الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل: النَّبِيُّ أَرْشَدَ الْأُمَّةَ إِلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ]
فَصْلٌ (1) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْشَدَ الْأُمَّةَ إِلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.
مِثْلُ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ - كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ - قَالَ: " فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» " (2) .
وَالرَّسُولُ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْتَارُ غَيْرَهُ (3) ، وَالْمُؤْمِنُونَ لَا يَخْتَارُونَ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ:«يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " فَكَانَ فِيمَا دَلَّهُمْ بِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَا عَلِمَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُقَدِّرُهُ مِنَ الْخَيْرِ الْمُوَافِقِ لِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَمَامُ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، قَدَرًا وَشَرْعًا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ (4) مِنْ وُجُوهٍ، وَأَنَّهُمْ إِذَا وَلَّوْا بِعِلْمِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ مَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ الْأَحَقُّ بِالْوِلَايَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ.
وَبَيَانُ الْأَحْكَامِ يَحْصُلُ تَارَةً بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ الْمُؤَكَّدِ، وَتَارَةً بِالنَّصِّ
(1) م. فَائِدَةٌ
(2)
تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/488
(3)
م: وَالرَّسُولُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَهُ
(4)
مَا قَدَّرَ اللَّهُ كَانَ أَفْضَلَ فِي الْأُمَّةِ.
الْجَلِيِّ الْمُجَرَّدِ، وَتَارَةً بِالنَّصِّ الَّذِي قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِيهِ شُبْهَةٌ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْبَلَاغِ الْمُبِينِ، فَإِنَّهُ مَنْ لَيْسَ (1) شَرْطُ الْبَلَاغِ الْمُبِينِ أَنْ لَا يُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَنْضَبِطُ، وَأَذْهَانُ النَّاسِ وَأَهْوَاؤُهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا عَظِيمًا، وَفِيهِمْ مَنْ يَبْلُغُهُ الْعِلْمُ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَبْلُغُهُ إِمَّا لِتَفْرِيطِهِ وَإِمَّا لِعَجْزِهِ.
وَإِنَّمَا عَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ: الْبَيَانُ الْمُمْكِنُ، وَهَذَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - قَدْ حَصَلَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَتَرَكَ الْأُمَّةَ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدَهُ إِلَّا هَالِكٌ، وَمَا تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا أَمَرَ الْخَلْقَ بِهِ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ.
وَأَيْضًا فَأَمْرُ النَّبِيِّ (2) صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ إِذَا غَابَ، وَإِقْرَارُهُ إِذَا حَضَرَ قَدْ كَانَ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ.
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّلَاةِ، فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ التَّصْفِيقِ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(1) لَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(2)
ب: فَأَمَرَ النَّبِيَّ اللَّهُ: وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ فِيمَا يَظْهَرُ.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ:" يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا لِي أَرَاكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَقَ الصُّفُوفَ حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَفِيهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ، إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَّا الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّي بِالنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ " وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَفِيهِ فَلَمَّا أَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْضِهْ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيْهَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحْ بَيْنَهُمْ، [وَفِي رِوَايَةٍ:] (1) فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» ، فَهَذَا [الْحَدِيثُ](2) مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ (3)، وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّهُمْ فِي مَغِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَهِيَ الْوُسْطَى الَّتِي أُمِرُوا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا خُصُوصًا، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَشْغُولًا، ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَ أَهْلِ قُبَاءٍ لَمَّا اقْتَتَلُوا، وَقَدْ عَلِمُوا مِنْ سُنَّتِهِ أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمْ، كَمَا قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، لَمَّا أَبْطَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ ذَهَبَ هُوَ وَالْمُغِيرَةُ (4) لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، وَبِلَالٌ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (5) مِنْ غَيْرِهِ، فَسَأَلَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ فَصَلَّى بِهِمْ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِتَقْدِيمِهِ.
(1) وَفِي رِوَايَةٍ: زِيَادَةٌ فِي (م)
(2)
الْحَدِيثُ: زِيَادَةٌ فِي (م)
(3)
الْحَدِيثُ بِرِوَايَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 1/137 - 138 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ. .) 2/70 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ) ، مُسْلِمٍ 1/316 317 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ. . .) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/340 - 341 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّصْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/60 - 60 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ إِذَا تَقَدَّمَ الرَّجُلُ مِنَ الرَّعِيَّةِ. .)
(4)
م حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ وَالْمُغِيرَةُ
(5)
م: بِمِثْلِ ذَلِكَ
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَاهُمْ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقَالَ لِبِلَالٍ: " إِنْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ آتِكَ، فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُتِمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ، فَسَلَكَ أَبُو بَكْرٍ مَسْلَكَ الْأَدَبِ مَعَهُ، وَعَلِمَ أَنَّ أَمْرَهُ أَمْرُ إِكْرَامٍ لَا أَمْرُ إِلْزَامٍ، فَتَأَخَّرَ تَأَدُّبًا مَعَهُ لَا مَعْصِيَةً لِأَمْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم يُقِرُّهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحُضُورِهِ عَلَى إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَلَّى الْفَجْرَ خَلَفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ صَلَّى إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ وَقَضَى الْأُخْرَى، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فِي مَرَضِهِ وَإِذْنِهِ لَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ حَتَّى يَخْرُجَ لِيَمْنَعَهُ مِنْ إِمَامَتِهِ بِالنَّاسِ؟ ! .
فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ حَالَ الصِّدِّيقِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي غَايَةِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا هِيَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ الْمُفْتَرِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ هُمْ رِدْءُ الْمُنَافِقِينَ، وَإِخْوَانُ الْمُرْتَدِّينَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَهُ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَأَعْوَانَهُ هُمْ أَشَدُّ الْأُمَّةِ جِهَادًا لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] .
فَأَعْوَانُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ خَيْرُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ فِي السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ، فَخِيَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ كَانُوا يُقَدِّمُونَهُ فِي الْمَحَبَّةِ عَلَى غَيْرِهِ وَيَرْعَوْنَ حَقَّهُ، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُ مَنْ يُؤْذِيهِ.
مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَرَاءَ الْأَنْصَارِ اثْنَانِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَفْضَلُهُمَا.
فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدٍ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ، وَحَمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى كَاهِلِهِ» (1) .
وَلَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِحُكْمٍ لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ» "(2) .
وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ وَابْنُ عَمِّهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَانَا (3) مِنْ أَعْظَمِ أَنْصَارِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْإِفْكِ، وَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَأْسَ الْأَنْصَارِ عَنْ يَسَارِهِ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ عَقِبَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، مَا نَزَلَ مَا تَكْرَهِينَهُ (4) إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ فِيهِ فَرَجًا، وَجَعْلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً.
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى
(2)
تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/332
(3)
ن، م، س: كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
م أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ.
وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَعْوَانِ الصِّدِّيقِ، وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الَّذِي تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ، وَعَنِ الْقِيَامِ عَلَى أَهْلِ الْإِفْكِ، وَعَزْلِهِ عَنِ الْإِمَارَةِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْجِنَّ قَتَلَتْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَكَذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ مِنْ نُصْرَةِ الصِّدِّيقِ، وَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْقِيَامِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمُعَاوَنَتِهِ أَبِي بَكْرٍ مَا كَانَ لِغَيْرِهِ، وَاللَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ يَجْزِي النَّاسَ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَفَضَّلَ الرُّسُلَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَأُولُو الْعَزْمِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الرُّسُلِ، وَكَذَلِكَ فَضَّلَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَكُلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَاتِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِلَى الصِّدِّيقِ أَقْرَبَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَانَ أَفْضَلَ فَمَا زَالَ خِيَارُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الصِّدِّيقِ (1) قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَذَلِكَ لِكَمَالِ نَفْسِهِ وَإِيمَانِهِ.
وَكَانَ رضي الله عنه مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ رِعَايَةً لِحَقِّ قَرَابَةِ (2) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ كَمَالَ مَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ سِرَايَةَ الْحُبِّ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إِذْ كَانَ رِعَايَةُ
(1) مَعَ الصِّدِّيقِ: سَاقِطَةٌ مِنْ س، (ب)
(2)
م. لِقَرَابَةِ.
أَهْلِ بَيْتِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يَقُولُ:" ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي آلِ بَيْتِهِ " رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ (1)، وَقَالَ:" وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي "(2) .
(1) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/254 وَبَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي (ن) كُتِبَ مَا يَلِي: " تَمَّ الْكِتَابُ بِمَنِّ اللَّهِ وَكَرَمِهِ وَإِعَانَتِهِ وَجَزِيلِ نِعَمِهِ، نَهَارَ الْجُمْعَةِ الْمُعَظَّمِ، حَادِيَ عِشْرِينَ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى، أَحَدِ شُهُورِ عَامِ خَمْسٍ بَعْدَ الْأَلْفِ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَذَلِكَ بِخَطِّ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ الْمُعْتَرِفِ بِالذَّنْبِ وَالتَّقْصِيرِ، الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْمَنَّانِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَّانِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ، وَيُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَاضٌ يَبْدَأُ مِنْ مُنْتَصَفِ الصَّفْحَةِ إِلَى قُرْبِ نِهَايَتِهَا، حَيْثُ يُوجَدُ إِطَارٌ مُزَخْرَفٌ كُتِبَ فِيهِ بِخَطٍّ كَبِيرٍ " وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ " وَأَمَّا نُسْخَةُ (م) فَكُتِبَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَلِي: " تَمَّ الْكِتَابُ بِعَوْنِ اللَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. أَمَّا نُسْخَةُ (س) فَكُتِبَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ عِبَارَاتٌ اسْتَغْرَقَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَفْحَتَيْنِ هِيَ نَفْسُ الْعِبَارَاتِ الَّتِي انْتَهَتْ بِهَا النُّسْخَةُ الْمَطْبُوعَةُ بِبُولَاقَ (ب) وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي مُقَدِّمَةِ الطَّبْعَةِ الْأُولَى، عَلَى أَنَّهَا زَادَتْ بَعْدَهَا عِدَّةَ سُطُورٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي نُسْخَةِ (ب) وَهِيَ " وَإِلَى هُنَا انْتَهَى مَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَصْلِ، وَيَقُولُ أَضْعَفُ الْعِبَادِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ يُوسُف حُسَيْن بْنُ الْقَاضِي مُحَمَّدِ حَسَن الْخَانَفُورِيُّ الْحَنْبَلِيُّ السَّلَفِيُّ أَنَّهُ قَدِ اسْتَتَبَّ إِتْمَامُ هَذَا الْكِتَابِ ضَحْوَةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ شَهْرِ اللَّهِ الْحَرَامِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ بَعْدَ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ بِعَوْنِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ بِهِمَّتِي الْقَاصِرَةِ، وَيَدِي الْفَاتِرَةِ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي فِيهِ نَصِيبًا مِنَ الْآخِرَةِ، وَأَحْسَنَ عَاقِبَتِي وَعَاقِبَةَ وَالِدَيَّ وَأُسْتَاذِي وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَصَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَيْرٍ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَجَمِيعِ أَئِمَّةِ دِينِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا كَثِيرًا، وَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. "
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/245