الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل التعليق على قول الرافضي ما انهزم علي قط]
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا انْهَزَمَ قَطُّ ".
فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَالْقَوْلُ فِي أَنَّهُ مَا انْهَزَمَ، كَالْقَوْلِ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ مَا انْهَزَمُوا قَطُّ. وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَحَدٍ (1) مِنْ هَؤُلَاءِ هَزِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يُنْقَلْ، فَيُمْكِنُ أَنَّ عَلِيًّا وَقَعَ مِنْهُ مَا لَمْ يُنْقَلْ.
وَالْمُسْلِمُونَ كَانَتْ لَهُمْ هَزِيمَتَانِ: يَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ انْهَزَمَ، بَلِ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ وَالْمَغَازِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَبَتَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يَنْهَزِمَا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ. وَمَنْ نَقَلَ أَنَّهُمَا انْهَزَمَا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَكَذِبُهُ مَعْلُومٌ. وَإِنَّمَا الَّذِي انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ عُثْمَانُ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَمَا نُقِلَ مِنَ انْهِزَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالرَّايَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَمِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلَقَةِ الَّتِي افْتَرَاهَا الْمُفْتَرُونَ.
وَقَوْلُهُ: " مَا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ إِلَّا قَطَّ ".
فَهَذَا لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ وَلَا انْتِفَاؤُهُ، وَلَيْسَ مَعَنَا فِي ذَلِكَ نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي خَالِدٍ وَالزُّبَيْرِ، وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي دُجَانَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ وَنَحْوِهِمْ: إِنَّهُ مَا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ إِلَّا قَطَّ، كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي عَلِيٍّ، بَلْ صِدْقُ هَذَا فِي مِثْلِ خَالِدٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَوْلَى.
فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» (2) . فَإِذَا قِيلَ فِيمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ سُيُوفِهِ: إِنَّهُ مَا
(1) ن، م: لَمْ يُعْرَفْ لِوَاحِدٍ.
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/477.
ضَرَبَ إِلَّا قَطَّ (1) ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الصِّدْقِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا عُلِمَ مِنْ قَتْلِ خَالِدٍ فِي الْحُرُوبِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَنْصُورًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَطَالَمَا كَشَفَ الْكُرُوبَ عَنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ".
فَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ، مِنْ جِنْسِ أَكَاذِيبِ الطُّرُقِيَّةِ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّ عَلِيًّا كَشَفَ كُرْبَةً عَنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ، بَلْ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهَمَا كَانَا أَكْثَرَ جِهَادًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ صلى الله عليه وسلم الَّذِي طَالَمَا كَشَفَ عَنْ وُجُوهِهِمُ الْكُرَبَ.
لَكِنْ أَبُو بَكْرٍ دَفَعَ عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَضْرِبُوهُ وَيَقْتُلُوهُ بِمَكَّةَ، جَعَلَ يَقُولُ:" أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللَّهُ "، حَتَّى ضَرَبُوا أَبَا بَكْرٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ مِثْلَ هَذَا.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْرِكِينَ أَحَاطُوا بِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ بِسَيْفِهِ، فَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ، لَكِنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ - وَأَمْثَالَهُ - كَأَنَّهُمْ قَدْ طَالَعُوا (2) السِّيَرَ وَالْمَغَازِيَ الَّتِي وَضَعَهَا الْكَذَّابُونَ وَالطُّرُقِيَّةُ، مِثْلَ كِتَابِ " تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ " لِلْبَكْرِيِّ الْكَذَّابِ وَأَمْثَالِهِ، مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُذْكَرُ فِي سِيرَةِ الْبَطَّالِ وَدَلْهَمَةَ وَالْعَيَّارِ وَأَحْمَدَ الدَّنِفِ وَالزَّيْبَقِ الْمِصْرِيِّ، وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي يَحْكُونَهَا عَنْ هَارُونَ وَوَزِيرِهِ مَعَ الْعَامَّةِ، وَالسِّيرَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لِعَنْتَرَةَ بْنِ شَدَّادٍ.
وَقَدْ وَضَعَ الْكَذَّابُونَ فِي مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ
(1) فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": الْقَطُّ: الْقَطْعُ عَامَّةً ".
(2)
م: كَانُوا قَدْ طَالَعُوا.
مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَهَذَا يُصَدِّقُهُ الْجُهَّالُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَبِيتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى عَلِيٍّ أَصْلًا، وَأَشْهَرُ مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ ذَبُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، لَمَّا وَلَّى أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مُدْبِرِينَ، فَطَمِعَ الْعَدُوُّ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَرَصُوا عَلَى قَتْلِهِ، وَطَلَبَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ قَتْلَهُ (1) ، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، وَشَجَّ الْمُشْرِكُونَ جَبِينَهُ، وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ. وَذَبَّ عَنْهُ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ جَعَلَ يَرْمِي وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُ (2) :" «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» "(3) .
وَوَقَاهُ طَلْحَةُ بِيَدِهِ، فَشُلَّتْ يَدُ طَلْحَةَ (4) ، وَقُتِلَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ.
(1) س: وَطَمَّعَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قَتْلُهُ، ب: وَطَمِعَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي قَتْلِهِ.
(2)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/39 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَتَرَّسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ) وَلَفْظُهُ: " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي " وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1876 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/314 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. .) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/47 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . فَضْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/91، 220 - 266 - 267.
(4)
فِي الْبُخَارِيِّ 5/97 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا. .) عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ.