الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) .
[فصل قال الرافضي الخامس إخبار علي رضي الله عنه بالغيوب والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " الْخَامِسُ: إِخْبَارُهُ بِالْغَائِبِ وَالْكَائِنِ قَبْلَ كَوْنِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ لَمَّا اسْتَأْذَنَاهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْعُمْرَةِ قَالَ (3) : لَا وَاللَّهِ مَا تُرِيدَانِ (4) . الْعُمْرَةَ، وَإِنَّمَا تُرِيدَانِ (5) . الْبَصْرَةَ فِي (6) . . وَكَانَ كَمَا قَالَ (7) . وَأَخْبَرَ وَهُوَ بِذِي قَارٍ جَالِسٌ لِأَخْذِ الْبَيْعَةِ: يَأْتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ (8) . الْكُوفَةِ أَلْفُ رَجُلٍ، لَا يَزِيدُونَ وَلَا يَنْقُصُونَ، يُبَايِعُونَنِي (9) . عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ آخِرَهُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ.
وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ ذِي الثُّدَيَّةِ، وَكَانَ كَذَلِكَ.
وَأَخْبَرَهُ شَخْصٌ بِعُبُورِ الْقَوْمِ فِي قِصَّةِ (10) . النَّهْرَوَانِ، فَقَالَ: لَنْ
(1) س، ب: مُسْلِمٌ رضي الله عنه. وَالْحَدِيثُ مُطَوَّلًا عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 3/1402 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ) وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/219 - 220 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: شَاهَتِ الْوُجُوهُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/286.
(2)
فِي ك ص 186 (م) - 188 (م) .
(3)
قَالَ: لَيْسَتْ فِي (ك) .
(4)
ك: يُرِيدَانِ
(5)
ك: يُرِيدَانِ
(6)
(ك) : الْبَصْرَةَ، وَكَتَبَ فَوْقُ " الْغَدْرَةَ " وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ التَّصْوِيبِ
(7)
ن: وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَا، م: وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ: ك: فَكَانَ كَمَا قَالَ عليه السلام.
(8)
قِبَلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك)
(9)
ن، م، س، ك: يُبَايِعُونِي، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب)
(10)
ك: قَضِيَّةِ
يُعْبُرُوا، ثُمَّ أَخْبَرَهُ آخَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَمْ (1) . يَعْبُرُوا، وَإِنَّهُ - وَاللَّهِ - لَمَصْرَعُهُمْ، فَكَانَ كَذَلِكَ.
وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ.
وَأَخْبَرَ شَهْرَبَانَ بِأَنَّ اللَّعِينَ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَصْلُبُهُ (2) ، فَفَعَلَ بِهِ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ.
وَأَخْبَرَ مِيثَمَ التَّمَّارَ (3) . بِأَنَّهُ يُصْلَبُ عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ
(1) ب (فَقَطْ) : لَنْ
(2)
ن، م، س: وَأَخْبَرَ أَنَّ (س: بِأَنَّ) شَهْرَبَانَ اللَّعِينَ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَصْلُبُهُ، (ب) وَأَخْبَرَ بِأَنَّ شَهْرَبَانَ اللَّعِينَ يُقْطَعُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَيُصْلَبُ، ك: وَأَخْبَرَ عليه السلام جُوَيْرِيَةَ بْنَ مُسْهِرٍ بِأَنَّ اللَّعِينَ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَصْلِبُ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ. وَوَجَدْتُ أَنَّ الْكَشِّيَّ قَدْ ذَكَرَ جُوَيْرِيَةَ بْنَ مُسْهِرٍ الْعَبْدِيَّ فِي " رِجَالِهِ " ص 98 ط. كَرْبَلَاءَ، بِدُونِ تَارِيخٍ وَقَالَ الْمُعَلِّقُ - السَّيِّدُ أَحْمَدُ الْحُسَيْنِيُّ -:" جُوَيْرِيَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الثَّانِي ثُمَّ هَاءٍ. وَمُسْهِرٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَالْعَبْدِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي الْعُبَيْدِ، وَبَنُو الْعُبَيْدِ مُصَغَّرًا بَطْنٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ خَبَّابِ بْنِ قُضَاعَةَ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ ابْنَ الْمُطَهَّرِ يَقْصِدُ بِاللَّعِينِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " 2/18 قَالَ: وَقَالَ: " رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَجَابِرُ بْنُ الْحُرِّ "، كَمَا ذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي رِجَالِ " الطُّوسِيِّ "، ص 37 وَقَالَ: " جُوَيْرِيَةُ بْنُ مُسْهِرٍ: عَرَبِيٌّ كُوفِيٌّ ".
(3)
ن، س: مِسْمَارَ التَّمَّارَ، م: مِسْمَرَ التَّمَّارَ، ب: مِسْمَارًا التَّمَّارَ، ك: مِيتَمَ التَّمَّارَ. وَذَكَرَهُ الْكَشِّيُّ فِي " الرِّجَالِ " ص 74 - 81 وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنْ صَلْبِهِ، وَذَكَرَ الْمُعَلِّقُ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ وُرُودِ الْحُسَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 3/479 وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنْ تَسْمِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ دَرَجَتَهَا مِنَ الصِّحَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَلْجَمَ فِي الْإِسْلَامِ. وَنَقَلَ عَنْهُ الزِّرِكْلِيُّ فِي " الْأَعْلَامِ " 8/294 أَكْثَرَ مَا ذَكَرَهُ وَحَدَّدَ سَنَةَ مَقْتَلِهِ 60 هـ. وَذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي " رِجَالِ الطُّوسِيِّ " ص 79 وَقَالَ الْمُعَلِّقُ:" مِيثَمُ بْنُ يَحْيَى أَوْ عَبْدُ اللَّهِ التَّمَّارُ النَّهْرَوَانِيُّ، حَالُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَقُتِلَ قَبْلَ قُدُومِ الْحُسَيْنِ (ع) إِلَى الْعِرَاقِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَصُلِبَ بَعْدَ أَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ "
حُرَيْثٍ (1) عَاشِرَ عَاشِرَةٍ، وَهُوَ (2) أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً، وَأَرَاهُ النَّخْلَةَ الَّتِي يُصْلَبُ (3) . عَلَيْهَا، فَوَقَعَ كَذَلِكَ.
وَأَخْبَرَ رُشَيْدًا الْهَجَرِيَّ (4) بِقَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَصَلْبِهِ، وَقَطْعِ لِسَانِهِ، فَوَقَعَ (5) .
وَأَخْبَرَ كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ (6) -. أَنَّ الْحَجَّاجَ يَقْتُلُهُ (7) .، وَأَنْ قَنْبَرًا يَذْبَحُهُ الْحَجَّاجُ فَوَقَعَ.
(1) م، ك: عُمَرَ بْنِ حُرَيْثٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ الْقُرَشِيُّ رضي الله عنه وَلِيَ أَمْرَ الْكُوفَةِ لِزِيَادٍ ثُمَّ لِابْنِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَمَاتَ بِهَا، لَهُ 18 حَدِيثًا. وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 85 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 2/524، الْأَعْلَامِ 5/243 - 244.
(2)
ك: هُوَ
(3)
كَلِمَتَا " الَّتِي يُصْلَبُ " غَيْرُ ظَاهِرَتَيْنِ فِي (ك)
(4)
ن، م: رُشْدًا الْهَجَرِيَّ، س: رُشْدًا الْبَحْرِيَّ، ب: رَاشِدًا الْبَحْرِيَّ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ك) وَذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي " رِجَالِ الطُّوسِيِّ " ص. 73 وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ شَيْئًا وَذَكَرَهُ الْكَشِّيُّ فِي " الرِّجَالِ " ص. 71 - 73 وَذَكَرَ أَخْبَارَ صَلْبِهِ وَقَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 2/51 - 52 وَقَالَ عَنْهُ:" قَالَ الْجُوزْجَانِيُّ: كَذَّابٌ غَيْرُ ثِقَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ كُوفِيٌّ، كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ " وَذَكَرَ أَنَّ زِيَادًا قَطَعَ لِسَانَهُ وَصَلَبَهُ عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ فِي " الْمُنْتَقَى " ص 520
(5)
ك: فَوَقَعَ كَذَلِكَ.
(6)
ب: كُهَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادِ بْنِ نَهِيكٍ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وُلِدَ سَنَةَ 12 وَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ سَنَةَ 82. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/447 - 448، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/91 الْأَعْلَامِ 6/93. وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ الْخَطِيبُ عَنْ تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَخْبَارِ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قِيلَ عَنْهُ: إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْتَالَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه
(7)
ك: بِأَنَّ الْحَجَّاجَ يَقْتُلُهُ فَوَقَعَ
وَقَالَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: إِنَّ ابْنِي الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ وَلَا تَنْصُرُهُ، فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَأَخْبَرَهُ (1) بِمَوْضِعِ قَتْلِهِ.
وَأَخْبَرَ بِمُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَأَخْذِ التُّرْكِ الْمُلْكَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ يَسِيرٌ (2) لَا عُسْرَ فِيهِ، لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمُ التُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ وَالْهِنْدُ (3) وَالْبَرْبَرُ وَالطَّيْلَسَانُ عَلَى أَنْ يُزِيلُوا مُلْكَهُمْ مَا قَدَرُوا أَنْ يُزِيلُوهُ، حَتَّى يَشِذَّ عَنْهُمْ (4) مَوَالِيهِمْ وَأَرْبَابُ دَوْلَتِهِمْ، وَيُسَلَّطُ (5) . عَلَيْهِمْ مَلِكٌ مِنَ التُّرْكِ يَأْتِي عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ (6) . مُلْكُهُمْ، لَا يَمُرُّ بِمَدِينَةٍ إِلَّا فَتَحَهَا، وَلَا يُرْفَعُ لَهُ رَايَةٌ إِلَّا نَكَّسَهَا، الْوَيْلُ ثُمَّ (7) الْوَيْلُ لِمَنْ نَاوَأَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَظْفَرَ بِهِمْ (8) ، ثُمَّ يَدْفَعُ ظَفَرَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِي، يَقُولُ بِالْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ (9) .، أَلَا وَإِنَّ الْأَمْرَ (10) كَذَلِكَ ; حَيْثُ ظَهَرَ هُولَاكُو مِنْ نَاحِيَةِ (11) . خُرَاسَانَ.
(1) س، ب: وَأَخْبَرَ
(2)
ك: يُسْرٌ
(3)
ك: وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ
(4)
ن، س، ب: تَشُدَّ عَلَيْهِمْ، م: تَشْتَدَّ عَنْهُمْ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك)
(5)
ك: تُسَلَّطُ
(6)
ك: هَذَا
(7)
ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك)
(8)
بِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك)
(9)
م: وَيَعْتَمِدُ بِهِ
(10)
ك: وَكَانَ الْأَمْرُ. . . .
(11)
م: نَحْوِ
وَمِنْهُ ابْتَدَأَ (1) مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى بَايَعَ لَهُمْ (2) . أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ ". (3) .
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الْإِخْبَارُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ، فَمَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ يُخْبِرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَعَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي أَتْبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مَنْ يُخْبِرُ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَلَا هُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا مَوْجُودٌ فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِ زَمَانِنَا.
وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُحَدِّثُونَ النَّاسَ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ يُسْنِدُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحُذَيْفَةُ تَارَةً يُسْنِدُهُ وَتَارَةً لَا يُسْنِدُهُ. وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُسْنَدِ.
وَمَا أَخْبَرَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا كُوشِفَ هُوَ بِهِ. وَعَمَرُ رضي الله عنه قَدْ أَخْبَرَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَخْبَارِهِمْ، مِثْلَ مَا فِي كِتَابِ " الزُّهْدِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَ " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " وَ " صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ " وَ " كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ " لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَاللَّالْكَائِيِّ - فِيهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ عَنْ بَعْضِ أَتْبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَالْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ نَائِبِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ بَعْضِ أَتْبَاعِهِمَا، وَأَبِي الصَّهْبَاءِ، وَعَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ عَلِيٌّ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ
(1) ن، س، ب: ابْتِدَاءُ.
(2)
م: حَتَّى نَازَلَهُمْ، ك: حَيْثُ بَايَعَ لَهُمْ
(3)
ن، م، س: ثَابِتٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ هُوَ الْأَفْضَلَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَضْلًا عَنِ الْخُلَفَاءِ.
وَهَذِهِ الْحِكَايَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ لِشَيْءٍ مِنْهَا إِسْنَادًا، (1 وَفِيهَا مَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ 1)(1) .، وَفِيهَا مَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ، وَفِيهَا مَا لَا يُعْرَفُ: هَلْ هُوَ صِدْقٌ أَمْ كَذِبٌ؟
فَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ مَلِكِ التُّرْكِ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ ظَفَرَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنِ الْعِتْرَةِ، وَهَذَا مِمَّا وَضَعَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ (2) . .
وَالْكُتُبُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى عَلِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، فِي الْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ كُلُّهَا كَذِبٌ، مِثْلُ كِتَابِ " الْجَفْرِ " وَ " الْبِطَاقَةِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ. (3) .
وَكَذَلِكَ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ [عِنْدَهُ](4) . عِلْمٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَصَّهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لَعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (5) . .
وَكَذَلِكَ مَا يُنْقَلُ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ الْبَاطِنِ، كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
(1)(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (م)
(2)
ن، س، ب: وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ مُتَأَخِّرُهُمْ
(3)
سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا فِيمَا مَضَى 2/464 - 465
(4)
عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)
(5)
سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 10
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِرَابَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِيكُمْ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ أَبُثُّهُ لَقَطَعْتُمْ هَذَا الْبُلْعُومَ» " فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ (1) .، لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّ أَبَا هُرَيْرَةَ بِمَا فِي ذَلِكَ الْجِرَابِ، بَلْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظَ مِنْ غَيْرِهِ ; فَحَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ حُذَيْفَةُ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ س، ب:. . النَّاسِ مِنْ فِتْنَةٍ. . هِيَ كَائِنَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَا بِي أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ. . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ:«إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الرَّهْطِ غَيْرُهُ» (2) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: " «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ» "(3) .
وَحَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ (4) . فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: قَالَ: " «صَلَّى
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 1/31 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ حِفْظِ الْعِلْمِ) وَفِيهِ " وِعَاءَيْنِ " بَدَلًا مِنْ " جِرَابَيْنِ "
(2)
الْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 4/2216 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) .
(3)
الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 8/123 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، مُسْلِمٍ 4/2217 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ)
(4)
س، ب: أَبِي زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَتَرْجَمَةُ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ رضي الله عنه فِي: الْإِصَابَةِ 2/515، أُسْدِ الْغَابَةِ 6/128 - 129 وَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ بْنِ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو زَيْدٍ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً
بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، ثُمَّ خَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا» " (1) .
وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، فَلَمْ يَصْحَبِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَذَلِكَ الْجِرَابُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ: عِلْمِ الْإِيمَانِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، مِثْلِ الْفِتَنِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: فِتْنَةِ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْفِتَنِ.
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ حَدَّثَكُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ خَلِيفَتَكُمْ، وَتَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا، لَقُلْتُمْ: كَذَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: " اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ - أَوْ فِيكُمْ - الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - يَعْنِي مِنَ
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 4/2217 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) .
الشَّيْطَانِ: يَعْنِي عَمَّارًا -؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ - أَوْ فِيكُمْ - صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. . الْحَدِيثَ (1) . .
وَذَلِكَ السِّرُّ (2) كَانَ مَعْرِفَتَهُ بِأَعْيَانِ نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، هَمُّوا بِأَنْ يَحُلُّوا حِزَامَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ لِيَسْقُطَ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَكَانَ حُذَيْفَةُ قَرِيبًا، فَعَرَّفَهُ بِهِمْ، وَكَانَ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ الْمَجْهُولُ حَالُهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ عُمَرُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ ; خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
وَمَعْرِفَةُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالصَّالِحِينَ بِبَعْضِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهَا كُلِّهَا.
وَالْغُلَاةُ الَّذِينَ [كَانُوا](3) . يَدَّعُونَ عِلْمَ عَلِيٍّ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ مُطْلَقًا كَذِبٌ ظَاهِرٌ ; فَالْعِلْمُ بِبَعْضِهَا لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَالْعِلْمُ بِهَا كُلِّهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ (4) . أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْمُسْتَقْبَلَاتِ أَنَّهُ فِي وِلَايَتِهِ وَحُرُوبِهِ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ كَانَ يَظُنُّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، فَيَتَبَيَّنُ لَهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا
(1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/28 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه 8/62 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ مَنْ أُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/338 - 339 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه) عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/449، 450، 450 - 451
(2)
ن، م، س: لَكِنْ ذَكَرَ السِّرَّ. . .
(3)
كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
(4)
ن، م، س: ذَلِكَ
ظَنَّ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ يَجْرِي مَا جَرَى لَمْ يُقَاتِلْهُمْ ; فَإِنَّهُ كَانَ لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ أَعَزَّ وَانْتَصَرَ (1) .، وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَعَهُ، وَأَكْثَرُ الْبِلَادِ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، فَلَمَّا قَاتَلَهُمْ ضَعُفَ أَمْرُهُ، حَتَّى صَارَ مَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ فِي (2) . طَاعَتِهِ، مِثْلَ مِصْرَ وَالْيَمَنِ، وَكَانَ الْحِجَازُ دُوَلًا.
وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا حَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ يَحْكُمَانِ بِمَا حَكَمَا لَمْ يُحَكِّمْهُمَا. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَفْعَلُ بِالْآخَرِ مَا فَعَلَ حَتَّى يَعْزِلَاهُ، لَمْ يُوَلِّ مَنْ يُوَافِقُ عَلَى عَزْلٍ، وَلَا مَنْ خَذَلَهُ الْحَكَمُ الْآخَرُ (3) .، بَلْ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ أَشَارَ أَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَةَ عَلَى إِمَارَتِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَسْتَقِيمَ لَهُ الْأَمْرُ، وَكَانَ هَذَا الرَّأْيُ أَحْزَمَ عِنْدَ الَّذِينَ يَنْصَحُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ - أَبَا مُعَاوِيَةَ - نَجْرَانَ (4) .، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَحْسَنَ إِسْلَامًا مِنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَتَّهِمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مُعَاوِيَةَ بِنِفَاقٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَبِيهِ.
وَالصِّدِّيقُ كَانَ قَدْ وَلَّى أَخَاهُ - يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ - أَحَدَ الْأُمَرَاءِ فِي فَتْحِ الشَّامِ، لَمَّا وَلَّى خَالِدًا وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا فَتَحُوا الشَّامَ، بَقِيَ أَمِيرًا إِلَى أَنْ مَاتَ بِالشَّامِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، رَجُلًا صَالِحًا
(1) م: لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ أَعَزُّ وَأَنْصَرُ، س: لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ عَزَّ وَنَصَرَ، ب: لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ فِي عِزٍّ وَنَصْرٍ
(2)
م: تَحْتَ
(3)
انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ " عَنْ مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ وَصِحَّةِ مَا وَقَعَ فِيهَا، وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ أُسْتَاذِي الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ رحمه الله، ص 172 - 181
(4)
ن، م، س: وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ نَجْرَانَ، أَبَا مُعَاوِيَةَ
أَفْضَلَ مِنْ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، لَيْسَ هَذَا هُوَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الَّذِي تَوَلَّى بَعْدَ مُعَاوِيَةَ الْخِلَافَةَ ; فَإِنَّ ذَاكَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ سُمِّيَ (1) . بَاسِمِ عَمِّهِ، (* فَطَائِفَةٌ مِنَ الْجُهَّالِ يَظُنُّونَ يَزِيدَ هَذَا مِنَ الصَّحَابَةِ *)(2) . وَبَعْضُ غَلَّاتِهِمْ (3) يَجْعَلُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا أَنَّ آخَرِينَ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا أَوْ مُرْتَدًّا، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ خَلِيفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ (4) .
وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنه وَلَعَنَ قَاتِلَهُ - قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا فِي خِلَافَتِهِ بِسَبَبِ خِلَافِهِ (5) ، لَكِنَّهُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يُظْهِرِ الرِّضَا بِهِ، وَلَا انْتَصَرَ مِمَّنْ قَتَلَهُ.
وَرَأْسُ الْحُسَيْنِ حُمِلَ إِلَى قُدَّامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (6) . .
(1) م: وَلَكِنْ كَانَ يُسَمَّى
(2)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)
(3)
م: عُلَمَائِهِمْ
(4)
ن، س، ب: خَلِيفَةُ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، م: خَلِيفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ. وَفِي هَامِشِ (س) ، (ب) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عِبَارَةَ " وَبَنِي الْعَبَّاسِ " زِيَادَةٌ مِنَ النُّسَّاخِ وَالْكَلَامُ يَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا.
(5)
ن، س، ب: خِلَافَتِهِ.
(6)
الْأَثَرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/325 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ. . الْحَسَنِ. . وَالْحُسَيْنِ. . رضي الله عنهما) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/261 الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 8/190
وَأَمَّا حَمْلُهُ إِلَى عِنْدِ يَزِيدَ (1) . فَبَاطِلٌ. وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ (2) . .
وَعَمُّهُ يَزِيدُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ هُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ، تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا مَاتَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ مَكَانَ أَخِيهِ. وَعُمَرُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَأَحْذَقِهِمْ فِي السِّيَاسَةِ، وَأَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى، لَمْ يُولِّ فِي خِلَافَتِهِ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ لِلْوِلَايَةِ مَنْ يَرَاهُ أَصْلَحَ لَهَا ; فَلَمْ يُوَلِّ مُعَاوِيَةَ إِلَّا وَهُوَ عِنْدُهُ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ.
ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ (3) زَادَ عُثْمَانُ فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ، حَتَّى جَمَعَ لَهُ الشَّامَ. وَكَانَتِ الشَّامُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ: فِلَسْطِينَ، وَدِمَشْقَ، وَحِمْصَ، وَالْأُرْدُنَّ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فُصِلَتْ قِنَّسْرِينَ وَالْعَوَاصِمَ مِنْ رُبْعِ حِمْصَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا عُمِّرَتْ حَلَبُ وَخُرِّبَتْ قِنَّسْرِينُ، وَصَارَتِ الْعَوَاصِمُ دُوَلًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ نَائِبًا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَوَلَّى عِشْرِينَ سَنَةً، وَرَعِيَّتُهُ شَاكِرُونَ لِسِيرَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، رَاضُونَ بِهِ، حَتَّى أَطَاعُوهُ فِي مِثْلِ قِتَالِ عَلِيٍّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ أَحَقَّ بِالْجَوَازِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ تَحِلُّ وِلَايَتُهُ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ كَانَ
(1) م: إِلَى يَزِيدَ
(2)
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " 8/192: " وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهَا فِي رَأْسِ الْحُسَيْنِ هَلْ سَيَّرَهُ ابْنُ زِيَادٍ إِلَى يَزِيدَ أَمْ لَا، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ سَيَّرَهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ ". وَانْظُرِ " الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ " 8/191 - 198
(3)
ن، م: ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عُثْمَانُ. وَفِي (م) شَطْبٌ عَلَى كَلِمَةِ " عُثْمَانَ ".
أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ مِنْهُ، أَوْ أَنَّهُ مِمَّنْ (1) يَحْصُلُ بِهِ مَعُونَةٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ فِيهِ ظُلْمٌ، لَكَانَ الشَّرُّ الْمَدْفُوعُ بِوِلَايَتِهِ أَعْظَمَ مِنَ الشَّرِّ الْحَاصِلِ بِوِلَايَتِهِ.
وَأَيْنَ أَخْذُ الْمَالِ، وَارْتِفَاعُ بَعْضِ الرِّجَالِ، مِنْ قَتْلِ الرِّجَالِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِصِفِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِزٌّ وَلَا ظَفَرٌ؟ !
فَدَلَّ هَذَا وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا حَازِمِينَ. وَعَلِيٌّ إِمَامٌ مُجْتَهِدٌ، لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا مَا رَآهُ مَصْلَحَةً.
لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ الْكَوَائِنَ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ إِقْرَارَهُ عَلَى الْوِلَايَةِ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ حَرْبِ صِفِّينَ، الَّتِي لَمْ يَحْصُلْ بِهَا إِلَّا زِيَادَةُ الشَّرِّ وَتَضَاعُفُهُ، لَمْ يَحْصُلْ بِهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ شَيْءٌ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ أَكْثَرَ خَيْرًا وَأَقَلَّ شَرًّا مِنْ مُحَارَبَتِهِ، وَكُلُّ مَا يُظَنُّ فِي وِلَايَتِهِ مِنَ الشَّرِّ، فَقَدْ كَانَ فِي مُحَارَبَتِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ.
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ كَثِيرٌ مِمَّا يُبَيِّنُ جَهْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ الْأُمُورَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، بَلِ الرَّافِضَةُ تَدَّعِي الْأُمُورَ الْمُتَنَاقِضَةَ: يَدَّعُونَ عَلَيْهِ عِلْمَ الْغَيْبِ، مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِذَلِكَ، وَيَدَّعُونَ لَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ مَا يَزْعُمُونَ مَعَهُ أَنَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي يَنْصُرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَغَازِيهِ، وَهُوَ الَّذِي قَامَ (2) . الْإِسْلَامَ بِسَيْفِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ.
ثُمَّ يَذْكُرُونَ مِنْ عَجْزِهِ عَنْ مُقَاوَمَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ
(1) م: فَإِنَّهُ مِمَّنْ. .
(2)
ب: أَقَامَ
أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَالٌ يَسْتَعْطِفُ بِهِ النَّاسَ، وَلَا كَانَ لَهُ قَبِيلَةٌ عَظِيمَةٌ يَنْصُرُونَهُ، وَلَا مَوَالٍ، وَلَا دَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ، لَا بِرَغْبَةٍ وَلَا بِرَهْبَةٍ. وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى دَفْعِهِ أَقْدَرَ مِنْهُ عَلَى دَفْعِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ حَارَبُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكَثِيرٍ، فَلَوْ كَانَ (1) . هُوَ الَّذِي دَفَعَ الْكُفَّارَ، وَلَوْ كَانَ (2) . مُرِيدًا لِدَفْعِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لَكَانَ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرَ، لَكِنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ.
وَكَذَلِكَ فِي حَرْبِهِ لِمُعَاوِيَةَ قَدْ قُهِرَ وَعَسْكَرُهُ أَعْظَمُ، وَتَحْتَ طَاعَتِهِ مَنْ هُمْ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ تَحْتَ طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ رضي الله عنه لَا رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْهَرَ مُعَاوِيَةَ وَعَسْكَرَهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي نَصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّتِهِمْ ; لَكَانَ مَعَ كَثْرَةِ عَسْكَرِهِ عَلَى عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ أَقْدَرَ عَلَى قَهْرِ مُعَاوِيَةَ وَجَيْشِهِ مِنْهُ عَلَى قَهْرِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَاتَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ يَجْمَعُ بَيْنَ تِلْكَ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَبَيْنَ هَذَا الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ، إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ مُتَنَاقِضٌ؟ !
بَلْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ اللَّهَ أَيَّدَهُ بِنْصِرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ، وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَكَانَ تَأْيِيدُهُ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْظَمَ مِنْ تَأْيِيدِهِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
(1) ن، م، س: فَلِمَ كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(2)
ن، س، ب: وَكَانَ
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ الْمُسْتَقْبَلَ أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى أَشْيَاءَ مِمَّا فَعَلَهَا، وَكَانَ يَقُولُ: لَقَدْ عَجِزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرْ وَأَجْمَعُ الرَّأْيَ الشَّتِيتَ الْمُنْتَشِرْ.
وَكَانَ يَقُولُ لَيَالِيَ صِفِّينَ: يَا حَسَنُ يَا حَسَنُ، مَا ظَنَّ أَبُوكَ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا! لِلَّهِ دَرُّ مَقَامٍ قَامَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، إِنْ كَانَ بِرًّا إِنَّ أَجْرَهُ لَعَظِيمٌ، وَإِنْ كَانَ إِثْمًا إِنَّ خَطَرَهُ لَيَسِيرٌ. وَهَذَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُونَ.
وَتَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَضَجَّرُ وَيَتَمَلْمَلُ مِنِ اخْتِلَافِ رَعِيَّتِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ.
وَكَانَ الْحَسَنُ رَأْيُهُ تَرْكُ الْقِتَالِ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِتَصْوِيبِ الْحَسَنِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (1) رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» "(2) . فَمَدَحَ الْحَسَنَ عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ.
وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ عَنِ الْقِتَالِ وَالْإِمْسَاكَ عَنِ الْفِتْنَةِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَأَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الِاعْتِبَارِ ; فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلْعَمَلِ بِظُهُورِ ثَمَرَتِهِ، فَمَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ
(1) عِبَارَةُ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539، 540
وَرَسُولِهِ. وَقَدْ دَلَّ الْوَاقِعُ عَلَى أَنَّ رَأْيَ الْحَسَنِ كَانَ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْعَاقِبَةِ فِي هَذَا وَ [فِي] هَذَا (1) . .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَأُسَامَةَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» "(2) . .
وَكِلَاهُمَا كَانَ يَكْرَهُ الدُّخُولَ فِي الْقِتَالِ. أَمَّا أُسَامَةُ فَإِنَّهُ اعْتَزَلَ الْقِتَالَ، فَطَلَبَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. كَمَا اعْتَزَلَ أَكْثَرُ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِثْلَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَكَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا فَعَلَهُ الْحُسَيْنُ ; فَإِنَّهُ وَأَخَاهُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ شَهِيدًا مَظْلُومًا.
وَصَارَ النَّاسُ فِي قَتْلِهِ ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ:
حِزْبٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمَاعَتِكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» "(3) . . قَالُوا: وَهُوَ جَاءَ وَالنَّاسُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ.
وَحِزْبٌ يَرَوْنَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ كُفَّارٌ، بَلْ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِمَامَتَهُ كَافِرٌ.
(1) ن، م: وَفِي هَذَا وَهَذَا
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/39
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564
وَالْحِزْبُ الثَّالِثُ - وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - يَرَوْنَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ رضي الله عنه لَمَّا بَعَثَ ابْنَ عَمِّهِ عَقِيلًا إِلَى الْكُوفَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّهُ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ بَايَعَهُ طَائِفَةٌ، فَطَلَبَ (1) . الرُّجُوعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ السَّرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَتْهُ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ يَتْرُكُوهُ يَرْجِعُ إِلَى مَدِينَتِهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ يَذْهَبُ إِلَى الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَطَلَبُوا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ لِيَأْخُذُوهُ أَسِيرًا.
وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ تَمْكِينُهُ مِمَّا طَلَبَ، فَقَاتَلُوهُ ظَالِمِينَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُرِيدًا لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا طَالِبًا لِلْخِلَافَةِ، وَلَا قَاتَلَ عَلَى طَلَبِ خِلَافَةٍ، بَلْ قَاتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لِمَنْ صَالَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ أَسْرَهُ.
وَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْحِزْبِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا الْحِزْبُ الثَّانِي فَبُطْلَانُ قَوْلِهِ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْ أَظْهَرِهَا أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِمَّنْ قَاتَلَهُ، حَتَّى وَلَا الْخَوَارِجَ، وَلَا سَبَى ذُرِّيَّةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا غَنِمَ مَالَهُ، وَلَا حَكَمَ فِي أَحَدٍ مِمَّنْ قَاتَلَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ، كَمَا حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فِي بَنِي حَنِيفَةَ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ يَتَرَضَّى (2) . عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ قَاتَلَهُ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ وَفِي أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ قَاتَلَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ مُنَادِيَهُ نَادَى يَوْمَ الْجَمَلِ: " لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ،
(1) س، ب:. . طَائِفَةٌ فَبَلَغَ فَطَلَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ
(2)
س، ب: بَلْ كَانَ يَتَرَضَّى
وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُغْنَمُ مَالٌ " (1) . وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَتْهُ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِ، حَتَّى نَاظَرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَاسْتَفَاضَتِ الْآثَارُ (2) . عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَنْ قَتْلَى عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ: إِنَّهُمْ جَمِيعًا مُسْلِمُونَ، لَيْسُوا كُفَّارًا وَلَا مُنَافِقِينَ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَذَلِكَ عَمَّارٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْزَابُ الثَّلَاثَةُ بِالْعِرَاقِ، [وَكَانَ بِالْعِرَاقِ أَيْضًا](3) . طَائِفَةٌ نَاصِبَةٌ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ تُبْغِضُ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ، وَطَائِفَةٌ (4) . مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ تُبْغِضُ عُثْمَانَ وَأَقَارِبَهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» "(5) . . فَكَانَ الْكَذَّابُ الَّذِي فِيهَا هُوَ الْمُخْتَارَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ هُوَ الْمُبِيرَ، وَكَانَ هَذَا يَتَشَيَّعُ لِعُثْمَانَ وَيُبْغِضُ شِيعَةَ عَلِيٍّ، وَكَانَ الْكَذَّابُ يَتَشَيَّعُ لَعَلِيٍّ، حَتَّى قَاتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَقَتَلَهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ ; فَظَهَرَ كَذِبُهُ.
وَانْقَسَمَ النَّاسُ بِسَبَبِ هَذَا يَوْمَ (6) . عَاشُورَاءَ - الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ - إِلَى قِسْمَيْنِ: فَالشِّيعَةُ اتَّخَذَتْهُ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ يُفْعَلُ فِيهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ مَا
(1) انْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 7/245
(2)
م: الْأَخْبَارُ
(3)
الْعِبَارَةُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَأَثْبَتَهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ
(4)
م: وَفَاطِمَةَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/69
(6)
ب: فِي يَوْمِ
لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَضَلِّهِمْ، وَقَوْمٌ اتَّخَذُوهُ (1) بِمَنْزِلَةِ الْعِيدِ، فَصَارُوا يُوَسِّعُونَ فِيهِ فِيهِ:(2) . النَّفَقَاتِ وَالْأَطْعِمَةِ وَاللِّبَاسِ، وَرَوَوْا فِيهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، كَقَوْلِهِ:" «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3) . قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا «أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: جَرَّبْنَاهُ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا.
قُلْتُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ الْكُوفِيِّينَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِمَّنْ سَمِعَهُ وَلَا عَمَّنْ بَلَغَهُ (4) . . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ، لِيُتَّخَذَ يَوْمُ قَتْلِهِ عِيدًا، فَشَاعَ هَذَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ جَرَى كَذَا وَجَرَى كَذَا، حَتَّى جَعَلُوا أَكْثَرَ حَوَادِثِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، مِثْلَ مَجِيءِ قَمِيصِ يُوسُفَ إِلَى يَعْقُوبَ وَرَدِّ بَصَرِهِ، وَعَافِيَةِ أَيُّوبَ، وَفِدَاءِ الذَّبِيحِ، وَأَمْثَالِ هَذَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ "(5) . وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ هُوَ فِي كِتَابِ " النُّورِ فِي
(1) س، ب: اتَّخَذَتْهُ
(2)
سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(3)
سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا سَبَقَ 2/69، 4/329
(4)
ن، س: وَلَا مَنْ بَلَّغَهُ، م: وَإِلَى مَنْ بَلَغَهُ
(5)
انْظُرْ: " الْمَوْضُوعَاتِ " 2/199 - 204
فَضَائِلِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ " (1) . وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ شَيْخِهِ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " وَهُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ. وَابْنُ نَاصِرٍ رَاجَ عَلَيْهِ ظُهُورُ حَالِ رِجَالِهِ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ، وَإِنَّمَا دُلِّسَ عَلَى بَعْضِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
كَمَا جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ (2) . أُخَرَ، حَتَّى فِي أَحَادِيثَ نُسِبَتْ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَتْ مِنْهُ، مِثْلَ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ الْمُذَهَّبِ، عَنِ الْقَطِيعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى (3) .، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ» " وَهَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذِبٌ، وَعَزْوُهُ إِلَى الْمُسْنَدِ لِأَحْمَدَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ (4) . ; فَإِنَّ مُسْنَدَهُ مَوْجُودٌ وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ.
(1) ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي " الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ " 1/420 وَقَالَ عَنْهُ: مُجَلَّدٌ "
(2)
م: أَكَاذِيبَ
(3)
م: عَنْ أَبِيهِ ابْنِ الْمُثَنَّى
(4)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ كَثِيرَةٌ مُقَارِبَةُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ بَعْضَهَا السُّيُوطِيُّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/4 - 7 مِنْهَا. . . عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَمِنْهَا عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: كُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَخْلُوقٌ غَيْرَ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَلَامُهُ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ. . . إِلَخْ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَيْضًا ابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/134 - 135، وَعَلِيٌّ الْقَارِئُ فِي " الْأَسْرَارِ الْمَرْفُوعَةِ " ص 57، 259 وَانْظُرْ قَوْلَهُ (ص 479) : وَقَالَ " الْخَلِيلِيُّ فِي كِتَابِ الْإِرْشَادِ) : وَهَذَا مِثْلُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مَنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ حَدِيثَهُ عليه الصلاة والسلام "
وَأَحْمَدُ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي زَمَنِ الْمِحْنَةِ، وَقَدْ جَرَى لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ مَا اشْتُهِرَ فِي الْآفَاقِ، وَكَانَ يَحْتَجُّ لِأَنَّ (1) . الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِحُجَجٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَدِيثَ قَطُّ، وَلَا احْتَجَّ بِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ؟ ! وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا عُرِفَ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ دَسَّهُ فِي جُزْءٍ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ، فَرَاجَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ، وَالَّذِي صَحَّ فِي فَضْلِهِ هُوَ صَوْمُهُ، وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَأَنَّ اللَّهَ نَجَّى فِيهِ مُوسَى مِنَ الْغَرَقِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَبَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُفْعَلُ فِيهِ - سِوَى الصَّوْمِ - بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، لَمْ يَسْتَحِبَّهَا (2) . أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مِثْلَ الِاكْتِحَالِ، وَالْخِضَابِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ، وَأَكْلِ لَحْمِ الْأُضْحِيَةِ، وَالتَّوْسِيعِ فِي النَّفَقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَصْلُ هَذَا مِنِ ابْتِدَاعِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ وَنَحْوِهِمْ (3) .
وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مِنِ اتِّخَاذِهِ مَأْتَمًا يُقْرَأُ فِيهِ الْمَصْرَعُ، وَيُنْشَدُ فِيهِ قَصَائِدُ النِّيَاحَةِ، وَيُعَطِّشُونَ فِيهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَلْطِمُونَ فِيهِ (4) . الْخُدُودَ، وَيَشُقُّونَ الْجُيُوبَ، وَيَدْعُونَ فِيهِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
(1) م: أَنَّ
(2)
م: لَمْ يُبِحْهَا
(3)
لِابْنِ تَيْمِيَّةَ رِسَالَةٌ أَجَابَ فِيهَا عَلَى سُؤَالٍ عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ الْبِدَعِ نُشِرَتْ فِي فَتَاوَى الرِّيَاضِ ج. 25 ص 299 - 317.
(4)
فِيهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن)
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» "(1) . .
وَهَذَا مَعَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ، فَكَيْفَ (2) . إِذَا كَانَتْ بَعْدَ سِتَّمِائَةٍ وَنَحْوِ سَبْعِينَ سَنَةً؟ وَقَدْ قُتِلَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْحُسَيْنِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَأْتَمًا.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ (3) فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ - وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ قَتْلَهُ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ، فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدُمَتْ، فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا» "(4) .
فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُصِيبَةِ إِذَا ذُكِرَتْ، وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا، أَنْ يُسْتَرْجَعَ (5) .، كَمَا جَاءَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 155 - 157] .
وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ نَتْفُ النَّعْجَةِ تَشْبِيهًا لَهَا بِعَائِشَةَ، وَالطَّعْنُ فِي الْجِبْسِ الَّذِي فِي جَوْفِهِ سَمْنٌ تَشْبِيهًا لَهُ بِعُمَرَ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: يَا ثَارَاتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ! إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُ يَطُولُ وَصْفُهَا.
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/52، 53
(2)
ن، س، ب: فَتَكُونُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(3)
ن، م: أَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/551.
(5)
ن، س: فِي الْمُصِيبَةِ الِاسْتِرْجَاعُ إِذَا ذُكِرَتْ وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا