ذلك أهلا لأن يوثق به ويركن إليه.
17-
إضاءة: وأكثر الأوزان التي ذكرتها تتنوع أعاريضها وضروبها. وذلك إما أن يكون بحذف جزء برأسه، أو بحذف ساكن من وتد أو سبب متطرف في جزء العروض أو الضرب وإسكان ما قبله، أو بحذف ساكن ضوعف به سبب أو وتد، أو بحذف الوتد أو السبب رأسا، أو بإسكان ما قبل الوتد أو السبب بعد حذفه، أو بالتزام بعض الزحافات في جزأي العروض والضرب، أو بزيادة سبب على جزء الضرب ويسمى ذلك ترفيلا، أو بزيادة ساكن مصوت قبل آخر حرف من جزء الضرب ويسمى ذلك إسباغا وإذالة.
18-
تنوير: ووقوع هذه العلل والتغايير في عروض عروض وضرب وضرب من أعاريض الوزان التي قدمت ذكرها وضروبها على التفصيل يعرفها من تلقاء نفسه من له ذوق صحيح وحصل له قسط مقنع من الاستقراء وشد مع ذلك شيئا من هذه الصناعة. ومن لم يكن له ذوق، فإنهم حصروا عامة ما نوعت العرب إليه نهايات الأشطار من أبنية أوزانها من الأعاريض والضروب.
فإن هذه الصناعة لا يليق بها أن تخرج إلى محض صناعات اللسان الجزئية، وأن تستقصى فيها تفاصيل تلك الصناعات. وإنما نتكلم من ذلك في ما له علقة بصناعة البلاغة أو في ما عسى المتكلم في هذه الصناعة أن يستطرد إليه من ذلك. وأكثر ما يتكلم البليغ أيضاً من ذلك في قوانين كلية يمكن أن تستنبط منها أشياء في نصاعات اللسان الجزئية. فلهذا وكلنا ذكر ما وقع من تغيير تغيير في عروض عروض وضرب ضرب من وزن وزن لصاحب صناعة العروض. فليتصفح هنالك، وبالله التوفيق.
ب- معرف دال على طرق المعرفة بما وقع في أوزان العرب من ضروب التركيبات المتلائمة
، وأنواع الترتيبات المتناسبة، وما لوحظ فيها مما حسن عندهم أن يهيئوا بهيئته، وبمقدار ما أوقعوه في وزن وزن من ذلك.
لما كان جميع ما يدركه الإنسان لا يخلو من أن يكون شيئا بسيطا لا تنوع فيه أصلا أو يكون له تنوع من جهة ما يكون من الأشياء المركبة، وكانت شيمة النفس التي جبلت عليها حب النقلة من الأشياء التي لها بها استمتاع إلى بعض، كانت جديرة أن تسأم التمادي على الشيء البسيط الذي لا تنوع فيه بنقلها من شيء إلى شيء ما لا تسأم الشيء الذي له تنوع يمكنها معه المراوحة بين تأمل الشيء وتأمل غيره مما يكون تنوع ذلك الشيء إليه، وإن كانت أيضاً تحب النقلة من الشيء المتنوع إلى غيره من المتنوعات لكنها تحتمل من التمادي عليه ما لا تحتمل من التمادي على ما تنوع له أصلا.
1-
إضاءة: وكلما وردت أنواع الشيء ضروبه مترتبة على نظام متشاكل وتأليف متناسب كان ذلك أدعى لتعجيب النفس وإبلاغها بالاستماع من الشيء، ووقع منها الموقع الذي ترتاح له.
فلهذا كانت المتحركات والسواكن إذا ركبت منها أجزاء أول، اعني أنها في أول تركيب إلا لا تنحل إلا إلى جزأين بسيطين أو إلى بسيط ومركب في أدنى تركيب - وهذه هي الأسباب والأوتاد - ثم ألف من ضم بعض تلك الأجزاء إلى بعض على الأنحاء المتناسب ثم وضعت في مقادير من المسوعات، تحتمل منها: أربعة أجزاء خماسية أو خماسيين وسباعيين، أو ثلاثة أجزاء سباعية أو سباعيين وسداسيا أو تساعيا وسباعيين أو تساعيا وسباعيا وخماسيا، أو جزأين ثمانيين، أو تساعيين. ونسق في ذلك بعض المتماثلات على بعض أو قورن بين الجزء وما يضارعه على نحوين من الوضع: 1- أحدهما أن يضاعف كلاهما ويراوح بينهما في الوضع فيرد أحدهما أبدا عقب الآخر، فتكون لأحدهما المراتب الأفراد أبدا، مثل أن يقع أولا وثالثا وخامسا وسابعا، وتكون للآخر المراتب الأزواج بأن يقع ثانيا ورابعا وسادسا وثامنا، وذلك نحو الطويل والبسيط.
2-
والآخر أن يوضع أحد المتضارعين متكررا والآخر مفردا، فيقدم المتشافعان على المفرد، أو يوسط المفرد بينهما، أو يؤخران ويقدم المفرد. وهذا الوضع الأخير لم يقع للعرب إلا في فروع الأوزان دون أصولها، لأن هذا الوضع بالنسبة إلى ما قبله قليل التناسب: إذ لا استفتاح فيه بغير مظنة التناسب، وإذ الأثقل فيه موضوع طرفا، وإذ هو من بناء الكثير على القليل، وبناء القليل على الكثير أنسب، اللهم إلا إذا كان الجزء المضاعف يقصر على الجزء المفرد الذي بني عليه، فإن ذلك يستساغ.
وعلى هذا النحو استعملت العرب في فروع أوزانها هذا الوضع. وعلى ذلك قيس ما وضع من الأوزان المحدثة، فضوعف فيه السباعي بعد التساعي، أو وضع ذلك على نحو لا ينسق فيه بعض المتماثلات على بعض ولا يراوح بين جزء يورد متكررا في مواضع غير متصلة وبين جزء مضارع له يورد أيضاً متكررا في المواضع المتخللة لمواضع الآخر، ولا يضاعف فيه أحد الجزأين ويفرد الآخر؛ بل يكون الموضع بالاطراد من بعض المتضارعات إلى بعض والانحدار فيها من الأثقل إلى الأخف والاستمرار في ثلاثة الأجزاء على هذا التدريج.
وقد يقع نقلة الترقي المضادة لهذا الوضع فيا لمضارعات أيضاً تناسب في الوضع وحسن مسموع، ولكن في بعض الاقترانات لأسباب موجبة لذلك قد ذكرناها في غير هذا الموضع.
2-
تنوير: والتضارع بين الأجزاء هو أن يكون ترتيب جزء ما يماثل ترتيب صدر جزء نحو فعولن ومفاعيلن، أو يماثل ترتيب الجزء ترتيب عجز جزء آخر نحو فاعلن ومستفعلن، أو تكون نسبة صدر الجزء إلى صدر الجزء فيما ينقص عنه نسبة عجزه إلى عجز الآخر أيضاً فيما ينقص عنه نحو فاعلن ومفاعلتن، أو يكون صدر أحدهما يماثل صدر الآخر أو يماثل عجزه عجزه أو صدره عجزه أو عجزه صدره.
والجزء المضاد للجزء هو الذي يكون وضعه مخالفا لوضعه نحو مستفعلن ومفاعيلن. فإن الوتد في أحدهما مقدم على السببين، وفي الآخر مؤخر عنهما، ومثله مفاعلتن ومتفاعلن.
والمنافر هو الذي لا يضارع ولا يضاد وذلك بألا يكون بين الجزأين تقارب في الترتيب ولا تضاد فيه نحو متفاعلن ومفاعيلن.
فالتركيبات المتناسبات إنما تكون باقتران المتماثلات والمتضارعات ولا يقع في اقتران المتضادات والمتنافرات تركيب متناسب أصلا. وقد يكون الجزء مضادا للآخر من وجه، مضارعا له من وجه آخر، مثل فاعلن وفعولن، فإنهما وإن تضادا من جهة الوضع بان قدم في أحدهما ما أخر في الآخر، فقد ضارع أحدهما صاحبه من جهة أن صدره مماثل لعجزه.
ويشترط في التضارع مساواة أكثر الجزأين. فإن كان في جزء يسير منهما أو من أحدهما لم يعتد به. وأحسن التركيب ما وضع فيه أحد المتضارعين مما يلي الحيز الذي ضارعه من صاحبه نحو وضع الطويل والبسيط. ولهذا رفض مقلوب وضعهما لأن الجزء فيه ليس موضعا مما يلي الجزء الذي ضارعه من صاحبه.
3-
إضاءة: فإذا وضعت مقادير من المسموعات مؤلفة من الأجزاء المتقدمة الذكر على الأنحاء الخمسة التي وضعت عليها العرب أبنية أوزانها - وهي: 1- الوضع الذي تتسق فيه المتماثلات نحو المتقارب، 2- أو الذي تتداخل فيه المتضارعات نحو الطويل، 3- أو الذي يتقدم فيه المتشافعان على المفرد نحو السريع، 4- أو الذي يتوسط فيه المفرد بين المتشافعين نحو الخفيف، 5- أو الذي تتسق فيه المتضارعات نسق انحدار؛ وعلى ما يناسب من الوضعين الباقيين، وهو: 1- تقديم المفرد على المتشافعين، 2- ونسق المتضارعات نسق ارتقاء؛ وربعت الخماسيات في نسق المتماثلات في الشطر الموزون وثلثت السباعيات فيه وثنيت الثمانيات والتساعيات في ذلك وربعت المتداخلات من الخماسيات والسباعيات وثلثت الواقعة بتشافع وإفراد، وكذلك المتضارعات أي عدد كانت - كان ذلك مسموعا متناسبا من شأن النفس أن تستطيبه ويداخلها التعجب من تأتي نسقه واطراد هيئاته وترتيباته المحفوظة.
ويسمى ما كان على هذه الصفة شطر بيت. فإن أردف مقدار موضوع على بعض تلك الأنحاء قد تهيأ بتلك الهيأة التي تستطيبها النفس وتستبدعها بمقدار آخر يساويه في الوضع والتراتيب زادت النفس ابتهاجا بذلك أحسن موقع وأكمله مناسبة. وهذا المقدار المجموع من المقدارين هو المسمى بيتا.
4-
تنوير: ولما كان أحق البواعث بأن يكون هو السبب الأول الداعي إلى قول الشعر هو الوجد والاشتياق والحنين إلى المنازل المألوفة وألا فها عند فراقها وتذكر عهودها وعهودهم الحميدة فيها، وكان الشاعر يريد أن يبقي ذكرا أو يصوغ مقالا يخيل فيه حال أحبابه ويقيم المعاني المحاكية لهم ف الأذهان مقام صورهم وهيآتهم ويحاكي فيه جميع أمورهم حتى يجعل المعاني أمثلة لهم ولأحوالهم أحبوا أن يجعلوا الأقاويل - التي يودعونها المعاني المخيلة لأحبابهم المقيمة ف الأذهان صورا هي أمثلة لهم ولأحوالهم - مرتبة ترتيبا يتنزل من جهة موقعه من السمع منزلة ترتيب أحويتهم وبيوتهم. ويوجد فيوضع تلك بالنسبة إلى ما يدركه السمع شبه من وضع هذه بالنسبة إلى ما يدركه البصر. فقد تقدم أن المسموعات تجري من الأسماع مجرى المرئيات من البصر، وتوجد لحال حال من هذه أشياء من حال حال من تلك. فقصدوا أن يحاكوا البيوت التي كانت أكنان العرب ومساكنها، وهي بيوت الشعر، لكونهم يحنون إلى أدكار ملابسة أحبابهم لها واستصحابهم لها واشتمالها عليهم بالأقاويل التي يقيمون المعاني المنوطة بها في الأذهان مقام صورهم وهيآتهم ويجعلونها أمثلة لهم ولأحوالهم. فيكون اشتمال الأقاويل على تلك المعاني مشبها لاشتمال الأبيات المضروبة على من قصد تمثيله بها وأن تجعل تذكرة له. ويكون ما بين المعنى والقول من ملابسة مثل ما كان بين الساكن والمسكن. ومتى أمكن أن يهيء الشيء الذي يجعل تذكرة لشيء آخر ويقصد به تمثيله في الأفكار بهيأة تشبه هيأة ذلك الشيء المقصود تذكرة من وجوه كثيرة يتسق بها الشبه كان أنجع في التحريك إليه والانصباب في شعب الولوع به.
5-
إضاءة: ولما قصدوا أن يجعلوا هيئات ترتيب الأقاويل الشعرية ونظام أوزانها متنزلة في إدراك البصر تأملوا البيوت فوجدوا لها كسوار وأركانا وأقطار وأعمدة وأسباب وأوتادا.
فجعلوا الجزاء التي تقوم منها أبنية البيوت مقام الكسور لبيوت الشعر.
وجعلوا اطراد الحركات فيها الذي يوجد للكلام به استواء واعتدال بمنزلة أقطار البيوت التي تمتد في استواء.
6-
تنوير: ولما كانت الأوتاد: منها ما ثباته ضروري في إمساك الخباء وتحصينه، ومنها ما في ثباته تحصين ما وقد تحتمل إزالته، جعل الخليل الضروريات من السواكن أوتادا وجعل غير الضرورية أسبابا. والأحسن أن يقال: إن هذه وتلك أوتاد، لكن ثبات إحداهما ضروري في حفظ بنية البيت، فهو بمنزلة الوتد الذي لا بد منه في الخباء، وثبات الأخرى ليس ضروريا في حفظ بنية البيت بل يستقل البيت به ودونه، فهي بمنزلة الأوتاد التي تستعمل في إمساك جوانب البيوت وقد يستغنى عنها.
وفي الأسباب ما لا يمكن الاستغناء عنه كألف متفاعلن مع السلامة من الإضمار ونون مفاعلتن مع السلامة من العصب. فسواكن هذه الأسباب مع سلامة الأجزاء ضرورية الثبات في حفظ بنية الوزن، فهي جارية مجرى الأوتاد بل هي أوتاد كما قلناه. وكأن حركة ما قبل كل وتد منها سبب له، ولكن الخليل سمى كل حركة وساكن مقترن بها لا يعتمد عليه في أكثر المواضع سببا، فإذا اعتمد على ساكن بعد متحركين أو بينهما سمي مجموع ذلك وتدا. ولا تشاح في الألفاظ كما أنه لا حرج على من عدل عما تقتضيه تلك الأسامي في المسميات إذا أراد الإفصاح عن جهات مشابهاتها لما نقلت إليها منه التسمية والتمثيل الصحيح في ذلك.
7-
إضاءة: ولنقل الآن في كيفية تركب الأسباب والأوتاد من المتحركات والسواكن، وكيفية تركب الأجزاء منها، وفي كيفيات مواقع هذه وتلك مطردة وغير مطردة في الوزان، وكيف تتهيأ أجزاء المسموعات التي تقع فيها بالتقاذف بها إلى شتى ترتيباتها بالهيآت التي تصير بها متشكلة بأشكال الأبيات المضروبة.
فأقول: إنه إذا تركبت حركتان كان ذلك سببا ثقيلا نحو لك، لم، فإن زدت عليه ساكنا كان وتدا مجموعا نحو لقد، فإن زدت على ذلك ساكنا ثانيا صار الوتد مضاعفا نحو مقال مسكن اللام، فإن تركب متحرك مع ساكن كان ذلك سببا خفيفا نحو قد، فإن زدت عليه ساكنا ثانيا كان سببا متواليا، فإن زدت على السبب الخفيف الذي لم يتوال متحركا كان وتدا مفروقا نحو كيف.
8-
تنوير: فالسبب الخفيف والوتد المجموع يقعان كل موقع من أوائل الأجزاء وأوساطها وأواخرها. والسبب الثقيل والوتد المفروق لا يقعان إلا في أوائل الأجزاء وأوساطها. والسبب المتوالي والوتد المضاعف لا يقعان إلا في نهايات أجزاء الضروب ومصرعات الأعاريض. وأسباب ذلك معروفة مما تقدم.
9-
إضاءة: وبعض هذه الأجزاء يتركب مع بعض على الإطلاق وذلك الأسباب الخفيفة مع الأوتاد المجموعة والمفروقة.
ومنها ما لا يتركب أحدهما مع الآخر في خماسيات الجزاء وسباعياتها ويتركب فما فوق ذلك، وذلك كالأسباب الثقيلة والأوتاد المفروقة. ولا تتركب معها إلا متقدمة عليها كما أن الأسباب الثقيلة أيضاً لا تتركب مع الأوتاد المجموعة إلا متأخرة عنها.
ومنها ما لا يتركب مع جميع الأجزاء إلا متأخر عنه. ومنها السبب المتوالي والوتد المتضاعف. ولا يتركب أحدهما مع الآخر. وتسمى هذه الأجزاء الأرجل.
10-
تنوير: ولا يخلو التركيب من أن يكون من رجلين سبب ووتد، فيكون الجزء المركب منهما خماسيا إن لم يكن هناك سبب متوالي أو وتد متضاعف، فإن الجزء يكون مع كليهما على ستة أحرف، وكذلك ينفسان جميع الأجزاء إذا وقعا في نهاياتها؛ أو يكون من ثلاثة أرجل ولا يخلو ذلك من أن يكون من سببين ووتد فيكون الجزء سباعيا، أو من سبب ووتدين فيكون الجزء ثمانيا؛ أو يكون من أربعة أرجل فيتركب منها ثلاث تركيبات: 1- سبب وثلاثة أوتاد - وهو تركيب مستثقل غير ملائم، 2- وسببان ووتدان والتركيب منهما ينحل إلى الخماسيات، 3- وتركيب لا يستثقل المتناسب منه ولا ينحل إلى غيره، فالقياس يوجب إثباته وقبوله وهو تساعي نحو مستفعلاتن.
11-
إضاءة: ولنقل الآن في ما قصدوه في وضع الأبنية الشعرية من حيث جعلوا اطراد الحركات في الأوزان واستقامة جرية اللسان عليها واستواء الكلام بها بمنزلة امتداد أقطار البيوت واستقامة واستوائها، وجعلوا السواكن مطردة بمنزلة الأركان.
فأقول: إن أقل ما يعد من توالي المتحركات قطرا المتحركان، فإنه القطر الأصغر. فأما الحركة بين ساكنين فإنها كالفرجة بين طنبين، ويليه القطر الأوسط وهو ثلاثة متحركات، ثم القطر الأكبر وهو أربعة متحركات، وهو أقصى ما يوجد عليه اطراد الحركات في الأوزان. وأقل ما يعد من السواكن ركنا الواحد ثم لاثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة وهي أقصى ما يوجد من اطراد السواكن في الأوزان.
12-
تنوير: ولا تستحسن الأركان والأقطار التي تناهت إلى هذا الحد، بل الواجب أن يحذف ثالث السواكن من هذه ويثبت ما يفصل في تلك بين بعض المتحركات وبعض بإعادة السواكن المحذوفة من أثناء ذلك لأن المتحركات لا تنتهي إلى أربعة في الأوزان على اطراد ونسق إلا بحذف بعض السواكن.
13-
إضاءة: ويجب أن تعلم أن أبيات الشعر، وإن كانت أوائلها منفصلة عن أوائلها، فإن النظام فيها في تقدير الاتصال على استدارة إذ كان وضع الأوزان الشعرية وترتيبها ترتيبا زمانيا لا يمكنك فيه أن ترجع بالنهاية إلى زمان المبدأ بل تكون بينها فسحة من الزمان ولابد. وترتيب البيت المضروب ترتيب مكاني إذا بدأت بأي موضع شئت منه ثم درت عليه تأتى لك أن ترجع إلى الموضع الذي بدأت منه بنقلة مستديرة على اتصال من غير أن كون بين المبدإ والنهاية فسحة. والأوزان وإن لم يكن أن يعاد بالنهاية فيها إلى زمان المبدإ فإنها في تقدير ذلك، إذ نسبة سرد الشطر الأول من أي بيت وقع تاليا لبيت بعد الانتهاء إلى قافية البيت المتقدم وإعطاء كل متحرك وساكن منه حقه من التلفظ نسبة سرد الشطر الثاني وإعطاء متحركاته وسواكنه حقوقها من التلفط بعد الانتهاء إلى مقطع الشطر الأول. فلذلك يجب أن يجعل ساكن القافية الأخير مع ما يتقدمه من السواكن أو يتلوه من ذلك في أول البيت التالي له أو على حدته ركنا فاصلا بين ما وقع في صدر جزء القافية الذي هو فيها من اطراد المتحركات الذي هو بمنزلة بعض أقطار البيت التي تمتد بين بعض أركانه وبعض وبين ما وقع من ذلك في صدر الجزء المفتتح به البيت الذي يليه أو وسطه أو آخره.
14-
تنوير: فتجد على هذا أركان الأبيات الباقية على وضعها الأصلي مزدوجة إذ التي في الشطر الأول منها مساوية للتي في الشطر الثاني في العدد. ولا ينقص أحدهما عن الآخر في ذلك إلا بتغيير. فأقصى ما نجدهم بنوا عليه أشطار البيوت ستة أركان. فيكون لمجموع البيت على ذلك اثنا عشر ركنا، وذلك في الكامل وحده لأن بناء شطره من متفاعلن ثلاث مرات، ثم يقطعونه فيصير إلى أحد عشر ركنا ثم يصير بوقوع الحذذ في الأعاريض والضروب إلى عشرة أركان مع السلامة من الإضمار وإلى تسعة بالإضمار.
ويليه في ذلك المربعة الأشطار، كالطويل والبسيط والمتقارب، فإن في كل جزء منها ركنا، فكل واحد منها ثمانية أركان، وتصير أركان الطويل والبسيط بالزحاف إلى اثني عشر. والخبب مثل المربعات الأشطار في أنه مبني على ثمانية أركان.
فأما السباعيات الجزاء المثلثة الأشطار مما لم يقع فيه سبب ثقيل فهي مبنية على ستة أركان، وتصير بإعلالات الضروب إلى خمسة.
ومما بني على أربعة أركان الوزن الذي قدمت أن المحدثين هم الذين علم من أقوالهم، ولا يبعد أن يكون من وضع العرب فإنه متناسب الوضع، فيجب أن يلحق بما يستعمل من الوزان ولنصطلح على تسميته باللاحق، لهذا المعنى. فقد قدمنا أنه يوجد فيه ساكن لا يوجد في مخلع البسيط ولا يقبله. ويوجد في مخلع البسيط ساكن لا يوجد في هذا اللاحق ولا يقبله، فلهذا حكمنا أنه وزن قائم بنفسه، وبناء شطره: مستفعلاتن مستفعلاتن.
وقد خصوا الرجز بأن أبقوا مشطوره على ثلاثة أركان، وهو أقل ما تقوم منه الأشكال. ويشبه أن يكون هذا بعض ما أوجب احتمالها لاطراد المتحركات في أقطاره لأن الأشكال المثلثة أطول الأشكال عروضا وأقطارا. وكأنهم جعلوا الأبيات المسدسة الوضع وسطا في ذلك حيث ترقوا في ذلك إلى ضعفها وانحطوا إلى نصفها.
15-
إضاءة: ولقائل أن يقول: إن أجزاء الشطور الأول تنزل منزلة ما يلي الأرض من كسور البيت، وإن أجزاء الشطور الثواني تنزل منزلة ما لي السمك منها. ولهذا قد تقصر دائرة نظام الأشطار الثواني في كثير من الضروب عن دائرة نظام الأشطار الأولى نحو ضربي عروض الكامل المقطوع والمضمر، فإن دائرة ما يلي السمك من الأخبية أضيق من دائرة ما يلي الأرض. وليست ملاحظة هذا الوجه في الأوزان بضربه لازب؛ وعلى هذا التقدير يحسن في القافية أن يقال فيها أنها جعلت العروض رأس الخباء وما يعالى به العمود، فأحكمت هيآتها لذلك وجعل العروض القاسم للبيت بنصفين بمنزلة موصل قائمة الخباء العليا بقائمته السفلى، وجعلوا اطراد النظام المتناسب ما بين مبدأ البيت ومنتهى القافية بمنزلة استقامة قوائم البيوت. ومما يقوى أن العروض كموصل القائمتين أن كثيرا من الأعاريض القصار والتي قد نقص بعض أجزائها لا يجعلون لها أعاريض كمشوطرات الرجز أو لا يحافظون على وضعها ولا يرتبطون في ذلك إلى هيآت محفوظة نحو ما ورد في مخلع البسيط لعبيد بن الأبرص وغيره.