المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] - منهاج السنة النبوية - جـ ٨

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل كلام الرافضي أن علم الطريقة منسوب إلى علي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن علم الفصاحة علي منبعه والرد عليه]

- ‌[فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي أن عليا كان أشجع الناس والرد عليه]

- ‌[فصل الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله]

- ‌[فصل التعليق على قول الرافضي بسيفه ثبت قواعد الإسلام]

- ‌[فصل التعليق على قول الرافضي ما انهزم علي قط]

- ‌[فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بدر والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي: وفي غزاة أحد لما انهزم الناس والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي وَفِي غَزَاةِ الْأَحْزَابِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي: وَفِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ قَتَلَ عَلِيٌّ رَامِيَ ثَنِيَّةِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي وَفِي غَزْوَةِ السِّلْسِلَةِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ. . . والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة بني المصطلق والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة خيبر والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه يوم حنين والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الخامس إخبار علي رضي الله عنه بالغيوب والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي السادس أن عليا رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي: السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثامن قتل علي لكفار الجن والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي التاسع حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل العاشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل الحادي عشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه ومخاطبته للثعبان والرد عليه]

- ‌[فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل ما ذكره من الفضيلة بالقرابة عنه والرد عليه]

- ‌[باب الفصل الرابع من منهاج الكرامة في طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر]

- ‌[الأول من طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر النص]

- ‌[فصل حديث المهدي كما يرويه الرافضي والرد عليه]

- ‌[فصل الثاني قوله يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء والرد عليه]

- ‌[فصل الفضائل التي اشتمل كل واحد من الأئمة عليها الموجبة لكونه إماما والرد عليه]

- ‌[باب الفصل الخامس من كلام الرافضي أن من تقدم عليا لم يكن إماما والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثاني قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثالث قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحوال إلى علي والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الرابع الوقائع الصادرة عنهم]

- ‌[فصل قال الرافضي الخامس قوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي السادس قول أبي بكر أقيلوني فلست بخيركم والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي السابع قول أبي بكر عند موته ليتني سألت رسول هل للأنصار في هذا الأمر حق والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثامن قول أبي بكر في مرض موته ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي التاسع تجهيز الرسول لجيش أسامة وفيه أبي بكر وعمر وعثمان والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولى عليه والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الحادي عشر أن رسول الله أنفذه لأداء سورة براءة ثم رده والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها والرد عليه]

- ‌[باب الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر]

- ‌[الأول الإجماع والجواب منع الإجماع والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي لو أجمعوا على خلاف النص على علي لكان خطأ عندهم والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي برد حديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر والرد عليه]

- ‌[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال]

- ‌[فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة]

- ‌[قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وَقِلَّةِ صَبْرِهِ وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على خوره. . . والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا]

- ‌[فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قوله تعالى وسيجنبها الأتقى والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على كون أبي بكر كان أنيس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش يوم بدر والرد عليه]

- ‌[فصل كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ]

- ‌[فصل قول كلام الرافضي لو أنفق أبو بكر لوجب أن ينزل فيه قرآن مثل علي رضي الله عنهما والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن أبا بكر لم يقدم في الصلاة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحاه والرد عليه]

- ‌[فصل: النَّبِيُّ أَرْشَدَ الْأُمَّةَ إِلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ]

الفصل: ‌[فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه]

وَرَسُولُهُ، وَتَعَلَّقَتْ هِمَّتُهُ بِالْخَوَارِقِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ (1) مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ نَوْعٌ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ الْكَائِنَاتِ، أَوْ يَطِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ يَمْشِي بِهِ عَلَى الْمَاءِ، فَيَظُنُّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَيَكُونُ سَبَبَ شِرْكِهِ أَوْ كُفْرِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ فِسْقِهِ.

فَإِنَّ هَذَا الْجِنْسَ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْمُلْحِدِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ مَنْ لَا يَرَى الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةً، بَلْ وَلَا يُقِرُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، بَلْ يَبْغَضُهُ وَيَبْغَضُ الْقُرْآنَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ كُفْرَهُ، وَمَعَ هَذَا تُغْوِيهِ الشَّيَاطِينُ بِبَعْضِ الْخَوَارِقِ، كَمَا تُغْوِي الْمُشْرِكِينَ، كَمَا كَانَتْ تَقْتَرِنُ بِالْكُهَّانِ وَالْأَوْثَانِ، وَهِيَ الْيَوْمَ كَذَلِكَ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ وَالتُّرْكِ وَالْحَبَشَةِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا الْإِسْلَامُ مِمَّنْ هُوَ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُبْتَدِعٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

[فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه]

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " الثَّانِي عَشَرَ: الْفَضَائِلُ: إِمَّا نَفْسَانِيَّةٌ: أَوْ بَدَنِيَّةٌ: أَوْ خَارِجِيَّةٌ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالشَّخْصِ نَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ. وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ جَمَعَ (3)

(1) س: مِنَ الْجِنِّ مِنَ الشَّيَاطِينِ، ب: مِنَ الْجِنِّ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ

(2)

فِي (ك) ص 191 (م) - 192 (م)

(3)

ك: وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه الصلاة والسلام جَمَعَ. .

ص: 211

الْكُلَّ. أَمَّا فَضَائِلُهُ (1) النَّفْسَانِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ - كَعِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَكَرَمِهِ وَحِلْمِهِ - فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى (2) ، وَالْمُتَعَلِّقَةُ بِغَيْرِهِ كَذَلِكَ، كَظُهُورِ (3) الْعُلُومِ (4) عَنْهُ، وَاسْتِيفَاءِ (5) غَيْرِهِ مِنْهُ. وَكَذَا فَضَائِلُهُ (6) الْبَدَنِيَّةُ كَالْعِبَادَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الْخَارِجِيَّةُ كَالنَّسَبِ فَلَمْ يَلْحَقْهُ فِيهِ أَحَدٌ ; لِقُرْبِهِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (7) - وَتَزْوِيجِهِ إِيَّاهُ بِابْنَتِهِ (8) سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

وَقَدْ رَوَى أَخْطَبُ (9) خَوَارَزْمَ مِنْ كِتَابِ " السُّنَّةِ "(10) بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ زَوَّجَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ (11) مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَكَانَ الْخَاطِبُ جِبْرِيلَ (12) ، وَكَانَ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ فِي

(1) ك: أَمَّا فَضْلُ، م: أَمَّا فَضِيلَةُ

(2)

ك: فَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى.

(3)

ك: لِظُهُورِ

(4)

س، ب: الْعِلْمِ

(5)

ن، م: وَاسْتِفْتَاءِ ; ك وَاسْتِفَادَةِ

(6)

ك: فَضَائِلُ.

(7)

ك: فَكَالنَّسَبِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ فِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

(8)

ن، س: بِابْنَتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ك: بِنْتَهُ وَفِي هَامِشِ (س) كَتَبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضُوعِ كَتَبَ مَا يَلِي: " قَدْ زَوَّجَ عُثْمَانَ بِابْنَتَيْهِ وَقَالَ لَهُ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا لَكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُثْمَانُ أَفْضَلَ. اهـ فِي هَامِشِ الْأَصْلِ ".

(9)

م: خَطِيبُ.

(10)

ك: وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ.

(11)

ك: فَاطِمَةَ عليها السلام زَوَّجَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا. . .

(12)

ك (ص 192 م) : جِبْرَئِيلَ.

ص: 212

سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ شُهُودًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى شَجَرَةِ طُوبَى: انْثُرِي مَا فِيكِ مِنَ الدُّرِّ وَالْجَوْهَرِ (1) ، فَفَعَلَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُورِ الْعِينِ أَنِ الْقُطْنَ، فَلَقَطْنَ مِنْهُنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (2) ، وَأَوْرَدَ أَخْبَارًا كَثِيرَةً فِي ذَلِكَ.

وَكَانَ أَوْلَادُهُ رضي الله عنه أَشْرَفَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَ أَبِيهِمْ» (3) . وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ (4) قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ (5) بِيَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ (6) هَذَا الْحُسَيْنُ (7) ، أَلَا فَاعْرِفُوهُ وَفَضِّلُوهُ، فَوَاللَّهِ لَجَدُّهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ جَدِّ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ (8) ، هَذَا الْحُسَيْنُ جَدُّهُ (9) فِي الْجَنَّةِ، وَجَدَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ، (* وَأُمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالُهُ فِي الْجَنَّةِ وَخَالَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَمُّهُ فِي الْجَنَّةِ،

(1) ك: أَنِ انْثُرِي مَا فِيكِ مِنَ الدُّرَرِ وَالْجَوَاهِرِ. . .

(2)

ك: فَلَقَطْنَ فَهُنَّ يَتَهَادَيْنَ بَيْنَهُنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

(3)

ك: وَكَانَ أَوْلَادُهُ عليهم السلام أَشْرَفَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - وَبَعْدَ أَبِيهِمْ عليهم السلام.

(4)

س، ب: وَعَنْ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيِّ، ك: وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِيِّ.

(5)

ن: آخِذًا.

(6)

ك: الْحُسَيْنِ عليه السلام، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.

(7)

ك: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام.

(8)

ك: مِنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ.

(9)

ك: هَذَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام جَدُّهُ.

ص: 213

وَعَمَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ (1) ، وَأَخُوهُ فِي الْجَنَّةِ *) (2) ، وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَمُحِبُّوهُ (3) فِي الْجَنَّةِ، وَمُحِبُّو مُحِبِّيهِمْ فِي الْجَنَّةِ» .

وَعَنْ حُذَيْفَةَ (4) قَالَ: «بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ (5) شَخْصًا، فَقَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَ (6) ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَذَا (7) مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ إِلَيَّ مُنْذُ بُعِثْتُ، أَتَانِي مِنَ اللَّهِ، فَبَشَّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .

وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فَاضِلًا عَالِمًا، حَتَّى ادَّعَى قَوْمٌ فِيهِ الْإِمَامَةَ ".

وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأُمُورُ الْخَارِجِيَّةُ (8) عَنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَلَا يَحْصُلُ بِهَا فَضِيلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهَا الْفَضِيلَةُ عِنْدَ اللَّهِ إِذَا كَانَتْ مُعِينَةً عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ لَا الْمَقَاصِدِ، كَالْمَالِ وَالسُّلْطَانِ، وَالْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُفَضَّلُ بِهَا الرَّجُلُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا إِذَا أَعَانَتْهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ مَا يُعِينُهُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] .

(1) ك: وَجَدَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأُمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَمَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالَتُهُ فِي الْجَنَّةِ. .

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(3)

ك: وَمُحِبُّوهُمْ.

(4)

ك: وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِيِّ

(5)

عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(6)

ك: هَلْ رَأَيْتَهُ؟

(7)

ك: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. هَذَا. . .

(8)

ب: الْخَارِجَةُ.

ص: 214

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ فَقَالَ: " أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ ". قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ (1) . قَالَ: " يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ".

قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ (2) . قَالَ: " أَفَعَنْ (3) مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي (4) ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» "(5) .

بَيَّنَ لَهُمْ أَوَّلًا: أَنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنَ نَبِيٍّ وَلَا أَبَا نَبِيٍّ، فَإِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ آزَرَ، وَهَذَا أَبُوهُ يَعْقُوبُ. وَكَذَلِكَ نُوحٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَوْلَادُهُ أَنْبِيَاءَ، وَهَذَا أَوْلَادُهُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ.

فَلَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا الْأَنْسَابَ، قَالَ لَهُمْ: فَأَكْرَمُ أَهْلِ الْأَنْسَابِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَيْسَ فِي وَلَدِ آدَمَ مِثْلُ يُوسُفَ ; فَإِنَّهُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ.

فَلَمَّا أَشَارُوا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، قَالَ:" «أَفَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» " بَيَّنَ أَنَّ الْأَنْسَابَ كَالْمَعَادِنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ كَمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَعْدِنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ.

(1) ن: نَسَلُكَ.

(2)

ن: نَسَلُكَ.

(3)

م: فَعَنْ.

(4)

ن: تَسَلُونِي.

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/601.

ص: 215

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُنْبِتُ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تُنْبِتُ الْفِضَّةَ. فَهَكَذَا مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْأَفَاضِلَ، كَانَ أَوْلَادُهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْمَفْضُولَ. لَكِنَّ هَذَا سَبَبٌ وَمَظِنَّةٌ وَلَيْسَ هُوَ لَازِمًا ; فَرُبَّمَا تَعَطَّلَتْ أَرْضُ الذَّهَبِ، وَرُبَّمَا قَلَّ نَبْتُهَا ; فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَرْضُ الْفِضَّةِ أَحَبَّ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَرْضٍ مُعَطَّلَةٍ. وَالْفِضَّةُ الْكَثِيرَةُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ قَلِيلٍ لَا يُمَاثِلُهَا فِي الْقَدْرِ.

فَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْأَنْسَابِ (1) الْفَاضِلَةِ يُظَنُّ بِهِمُ الْخَيْرُ، وَيُكْرَمُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ أَحَدِهِمْ (2) خِلَافُ ذَلِكَ، كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَظِنَّةِ. وَأَمَّا [مَا](3) عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمَظَانِّ وَلَا عَلَى الدَّلَائِلِ، إِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ هُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْمَظِنَّةِ.

فَلِهَذَا كَانَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ أَتْقَاهُمْ (4) . فَإِذَا قُدِّرَ (5) تَمَاثُلُ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ فِي التَّقْوَى، تَمَاثُلًا فِي الدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُو أَحَدِهِمَا أَوِ ابْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي الْآخَرِ أَوِ ابْنِهِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ نَسَبِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّقْوَى كَانَ أَفْضَلَ لِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ.

وَلِهَذَا حَصَلَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَنَتْنَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلْنَ صَالِحًا، لَا لِمُجَرَّدِ الْمُصَاهَرَةِ، بَلْ لِكَمَالِ الطَّاعَةِ. كَمَا أَنَّهُنَّ لَوْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ لَضُوعِفَ لَهُنَّ الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ; لِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ.

(1) ن، س، ب: الْأَسْبَابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

س، ب: مِنْ أَحَدٍ.

(3)

مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

(4)

م: أَزْكَاهُمْ.

(5)

قُدِّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

ص: 216

فَإِنَّ ذَا الشَّرَفِ إِذَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ التَّقْوَى، كَانَ تَقْوَاهُ أَكْمَلَ مِنْ تَقْوَى غَيْرِهِ. كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا عَدَلَ كَانَ عَدْلُهُ أَعْظَمَ مِنْ عَدْلِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَصَدَ الْخَيْرَ قَصْدًا جَازِمًا (1) ، وَعَمِلَ مِنْهُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ كَامِلٌ (2) .

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا (3) مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ". قَالُوا: وَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: " وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» "(4) .

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ: " «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» "(5) . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

(1) ن، م: حَازِمًا

(2)

ن، م، س: أَجْرُ عَامِلٍ.

(3)

ن، س: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا، م: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالٌ.

(4)

الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/26 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/17 - 18 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/923 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/103، 160، 300، 341. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 3/1518 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ ثَوَابِ مَنْ حَبَسَهُ عَنِ الْغَزْوِ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ آخَرُ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) .

(5)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 4/2060 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً وَمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/281 - 282 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ لُزُومِ السُّنَّةِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (ط. الْمَدِينَةِ) 5/149 كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابٌ فِيمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ أَوْ إِلَى ضَلَالَةٍ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/75 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/3.

ص: 217

وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْقُرْآنِ بِنَسَبِهِ أَصْلًا: لَا عَلَى وَلَدِ نَبِيٍّ، وَلَا عَلَى أَبِي نَبِيٍّ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى النَّاسِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. وَإِذَا ذَكَرَ صِنْفًا وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ ; فَلِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، لَا لِمُجَرَّدِ النَّسَبِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ - ذَكَرَهُمْ فِي الْأَنْعَامِ - وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 87] . فَبِهَذَا حَصَلَتِ الْفَضِيلَةُ بِاجْتِبَائِهِ سبحانه وتعالى، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا بِنَفْسِ الْقَرَابَةِ.

وَقَدْ يُوجِبُ النَّسَبُ حُقُوقًا، وَيُوجِبُ لِأَجْلِهِ حُقُوقًا، وَيُعَلِّقُ فِيهِ أَحْكَامًا مِنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ، لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ.

وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33]، وَقَالَ:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 54] ، كَانَ هَذَا مَدْحًا لِهَذَا الْمَعْدِنِ الشَّرِيفِ، لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ (1)، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 26]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 113] .

(1) عِبَارَةُ: " لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

ص: 218

وَفِي الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ لِلصَّحَابَةِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ، كَقَوْلِهِ:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] .

وَقَوْلِهِ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] .

وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] .

وَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] .

وَقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8 - 9] . وَقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] الْآيَةَ.

وَهَكَذَا فِي الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأُمَّةِ، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَالْمُقْسِطِينَ وَالصَّالِحِينَ، وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ.

وَأَمَّا النَّسَبُ فَفِي الْقُرْآنِ إِثْبَاتُ حَقٍّ لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا ذُكِرُوا هُمْ فِي

ص: 219

آيَةِ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ. وَفِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ لَهُمْ (1) بِمَا يُذْهِبُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرُهُمْ تَطْهِيرًا. وَفِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، وَمَحَبَّةُ أَهْلِهِ مِنْ تَمَامِ مَحَبَّتِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ أَنَّ أَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ.

وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحُ أَحَدٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَلَا ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِهِ الْفَضِيلَةَ عِنْدَ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَلَا تَفْضِيلُهُ عَلَى مَنْ يُسَاوِيهِ فِي التَّقْوَى بِذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اصْطِفَاءِ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَاصْطِفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَذَاكَ أَمْرٌ مَاضٍ، فَأَخْبَرَنَا بِهِ فِي (2) جَعْلِهِ عِبْرَةً لَنَا، فَبَيَّنَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ وَالْمَدْحَ بِالْأَعْمَالِ.

وَلِهَذَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اصْطِفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ وَذُنُوبِهِمْ وَعُقُوبَتِهِمْ، فَذَكَرَ فِيهِمُ النَّوْعَيْنِ: الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ.

وَهَذَا مِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ أَنَّ النَّسَبَ الشَّرِيفَ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ الْمَدْحُ تَارَةً إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَإِلَّا فَإِنَّ ذَمَّ صَاحِبِهِ أَكْثَرُ، كَمَا كَانَ الذَّمُّ لِمَنْ ذُمَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَذَلِكَ الْمُصَاهَرَةُ.

قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ - وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 10 - 11] .

(1) ن، س، ب: لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا ذَكَرُوهُمْ، وَفِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ، وَفِي (ب: وَفِيهِ) أَمْرٌ لَهُمْ. . . وَالْمُثْبَتُ - وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ (م) .

(2)

ن، س: فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ فِي. . .، ب: فَأَخْبَرَ بِأَنَّ فِي. . .

ص: 220

وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَيُقَالُ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْجَمِيًّا، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَرَبِ، فَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ مُجْمَلًا: إِنَّ الْعَرَبَ أَفْضَلُ جُمْلَةً، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ:" «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» "(1) .

وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ. النَّاسُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ» "(2) .

وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ [وَالْعَجَمِ](3) ، وَآخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَهُمَا (4) عِنْدَ اللَّهِ بِحَسَبِ تَقْوَاهُمَا: إِنْ تَمَاثَلَا فِيهَا تَمَاثَلَا فِي الدَّرَجَةِ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ تَفَاضَلَا فِيهَا تَفَاضَلَا فِي الدَّرَجَةِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَجُلٌ مِنَ النَّاسِ أَوِ الْعَرَبِ (5) أَوِ الْعَجَمِ، فَأَفْضَلُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمَا، فَإِنْ تَمَاثَلَا فِي التَّقْوَى تَمَاثَلَا فِي الدَّرَجَةِ، وَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ لَا (6) بِأَبِيهِ وَلَا ابْنِهِ، وَلَا بِزَوْجَتِهِ، وَلَا بِعَمِّهِ، وَلَا بِأَخِيهِ.

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/606

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/521

(3)

وَالْعَجَمِ: زِيَادَةٌ فِي (م)

(4)

ن، م، س: فَهُمْ

(5)

ن، س، ب: وَرَجُلٌ مِنْ أَفْنَاءِ قُرَيْشٍ أَوِ الْعَرَبِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(6)

لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

ص: 221

كَمَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ أَوِ الْحِسَابِ، أَوِ الْفِقْهِ أَوِ النَّحْوِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَكْمَلُهُمَا بِالْعِلْمِ بِذَلِكَ أَعْلَمُهُمَا بِهِ، (* فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ تَسَاوَيَا فِي الْعِلْمِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ بِكَوْنِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ (1) أَعْلَمَ مِنَ الْآخَرِ. وَهَكَذَا فِي الشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ، وَالزُّهْدِ وَالدِّينِ.

إِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَالْفَضَائِلُ الْخَارِجِيَّةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى *) (2) ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ الْفَضَائِلِ الدَّاخِلِيَّةِ (3) . وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الْفَضِيلَةُ بِالْفَضَائِلِ الدَّاخِلِيَّةِ (4) ، وَأَمَّا الْفَضَائِلُ الْبَدَنِيَّةُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ صَادِرَةً عَنِ الْفَضِيلَةِ النَّفْسَانِيَّةِ.

وَإِلَّا فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ، وَقَاتَلَ وَتَصَدَّقَ، بِغَيْرِ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ لَمْ يُفَضَّلْ بِذَلِكَ ; فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَلْبِ.

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» "(5) .

(1) ن: يَكُونُ ابْنَهُ أَوْ أَبِيهِ

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(3)

ن، س، ب: الدَّاخِلَةِ.

(4)

ن، س، ب: الدَّاخِلَةِ.

(5)

الْحَدِيثُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 1/16 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ) وَنَصُّهُ: " الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ " وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1219 - 1220 كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1318 - 1319 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/270 - 274.

ص: 222

وَحِينَئِذٍ فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ (1) فِي الْفَضَائِلِ النَّفْسَانِيَّةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُنَازِعُونَ (2) فِي كَمَالِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ أَكْمَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ (3) ، وَأَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذَا الْبَابُ لِلنَّاسِ فِيهِ طَرِيقَانِ:

مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ عَلَى بَعْضٍ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ (4) ; فَإِنَّ حَقَائِقَ مَا فِي الْقُلُوبِ وَمَرَاتِبَهَا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ، فَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْخَبَرِ (5) الصَّادِقِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الطَّرِيقَيْنِ إِذَا أُعْطِيَ حَقَّهُ مِنَ السُّلُوكِ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ أَكْمَلُ مِنْ عَلِيٍّ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي عُثْمَانَ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي عُثْمَانَ، كَانَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ; فَإِنَّ تَفْضِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ أَحَدٌ، بَلْ (6) وَتَفْضِيلُهُمَا عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَمْ يَتَنَازَعْ (7) فِيهِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَدْرٌ: لَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، بَلْ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ [عَلَى

(1) ن، س، ب: أَعْظَمَ

(2)

م: لَا يَتَنَازَعُونَ.

(3)

م: أَكْمَلَ الثَّلَاثَةِ.

(4)

ن، س: إِلَّا بِالتَّوَقُّفِ.

(5)

ب: بِخَبَرِ. .

(6)

بَلْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س)(ب) .

(7)

م: لَمْ يُنَازِعْ.

ص: 223

ذَلِكَ] (1) قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، أَعْظَمُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى إِثْبَاتِ شَفَاعَةِ نَبِيِّنَا فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَعَلَى إِثْبَاتِ الْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ، وَعَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَعَلَى صِحَّةِ إِجَارَةِ الْعَقَارِ، وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا.

بَلْ إِيمَانُ (2) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَدَالَتُهُمَا مِمَّا (3) وَافَقَتْ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ - مَعَ تَعَنُّتِهِمْ - وَهُمْ يُنَازِعُونَ فِي إِيمَانِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ. وَاتَّفَقَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ عَلِيٍّ، وَقَدْحُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ (4) مِنْ قَدْحِهِمْ فِي عُثْمَانَ. وَالزَّيْدِيَّةُ بِالْعَكْسِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ كَانَ قُدَمَاؤُهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الْخَوَارِجِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الرَّافِضَةَ (5) قُدَمَاؤُهُمْ يُصَرِّحُونَ بِالتَّجْسِيمِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ عَلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَكَانَتِ الشِّيعَةُ الْأُولَى لَا يَشُكُّونَ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ عَلِيًّا، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلثَّوْرِيِّ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَطَائِفَةٌ أُخْرَى لَا تُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.

وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (6) عَنْ مَالِكٍ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ، لَكِنْ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ قَوْلًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ (7) عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ

(1) عَلَى ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ب)

(2)

ن، م، س: بَلْ عَلَى إِيمَانِ.

(3)

س: بِمَا

(4)

م: أَعْظَمُ.

(5)

ن، م: الرَّوَافِضَ.

(6)

م: أَبُو الْقَاسِمِ.

(7)

م: أَبُو الْقَاسِمِ.

ص: 224

أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَشُكُّ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.

وَأَمَّا جُمْهُورُ النَّاسِ فَفَضَّلُوا عُثْمَانَ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ (1) أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَشَايِخِ الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ، وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ: كَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهَا أَصْحَابُهُ (2) .

قَالَ مَالِكٌ: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَاضَ فِي الدِّمَاءِ كَمَنْ لَمْ يَخُضْ فِيهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ بِهَذَا قَصَدَ وَالِيَ الْمَدِينَةِ الْهَاشِمِيَّ، ضَرَبَ مَالِكًا، وَجَعَلَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ سَبَبًا ظَاهِرًا.

وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْكَلَامِ: الْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.

وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ ; وَلِهَذَا تَنَازَعُوا فِيمَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ، هَلْ يُعَدُّ مُبْتَدِعًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.

فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ كَانَ مَا سِوَاهُ أَوْكَدَ.

وَأَمَّا الطَّرِيقُ التَّوْقِيفِيُّ (3) فَالنَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ: أَمَّا النَّصُّ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ (4) .

(1) م: وَعَلَيْهِ اسْتِقْرَارُ. . .

(2)

س، ب: عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.

(3)

ن، م: التَّوْفِيقِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(4)

سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: كُنَّا نُفَاضِلُ إِلَخْ.

ص: 225

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ، وَأَنَّ ثَلَاثَةً تَرَكُوهُ لِثَلَاثَةٍ: عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَبَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَنَمْ فِيهَا كَبِيرَ نَوْمٍ (1) يُشَاوِرُ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدِ اجْتَمَعَ (2) بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، حَتَّى أُمَرَاءُ الْأَنْصَارِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ هُوَ الْأَحَقَّ، وَمَنْ كَانَ هُوَ الْأَحَقَّ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلَ ; فَإِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ مَنْ كَانَ أَحَقَّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَحَقَّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَلَزِمَ: إِمَّا جَهْلُهُمْ، وَإِمَّا ظُلْمُهُمْ. فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ، وَكَانَ غَيْرُهُ أَحَقَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ كَانُوا جُهَّالًا، وَإِنْ عَلِمُوهُ وَعَدَلُوا عَنِ الْأَحَقِّ (3) إِلَى غَيْرِهِ، كَانُوا ظَلَمَةً. فَتَبَيَّنَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ، لَزِمَ: إِمَّا جَهْلُهُمْ وَإِمَّا ظُلْمُهُمْ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ ; لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنَّا، وَأَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ فِيهِمَا مِنَّا، وَأَعْلَمُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي ذَلِكَ مِنَّا، وَلِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ نَكُونَ نَحْنُ أَعْلَمَ مِنْهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَحْوَجُ إِلَى عِلْمِهَا مِنَّا ; فَإِنَّهُمْ لَوْ جَهِلُوا مَسَائِلَ أُصُولِ دِينِهِمْ وَعَلِمْنَاهَا نَحْنُ لَكُنَّا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

(1) ن، س: كَثِيرًا يَوْمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: كَثِيرًا

(2)

ن، س، ب: أَجْمَعَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(3)

م: الْأَحْوَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، س، ب: الْحَقِّ.

ص: 226

وَكَوْنُهُمْ عَلِمُوا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ ; فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِمْ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونُوا خَيْرَ الْقُرُونِ بِالضَّرُورَةِ. وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ ثَنَاءً (1) يَقْتَضِي غَايَةَ الْمَدْحِ، فَيَمْتَنِعُ (2) إِجْمَاعُهُمْ وَإِصْرَارُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ ضَرَرٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ كُلِّهَا ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ ظُلْمًا لِلْمَمْنُوعِ مِنَ الْوِلَايَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ ظُلْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَنَعَ نَفْعَهُ مِنْ وِلَايَةِ الْأَحَقِّ بِالْوِلَايَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ رَاعِيَانِ: أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرِّعَايَةِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، كَانَ مَنْعُهُ مِنْ رِعَايَتِهَا يَعُودُ بِنَقْصِ الْغَنَمِ حَقَّهَا مِنْ نَفْعِهِ.

وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ دَلَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَنَّ خَيْرَهَا أَوَّلُهَا، فَإِنْ كَانُوا مُصِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ، [لَزِمَ](3) أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ شَرَّ الْأُمَمِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ أَوَّلُهَا خَيْرَهَا.

وَلِأَنَّا (4) نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسُوا مِثْلَ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ ظَالِمِينَ مُصِرِّينَ عَلَى الظُّلْمِ، فَالْأُمَّةُ كُلُّهَا ظَالِمَةٌ، فَلَيْسَتْ خَيْرَ الْأُمَمِ.

وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْكُوفَةِ: مَنْ وَلَّيْتُمْ؟ قَالَ: " وَلَّيْنَا أَعْلَانَا ذَا فُوقٍ وَلَمْ نَأْلُ ". وَذُو الْفُوقِ هُوَ السَّهْمُ (5) ، يَعْنِي أَعْلَانَا سَهْمًا فِي الْإِسْلَامِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْهُ.

(1) م: بِثَنَاءٍ.

(2)

ن، ش، ب: فَيَمْنَعُ.

(3)

لَزِمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(4)

م: فَإِنَّا. .

(5)

فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالْفُوقُ ": مُشْتَقُّ رَأْسِ السَّهْمِ حَيْثُ يَقَعُ الْوَتَرُ ".

ص: 227

قِيلَ: أَوَّلًا: هَذَا السُّؤَالُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُورِدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ ; لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُمْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَهُنَا مَقَامَانِ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَفْضَلُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، لَكِنْ يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ: إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا لِلْحَاجَةِ. وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ.

وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ هَاهُنَا. أَمَّا الْأَوَّلُ، فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً ; فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى تَوْلِيَةِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُنَازِعُ أَصْلًا، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى رَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لِعُثْمَانَ شَوْكَةٌ تُخَافُ، بَلِ التَّمَكُّنُ مِنْ تَوْلِيَةِ هَذَا كَانَ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ تَوْلِيَةِ هَذَا. فَامْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ يُمْكِنُ إِلَّا تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ.

وَإِذَا كَانُوا قَادِرِينَ، وَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ لِلْأُمَّةِ (1) لَا لِأَنْفُسِهِمْ، لَمْ يَجُزْ لَهُمْ (2) تَفْوِيتُ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ مِنْ وِلَايَةِ الْفَاضِلِ ; فَإِنَّ الْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ الْمُتَصَرِّفَ لِغَيْرِهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَمَّا هُوَ أَصْلَحُ لِمَنِ ائْتَمَنَهُ، مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ سَوَاءً؟

وَأَمَّا الثَّانِي، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِهِ أَشْبَهَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَالْخِلَافَةُ كَانَتْ خِلَافَةَ نُبُوَّةٍ، لَمْ تَكُنْ مُلْكًا، فَمَنْ خَلَفَ النَّبِيَّ وَقَامَ مَقَامَهُ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ، وَمَنْ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ، فَالَّذِي يَخْلُفُهُ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَشْبَهُ بِهِ أَفْضَلُ، فَالَّذِي يَخْلُفُهُ أَفْضَلُ.

(1) ن، م، س: لِلْإِمَامَةِ وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

(2)

لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

ص: 228

وَأَمَّا الطَّرِيقُ النَّظَرِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَقَالُوا: عُثْمَانُ كَانَ أَعْلَمَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلِيٌّ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، وَعُثْمَانُ أَعْظَمُ جِهَادًا بِمَالِهِ، وَعَلِيٌّ أَعْظَمُ جِهَادًا بِنَفْسِهِ، وَعُثْمَانُ أَزْهَدُ فِي الرِّيَاسَةِ، وَعَلِيٌّ أَزْهَدُ فِي الْمَالِ، وَعُثْمَانُ أَوْرَعُ عَنِ الدِّمَاءِ (1) ، وَعَلِيٌّ أَوْرَعُ عَنِ الْأَمْوَالِ، وَعُثْمَانُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَادِ نَفْسِهِ (2) ; حَيْثُ صَبَرَ عَنِ الْقِتَالِ وَلَمْ يُقَاتِلْ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ» "(3) .

وَسِيرَةُ (4) عُثْمَانَ فِي الْوِلَايَةِ كَانَتْ (5) أَكْمَلَ مِنْ سِيرَةِ عَلِيٍّ، فَقَالُوا: فَثَبَتَ أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ عِلْمَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِ السُّنَّةِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: " «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» "(6) .

وَعُثْمَانُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِلَا رَيْبٍ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَقْرَؤُهُ فِي رَكْعَةٍ. وَعَلِيٌّ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ حَفِظَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَمْ لَا؟

(1) م: أَوْرَعُ فِي الدُّنْيَا

(2)

م: مِنْ جِهَادِهِ نَفْسَهُ

(3)

الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/89 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَجَابِرٍ. حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 6/20، 21، 22.

(4)

ن، س: وَسِيمَا ب: وَسِيَرُ.

(5)

ن، س، ب: كَانَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

(6)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/280.

ص: 229

وَالْجِهَادُ بِالْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 41] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ:{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 20] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72](1) .

وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَاتِلُونَ دُونَ أَمْوَالِهِمْ ; فَإِنَّ الْمُجَاهِدَ بِالْمَالِ قَدْ أَخْرَجَ مَالَهُ حَقِيقَةً لِلَّهِ، وَالْمُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ لِلَّهِ يَرْجُو النَّجَاةَ، لَا يُوَافِقُ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجِهَادِ ; وَلِهَذَا أَكْثَرُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ يَهُونُ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يُقَاتِلَ، وَلَا يَهُونُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ جِهَادُهُ بِالْمَالِ أَعْظَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ جِهَادُهُ بِالنَّفْسِ أَعْظَمَ.

وَأَيْضًا فَعُثْمَانُ لَهُ مِنَ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ بِالتَّدْبِيرِ فِي الْفُتُوحِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَلَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَلَهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى مَكَّةَ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَإِنَّمَا بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ، وَبَايَعَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفَضْلِ ; حَيْثُ بَايَعَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

(1) ن، م، س: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصْرًا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا. وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

ص: 230

وَأَمَّا الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ فِي الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ عُثْمَانَ تَوَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ قَصَدَ الْخَارِجُونَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ، وَحَصَرُوهُ وَهُوَ خَلِيفَةُ الْأَرْضِ، وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ رَعِيَّتُهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا، وَلَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِقِتَالٍ، بَلْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ.

لَكِنَّهُ فِي الْأَمْوَالِ كَانَ يُعْطِي لِأَقَارِبِهِ مِنَ الْعَطَاءِ مَا لَا يُعْطِيهِ لِغَيْرِهِمْ، وَحَصَلَ مِنْهُ نَوْعُ تَوَسُّعٍ فِي الْأَمْوَالِ، وَهُوَ رضي الله عنه مَا فَعَلَهُ إِلَّا مُتَأَوِّلًا فِيهِ (1) ، لَهُ اجْتِهَادٌ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ (2) مِنَ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ مِنَ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ هُوَ لِمَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ذَوُو الْقُرْبَى الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ هُمْ ذَوُو قُرْبَى الْإِمَامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْإِمَامُ الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَاتِ يَأْخُذُ مِنْهَا مَعَ الْغِنَى. وَهَذِهِ كَانَتْ مَآخِذَ (3) عُثْمَانَ رضي الله عنه كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْهُ. فَمَا فَعَلَهُ هُوَ نَوْعُ تَأْوِيلٍ يَرَاهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

وَعَلِيٌّ رضي الله عنه لَمْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ بِعَطَاءٍ، لَكِنِ ابْتَدَأَ بِالْقِتَالِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَدِّئًا بِالْقِتَالِ (4) ، حَتَّى قُتِلَ بَيْنَهُمْ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ هُوَ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ تَأْوِيلًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ بُغَاةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ بِقَوْلِهِ:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9]

(1) ن، م، س:. . مَا فَعَلَهُ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ.

(2)

م: طَائِفَةٌ.

(3)

ن: مَآخِذَ. وَمَعْنَى الْمُثْبَتِ: أَنَّ هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخَذَ بِهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه.

(4)

بِالْقِتَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

ص: 231

لَكِنْ نَازَعَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا نَازَعَ عُثْمَانَ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] .

قَالُوا: فَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ ابْتِدَاءً، بَلْ إِذَا وَقَعَ قِتَالٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى قُوتِلَتْ. وَلَمْ يَقَعِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: " تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ "، رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْهَا (1) .

وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ لَا يَجُوزُ [إِلَّا] أَنْ يَبْتَدِءُوا (2) الْإِمَامَ بِالْقِتَالِ، كَمَا فَعَلَتِ الْخَوَارِجُ مَعَ عَلِيٍّ، فَإِنَّ قِتَالَهُ الْخَوَارِجَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ قِتَالِ صِفِّينَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَبْتَدِءُوا بِقِتَالٍ، بَلِ امْتَنَعُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ.

(1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ مَرْوِيًّا عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 8/172 (ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1354) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَغِبَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ السُّيُوطِيُّ فِي " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 6/91 وَقَالَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ.

(2)

ن، س: لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَءُوا. .، م لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَأَ. . . وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

ص: 232

وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ، كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، يَقُولُونَ: إِنَّ قِتَالَهُ لِلْخَوَارِجِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَهُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ.

فَلَوْ قَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ نُقِيمُ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَلَا نَدْفَعُ زَكَاتَنَا إِلَى الْإِمَامِ، وَنَقُومُ بِوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ (1) ، لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُمْ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ.

وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه إِنَّمَا قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُمُ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَائِهَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَلَوْ قَالُوا: نَحْنُ نُؤَدِّيهَا بِأَيْدِينَا وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.

وَلِهَذَا كَانَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ، وَكَانَ مَنْ قَعَدَ عَنْهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ قَاتَلَ فِيهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، بَلْ وَالثَّوْرِيِّ، وَمَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ، مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَنَحْوَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ - فِيمَا نَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ - عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ، إِلَّا إِذَا ابْتَدَءُوا الْإِمَامَ بِالْقِتَالِ، وَأَمَّا إِذَا أَدَّوُا الْوَاجِبَ مِنَ الزَّكَاةِ وَامْتَنَعُوا عَنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ.

وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، عَلَى أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى هُمْ قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2) .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كِلَيْهِمَا رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ هُوَ مُتَأَوِّلٌ

(1) م: إِلَى إِمَامٍ يَقُومُ بِوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

فِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: " قِفْ عَلَى بَيَانِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُرَجَّحُ بِهَا عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَيُرَجَّحُ بِهَا شِيعَةُ عُثْمَانَ عَلَى شِيعَةِ عَلِيٍّ ".

ص: 233

مُجْتَهِدٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ بِمُوجِبِ الْعِلْمِ وَالدَّلِيلِ، لَيْسَ لَهُمَا عَمَلٌ يُتَّهَمُونَ فِيهِ (1) ، لَكِنَّ اجْتِهَادَ عُثْمَانَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَدَ عَنِ الْمَفْسَدَةِ ; فَإِنَّ الدِّمَاءَ خَطَرُهَا أَعْظَمُ مِنَ الْأَمْوَالِ.

وَلِهَذَا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ هَادِيَةً مَهْدِيَّةً سَاكِنَةً، وَالْأُمَّةُ فِيهَا مُتَّفِقَةٌ، وَكَانَتْ سِتَّ سِنِينَ لَا يُنْكِرُ النَّاسُ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَنْكَرُوا أَشْيَاءَ فِي السِّتِّ الْبَاقِيَةِ، وَهِيَ دُونَ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عَلِيٍّ مِنْ حِينِ تَوَلَّى، وَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَوْبَاشِ النَّاسِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَثِيرٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَاتَلُوهُ، وَعُثْمَانُ فِي خِلَافَتِهِ فُتِحَتِ الْأَمْصَارُ وَقُوتِلَتْ (2) الْكُفَّارُ، وَعَلِيٌّ فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُقْتَلْ كَافِرٌ وَلَمْ تُفْتَحْ مَدِينَةٌ.

فَإِنْ كَانَ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّأْيِ، فَرَأْيُ عُثْمَانَ أَكْمَلُ، وَإِنْ كَانَ عَنِ الْقَصْدِ، فَقَصْدُهُ أَتَمُّ.

قَالُوا: وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ رضي الله عنهما فَعُثْمَانُ قَدْ زَوَّجَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَيْنِ مِنْ بَنَاتِهِ، وَقَالَ:" «لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» (3) "، وَسُمِّيَ ذُو النُّورَيْنِ (4) بِذَلِكَ ; إِذْ لَمْ يُعْرَفْ أَحَدٌ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ نَبِيٍّ غَيْرُهُ.

(1) ن، م، س، ب: لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ يَتَوَهَّمُونَ فِيهِ، وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ هُوَ الصَّوَابُ.

(2)

م: وَقَاتَلَ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/146.

(4)

س، ب: ذَا النُّورَيْنِ ; ن، م: ذِي النُّورَيْنِ وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.

ص: 234

وَقَدْ صَاهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ هُوَ دُونَ عُثْمَانَ: أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، فَزَوَّجَهُ زَيْنَبَ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ، وَشَكَرَ مُصَاهَرَتَهُ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى عَلِيٍّ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ:" «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يُنْكِحُوا فَتَاتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنِّي لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ. وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا (1) ، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا "، ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:" حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» (2) ".

وَهَكَذَا مُصَاهَرَةُ عُثْمَانَ لَهُ، لَمْ يَزَلْ فِيهَا حَمِيدًا، لَمْ يَقَعْ مِنْهُ (3) مَا يَعْتِبُ عَلَيْهِ فِيهَا، حَتَّى قَالَ:" «لَوْ كَانَ (4) عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» ".

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُصَاهَرَتَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْمَلُ مِنْ مُصَاهَرَةِ عَلِيٍّ لَهُ (5) . وَفَاطِمَةُ كَانَتْ أَصْغَرَ بَنَاتِهِ، وَعَاشَتْ بَعْدَهُ، وَأُصِيبَتْ بِهِ، فَصَارَ لَهَا مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَبِيرَةَ الْبَنَاتِ فِي الْعَادَةِ تُزَوَّجُ قَبْلَ الصَّغِيرَةِ، فَأَبُو الْعَاصِ تَزَوَّجَ أَوَّلًا زَيْنَبَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ عُثْمَانُ تَزَوَّجَ بِرُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ.

(1) ن، م: مَا رَابَهَا

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/145

(3)

ن، م، س: مِنْهَا.

(4)

ن، م: كَانَتْ

(5)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَكْمَلُ مِنْ مُصَاهَرَتِهِ لِعَلِيٍّ. وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ يَسْتَقِيمُ بِهِ الْكَلَامُ.

ص: 235

قَالُوا: وَشِيعَةُ عُثْمَانَ الْمُخْتَصُّونَ بِهِ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ، وَأَكْثَرَ خَيْرًا، وَأَقَلَّ شَرًّا. فَإِنَّ شِيعَةَ عُثْمَانَ أَكْثَرُ مَا نُقِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبِدَعِ انْحِرَافُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَبُّهُمْ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ (1) ، لِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مِنَ الْقِتَالِ مَا جَرَى، لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُكَفِّرُوهُ وَلَا كَفَّرُوا مَنْ يُحِبُّهُ.

وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَفِيهِمْ مَنْ يَكَفِّرُ الصَّحَابَةَ وَالْأُمَّةَ وَيَلْعَنُ (2) أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ (3) مِنْ ذَاكَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ.

وَشِيعَةُ عُثْمَانَ تُقَاتِلُ الْكُفَّارَ، وَالرَّافِضَةُ لَا تُقَاتِلُ الْكُفَّارَ، وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زِنْدِيقٌ وَلَا مُرْتَدٌّ، وَقَدْ دَخَلَ فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ مِنَ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.

وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَمْ تُوَالِ الْكُفَّارَ، وَالرَّافِضَةُ يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا عُرِفَ مِنْهُمْ وَقَائِعُ (4) .

وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَلَا النُّبُوَّةَ، وَكَثِيرٌ مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ مَنْ يَدَّعِي نُبُوَّتَهُ أَوْ إِلَهِيَّتَهُ.

وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، وَلَا مَنْصُوصَ عَلَيْهِ، وَالرَّافِضَةُ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مَعْصُومٌ.

(1) م: وَسَبُّهُ عَلَى الْمَنَابِرِ

(2)

ن، س، ب: وَلَعَنَهُ.

(3)

ن: أَكْبَرُ، س، ب: أَكْثَرُ

(4)

ب: كَمَا قَدْ عُرِفَ عَنْهُمْ فِي وَقَائِعَ.

ص: 236

وَشِيعَةُ عُثْمَانَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَتَفْضِيلِهِمَا عَلَى عُثْمَانَ، وَشِيعَةُ عَلِيٍّ الْمُتَأَخِّرُونَ أَكْثَرُهُمْ يَذُمُّونَهُمَا وَيَسُبُّونَهُمَا، وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَمُتَّفِقَةٌ عَلَى بُغْضِهِمَا وَذَمِّهِمَا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُكَفِّرُونَهُمَا، وَأَمَّا الزَّيْدِيَّةُ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ أَيْضًا يَذُمُّهُمَا وَيَسُبُّهُمَا، بَلْ وَيَلْعَنُهُمَا، وَخِيَارُ الزَّيْدِيَّةِ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَهُ (1) عَلَيْهِمَا، وَيَذُمُّونَ عُثْمَانَ أَوْ يَقَعُونَ بِهِ.

وَقَدْ كَانَ أَيْضًا فِي شِيعَةِ عُثْمَانَ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا: يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ ; وَلِهَذَا لَمَّا تَوَلَّى بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا أَحْسَنَ مُرَاعَاةً لِلْوَقْتِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، لَكِنْ شِيعَةُ عَلِيٍّ الْمُخْتَصُّونَ بِهِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ، أَعْظَمُ تَعْطِيلًا لِلصَّلَاةِ، بَلْ وَلِغَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً، فَيُعَطِّلُونَ الْمَسَاجِدَ، وَلَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ مَا هُمْ أَشَدُّ انْحِرَافًا فِيهِ مِنْ أُولَئِكَ (2) ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ مَعَ تَعْطِيلِ الْمَسَاجِدِ ; مُضَاهَاةً لِلْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِينَ كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ !

فَالشَّرُّ وَالْفَسَادُ الَّذِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ الَّذِي فِي شِيعَةِ عُثْمَانَ، وَالْخَيْرُ وَالصَّلَاحُ الَّذِي فِي شِيعَةِ عُثْمَانَ، (* أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْخَيْرِ الَّذِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ. وَبَنُو أُمَيَّةَ كَانُوا شِيعَةَ

(1) ن، م، س: الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ

(2)

ن، س: أَشَدُّ انْحِرَافًا فِيهِ مِنَ الشِّيعَةِ مِنْ أُولَئِكَ، م: أَشَدُّ انْحِرَافًا فِيهِ عَنِ الشِّيعَةِ مِنْ أُولَئِكَ وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

ص: 237

عُثْمَانَ *) (1) ، فَكَانَ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ فِي زَمَنِهِمْ أَظْهَرَ وَأَوْسَعَ مِمَّا كَانَ بَعْدَهُمْ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ".

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: " «اثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا» ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا وَلَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا» ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» "(2) .

وَهَكَذَا كَانَ، فَكَانَ الْخُلَفَاءُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، ثُمَّ تَوَلَّى مَنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَصَارَ لَهُ عِزٌّ وَمَنَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَابْنُهُ يَزِيدُ، ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَوْلَادُهُ الْأَرْبَعَةُ، وَبَيْنَهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ فِي دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ مِنَ النَّقْصِ مَا هُوَ بَاقٍ إِلَى الْآنَ ; فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ تَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ فِي زَمَنِهِمْ عَزِيزَةً (3)، وَالْخَلِيفَةُ يُدْعَى بِاسْمِهِ: عَبْدَ الْمَلِكِ، وَسُلَيْمَانَ، لَا يَعْرِفُونَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَلَا عِزَّ الدِّينِ، وَبَهَاءَ الدِّينِ (4) ، وَفُلَانَ الدِّينِ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصَّلَوَاتِ (5) الْخَمْسَ، وَفِي الْمَسْجِدِ يَعْقِدُ الرَّايَاتِ وَيُؤَمِّرُ الْأُمَرَاءَ، وَإِنَّمَا يَسْكُنُ دَارَهُ، لَا يَسْكُنُونَ الْحُصُونَ، وَلَا يَحْتَجِبُونَ عَنْ (6) الرَّعِيَّةِ.

(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/533 - 534.

(3)

ن، س، ب: عَرَبِيَّةً وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(4)

م: وَلَا عِزَّ الدَّوْلَةِ وَبَهَاءَ الدَّوْلَةِ.

(5)

س، ب: يُصَلِّي بِالصَّلَوَاتِ

(6)

ن، س، ب: عَلَى. .

ص: 238

وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْقُرُونَ الْمُفَضَّلَةِ: قَرْنِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ. وَأَعْظَمُ مَا نَقِمَهُ النَّاسُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: تَكَلُّمُهُمْ فِي عَلِيٍّ، وَالثَّانِي: تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا.

وَلِهَذَا رُئِيَ عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِمُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا، وَحُبِّي (1) عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَهَذَا حَافَظَ عَلَى هَاتَيْنِ السُّنَّتَيْنِ (2) حِينَ ظَهَرَ خِلَافُهُمَا ; فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ. وَهَكَذَا شَأْنُ مَنْ تَمَسَّكَ (* بِالسُّنَّةِ إِذَا ظَهَرَتْ بِدْعَةٌ، مِثْلَ مَنْ تَمَسَّكَ *)(3) بِحُبِّ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ ; حَيْثُ يَظْهَرُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ.

ثُمَّ كَانَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَحْمَتِهِ بِالْإِسْلَامِ أَنَّ الدَّوْلَةَ لَمَّا انْتَقَلَتْ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ صَارَتْ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ الدَّوْلَةَ الْهَاشِمِيَّةَ أَوَّلَ مَا ظَهَرَتْ (4) كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَتْ شِيعَةُ الدَّوْلَةِ (5) مُحِبِّينَ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْخِلَافَةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَعْرِفُ قَدْرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي دَوْلَتِهِمْ إِلَّا تَعْظِيمُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَذِكْرُهُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ (6) ، وَتَعْظِيمُ الصَّحَابَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ تَوَلَّى - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - رَافِضِيٌّ يَسُبُّ الْخُلَفَاءَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لَقَلَبَ الْإِسْلَامَ.

(1) م:. . مُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَوَاتِ وَحُبِّي. .

(2)

م: عَلَى هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ.

(3)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(4)

م: الْهَاشِمِيَّةَ لَمَّا ظَهَرَتْ

(5)

م: فَكَانَتِ الدَّوْلَةُ. .

(6)

م: وَذِكْرُهُمْ عَلِيًّا بِالْبِرِّ وَالثَّنَاءِ خَلْفَهُمْ.

ص: 239

وَلَكِنْ دَخَلَ فِي غِمَارِ الدَّوْلَةِ مَنْ كَانُوا لَا يَرْضَوْنَ بَاطِنَهُ، وَمَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ، كَمَا لَمْ يُمْكِنْ عَلِيًّا قَمْعُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَكَابِرُ عَسْكَرِهِ، كَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَهَاشِمٍ الْمِرْقَالِ، وَأَمْثَالِهِمْ.

وَدَخَلَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَجُوسِ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنَادِقَةِ، وَتَتَبَّعَهُمُ الْمَهْدِيُّ بِقَتْلِهِمْ (1) ، حَتَّى انْدَفَعَ بِذَلِكَ شَرٌّ كَبِيرٌ (2) ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ.

وَكَذَلِكَ الرَّشِيدُ (3) ، كَانَ فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَالدِّينِ مَا كَانَتْ بِهِ دَوْلَتُهُ مِنْ خِيَارِ دُوَلِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَأَنَّمَا كَانَتْ تَمَامَ سَعَادَتِهِمْ، فَلَمْ يَنْتَظِمْ بَعْدَهَا الْأَمْرُ لَهُمْ، مَعَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَى الْأَنْدَلُسِ، وَلَا عَلَى أَكْثَرِ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا غَلَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى إِفْرِيقِيَةَ مُدَّةً، ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُمْ.

بِخِلَافِ أُولَئِكَ، فَإِنَّهُمُ اسْتَوْلَوْا عَلَى جَمِيعِ الْمَمْلَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَهَرُوا جَمِيعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَكَانَتْ جُيُوشُهُمْ جَيْشًا بِالْأَنْدَلُسِ يَفْتَحُهُ، وَجَيْشًا بِبِلَادِ التُّرْكِ يُقَاتِلُ الْقَانَ الْكَبِيرَ (4) ، وَجَيْشًا بِبِلَادِ الْعَبِيدِ (5) ، وَجَيْشًا بِأَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زِيَادَةٍ وَقُوَّةٍ، عَزِيزًا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ.

وَهَذَا تَصْدِيقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ: " «لَا

(1) ن: يَقْتُلُهُمْ

(2)

م: كَثِيرٌ

(3)

الرَّشِيدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(4)

م: الْكَثِيرَ.

(5)

م: الْعَبْدِ.

ص: 240

يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَا تَوَلَّى اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» " (1) .

وَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي التَّوْرَاةِ ; حَيْثُ قَالَ فِي بِشَارَتِهِ بِإِسْمَاعِيلَ: " وَسَيَلِدُ اثْنَيْ عَشَرَ عَظِيمًا ".

وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ هُمُ الَّذِينَ تَعْتَقِدُ الرَّافِضَةُ إِمَامَتَهُمْ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ سَيْفٌ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (2) ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ فِي خِلَافَتِهِ مِنْ غَزْوِ الْكُفَّارِ، وَلَا فَتْحِ مَدِينَةٍ، وَلَا قَتَلَ كَافِرًا، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اشْتَغَلَ بَعْضُهُمْ بِقِتَالِ بَعْضٍ، حَتَّى طَمِعَ فِيهِمُ الْكُفَّارُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُمْ أَخَذُوا بَعْضَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (3) ، وَإِنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ كَانَ يُحْمَلُ إِلَيْهِ كَلَامٌ حَتَّى يَكُفَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَيُّ عِزٍّ لِلْإِسْلَامِ فِي هَذَا، وَالسَّيْفُ يَعْمَلُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَعَدُّوهُمْ قَدْ طَمِعَ فِيهِمْ وَنَالَ مِنْهُمْ؟ !

وَأَمَّا سَائِرُ الْأَئِمَّةِ غَيْرُ عَلِيٍّ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سَيْفٌ، لَا سِيَّمَا الْمُنْتَظَرِ، بَلْ هُوَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ: إِمَّا خَائِفٌ عَاجِزٌ، وَإِمَّا هَارِبٌ (4) مُخْتَفٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَهُوَ لَمْ يَهْدِ ضَالًّا وَلَا أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، وَلَا نَصَرَ مَظْلُومًا، وَلَا أَفْتَى أَحَدًا فِي مَسْأَلَةٍ، وَلَا حَكَمَ

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 3/533.

(2)

الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كَانَ هُوَ الْوَحِيدَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي تُوَلَّى الْخِلَافَةَ وَكَانَتْ لَهُ رِئَاسَةُ الدَّوْلَةِ وَالسُّلْطَةِ عَلَى جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ.

(3)

ن، م: الْإِسْلَامِ.

(4)

م: أَوْ هَارِبٌ. . .

ص: 241

فِي قَضِيَّةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ وُجُودٌ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ حَصَلَتْ مِنْ هَذَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ بِهِ عَزِيزًا؟ !

(* ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزَالُ عَزِيزًا *)(1) ، وَلَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا (2) ، حَتَّى يَتَوَلَّى اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، [فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ](3) وَآخِرُهُمُ الْمُنْتَظَرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ الْآنَ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ عِنْدَهُمْ، كَانَ (4) الْإِسْلَامُ لَمْ يَزَلْ عَزِيزًا فِي الدَّوْلَتَيْنِ الْأُمَوِيَّةِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ، وَكَانَ عَزِيزًا وَقَدْ خَرَجَ الْكُفَّارُ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَفَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ لَا يَزَالُ عَزِيزًا إِلَى الْيَوْمِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ.

وَأَيْضًا فَالْإِسْلَامُ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ هُوَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَهُمْ أَذَلُّ فِرَقِ الْأُمَّةِ، فَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَذَلُّ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَلَا أَكْتَمُ لِقَوْلِهِ مِنْهُمْ، وَلَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا لِلتَّقِيَّةِ (5) مِنْهُمْ، وَهُمْ - عَلَى زَعْمِهِمْ - شِيعَةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهُمْ فِي غَايَةِ الذُّلِّ، فَأَيُّ عِزٍّ لِلْإِسْلَامِ بِهَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَلَى زَعْمِهِمْ؟ !

وَكَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِذَا أَسْلَمَ يَتَشَيَّعُ ; لِأَنَّهُ رَأَى فِي التَّوْرَاةِ ذِكْرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ ; (* فَظَنَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أُولَئِكَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلِ الِاثْنَا عَشَرَ هُمْ *)(6) الَّذِينَ وُلُّوا عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ وِلَايَةً عَامَّةً، فَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِمْ عَزِيزًا، وَهَذَا مَعْرُوفٌ.

(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

(2)

مُسْتَقِيمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(4)

م. أَنْ، ب: أَكَانَ

(5)

س: لِلنَّفَقَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: لِلنِّفَاقِ.

(6)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

ص: 242

وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ (1) الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ قَوَانِينَ الْمَمْلَكَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، مِثْلَ الْوَزِيرِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ.

وَآخَرُونَ قَالُوا فِيهِ مَقَالَةً ضَعِيفَةً، كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَفْهَمُ مَعْنَاهُ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ.

وَأَمَّا مَرْوَانُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ (2) مِنْهُمَا وِلَايَةٌ عَامَّةٌ، بَلْ كَانَ زَمَنُهُ زَمَنَ فِتْنَةٍ، لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ.

وَلِهَذَا جَعَلَ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ خِلَافَةَ عَلِيٍّ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالُوا: لَمْ تَثْبُتْ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَقَالُوا:" مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ ". وَاسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ خِلَافَتِهِ بِحَدِيثِ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» ". فَقِيلَ لِلرَّاوِي: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً. فَقَالَ: " كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ "(3) ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ.

(1) سُمِّيَ بِابْنِ هُبَيْرَةَ عِدَّةُ أَشْخَاصٍ، وَلَكِنِّي أُرَجِّحُ أَنَّ الَّذِي يَقْصِدُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُوَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ الذُّهْلِيُّ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو الْمُظَفَّرِ عَوْنُ الدِّينِ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، عَالِمٌ بِالْفِقَهِ وَالْأَدَبِ، وُلِدَ سَنَةَ 499 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 560، كَانَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَجَمَعَ مَا اسْتَفَادَهُ مِنْهُ فِي كِتَابٍ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 5/274 - 287 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/191 - 197 الْأَعْلَامِ 9/222

(2)

س، ب: لِأَحَدٍ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/515، 537.

ص: 243