الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَأْيِيدٍ لِلْحَقِّ (1) فِي النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ. وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَدِلَّةَ الْكَثِيرَةَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ (2) .
[فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ (3) : الْأَوَّلُ: " قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ تَكْمِيلُ الرَّعِيَّةِ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْكَمَالَ؟ "
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي " يَعْنِي [عِنْدَ](4) الْغَضَبِ " فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي لَا أُؤَثِّرُ فِي أَبْشَارِكُمْ (5) ". وَقَالَ: " أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِنْ عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ". وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ أَعْظَمِ مَا يُمْدَحُ بِهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(1) ن، س، ب: فِي الْحَقِّ.
(2)
ن، م: مِنْ غَيْرِهَا.
(3)
فِي (ك) ص 194 (م) .
(4)
عِنْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ. وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ.
(5)
ن، س: أُوثِرُ فِي إِيثَارِكُمْ، م، ب: أُوتِرُ فِي إِيتَارِكُمْ وَوَجَدْتُ هَذَا النَّصَّ فِي كِتَابِ " أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ " لِلْأُسْتَاذِ عَلِيٍّ الطَّنْطَاوِيِّ (ط. الْمَطْبَعَةِ السَّلَفِيَّةِ، الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، الْقَاهِرَةِ 1372) نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُوَافَقَةِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَنَصُّهُ فِيهِ:" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَمَعِي شَيْطَانٌ يَعْتَرِينِي فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَقُومُوا عَنِّي، لَا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ " فَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
الثَّانِي: أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ قَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِابْنِ آدَمَ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَخَافَ عِنْدَ الْغَضَبِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ ; فَأَمَرَهُمْ بِمُجَانَبَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» "(1) ; فَنَهَى عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَ (2) الْغَضَبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ (3) أَبُو بَكْرٍ، أَرَادَ أَنْ لَا يَحْكُمَ وَقْتَ الْغَضَبِ، وَأَمَرَهُمْ (4) أَنْ لَا يَطْلُبُوا مِنْهُ حُكْمًا، أَوْ يَحْمِلُوهُ (5) عَلَى حُكْمٍ فِي هَذَا الْحَالِ. وَهَذَا مِنْ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْغَضَبُ يَعْتَرِي بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ، حَتَّى قَالَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ: " «اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ (6) : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً
(1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 9/65 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ هَلْ يَقْضِي الْحَاكِمُ أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ) وَلَفْظُهُ: " لَا يَقْضِيَنَّ حُكْمًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ". وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1342 - 1343 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ) . وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ.
(2)
ب: فِي.
(3)
س، ب: أَرَادَ.
(4)
م: فَأَمَرَهُمْ.
(5)
ن، م، س: أَوْ يَحْمِلُونَهُ.
(6)
ن، م، س: لَنْ تَخْلُفَهُ.
وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: «دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَغْضَبَاهُ ; فَسَبَّهُمَا وَلَعَنَهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ (2) أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَصَابَ هَذَانِ [الرَّجُلَانِ] (3) . قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا. قَالَ: " أَوَمَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ . قُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ (4) فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» (5)"، وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ: " «إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ
(1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 8/77 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً) مُسْلِمٍ 4/2008 - 2009 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ. . . إِلَخْ) وَجَاءَ حَدِيثٌ مُقَارِبٌ فِي مَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنهما فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/298 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَجَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامُ: 7309، 8184، كَمَا جَاءَ حَدِيثُ سَلْمَانَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/437.
(2)
ن: لِمَنْ، م: أَلِمَنْ
(3)
الرَّجُلَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن، م: لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ.
(5)
الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي مُسْلِمٍ 4/2007 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. . إِلَخْ) . وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَائِشَةَ مُقَارِبٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/52.
أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ (1) لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً» " (2) .
وَأَيْضًا فَمُوسَى رَسُولٌ كَرِيمٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ (3) غَضَبِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ (4) .
فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الرِّسَالَةِ، فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي الْإِمَامَةِ؟ ! مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى فِي لِينِهِ وَحِلْمِهِ، وَشَبَّهَ عُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى فِي شِدَّتِهِ فِي اللَّهِ. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشِّدَّةُ لَا تُنَافِي الْإِمَامَةَ، فَكَيْفَ تُنَافِيهَا شِدَّةُ أَبِي بَكْرٍ؟ !
الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قَصَدَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ (5) أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ، فَأَيُّمَا (6) أَكْمَلُ: هَذَا أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ عَصَاهُ، وَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ بِالسَّيْفِ، وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ؟
فَإِنْ قِيلَ: كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْقِتَالَ بِمَعْصِيَةِ الْإِمَامِ وَإِغْضَابِهِ.
قِيلَ: وَمَنْ عَصَى أَبَا بَكْرٍ وَأَغْضَبَهُ كَانَ أَحَقَّ بِذَلِكَ، لَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَرَكَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، إِنْ كَانَ عَلِيٌّ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ عَصَى
(1) م: وَلَيْسَ
(2)
الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 4/2009 - 2010 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. . إِلَخْ) .
(3)
ن، م، س: مَنَّ
(4)
ذَكَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى غَضَبَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ. .) الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 154]، وَقَوْلِهِ:(فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا. .)[سُورَةُ طه 86] .
(5)
ب: احْتِرَازَ.
(6)
ن، م: فَإِنَّمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
عَلِيًّا وَأَغْضَبَهُ جَازَ أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ، وَمَنْ عَصَى أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْدِيبُهُ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ أَكْمَلُ (1) مِنَ الَّذِي فَعَلَهُ عَلِيٌّ.
وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَجُلًا أَغْضَبَ أَبَا بَكْرٍ. قَالَ (2) : فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِي غَضَبَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3) . فَلَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ.
وَالْعُلَمَاءُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا سَبَّهُ إِلَّا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ إِلَّا الرَّسُولُ.
وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَمَا آذَاهُ بِكَلِمَةٍ، فَضْلًا عَنْ فِعْلٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمَا أَزْعَجَهُمْ، وَلَا (4) أَلْزَمَهُمْ بَيْعَتَهُ. فَهَلْ هَذَا كُلُّهُ إِلَّا مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ عَنْ أَذَى الْأُمَّةِ، وَكَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ؟
وَهَكَذَا قَوْلُهُ: فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي.
الْخَامِسُ: أَنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1) س، ب: أَكْبَرُ.
(2)
قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(3)
الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/100 - 102 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، بَابُ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْأَعْمَشِ. .) .
(4)
س، ب: وَمَا.
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ (1) فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» "(2) .
وَفِي الصَّحِيحِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَعِي (3) شَيْطَانٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَتْ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَتْ: " وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ» (4) . وَالْمُرَادُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ: اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ لِي. وَمَنْ قَالَ: حَتَّى أَسْلَمَ أَنَا، فَقَدْ حَرَّفَ مَعْنَاهُ. وَمَنْ قَالَ: الشَّيْطَانُ صَارَ مُؤْمِنًا (5) ، فَقَدْ حَرَّفَ لَفْظَهُ.
وَقَدْ قَالَ مُوسَى لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15]، وَقَالَ فَتَى مُوسَى:{وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 63] . وَذَكَرَ اللَّهُ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 36]، وَقَوْلُهُ:
(1) م: إِلَّا أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَعَانَنِي عَلَيْهِ.
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.
(3)
م: وَمَعِي. .
(4)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي: مُسْلِمٍ 4/2168 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ. . .) وَنَصُّهُ. . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا. قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ:" مَالَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟ فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَمَعِي شَيْطَانٌ؟ . . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/115
(5)
س، ب: مَأْمُونًا.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 20] .
فَإِذَا كَانَ عَرْضُ (1) الشَّيْطَانِ لَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي إِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ؟ !
وَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مُئَوَّلَةٌ.
قِيلَ لَهُ: فَيَجُوزُ لِغَيْرِكَ أَنْ يَتَأَوَّلَ قَوْلَ الصِّدِّيقِ، لِمَا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ مِنْ إِيمَانِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ. فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ يُعَارِضُ مَا عُلِمَ (2) . وَجَبَ تَأْوِيلُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " فَإِنَ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي "، فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ، وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ إِمَامٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَوَاجِبٌ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ تُعَامِلَ الْأَئِمَّةَ بِذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَقَامَ الْإِمَامُ (3) أَعَانُوهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ زَاغَ وَأَخْطَأَ بَيَّنُوا لَهُ الصَّوَابَ وَدَلُّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ظُلْمًا مَنَعُوهُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَادًا لِلْحَقِّ، كَأَبِي بَكْرٍ، فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ (4) ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ الظُّلْمِ إِلَّا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْهُ، لَمْ يَدْفَعُوا الشَّرَّ الْقَلِيلَ بِالشَّرِّ الْكَثِيرِ.
(1) ن، س: غَرَضُ.
(2)
ن، س، ب: مَا وَرَدَ.
(3)
الْإِمَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(4)
م: فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ تَكْمِيلُ الرَّعِيَّةِ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْهُمُ التَّكْمِيلَ؟ "
عَنْهُ أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّا (1) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِمَامَ يُكَمِّلُهُمْ وَهُمْ لَا يُكَمِّلُونَهُ أَيْضًا (2) ، بَلِ الْإِمَامُ وَالرَّعِيَّةُ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، بِمَنْزِلَةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَالْقَافِلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَالدِّينُ قَدْ عُرِفَ بِالرَّسُولِ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ الْإِمَامِ دِينٌ يَنْفَرِدُ بِهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِيهَا بَيِّنًا أَمَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَيِّنًا لِلْإِمَامِ دُونَهُمْ بَيَّنَهُ لَهُمْ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِمُ اشْتَوَرُوا فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لِأَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ دُونَ الْإِمَامِ بَيَّنَهُ لَهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الِاجْتِهَادُ، فَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَّبَعُ فِي اجْتِهَادِهِ، إِذْ لَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ، وَالْعَكْسُ مُمْتَنِعٌ.
وَهَذَا كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ الْإِمَامِيَّةُ فِي نُوَّابِ الْمَعْصُومِ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْكُلِّيَّاتُ فَلَا بُدَّ فِي تَبْيِينِ الْجُزْئِيَّاتِ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ إِمَامٍ هُوَ نَائِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا رَيْبَ فِي عِصْمَتِهِ، وَنُوَّابُهُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ نُوَّابِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ نُوَّابَهُ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا بِمَا قَامَ بِهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ اسْتِخْلَافَهُمْ، فَإِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُتَوَلٍّ، سَوَاءٌ وَلَّاهُ (3) الرَّسُولُ أَوْ غَيْرُهُ، وَطَاعَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَطَاعَتِهِ فِي
(1) ن، م، س: أَنْ.
(2)
م: وَأَيْضًا.
(3)
س، ب: وُلَاةُ.
حَيَاتِهِ، وَلَوْ وَلَّى هُوَ رَجُلًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَخْلُوقَيْنِ قَدِ اسْتُكْمِلَ بِالْآخَرِ، كَالْمُتَنَاظِرَيْنِ فِي الْعِلْمِ، وَالْمُتَشَاوِرَيْنِ فِي الرَّأْيِ، وَالْمُتَعَاوِنَيْنِ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي مَصْلَحَةِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا. وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ هَذَا فِي الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُمْكِنَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَاعِلٌ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى أَحَدٍ ; لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى الدَّوْرِ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ وَالتَّسَلْسُلِ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَخْلُوقَانِ فَكِلَاهُمَا يَسْتَفِيدُ حَوْلَهُ وَقُوَّتَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنَ الْآخَرِ، فَلَا دَوْرَ فِي ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَا زَالَ الْمُتَعَلِّمُونَ يُنَبِّهُونَ مُعَلِّمَهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ، وَيَسْتَفِيدُهَا الْمُعَلِّمُ مِنْهُمْ، مَعَ أَنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ الْمُتَعَلِّمِ مِنَ الْأُصُولِ تَلَقَّاهَا مِنْ مُعَلِّمِهِ. وَكَذَلِكَ فِي الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم قَدِ اسْتَفَادَ مِنَ الْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ الْهُدْهُدُ لِسُلَيْمَانَ:{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 22] وَلَيْسَ الْهُدْهُدُ قَرِيبًا مِنْ سُلَيْمَانَ.
وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم كَانَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي الرَّأْيِ. كَمَا (1) قَالَ لَهُ الْحُبَابُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ: أَهُوَ مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ، أَمْ هُوَ الْحَرْبُ
(1) كَمَا سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ: " بَلْ (1) هُوَ الْحَرْبُ وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ " فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلِ قِتَالٍ. [قَالَ:](2) فَرَجَعَ إِلَى رَأْيِ الْحُبَابِ (3) .
وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ، كَانَ قَدْ رَأَى أَنْ يُصَالِحَ غَطَفَانَ عَلَى نِصْفِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَيَنْصَرِفَ عَنِ الْقِتَالِ. فَجَاءَهُ سَعْدٌ (4) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا فَسَمْعًا وَطَاعَةً، أَوْ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ إِنَّمَا فَعَلْتَ هَذَا لِمَصْلَحَتِنَا، فَلَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا يَنَالُونَ مِنْهَا تَمْرَةً (5) إِلَّا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ، فَلَمَّا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ نُعْطِيهِمْ تَمْرَنَا (6) ، مَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَبِلَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ (7) .
وَعُمَرُ أَشَارَ عَلَيْهِ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي نَحْرِ الرِّكَابِ أَنْ يَجْمَعَ أَزْوَادَهُمْ وَيَدْعُوَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، فَقَبِلَ مِنْهُ (8) .
وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَرُدَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمَّا أَرْسَلَهُ بِنَعْلَيْهِ يُبَشِّرُ مَنْ لَقِيَهُ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، لَمَّا خَافَ أَنْ يَتَّكِلُوا، فَقَبِلَ مِنْهُ (9) .
(1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2)
قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(3)
انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/272، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 2/402، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 77 - 78.
(4)
فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: سَعِيدٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه.
(5)
م: ثَمَرَةً
(6)
ن، م: ثَمَرَنَا.
(7)
انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/234، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 3/201 - 202 إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 235 - 236.
(8)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.
(9)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.
وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ (1) نَصٌّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ كَانَ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِمَنْ خَالَفَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا نَازَعَهُ [عُمَرُ](2) فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَازَعُوهُ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَنَازَعُوهُ فِي إِرْسَالِ جَيْشِ أُسَامَةَ - لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ، بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ دَلَالَةَ النَّصِّ عَلَى مَا فَعَلَهُ.
وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً، بَلْ يُقْصَدُ بِهَا الْمَصْلَحَةُ، فَهَذِهِ لَيْسَ هُوَ فِيهَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَا زَادَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ إِلَّا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا، وَلَمْ تُعَظِّمِ الْأُمَّةُ أَحَدًا بَعْدَ نَبِيِّهَا كَمَا عَظَّمَتِ الصِّدِّيقَ، وَلَا أَطَاعَتْ أَحَدًا كَمَا أَطَاعَتْهُ، مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا، وَلَا رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا، بَلِ الَّذِينَ بَايَعُوا الرَّسُولَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَايَعُوهُ طَوْعًا، مُقِرِّينَ بِفَضِيلَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ. ثُمَّ مَعَ هَذَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عَهْدِهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي دِينِهِمْ [إِلَّا](3) وَأَزَالَ الِاخْتِلَافَ بِبَيَانِهِ لَهُمْ، وَمُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَكَانَ عُمَرُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ عُثْمَانُ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ (4) ، فَلَا قَوَّمَهُمْ وَلَا قَوَّمُوهُ، فَأَيُّ الْإِمَامَيْنِ حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ أَكْثَرَ؟ وَأَيُّ الْإِمَامَيْنِ أَقَامَ الدِّينَ وَرَدَّ الْمُرْتَدِّينَ،
(1) م: فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ.
(2)
عُمَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
إِلَّا: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
(4)
س، ب: فَقَاتَلُوهُ.