الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمصراع الأول في غاية الإبداع ونهاية الانطباع، وليس المصراع الثاني كذلك، وإن كان له قسط من الفصاحة لأن كثيرا من الشعراء الفحول يجاريه في مثل صيغة المصراع الثاني ويتمم مبدأه بمثل ما تممه به، وليس يجاريه أحد في كمال المصراع الأول وشرف ما وقع فيه بالنظر إلى ما يجب أن يفتتح به القول في البكاء على الديار.
7-
تنوير: وليس يجب أن يعتبر في حسن المبادي ما وقع الإحسان في مصراعه الثاني إذا كان المصراع الأول قبيحا.
8-
إضاءة: ومما اختير من المبادي قول النابغة: (الطويل -ق- المتدارك)
كليني لهم يا أميمة ناصب
وقول الأعشى: (الطويل -ق- المتدارك)
كفى بالذي تولينه لو تحببا
وقول القطامي: (البسيط -ق- المتركب)
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل
وقول بشار: (الطويل -ق- المتدارك)
أبى طلل بالجزع أن يتكلما
وقول حبيب: (البسيط -ق- المتراكب)
يا بعد غاية دمع العين إن بعدوا
وقول البحتري: (الزجر -ق- المتدارك)
عارضتنا أصلا فقلنا الربرب
ومن المراثي قول الشاعر: (الطويل -ق- المتدارك)
أيا جارنا من يجتمع يتفرق
…
ومن يك رهنا للحوادث يغلق
وقول أوس بن حجر: (الخفيف -ق- المتراكب)
أيتها النفس أجملي جزعا
وقول حبيب: (البسيط -ق- المتراكب)
أي القلوب عليكم ليس ينصدع
9-
تنوير: ومما أستحسنه أنا قول منصور النمري: (البسيط -ق- المتراكب)
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع
…
إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
وقول أبي الطيب: (الطويل -ق- المتدارك)
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
وقول أبي عمر بن دراج القسطلي: (البسيط -ق- المتراكب)
أهل بالبين، فانهلت مدامعه
وقول يوسف بن هارون: (الرجز -ق- المترادف)
من حاكم بيني وبين عذولي
وقول أبي إسحق بن خفاجة: (الطويل -ق- المتدارك)
لك الله من برق تراءى فسلما
ولو قال قائل: (إنه لم يستفتح في قافية الهمزة بأحسن من قول أبي جعفر بن وضاح: (الرجز -ق- المترادف)
يا سرحة العلمين من تيماء
…
حدبت عليك روائم الأنواء
لكان حقيقا أن يصدق وأن يسلم له في ما قال.
ج- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء التخلصات من حيز إلى حيز وعطف أعنة الكلام من
جهة إلى أخرى ومن غرض إلى غرض.
اعلم أن الانعطاف بالكلام من جهة إلى أخرى أو غرض إلى آخر لا يخلو من أن يكون مقصودا أولا، فيذكر الغرض الأول لأن يستدرج منه إلى الثاني وتجعل مآخذ الكلام في الغرض الأول صالحة مهيأة لأن يقع بعدها الغرض الثاني موقعا لطيفا وينتقل من أحدهما إلى الآخر انتقالا مستطرفا، لذكر الغرض الثاني ولا توطئة للصيرورة إليه والاستدراج إلى ذكره بل لا ينوي الغرض الثاني في أول الكلام، وإنما يسنح للخاطر سنوحا بديهيا ويلاحظه الفكر المتصرف بالتفاتاته إلى كل جهة ومنحى من أنحاء الكلام.
فما كان من قبيل هذا القسم الثاني فإنه الذي يعرف بالالتفات. وأما القسم الأول فإن منه ما يكون بصورة الالتفات، ومنه ما لا يكون بتلك الصورة. وفي ما لا يبنى الكلام عليه أيضاً من أول ما لا يكون بصورة الالتفات.
1-
إضاءة: والصورة الالتفاتية: هي أن يجمع بين حاشيتي كلامين متباعدي المآخذ والأغراض، وأن ينعطف من إحداهما إلى الأخرى انعطافا لطيفا من غير واسطة، تكون توطئة للصيرورة من أحدهما إلى الآخر على جهة من التحول.
والانعطاف غير الالتفاتي يكون بواسطة، بين المنعطف منه والمنعطف إليه، يوجد الكلام بها مهيئا للخروج من جهة إلى أخرى، وسبب يجعل سبيلا إلى ذلك يشعر به قبل الانتهاء إليه.
2-
تنوير: وأصناف الالتفاتات كثيرة. وأكثر ما يعني المتكلمون في البديع، من ضروبه، ثلاثة أصناف: 1- مما أوهم ظاهره أنه كريه وهو مستحب في الحقيقة فيلتفت الشاعر إلى ذكر ما يزيل ذلك؛ نحو قول عرف بن محلم: (السريع -ق- المترادف)
إن الثمانين وبلغتها
…
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
2-
الثاني أن يلتفت الشاعر عند ذكر شيء إلى ما له في نفسه من غرض جميل أو غير ذلك، فيصرف للكلام إلى جهة ذلك الغرض، نحو قول جرير:(الكامل -ق- المتدار)
طرب الحمام بذي الأراك فهاجني
…
لا زلت في غلل وأيك ناضر
3-
الثالث أن يلتفت إلى نقض خفي داخل عله في مقصد كلامه أو يخشى تطرق النقض إليه، فيحتال في ما يرفع النقض ويزيل التطرق، ويشير إلى ذلك ملتفتا كقول طافة:(الكامل -ق- الترادف)
فسقى ديارك غير مفسدها
…
صوب الربيع وديمة تهمي
وقول ابن المعتز: (الطويل -ق- المتدارك)
صببنا عليها، ظالمين، سياطنا
…
فطارت بها أيد سراع وأرجل
3-
إضاءة: وإذ قد تبين أن ما قصد به الاستدراج أولا، أو سنح فيه الالتفات آخرا، كلاهما منه ما يترامى فيه من الغرض الأول إلى الثاني من بعد على سبيل التدرج، ومنه ما يخلص فيه إلى الشيء مما يليه من الكلام بغير تدرج، فلنذكر الآن مآخذ الشعراء فيما يتدرجون إلى مدحه أو ذمه، أو يخلصون إليه خلوصا التفاتيا على جهة الاستطراد، أو لا يتدرجون إليه ولا يستطردون بل يهجمون على المدح أو الذم هجوما.
وأهل البديع يسمون ما كان الخروج فيه بتدرج تخلصا، وما لم يكن بتدرج ولا هجوم ولكن بانعطاف طارئ على جهة من الالتفات استطرادا، ومثله قول حسان:(الرجز -ق- المترادف)
إن كنت كاذبة الذي حدثتني
…
فنجوت منجى الحرث بن هشام
وربما اجتمع التخلص والاستطراد، كقول مسلم:(الطويل -ق- المتدارك)
أجدك لا تدرين أن رب ليلة
…
كأن دجاها من قرونك تنشر
أرقت لها حتى تجلت بغرة
…
كغرة يحي حين يذكر جعفر
فتخلص إلى مدح يحي واستطرد منه إلى ذكر جعفر.
وإنما أخذ هذا اللقب من استطراد الفارس، وهو أن يريك أنه فر وإنما يريد بذلك اغترار من ينقطع في طلبه، فيسرع الكر إذ ذاك عليه.
ولا ينبغي أن يشترط في الاستطراد ألا يرجع فيه إلى وصف المستطرد من، بل كيف ما وقع الكلام المتحول فيه عن جهة إلى أخرى على النحو الذي ذكرناه مرجوعا فيه إلى وصف المستطرد منه أو غير مرجوع، مستطردا فيه من المستطرد إليه إلى غيره ومن ثان من المستطرد إليها إلى ثالث أو مقتصر على واحد من المستطرد إليها، فإنه استطراد يتنوع بحسب ما يتوجه الكلام بعده إليه.
4-
تنوير: وشعراء المحدثين أحسن مأخذا في التخلص والاستطراد من القدماء، لأن المتقدمين إنما كانت قصارهم في الخروج إلى المديح أن يقول: دع ذا، وعد القول في هذا، أو يصف ناقته ويذكر أن إعمالها إنما كان من اجل قصد الممدوح؛ وعلى أنهم كانوا معتمدين في الخروج على تعدية القول أو تعدية العيس فقد ندر لهم من التخلص ما يستحسن ومن الاستطراد ما لا ينكر الإبداع فيه. وقد كان فيا لمحدثين من يعفي خاطره في الخروج إلى المديح اقتداء بالمتقدمين فيهجهم على المديح من غير توطئة له كقول البحتري:(الرجز -ق- المتدارك)
تأبى رباه أن تجيب، ولم يكن
…
مستخبر ليجيب حتى يفهما
ثم قال:
الله جار بني المدبر كلما
…
ذكر الأكارم ما اعف وأكرما
5-
إضاءة: وكلا ضربي الخروج إلى المديح - متصلة بما قبله ومنقطعة - لا يخلو من أن يقفي البيت فيه باسم الممدوح أو المذموم، أو اسم الأب، أو يوضع ذلك في تضاعيف البيت ويقفى البيت بغير ذلك.
وكلما أمكن وضع الاسم في القافية كان أحسن موقعا وأبلغ في اشتهار الاسم، والناس يسمون هذا النوع الشق على الاسم، كقول البحتري:(الرجز -ق- المترادف)
ولو أنني أعطيت فيهن المنى
…
لسقيتهن بكف إبراهيما