الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
تنوير: ويجب أن يردف البيت الأول من الفصل بما يكون لائقا به من باقي معاني الفصل مثل أن يكون مقالا له على وجه من جهات التقابل أو بعضه مقابلا لبعضه، أو يكون مقتضى له مثل أن يكون مسببا عنه، أو تفسيرا له، أو محاكي بعض ما فيه ببعض ما في الآخر، أو غير ذلك من الوجوه التي تقتضي ذكر شيء بعد شيء آخر. وكذلك الحكم في ما يتلى به الثاني والثالث إلى آخر الفصل.
9-
إضاءة: وربما ختم الفصل بطرف من أغراض الفصل الذي يليه أو إشارة إلى بعض معانيه.
10-
تنوير: فأما القانون الرابع في وصل بعض الفصول ببعض فالتأليف في ذلك على أربعة أضرب.
1-
ضرب متصل العبارة والغرض.
2-
وضرب متصل العبارة دون الغرض.
3-
وضرب متصل الغرض دون العبارة.
4-
وضرب منفصل الغرض والعبارة.
11-
إضاءة: فأما المتصل العبارة والغرض فهو الذي يكون فيه لآخر الفصل بأول الفصل الذي يتلوه علقة من جهة الغرض وارتباط من جهة العبارة، بان يكون بعض الألفاظ التي في أحد الفصلين يطلب بعض الألفاظ التي في الآخر من جهة الإسناد والربط.
12-
تنوير: وأما المتصل الغرض المنفصل العبارة فهو الذي يكون أول الفصل فيه رأس كلام، ويكون لذلك الكلام علقة بما قبله من جهة المعنى.
وهذا الضرب إذا نيط برأس الفصل فيه معنى تعجيبي أو دعائي أو غير ذلك مما أشرنا إليه هو أفضل الضروب الأربعة، لكون النفوس تنبسط ويتجدد نشاطها بإشعارها الخروج من شيء إلى شيء واستئناف كلام جديد لها مع ما يشفع به إليها في قبول الكلام من نياطة ما ذكرناه من تعجيب أو دعاء أو غير ذلك مما له بالمعنى علقة بالكلام وتصديره به. وهذا الضرب على كل حال أفضل الضروب الأربعة. وقد يقرن الحرف الرابط بهذا النحو فلا يغض من طلاوته ولا ينقص مما تجده النفس من حلاوته.
13-
إضاءة: فأما الضرب الثالث وهو ما كان منفصل الغرض متصل العبارة فإنه منحط عن الضربين اللذين قبله.
14-
تنوير: فأما الضرب الرابع وهو الذي لا توصل فيه عبارة بعبارة ولا غرض بغرض مناسب له، بل يهجم على الفصل هجوما من غير إشعار به بما قبله ولا مناسبة بين أحدهما والآخر، فإن النظم الذي بهذه الصفة مشتت من كل وجه. وإنما تسامح بعض المجيدين في مثل هذا عند الخروج من نسيب مديح. وربما فعلوا ذلك عند خروجهم منه إلى الذم.
وهذا القدر من الإشارة إلى ما يجب في الفصول، وإن كان قولا إجماليا، مقنع لمن له فكر متصرف يستدل به بما ذكر على ما لم يذكر.
ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يجب اعتاده في الفصول من جهة اشتمالها على أوصاف
الجهات التي هي مسانح أقناص المعاني ومعاضدة التخييل فيهما بالإقناع على الوضع الذي يليق بذلك ويحسن به موقعه من النفوس.
إن من الشعراء من يقصد المبالغة في تكثير الأوصاف المتعلقة بالجهة التي القول فيها، فيستقصي من ذلك ما كانت له حقيقة، وربما تجاوز ذلك إلى أن يختل أوصافا يوهم أن لها حقيقة في تلك الجهة من غير أن يكون كذلك في الحقيقة بل على أنحاء من المجاز والتمويه ليبالغ بذلك في تمثيلها للنفس على أحسن أو أقبح ما يمكن بحسب غرض الكلام من حمد أو ذم، ويكون في ذلك بمنزلة من يقصد في المحاكاة والاقتصاصات الكلم التي تعطي المبالغة في الوصف؛ ومنهم من يقصر في أوصاف الجهات على الحقيقة وما قاربها، كما أن فيهم من لا يدل بألفاظه إلا على الحقيقة أو ما قاربها؛ ومنهم من يتوخى تضمين الفصل لحقيقة ما في الجهة، كما فيهم من يتوخى مطابقة اللفظ لحقيقة ما يدل عليه.
1-
إضاءة: وكما أن في الشعراء من يستوعب أركان المعاني كذلك فيهم من يستقصي الأوصاف التي بها يكمل اتساق الفصول، وكما أن فيهم من يكتفي باستيفاء المقدار الذي منه يلتثم المعنى الذي رتبته في أول درجة من استقلال وترك ما وراء حد الاستقلال مما هو كالتتميم والتبيين كذلك فيهم من يأخذ من أوصاف الجهة ما يكون فيه إقناع وكفاية فلا يضمن الفصل أكثر من هذا المقدار.
2 -
تنوير: وكما أن فيهم من يخل بالمعاني ويترك كثيرا من أركانها، وربما أدخل ما ليس منها، كذلك فيهم من يتخطى أوصاف الجهة اللائقة بمقصده ويذكر من ذلك ما تيسر له - أكيدا كان ذلك بالنسبة إلى غرضه أو غير أكيد - فيكون قد أخل بالفصول بالنظر إلى الجهات، وربما أقحم فيها ما لا يصلح بها.
3-
إضاءة: وكما أن في الشعراء من يجعل أكثر معانيه وألفاظه مخيلة ولا يعرج على الإقناع الخطابي إلا في قليل من المواضع، وفيهم من يقصد الإقناع في كثير من معانيه - لأن صناعة الشعر تستعمل يسيرا من الأقوال الخطابية كما أن الخطابة تستعمل يسيرا من الأقوال الشعرية لتعتضد المحاكاة في هذه بالإقناع والإقناع في تلك بالمحاكاة. وغنما يعاب الشاعر إذا كان أكثر أقاويله أو ما قارب مساواة الباقي بزيادة قليلة أو نقص خطابية، والخطيب إذا كانت أقاويله أو ما قارب المساواة بزيادة قليلة أو نقص شعرية. فأما إذا استعملت إحداهما الأقل من الأخرى فإن ذلك يحسن لاعتضاد إحداهما بالأخرى وإراحة النفس وجمومها لتجدد الأقاويل الشعرية بعد الخطابية والخطابية بعد الشعرية عليها وإجمامها بالواحد لتلقى الآخر. - فكذلك في الشعراء أيضاً من يجعل أكثر أبياته وما تتضمنه الفصول بالجملة مخيلة ولا يستعمل الإقناع إلا في القليل منها، ومنهم من يستعمل الإقناع في كثير من الأبيات التي تتضمنها فصول القصيدة.
وقد كان أبو الطيب يعتمد هذا كثيرا ويحسن وضع البيت الإقناعي من الأبيات المخيلة لأنه كان يصدر الفصول بالأبيات المخيلة ثم يختمها ببيت إقناعي يعضد به ما قدم من التخييل ويجم النفوس لاستقبال الأبيات المحيلة في الفصل التالي. فكان لكلامه أحسن موقع في النفوس بذلك. ويجب أن يعتمد مذهب أبي الطيب في ذلك، فإنه حسن.
4-
تنوير: والذي يجب أن يعتمده من له قوة يتسنم بها أية شاء من رتب الشعراء في إعطاء الفصول حقها أو فوق حقها أو دون حقها في ما هو فيها بالنظر إلى الجهات بإزاء المبالغة والاستيعاب فيا لعبارات بالنظر إلى المعاني، وهو الاقتصار في ما كانت موصوفاته في أعلى رتبة من الحسن أو القبح على الحقيقة أو ما قاربها مما هو غير مستحيل. هذا إذا قصد تحسين الحسن وتقبيح القبيح.
وما كان في أدنى رتبة منها وقصد تحسينه أو تقبيحه على ذلك النحو فسائغ للشاعر أن يلحقه بذي الرتبة العليا ويصفه بمثل ذلك من الأوصاف التي لا يستحيل تصورها وإن كانت ممتنعة. والمستحسن أن يكون ذلك من الأمور الممكنة.
وإنما ساغ في الشعر وقوع الكذب في الممكنات ولم يسغ في المستحيلات لأن الأمر إذا كان ممكنا سكنت إليه النفس وجاز تمويهه عليها، والمحال تنفر عنه النفس ولا تقبله البتة، فكان مناقضا لغرض الشعر إذ المقصود بالشعر الاحتيال في تحريك النفس لمقتضى الكلام بإيقاعه منها بمحل القبول بما فيه من حسن المحاكاة والهيئة بل ومن الصدق والشهرة في كثير من المواضع.
5-
إضاءة: وأما الاستقصاء فإنه مستحسن في الجهات التي معانيها مع شرفها قليلة.
فأما الجهات التي تكثر معانيها وليست كلها بشريفة بالنسبة إلى المقصد فإنما يسوغ استقصاؤها في القصائد الطوال كقصائد ابن الرومي. فأما في القصائد القصار والمتوسطة فلا يحسن إلا التخطي إلى الأشرف فالأشرف منها كما وجب التخطي أيضاً في المعاني المتناظرات إذا كثرت على ما قدمت. لكن ذلك قد يستساغ في القصائد الطوال، ولكل مقام مقال.
6-
تنوير: وقد يكون الفصل مشتملا على معاني جهتين أو أكثر، ويكن تعليق الوصاف الواقعة فيبعضها ببعض على سبيل محاكاة أو التفات أو غير ذلك. وما جاء غير متكلف من هذا القبيل فهو حسن.
7-
إضاءة: ومن القصائد ما يكون اعتماد الشاعر في فصولها على أن يضمنها معاني جزئية تكون مفهوماتها شخصية، ومنها ما يقصد في فصولها أن تضمن المعاني الكلية التي مفهوماتها جنسية أو نوعية، ومنها ما يقصد في فصولها أن تكون المعاني المضمنة إياها مؤتلفة بين الجزئية والكلية. وهذا هو المذهب الذي يجب اعتماده لحسن موقع الكلام به من النفس. وأحسن ما يكون عليه هيأة الكلام في ذلك أن تصدر الفصول بالمعاني الجزئية وتردف بالمعاني الكلية على جهة تمثل بأمر عام على أمر خاص أو استدلال على الشيء بما هو أعم منه أو نحو ذلك. فكثيرا ما يقع بوضع معاني الفصول على هذه الصفة تعجيب للنفس وانقياد إلى مقتضى الكلام، لكون المعاني الكلية مظنة لوقوع الاقتداء والائتساء بها للسامع أو عدمها حيث يقصد التأنيس بوجودهما أو التنفير من فقدان ذلك، ولوقوع المراوحة التي قدمنا أن فيها استجماما للنفوس.