المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه] - منهاج السنة النبوية - جـ ٨

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل كلام الرافضي أن علم الطريقة منسوب إلى علي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن علم الفصاحة علي منبعه والرد عليه]

- ‌[فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي أن عليا كان أشجع الناس والرد عليه]

- ‌[فصل الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله]

- ‌[فصل التعليق على قول الرافضي بسيفه ثبت قواعد الإسلام]

- ‌[فصل التعليق على قول الرافضي ما انهزم علي قط]

- ‌[فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بدر والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي: وفي غزاة أحد لما انهزم الناس والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي وَفِي غَزَاةِ الْأَحْزَابِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي: وَفِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ قَتَلَ عَلِيٌّ رَامِيَ ثَنِيَّةِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي وَفِي غَزْوَةِ السِّلْسِلَةِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ. . . والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة بني المصطلق والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة خيبر والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه يوم حنين والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الخامس إخبار علي رضي الله عنه بالغيوب والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي السادس أن عليا رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي: السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثامن قتل علي لكفار الجن والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي التاسع حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل العاشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل الحادي عشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه ومخاطبته للثعبان والرد عليه]

- ‌[فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل ما ذكره من الفضيلة بالقرابة عنه والرد عليه]

- ‌[باب الفصل الرابع من منهاج الكرامة في طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر]

- ‌[الأول من طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر النص]

- ‌[فصل حديث المهدي كما يرويه الرافضي والرد عليه]

- ‌[فصل الثاني قوله يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء والرد عليه]

- ‌[فصل الفضائل التي اشتمل كل واحد من الأئمة عليها الموجبة لكونه إماما والرد عليه]

- ‌[باب الفصل الخامس من كلام الرافضي أن من تقدم عليا لم يكن إماما والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثاني قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثالث قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحوال إلى علي والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الرابع الوقائع الصادرة عنهم]

- ‌[فصل قال الرافضي الخامس قوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي السادس قول أبي بكر أقيلوني فلست بخيركم والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي السابع قول أبي بكر عند موته ليتني سألت رسول هل للأنصار في هذا الأمر حق والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثامن قول أبي بكر في مرض موته ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي التاسع تجهيز الرسول لجيش أسامة وفيه أبي بكر وعمر وعثمان والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولى عليه والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الحادي عشر أن رسول الله أنفذه لأداء سورة براءة ثم رده والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها والرد عليه]

- ‌[باب الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر]

- ‌[الأول الإجماع والجواب منع الإجماع والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع والرد عليه]

- ‌[فصل قال الرافضي لو أجمعوا على خلاف النص على علي لكان خطأ عندهم والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي برد حديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر والرد عليه]

- ‌[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال]

- ‌[فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة]

- ‌[قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وَقِلَّةِ صَبْرِهِ وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على خوره. . . والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا]

- ‌[فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قوله تعالى وسيجنبها الأتقى والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على كون أبي بكر كان أنيس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش يوم بدر والرد عليه]

- ‌[فصل كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ]

- ‌[فصل قول كلام الرافضي لو أنفق أبو بكر لوجب أن ينزل فيه قرآن مثل علي رضي الله عنهما والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي إن أبا بكر لم يقدم في الصلاة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحاه والرد عليه]

- ‌[فصل: النَّبِيُّ أَرْشَدَ الْأُمَّةَ إِلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ]

الفصل: ‌[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]

وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ شَرَائِعُ كُلِّيَّةٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِيهَا: إِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، وَإِمَّا لِأَحَدِهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ.

وَأَيْضًا فَيُقَالُ: النَّصُّ يُوجِبُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمَا فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَفِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَتَسْوِيغُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِ الْآخَرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ.

وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا يُوجِبُ الِائْتِمَامَ بِهِمَا فَطَاعَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ إِمَامًا وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَمَّا بَعْدُ زَوَالِ إِمَامَتِهِ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمَا أَنَّهُمَا إِذَا تَنَازَعَا رُدَّ مَا تَنَازَعَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» "، فَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَهْلُ (1) الْحَدِيثِ؛ قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ (2) .

وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ (بَعْدِي) وَالْحُجَّةُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (بَعْدِي) .

وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَهَذَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.

[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]

فَصْلٌ.

قَالَ الرَّافِضِيُّ (3) : " الثَّالِثُ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ كَآيَةِ (4)

(1) م: أَثَمَةُ

(2)

سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى

(3)

فِي (ك) ص 198 (م) - 202 (م) .

(4)

ن، م، س: كَلَيْلَةِ.

ص: 364

الْغَارِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17]، وَقَوْلُهُ:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] وَالدَّاعِي هُوَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ أَنِيسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنْفَقَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ ".

قَالَ (1) : " وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ لَهُ فِي الْغَارِ لِجَوَازِ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ (2) لِقَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ (3) وَقِلَّةِ صَبْرِهِ (4) ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ رِضًا بِمُسَاوَاتِهِ (5) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ; وَلِأَنَّ الْحُزْنَ إِنْ كَانَ طَاعَةً اسْتَحَالَ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كَانَ مَا ادَّعُوهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ رَذِيلَةً (6) .

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَيْثُ ذَكَرَ إِنْزَالَ السِّكِّينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

(1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً ص 199 (م)

(2)

ك: عَلَى نَقْصِهِ.

(3)

ن، س، ب: عَلَى خَوْفِهِ.

(4)

ك: عَلَى خَوَرِهِ وَنَقْصِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ.

(5)

ك: بِمُسَاوَاةِ.

(6)

ك: كَانَ مَا ادَّعُوهُ فَضِيلَةً رَذِيلَةً.

ص: 365

شَرَكَ (1) مَعَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا نَقْصَ (2) أَعْظَمُ مِنْهُ.

وَأَمَّا: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} ، فَإِنَّ (3) الْمُرَادَ «أَبُو الدَّحْدَاحِ، حَيْثُ اشْتَرَى نَخْلَةَ شَخْصٍ لِأَجْلِ جَارِهِ، وَقَدْ عَرَضَ (4) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى صَاحِبِ النَّخْلَةِ نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ، فَأَبَى فَسَمِعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَاشْتَرَاهَا بِبُسْتَانٍ لَهُ وَوَهَبَهَا الْجَارَ (5) ؛ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِوَضَهَا لَهُ بُسْتَانًا فِي الْجَنَّةِ» (6) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16](7) ، [يُرِيدُ سَنَدْعُوكُمْ إِلَى قَوْمٍ](8)، فَإِنَّهُ أَرَادَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَالْتَمَسَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى غَنِيمَةِ خَيْبَرَ فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:

(1) س، ب: أَشْرَكَ.

(2)

س، ب: وَلَا نَقِيضَ

(3)

ك: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالِي: (وَسَيُجَنِّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي) فَإِنَّ. . .

(4)

ك: عَوَّضَ.

(5)

م: الْجَارَةَ، ك: لِلْجَارِ الْفَقِيرِ

(6)

ك: فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ بُسْتَانًا عِوَضَهَا فِي الْجَنَّةِ.

(7)

ك: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالِي (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَعِبَارَةُ " إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ " فِي (م) فَقَطْ، وَلَمْ تَرِدْ فِي (ن) ، (س)(ب) .

(8)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (س) ، (ب) فَقَطْ.

ص: 366

{قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ قَالَ:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] يُرِيدُ سَنَدْعُوكُمْ (1) فِيمَا بَعْدُ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَقَدْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى غَزَوَاتٍ كَثِيرَةٍ (2) : كَمُؤْتَةَ وَحُنَيْنٍ، وَتَبُوكَ، وَغَيْرِهِمَا؛ فَكَانَ (3) الدَّاعِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ [عَلِيٌّ] هُوَ الدَّاعِيَ (4)، حَيْثُ قَاتَلَ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ؛ وَكَانَ رُجُوعُهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ [إِسْلَامًا] (5) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي» ، وَحَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفْرٌ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ فِي الْعَرِيشِ (6) يَوْمَ بَدْرٍ فَلَا فَضْلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أُنْسُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا لَهُ عَنْ كُلِّ أَنِيسٍ؛ لَكِنْ لَمَّا عَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَمْرَهُ

(1) ك: (ص 200 م) يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالِي: أَنَّهُ سَنَدْعُوكُمْ. .

(2)

ك: وَقَدْ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ إِلَى غَزَاةٍ كَثِيرَةٍ.

(3)

ك: وَكَانَ.

(4)

ك: وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ عليه السلام، ن، س: وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّاعِيَ.

(5)

إِسْلَامًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

(6)

ك: وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - فِي الْعَرِيشِ.

ص: 367

لِأَبِي بَكْرٍ بِالْقِتَالِ (1) يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْحَالِ حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ (2) فِي غَزَوَاتِهِ. وَأَيُّمَا (3) أَفْضَلُ: الْقَاعِدُ عَنِ الْقِتَالِ، أَوِ الْمُجَاهِدُ (4) بِنَفْسِهِ فِي (5) سَبِيلِ اللَّهِ؟ .

وَأَمَّا إِنْفَاقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَذِبٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مَالٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ فَقِيرًا فِي الْغَايَةِ، وَكَانَ يُنَادِي عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بِمُدٍّ (6) كُلَّ يَوْمٍ (7) يَقْتَاتُ بِهِ؛ فَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ غَنِيًّا لَكَفَى أَبَاهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ وَفِي الْإِسْلَامِ كَانَ خَيَّاطًا (8)، وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى (9) الْقُوتِ فَجَعَلُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ (10) ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (11) ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى

(1) ك: أَمْرَهُ أَبَا بَكْرٍ بِالْقِتَالِ.

(2)

ن، م، س: حَيْثُ هَرَبَ عَدُوُّهُ مَرَّاتٍ، ك: حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَارَةٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

(3)

ن: وَأَمَّا م، س: وَإِنَّمَا.

(4)

ن، س: وَالْمُجَاهِدُ

(5)

ك: بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي. . .

(6)

س، ب: لِمُدٍّ

(7)

ك: فِي كُلِّ يَوْمٍ

(8)

ك: خَيَّاطًا، وَكُلُّ يَوْمٍ يَخِيطُ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ. .

(9)

ك: مِنِ الْخِيَاطَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لَأَحْتَاجُ إِلَى. .

(10)

) ن، س، ب: فِي كُلِّ يَوْمٍ.

(11)

) ك: مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

ص: 368

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ (1) ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ. وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَتَّةَ شَيْءٌ (2) ، ثُمَّ لَوْ أَنْفَقَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ قُرْآنٌ، كَمَا نَزَلَ فِي عَلِيٍّ:{هَلْ أَتَى} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1] .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ [صلى الله عليه وسلم] أَشْرَفُ مِنَ الَّذِينَ (3) تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالَ الَّذِي يَدَّعُونَ إِنْفَاقَهُ أَكْثَرُ (4) ، فَحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ؛ دَلَّ (5) عَلَى كَذِبِ النَّقْلِ.

وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الصَّلَاةِ (6) فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ بِلَالًا لَمَّا أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ أَمَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ التَّكْبِيرَ فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي (7) بِالنَّاسِ؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ،

(1) ك: مِنْ مَالِ خَدِيجَةَ عليها السلام.

(2)

ك (ص 201 م) : لِأَبِي بَكْرٍ شَيْءٌ الْبَتَّةَ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.

(3)

ك: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ كَانَ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ. . . " صلى الله عليه وسلم " فِي (م) فَقَطْ

(4)

ك: كَانَ أَكْثَرَ. .

(5)

ك: لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ دَلَّ. .

(6)

ك: بِالصَّلَاةِ.

(7)

ك: لِلصَّلَاةِ أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدَّمَ أَبُوهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ الشَّدِيدِ، وَالصَّحَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَمِعُوا حَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكُلُّهُمْ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ غَرْوَ بُكَاءٍ، وَفَاتَ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - سَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَمِعَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَقَوْلَ حَفْصَةَ لِأَبِيهَا عُمَرَ وَتَشَوَّشَ الْأَحْوَالُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، سَأَلَ: مَنْ يُصَلِّي. . .

ص: 369

فَقَالَ (1) : أَخْرَجُونِي فَخَرَجَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَنَحَّاهُ (2) عَنِ الْقِبْلَةِ وَعَزَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ (3) وَتَوَلَّى هُوَ الصَّلَاةَ (4) ".

قَالَ الرَّافِضِيُّ: " فَهَذِهِ حَالٌ (5) أَدِلَّةِ الْقَوْمِ (6) ، فَلْيَنْظُرِ الْعَاقِلُ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ وَلِيَقْصِدِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ (7) دُونَ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَيَتْرُكْ تَقْلِيدَ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ؛ فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى [فِي كِتَابِهِ](8) عَنْ ذَلِكَ وَلَا تُلْهِيهِ الدُّنْيَا عَنْ إِيصَالِ الْحَقِّ [إِلَى](9) مُسْتَحِقِّهِ، وَلَا

(1) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم. .

(2)

ك: وَالْعَبَّاسِ، وَذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ فِي الْمِحْرَابِ فَنَحَّاهُ.

(3)

عَنِ الصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك)

(4)

م: هُوَ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ.

(5)

اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ سُطُورًا عَدِيدَةً مِنْ (ك) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ: " الصَّلَاةُ؟ وَصَلَّى بِالنَّاسِ خَفِيفًا وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ مُخْتَصَرًا لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ الِاسْتِحْلَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَوَدَّعَهُمْ وَنَصَحَهُمْ، وَاسْتَوْصَى لِعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم السلام، وَأَوْدَعَهُمْ إِلَيْهِ، وَنَزَلَ مِنِ الْمِنْبَرِ، وَنَامَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ، وَدَعَا عَلِيًّا عليه السلام، وَوَصَّى لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَزَقَّهُ مِنَ الْعُلُومِ، وَأَوْصَى بِالصَّبْرِ بَعْدَهُ عَلَى مَا فَعَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَحْوَالَ الشُّيُوخِ وَمُخَالَفَتَهُمْ، وَقَالَ: انْظُرْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِالسَّيْفِ بَيْنَهُمُ اللَّهُ عَلَى إِهْرَاقِ دِمَائِهِمْ بِقَدْرِ الْمَحَجَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ فَسَادٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَزِيدُ الْمُقَاتَلَةُ مَعَهُمْ إِلَّا زِيَادَةَ الْخُصُومَةِ، وَانْحِطَاطُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، فَكُنْ لَهُ وَلِأَوْلَادِهِ وَأَصْحَابِهِ حِصْنًا وَحِمَايَةً مِنِ الْفِتَنِ؛ وَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ، وَلَا تَكُنْ لِإِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَرَامِلِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ - فَهَذَا حَالُ. . . ".

(6)

ك (ص 202 م) : أَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ.

(7)

ك: الْإِنْصَافِ مَا فَعَلُوا بَعْدَهُ، وَمَا هَتَكُوا أَسْتَارَ الدِّينِ، وَيَقْصِدْ طَلَبَ الْحَقِّ، م: الْإِنْصَافِ وَلِيُفَضِّلِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ.

(8)

فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(9)

إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

ص: 370

يَمْنَعِ الْمُسْتَحِقَّ عَنْ حَقِّهِ (1) ، فَهَذَا آخِرُ مَا أَرَدْنَا (2) إِثْبَاتَهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ (3) .

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْبُهْتِ وَالْفِرْيَةِ مَا لَا يُعْرَفُ مِثْلُهُ لِطَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ فِيهِمْ شَبَهٌ قَوِيٌّ مِنَ الْيَهُودِ؛ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ بُهْتٍ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

وَظُهُورُ فَضَائِلِ شَيْخَيِ الْإِسْلَامِ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَظْهَرُ بِكَثِيرٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ مِنْ فَضْلِ غَيْرِهِمَا؛ فَيُرِيدُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ قَلْبَ الْحَقَائِقِ، وَلَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 17] وَنَحْوِ هَذِهِ الْآيَاتِ.

فَإِنَّ (4) الْقَوْمَ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَقِ تَكْذِيبًا بِالْحَقِّ وَتَصْدِيقًا بِالْكَذِبِ؛ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُمَاثِلُهُمْ فِي ذَلِكَ.

(1) ك: وَلَا يَمْنَعْ عَنِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ.

(2)

ن، م، س: أَوْرَدْنَا.

(3)

ك: فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ. وَبَعْدَ كَلِمَةِ الرِّسَالَةِ يُوجَدُ فِي (ك) الْكَلَامُ التَّالِي: " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمَحْجُوبِينَ كَالشَّمْسِ بَيْنَ الْبِحَارِ وَالْبَدْرِ مِنَ الْأَحْسَابِ.

(4)

س، ب: وَإِنَّ.

ص: 371

أَمَّا قَوْلُهُ: " لَا فَضِيلَةَ فِي الْغَارِ ".

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي الْغَارِ ظَاهِرَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ [صلى الله عليه وسلم](1) أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَمَعَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] .

وَقَدْ أَخْرَجَا (2) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قَالَ «نَظَرْتُ إِلَى إِقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» " (3) .

وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْهُمْ، فَهُوَ مِمَّا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَاهُ يَقُولُ:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] .

وَالْمَعِيَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ؛ فَالْعَامَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

(1) صلى الله عليه وسلم: زِيَادَةٌ فِي (م)

(2)

ن، س، ب: أَخْرَجَاهُ

(3)

الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 5/4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. . .) ، مُسْلِمٌ 4/1854 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. . .) .

ص: 372

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4](1) .

وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 7] .

فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُتَنَاجِينَ (2) ، وَكَذَلِكَ الْأُولَى عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ.

وَلَمَّا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ فِي الْمَعِيَّةِ أَنَّهُ رَابِعُ الثَّلَاثَةِ وَسَادِسُ الْخَمْسَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» "، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعَهُمَا كَانَ ثَالِثَهُمَا كَمَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ هَذِهِ مَعِيَّةً خَاصَّةً وَتِلْكَ عَامَّةً.

وَأَمَّا الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُمَا دُونَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَهُوَ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ دُونَ فِرْعَوْنَ.

وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} "(3) كَانَ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا دُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمَا

(1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

(2)

م: مُتَنَاجِيَيْنِ.

(3)

هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، وَسَيُورِدُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مُطَوَّلًا فِيمَا بَعْدُ، وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 573.

ص: 373

وَيَطْلُبُونَهُمَا كَالَّذِينَ كَانُوا فَوْقَ الْغَارِ وَلَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ (1) إِلَى قَدَمَيْهِ لِأَبْصَرَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128]، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُمْ دُونَ الْفُجَّارِ وَالظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 153] تَخْصِيصٌ لَهُمْ (2) دُونَ الْجَازِعِينَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 12]، وَقَالَ:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 12] .

وَفِي ذِكْرِهِ (3) سُبْحَانَهُ لِلْمَعِيَّةِ عَامَّةً تَارَةً وَخَاصَّةً أُخْرَى: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ (4) أَنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، أَوْ أَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ الْعَامِّ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ أَوِ الْوَحْدَةِ (5) الْعَامَّةِ ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْتَصُّ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، بَلْ هُوَ فِي الْحُشُوشِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ [وَأَجْوَافِ الْبَهَائِمِ](6) ، كَمَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ [فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ كَانَ هَذَا مُنَاقِضًا لِهَذَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْتَصُّ

(1) م: أَحَدٌ مِنْهُمْ

(2)

(2 - 2) : فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ.

(3)

ن، س، ب: فِي ذِكْرِهِ

(4)

م: بِتِلْكَ.

(5)

م: وَالْإِلْحَادِ الْعَامِّ وَالْوَحْدَةِ. .

(6)

وَأَجْوَافِ الْبَهَائِمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

ص: 374

بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، بَلْ هُوَ فِي الْحُشُوشِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ] (1) .

وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَعِيَّةِ تَارَةً وَعُمُومِهَا أُخْرَى؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِلَفْظِ " الْمَعِيَّةِ " اخْتِلَاطَهُ.

وَفِي هَذَا أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ هُوَ الْحُلُولُ؛ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ أَصْلًا يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا يَتَأَوَّلُهُ مِنَ النُّصُوصِ.

فَيُقَالُ لَهُ: قَوْلُكَ إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَطَأٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَ قَرِينِكَ الَّذِي اعْتَقَدَ هَذَا الْمَدْلُولَ خَطَأٌ، وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ لَفْظَ (مَعَ) فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالِاقْتِرَانِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَلِطٌ بِالثَّانِي فِي عَامَّةِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ.

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] لَمْ يَرِدْ أَنَّ ذَوَاتَهُمْ مُخْتَلِطَةٌ بِذَاتِهِ.

وَقَوْلُهُ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 119] .

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75] .

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [سُورَةُ هُودٍ: 40] .

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

ص: 375

وَقَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ أَيْضًا: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 64] .

وَقَوْلُهُ عَنْ هُودٍ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 72](1) .

وَقَوْلُ قَوْمِ شُعَيْبٍ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88] .

وَقَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} الْآيَةَ (2)[سُورَةُ النِّسَاءِ: 146] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 68] .

وَقَوْلُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 53] .

وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 11] .

وَقَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 48] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 47] .

(1) ن، س، ب: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ

(2)

كَلِمَةُ " الْآيَةَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

ص: 376

وَقَوْلُهُ: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 83] .

وَقَوْلُهُ: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 87] .

وَقَالَ: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 88] .

وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَائِرِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ.

وَإِذَا كَانَ لَفْظُ " مَعَ " إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي كَوْنِ الْمَخْلُوقِ مَعَ الْمَخْلُوقِ لَمْ تَدُلَّ عَلَى اخْتِلَاطِ ذَاتِهِ بِذَاتِهِ؛ فَهِيَ أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْخَالِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

فَدَعْوَى ظُهُورِهَا فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهَا (1) فِي اللُّغَةِ وَلَا اقْتَرَنَ بِهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ؛ فَكَانَ الظُّهُورُ مُنْتَفِيًا (2) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الظُّهُورُ فِيمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ فَانْتِفَاؤُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْهُ أَوْلَى.

الثَّانِي (3) : أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَعَلَ الْمَعِيَّةَ خَاصَّةً أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَهَا عَامَّةً، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ اخْتِلَاطَ ذَاتِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ لَكَانَتْ عَامَّةً لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ.

الثَّالِثُ (4) : أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمَعِيَّةِ، كَمَا

(1) ن، م، س: مَعْنَاهُ

(2)

ن، م، س: مَنْفِيًّا.

(3)

ن، س: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي بَعْدَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي سَبَقَ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ()

(4)

ن، م، س: الرَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

ص: 377

قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُجَادَلَةِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: 7] فَافْتَتَحَهَا بِالْعِلْمِ، وَخَتَمَهَا بِالْعِلْمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ عَالِمٌ بِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ.

وَهَكَذَا فَسَّرَهَا السَّلَفُ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

وَفِي آيَةِ الْحَدِيدِ قَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4] فَخَتَمَهَا أَيْضًا بِالْعِلْمِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ هَذَا كُلَّهُ.

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْأَوْعَالِ: " «وَاللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» "(1) فَهُنَاكَ أَخْبَرَ بِعُمُومِ الْعِلْمِ لِكُلِّ نَجْوَى.

(1) الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/319 - 320 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْجَهْمِيَّةِ) وَنَصُّهُ: " كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ قَالُوا: السَّحَابَ. قَالَ: " وَالْمُزْنَ؟ " قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: " وَالْعَنَانَ؟ " قَالُوا: وَالْعَنَانَ - قَالَ: أَبُو دَاوُدَ لَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا - قَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ " قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ: " إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، " حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ " ثُمَّ فَوْقَ السَّحَابَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تبارك وتعالى فَوْقَ ذَلِكَ ". قَالَ الْمُحَقِّقُ رحمه الله:" وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " غَرِيبٌ. وَرَوَى شَرِيكٌ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سِمَاكٍ فَوَقَفَهُ " وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ (انْظُرِ الْأَرْقَامَ 4723، 4724، 4725) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/96 - 97 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْحَاقَّةِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَلَا يُرِيدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ يَحُجَّ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ نَحْوَهُ وَرَفَعَهُ. وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الرَّازِيُّ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، 1 69 الْمُقَدِّمَةُ: بَابٌ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ) ، الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ 3/202 - 203، 204 - 205 (رَقْمُ 1770 - 1771) وَعَلَّقَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر تَعْلِيقًا مُسْهَبًا، وَقَالَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَعَنِ الثَّانِي: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ (ص 204) : " فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالَّذِي قَبْلَهُ وَحْدَهُمَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لِضَعْفِهِمَا كَمَا تَرَى؛ وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ،. . . وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ ". ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ مُوَثِّقًا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ 286 - 287 مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ وَإِسْنَادِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 2/500 - 501 مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ عَنِ الْعَبَّاسِ مُخْتَصَرًا مَوْقُوفًا، وَقَالَ:" صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ". ثُمَّ ذَكَرَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا آخَرَ مَرْفُوعًا وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ الْمَوْقُوفَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَضَعَّفَ الطَّرِيقَ الْمَرْفُوعَ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي كِتَابِ " رَدِّ الْإِمَامِ الدَّارِمِيِّ. . . عَلَى بِشْرِ الْمَرِيسِ الْعَنِيدِ "، ص 73 (تَحْقِيقُ الْفِقِي) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي كِتَابِ " التَّوْحِيدِ. . " لِابْنِ خُزَيْمَةَ، ص 107 - 108 (تَحْقِيقُ الْهَرَّاسِ) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا. وَحَدَّثَنِي أَخِي الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ لُطْفِي الصَّبَّاغُ أَنَّ الشَّيْخَ مُحَمَّد نَاصِر الدَّيْنِ الْأَلْبَانِيَّ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَخْرِيجِهِ لِسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَقَالَ:" ضَعِيفٌ "، وَأَحَالَ إِلَى كِتَابِهِ " الظِّلَالَ " 577 وَهَذَا أَمْلَاهُ عَلَيَّ الدُّكْتُورُ الصَّبَّاغُ مِنَ النُّسْخَةِ الْمَخْطُوطَةِ لِتَخْرِيجِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ لِلْأَلْبَانِيِّ الَّذِي يُطْبَعُ صَحِيحُهُ الْآنَ فِي مَكْتَبِ التَّرْبِيَةِ الْعَرَبِيِّ لِدُوَلِ الْخَلِيجِ. وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ " مُخْتَصَرِ الْعُلُوِّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّارِ " لِلذَّهَبِيِّ، ص 12 - 13 " الطَّبْعَةُ الْأُولَى، الْمَكْتَبُ الْإِسْلَامِيُّ، بَيْرُوتَ، 1401 1981 حَيْثُ يَقُولُ: " وَقَدْ أَحْذِفُ مَا صَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ بِثُبُوتِهِ أَوْ نَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ، لِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ ظَهَرَتْ لِي كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. . . وَكَحَدِيثِ الْأَوْعَالِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْعَبَّاسِ (ص 49 - 50) وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَصْدَرِ السَّابِقِ " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ " رَقْمُ 1247. . . وَالَّذِي أَعْلَمُهُ أَنَّ الْجُزْءَ الثَّالِثَ مِنْ كِتَابِ سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ " الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَ رَقْمِ الْأَلْفِ - حَسَبَ تَرْقِيمِهِ - لَمْ يُطْبَعْ أَوْ لَمْ يُوَزَّعْ بَعْدُ.

ص: 378

وَهُنَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ

ص: 379

مِنْهَا (1)، وَهُوَ مَعَ الْعِبَادِ أَيْنَمَا كَانُوا: يَعْلَمُ أَحْوَالَهُمْ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] فَقَدْ دَلَّ السِّيَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ مُجَرَّدَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ هُوَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ، وَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْمُتَّقِينَ مَخْرَجًا وَيَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] فَإِنَّهُ مَعَهُمَا بِالتَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ كَمَا إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ مَنْ يَخَافُ فَقَالَ لَهُ مَنْ يَنْصُرُهُ: " نَحْنُ مَعَكَ " أَيْ مُعَاوِنُوكَ وَنَاصِرُوكَ عَلَى عَدُوِّكَ.

(1) ن، م، س: وَمَا يَنْزِلُ فِيهَا.

ص: 380

وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَدِيقِهِ: " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا بِالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا فِيمَا فَعَلَاهُ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لَهُمَا وَمُعِينٌ وَنَاصِرٌ.

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُشَارَكَةِ الصِّدِّيقِ لِلنَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْمَعِيَّةِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الصِّدِّيقُ لَمْ يُشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ: " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا هِيَ مَعِيَّةُ الِاخْتِصَاصِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَيَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُنِي وَيَنْصُرُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَدُوِّنَا وَيُعِينُنَا عَلَيْهِمْ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَصْرَ اللَّهِ نَصْرُ إِكْرَامٍ وَمَحَبَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] وَهَذَا غَايَةُ الْمَدْحِ لِأَبِي بَكْرٍ؛ إِذْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ الرَّسُولُ بِالْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي نَصْرَ اللَّهِ لَهُ مَعَ رَسُولِهِ (1)، وَكَانَ مُتَضَمِّنًا شَهَادَةَ الرَّسُولِ لَهُ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي نَصْرَ اللَّهِ لَهُ مَعَ رَسُولِهِ (2) فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا غِنَاهُ عَنِ الْخَلْقِ فَقَالَ:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] .

وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ إِنَّ اللَّهَ عَاتَبَ الْخَلْقَ جَمِيعَهُمْ فِي نَبِيِّهِ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. وَقَالَ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَ الْقُرْآنَ.

(1)(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)

سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

ص: 381

وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ وَغَيْرِهِ: هَذِهِ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» "؛ بَلْ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُمَا فِي اللَّفْظِ كَمَا ظَهَرَ فِي الْمَعْنَى فَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ " فَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: " وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ " فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ مُضَافٌ تَحْقِيقًا (1) لِقَوْلِهِ:" {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} "، «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ:" أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ " فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي امْتَازَهُ بِهِ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؛ فَيُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَيَوْمًا وَجُمُعَةً وَشَهْرًا وَسَنَةً وَصَحِبَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] قِيلَ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ وَكِلَاهُمَا تَقِلُّ صُحْبَتُهُ [وَتَكْثُرُ](2)، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 101] .

وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " الرِّسَالَةِ " الَّتِي رَوَاهَا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ

(1) س: فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ تَحْقِيقًا، ب: فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَحْقِيقًا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م)

(2)

تَكْثُرُ: فِي (م) فَقَطْ. وَكَلِمَةُ " تَقِلُّ " غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن)، (م) . وَفِي (س) : نُقِلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 382

عَنْهُ (1) : " مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَنَةً، أَوْ شَهْرًا (2) ، أَوْ يَوْمًا، أَوْ سَاعَةً (3) ، أَوْ رَآهُ مُؤْمِنًا (4) بِهِ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ ".

وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ: يَعُدُّونَ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَمِنْ كَثُرَتْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ضَعِيفٌ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ» . وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ مِنْهُمْ (5) الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ.

(1) هَذِهِ " الرِّسَالَةُ " أَوْرَدَهَا ابْنُ أَبِي يَعْلَى فِي تَرْجَمَةِ عَبْدُوسَ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ فِي " طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ " 1/241 - 246، وَالنَّصُّ التَّالِي فِي 1/243.

(2)

الرِّسَالَةُ: كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا.

(3)

عِبَارَةُ " مُؤْمِنًا بِهِ " لَيْسَتْ فِي " الرِّسَالَةِ ".

(4)

م: سَنَةً وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً.

(5)

م: فِيهِمْ.

ص: 383

ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِي، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ: هَلْ تَرَوْنَ فِيكُمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ» وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ (1) كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لَكِنَّ لَفْظَهُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَقَالَ فِيهَا كُلِّهَا:(صَحِبَ) ، وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذِكْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَهُمْ (2) الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ وَأَمَّا الْقَرْنُ الرَّابِعُ فَهُوَ فِي بَعْضِهَا؛ وَذِكْرُ الْقَرْنِ الثَّالِثِ ثَابِتٌ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ (3) .

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونَنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِئُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» "(4) .

(1) س، ب: مَرَاتِبَ

(2)

ن، م: وَهِيَ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ.

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 وَتَكَلَّمْتُ هُنَاكَ عَلَى رِوَايَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَهِيَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/3 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . الْبَابُ الْأَوَّلُ) وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/91 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا) 8/134 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ. .)

ص: 384

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ (2) يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ» "(3) وَفِي رِوَايَةٍ: " وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ "(4) فَقَدْ شَكَّ عِمْرَانُ (5) فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ.

وَقَوْلُهُ: " يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ " حَمَلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُطْلَقِ الشَّهَادَةِ حَتَّى كَرِهُوا أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلُ بِحَقٍّ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ إِذَا عَلِمَ الشَّهَادَةَ وَجَمَعُوا بِذَلِكَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» "(6) .

وَقَالَ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إِنَّمَا الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، أَيْ يَشْهَدُونَ

(1) م: قَالَ

(2)

ن، م، س: قَرْنٌ

(3)

الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/3 - 4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .) الْبَابُ الْأَوَّلُ 8/19 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا. . .) 8/141 - 142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي بِالنَّذْرِ) ، مُسْلِمٍ 4/1964 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . .) حَدِيثٌ رَقْمُ 214

(4)

الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ 4/1965 (حَدِيثٌ رَقْمُ 215.

(5)

س، ب: عُمَرُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(6)

الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 3/1344 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ بَيَانِ خَيْرِ الشُّهُودِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/414 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابٌ فِي الشَّهَادَاتِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/373 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) .

ص: 385

بِالْكَذِبِ كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى الْخِيَانَةِ وَتَرْكِ الْوَفَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ [مِنْ](1) آيَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ: " «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (2) .

وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ إِذَا أَدَّاهَا الشَّاهِدُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ وَأَدَّى الْوَاجِبَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَا يُؤَدِّيهِ إِلَّا بِالسُّؤَالِ كَمَنْ لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ، فَأَدَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَدَاءَهَا حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا صَاحِبُهَا وَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُحْوِجَ صَاحِبَهَا إِلَى ذُلِّ السُّؤَالِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ.

وَهَذَا يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي الْخَصْمِ إِذَا ادَّعَى وَلَمْ يَسْأَلِ الْحَاكِمَ سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ (3) وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى سُؤَالِ الْمُدَّعَى، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تُغْنِي عَنِ السُّؤَالِ.

فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: " «هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ "، ثُمَّ قَالَ:" هَلْ فِيكُمْ [مَنْ رَأَى] (4) مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -؟ "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّائِيَ هُوَ الصَّاحِبُ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ فِي السُّؤَالِ (5) :" هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ [مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ؟] (6) "، ثُمَّ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ الرَّائِيَ.

(1) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ب)

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/82

(3)

الْجَوَابُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

(4)

مَنْ رَأَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

(5)

عِبَارَةُ " فِي السُّؤَالِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(6)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)، (م) . وَفِي (س) : مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . .

ص: 386

وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: " «هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ * ثُمَّ يُقَالُ فِي الثَّالِثَةِ: " هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى [مَنْ رَأَى](1) أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -. * (2)

وَمَعْلُومٌ إِنْ كَانَ (3) الْحُكْمُ لِصَاحِبِ الصَّاحِبِ مُعَلَّقًا (4) بِالرُّؤْيَةِ (5) ؛ فَفِي الَّذِي صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ فِيهَا كُلِّهَا: " صَحِبَ " وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِنْ (6) كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ أَلْفَاظِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضَهَا وَالرَّاوِي مِثْلُ أَبِي سَعِيدٍ يَرْوِي اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى؛ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَهُمْ هُوَ مَعْنَى الْآخَرِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي مَا سَمِعُوهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (رَأَى) فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ " صَحِبَ " فِي طَبَقَةٍ أَوْ طَبَقَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الرُّؤْيَةَ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ؛ فَإِنَّ الصُّحْبَةَ اسْمُ جِنْسٍ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَالْعُرْفُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ.

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقَيِّدِ الصُّحْبَةَ بِقَيْدٍ وَلَا قَدَّرَهَا بِقَدْرٍ؛ بَلْ عَلَّقَ (7) الْحُكْمَ بِمُطْلَقِهَا، وَلَا مُطْلَقَ لَهَا إِلَّا الرُّؤْيَةُ.

(1) مَنْ رَأْى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) .

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(3)

ن، م، س: أَنَّهُ كَانَ

(4)

م: مُتَعَلِّقًا.

(5)

ن: بِالرِّوَايَةِ

(6)

ن: وَإِنْ

(7)

س: بِقَدْرٍ لَوْ عَلَّقَ:. .، ب: بِقَدْرٍ وَعَلَّقَ. .

ص: 387

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَصَحِبَهُ سَنَةً وَشَهْرًا فَتَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ لَمْ يَجُزْ تَقْيِيدُهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ بَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُجَرَّدَ رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ لَا تُوجِبُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ صَحِبَهُ وَلَكِنْ إِذَا رَآهُ عَلَى وَجْهِ الِاتِّبَاعِ لَهُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ (1) ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِرُؤْيَةِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةَ مَنْ قَصَدَهُ لِأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ، وَيَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَعْوَانِهِ الْمُصَدِّقِينَ لَهُ، فِيمَا أَخْبَرَ (2) الْمُطِيعِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَ الْمُوَالِينَ لَهُ الْمُعَادِينَ لِمَنْ عَادَاهُ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكُلِّ شَيْءٍ.

وَامْتَازَ (3)[أَبُو بَكْرٍ] عَنْ سَائِرِ (4) الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ رَآهُ وَهَذِهِ حَالُهُ مَعَهُ فَكَانَ صَاحِبًا لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

وَدَلِيلٌ ثَانٍ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» "(5) .

(1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(2)

م: فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ.

(3)

ب: وَامْتَازَا، وَهُوَ خَطَأٌ

(4)

ن، م، س: وَامْتَازُوا عَنْ سَائِرِ. .، ب: وَامْتَازَا عَنْ سَائِرِ. . وَالْكَلَامُ نَاقِصٌ؛ وَلَعَلَّ مَا أُثْبِتُهُ تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ.

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7

ص: 388

وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: " إِخْوَانِي " أَرَادَ بِهِ: إِخْوَانِي الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَصْحَابِي (1) ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَزِيَّةُ الصُّحْبَةِ (2)، ثُمَّ قَالَ:" «قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» "؛ فَجَعَلَ هَذَا حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ وَدَّ أَنْ يَرَاهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَرَآهُ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ (3) لَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَانِ الَّذِينَ لَمْ يَرَهُمْ وَلَمْ يَرَوْهُ.

فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الصُّحْبَةَ اسْمُ جِنْسٍ تَعُمُّ قَلِيلَ الصُّحْبَةِ وَكَثِيرَهَا، وَأَدْنَاهَا أَنْ يَصْحَبَهُ زَمَنًا قَلِيلًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّدِّيقَ فِي ذُرْوَةِ سَنَامِ الصُّحْبَةِ، وَأَعْلَى مَرَاتِبِهَا فَإِنَّهُ صَحِبَهُ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ (4) اللَّهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَتَنَازَعُوا فِي أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ خَدِيجَةَ، فَإِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ عَلِيٍّ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَسْبَقُ صُحْبَةً كَمَا كَانَ أَسْبَقَ إِيمَانًا، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ أَكْمَلَ وَأَنْفَعَ لَهُ مِنْ صُحْبَةِ عَلِيٍّ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ شَارَكَهُ فِي الدَّعْوَةِ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَكَابِرُ أَهْلِ الشُّورَى (5) ، كَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ

(1) ن، س، ب: أَصْحَابِيَ

(2)

م: مَزِيدُ الصُّحْبَةِ، س، ب: مَزِيَّةٌ فِي الصُّحْبَةِ.

(3)

م: مِنَ الصَّحَابَةِ

(4)

ن: فَإِنَّهُ بَعَثَهُ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

م: الشَّكَّةِ.

ص: 389

وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ يَدْفَعُ عَنْهُ مَنْ يُؤْذِيهِ، وَيَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْقَبَائِلِ وَيُعِينُهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَكَانَ يَشْتَرِي الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ كَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ اشْتَرَى سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ، فَكَانَ أَنْفَعَ النَّاسِ لَهُ فِي صُحْبَتِهِ مُطْلَقًا.

وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مُصَاحَبَةَ أَبِي بَكْرٍ لَهُ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْ مُصَاحَبَةِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ [مِنْ وُجُوهٍ](1) : أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ أَدْوَمَ اجْتِمَاعًا بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَسَفَرًا وَحَضَرًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمْضِ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا فِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ» "(2) .

فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَذْهَبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَالْإِسْلَامُ إِذَا ذَاكَ ضَعِيفٌ وَالْأَعْدَاءُ كَثِيرَةٌ، وَهَذَا غَايَةُ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي الصُّحْبَةِ.

وَأَيْضًا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْمُرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْعِشَاءِ يَتَحَدَّثُ مَعَهُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ.

وَأَيْضًا فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ أَوَّلُ مَنْ يَتَكَلَّمُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشُّورَى وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ غَيْرُهُ فَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ فَإِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ اتَّبَعَ رَأْيَهُ دُونَ رَأْيِ مَنْ يُخَالِفُهُ.

(1) عِبَارَةُ " مِنْ وُجُوهٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

سَيَرِدُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ص: 390

فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أُسِرَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةُ فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ؛ وَلَكِنْ أَنْ تَمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ: تُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمْكِنَ حَمْزَةَ مِنَ الْعَبَّاسِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - قَرِيبٍ لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. وَأَشَارَ ابْنُ رَوَاحَةَ بِتَحْرِيفِهِمْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى عُمَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى ابْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ: فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ» . وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (1) .

وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةَ لَمَّا شَاوَرَهُمْ عَلَى أَنْ يُغِيرَ عَلَى ذُرِّيَّةِ الَّذِينَ أَعَانُوا قُرَيْشًا، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَيْتِ؛ فَمَنْ صَدَّهُ قَاتَلَهُ، وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ (2) عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وَالْفِقْهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (3) .

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ

(1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ.

(2)

س، ب: مَعْلُومٌ

(3)

النَّصُّ التَّالِي فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/323 - 326، 4/328 - 331

ص: 391

الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ (1)، قَالَا:«خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ (2) الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةِ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ (3) وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ؛ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ» "، قَالَ أَحْمَدُ: " وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ " (4) : " «قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَشِيرُوا عَلَيَّ (5) : أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ (6) إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ؛ فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ (7) ، وَإِنْ نَجَوْا يَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ، أَوْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ (8) ، وَلَكِنْ مَنْ

(1) الْمُسْنَدُ: يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ

(2)

الْمُسْنَدُ: زَمَانَ

(3)

الْمُسْنَدُ: بِالْعُمْرَةِ

(4)

هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَرِضَةُ جَاءَتْ فِي الْمُسْنَدِ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِسَطْرَيْنِ.

(5)

ن. م. س: إِلَيَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْمُسْنَدِ.

(6)

الْمُسْنَدُ: نَمِيلَ.

(7)

ن: مَحْزُونِينَ. وَفِي الْمُسْنَدِ بَعْدَ عِبَارَةِ " وَإِنْ نَجَوْا ": وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: مَحْزُونِينَ، وَإِنْ يَحْنُونَ تَكُنْ. . .

(8)

الْمُسْنَدُ:. . . نُقَاتِلُ أَحَدًا. .

ص: 392

حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" فَرَوِّحُوا إِذًا» ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» - (1)، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدِيثُ (2) الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ".

وَمِنْ هُنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَرَوَاهُ فِي الْمُغَازِي وَالْحَجِّ (3) .

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (4) «حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ (5) بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ؛ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ

(1) هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ هِيَ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه 3/129 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشُورَةِ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هُنَا.

(2)

الْمُسْنَدُ: فِي حَدِيثِ

(3)

الْحَدِيثُ - مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 2/168 - 169 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ) 3/193 - 198 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ. . .) 5/126 - 127 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ 4/32 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي صُلْحِ الْعَدُوِّ) . وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى

(4)

الْكَلَامُ التَّالِي فِي الْمُسْنَدِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 3/193 - 194 (كِتَابُ الشُّرُوطِ. . .)

(5)

ن، م، س، الْمُسْنَدُ: حَتَّى إِذَا هُوَ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ.

ص: 393

عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ (1) : حَلْ حَلْ فَأَلْحَتْ فَقَالُوا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ (2) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، " مَا خَلَأَتِ [الْقَصْوَاءُ] (3) وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ؛ ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ وَشَكُوْا (4) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَطَشَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ (5) فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ (6) حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ وَنَفَرٌ (7) مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ (8) اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ» " وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: " مُسْلِمِهِمْ وَمُشْرِكِهِمْ (9) " «فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةَ وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكُ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ.

(1) الْمُسْنَدُ (فَقَطْ) : فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

(2)

تَكَرَّرَتْ عِبَارَةُ " خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ " فِي (ن) فَقَطْ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي " الْبُخَارِيِّ "

(3)

الْقَصْوَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

الْمُسْنَدُ: فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ فَشُكِيَ، الْبُخَارِيُّ: فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ.

(5)

ن، م، س: فِيهَا

(6)

بِالرِّيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(7)

الْمُسْنَدُ. الْبُخَارِيُّ: فِي نَفَرٍ.

(8)

ن، م، س، الْمُسْنَدُ: لِرَسُولِ. .

(9)

فِي رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ 4/323: مُسْلِمِهَا وَمُشْرِكِهَا.

ص: 394

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ؛ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنْ أَظْهَرُ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدَ جَمُّوا (1) وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ (2) اللَّهُ أَمْرَهُ ". قَالَ بُدَيْلٌ: " سَأُبْلِغُهُمْ مَا تَقُولُ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا؛ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا؛ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ (3) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ (4) ؟ ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا (5) عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ (6) وَدَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ

(1) فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: أَيِ اسْتَرَاحُوا مِنْ جُهْدِ الْحَرْبِ.

(2)

ن، م، س، الْمُسْنَدُ: أَوْ لَيُنْفِذَانَّ.

(3)

ن، م، س: بِالْوَلَدِ.

(4)

ن، م، س: بِالْوَالِدِ.

(5)

بَلَّحُوا: أَيْ عَجَزُوا.

(6)

مِنْهُ: لَيْسَتْ فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " الْبُخَارِيِّ ".

ص: 395

فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ (1) ، هَلْ سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ (2) اجْتَاحَ أَصْلَهُ (3) قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى (4) وُجُوهًا وَإِنِّي لَأَرَى أَوْبَاشًا (5) مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ:" خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ (6) " فَقَالَ [لَهُ](7) أَبُو بَكْرٍ: رضي الله عنه: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ (8) أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ؛ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ (9) السَّيْفِ، وَيَقُولُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ (10) فَقَالَ: مَنْ ذَا (11) ؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.

(1) الْبُخَارِيُّ: آمُرَ قَوْمَكَ.

(2)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ

(3)

ب، فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَهْلَهُ.

(4)

م، ب: لَا أَرَى.

(5)

ن، س: وَأَرَى أَوْبَاشًا، م: وَأَرَى أَوَشَاصًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَشْوَابًا ".

(6)

الْعِبَارَاتُ الْمُعْتَرِضَةُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ.

(7)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

(8)

سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِيمَا مَضَى

(9)

فِي " الْمُسْنَدِ " فَقَطْ: بِنَصْلِ.

(10)

) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: يَدَهُ.

(11)

) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مَنْ هَذَا.

ص: 396

قَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا (1) فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، [ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ](2)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنَيْهِ (3) ؛ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ [عِنْدَهُ](4) وَمَا يَحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ [وَاللَّهِ](5) لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا عَظِيمًا (6) قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ (7) مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ بِنُخَامَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ (8) رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ (9) .

(1) ن، م، س: أَقْوَامًا.

(2)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

(3)

الْمُسْنَدُ: يَرْمُقُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِهِ

(4)

عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

(5)

وَاللَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) .

(6)

عَظِيمًا: لَيْسَتْ فِي (م) ، الْبُخَارِيِّ، الْمُسْنَدِ.

(7)

س، ب: يُعَظِّمُهُ قَوْمُهُ وَأَصْحَابُهُ.

(8)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ. .

(9)

فِي (ن) ، (م)، (س) : سَبَقَتْ عِبَارَةُ " وَإِذَا تَكَلَّمَ. . " عِبَارَةَ: وَإِذَا تَوَضَّأَ. . "

ص: 397

وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ (1) : دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[وَأَصْحَابِهِ (2) ] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ "[فَبُعِثَتْ لَهُ] وَاسْتَقْبَلَهُ (3) النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يُصَدَّ (4) عَنِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ (5)، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدَّ (6) عَنِ الْبَيْتِ؛ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ (7) ؛ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " هَذَا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ " فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ "، قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلٌ، فَقَالَ لَهُ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ (8) كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

(1) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مِنْ بَنِي كِنَانَةَ.

(2)

وَأَصْحَابِهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) .

(3)

ن، س: فَبَعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ، م: فَابْعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ.

(4)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا.

(5)

م: وَاسْتُشْعِرَتْ.

(6)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: أَنْ يُصَدُّوا.

(7)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: آتِهِ؛ فَقَالُوا ائْتِهِ.

(8)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: وَبَيْنَكُمْ

ص: 398

اكْتُبْ (1) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَمَا أَدْرِي (2) مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ "، ثُمَّ قَالَ: " هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ "؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي؛ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ". قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " عَلَى أَنْ تُخَلُّوا (3) بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَطُوفَ بِهِ " (4) ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً، وَلَكِنَّ ذَاكَ (5) مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ (6) فَكَتَبَ، وَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنْ (7) لَا يَأْتِيَكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ (8) أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ

(1) اكْتُبْ: لَيْسَتْ فِي " الْبُخَارِيِّ ".

(2)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي.

(3)

س، ب: يُخَلُّوا.

(4)

الْمُسْنَدُ، الْبُخَارِيُّ: وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ

(5)

الْبُخَارِيُّ: ذَلِكَ، الْمُسْنَدُ: لَكَ

(6)

م: الْقَابِلِ.

(7)

الْبُخَارِيُّ: الْمُسْنَدُ: أَنَّهُ.

(8)

الْبُخَارِيُّ: إِذْ دَخَلَ.

ص: 399

بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ (1) أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ؛ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا؛ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " فَأَجِزْهُ لِي " قَالَ: مَا أَنَا مُجِيزُهُ (2) ، قَالَ: " بَلَى فَافْعَلْ " قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ؛ قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ، وَقَدْ كَانَ (3) عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ (4) : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي (5) الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "؛ قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا: أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ (6) ؟ قَالَ: " فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ آتِيهِ (7) الْعَامَ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ:" فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ "(8) قَالَ (9) : فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَيْسَ

(1) س، ب: يَا مُحَمَّدُ هَذَا. .

(2)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: بِمُجِيزِهِ لَكَ.

(3)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: وَكَانَ قَدْ. .

(4)

س، ب: قَالَ عُمَرُ.

(5)

ن، م: فَلِمَ نُعْطَى.

(6)

س، ب: وَنَطُوفُ بِهِ.

(7)

الْبُخَارِيُّ: أَنَّا نَأْتِيهِ. الْمُسْنَدُ: أَنَّكَ تَأْتِيهِ.

(8)

م: تَطُوفُ بِهِ، الْمُسْنَدُ: وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ

(9)

قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) .

ص: 400

هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى (1)، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ (2) فَوَاللَّهِ [إِنَّهُ] عَلَى الْحَقِّ (3)، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ (4) تَأْتِيهِ الْعَامَ (5) ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ؛ قَالَ عُمَرُ (6) : فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا " قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ (7) دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ (8) ، * حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ [فَيَحْلِقَكَ](9) ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ فَنَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ * (10) ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى

(1)(1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)

الْمُسْنَدُ: فَاسْتَمْسِكْ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: بِغَرْزِهِ، وَقَالَ: تَطُوفُ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، م: فَاسْتَمْسِكْ بِعُرْوَتِهِ.

(3)

ن: فَوَاللَّهِ عَلَى الْحَقِّ، س، ب فَهُوَ وَاللَّهِ عَلَى الْحَقِّ، الْمُسْنَدُ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ.

(4)

س، ب: أَفَأَخْبَرَ أَنَّكَ، الْمُسْنَدُ: أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ.

(5)

م: آتِيهِ الْعَامَ، الْمُسْنَدُ: يَأْتِيهِ الْعَامَ

(6)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ

(7)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مِنْهُمْ أَحَدٌ

(8)

ن، م: وَلَا تُكَلِّمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، الْبُخَارِيُّ، وَالْمُسْنَدُ: ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً.

(9)

فَيَحْلِقَكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

(10)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . وَسَقَطَتْ بَعْضُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مِنْ (س) .

ص: 401

كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَ (1) نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 10] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ؛ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ (2) أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ (3) فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ؛ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ [مِنْهُ](4) ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى آتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَفَى بِذِمَّتِكَ (5) ، فَلَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي

(1) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: ثُمَّ جَاءَهُ.

(2)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: فَجَاءَهُ

(3)

بَعْدَ كَلِمَةِ " مُسْلِمٌ " جَاءَتْ عِبَارَاتٌ فِي " الْمُسْنَدِ " زِيَادَةٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.

(4)

مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

(5)

س، ب: لَقَدْ وَفَى اللَّهُ بِذِمَّتِكَ، الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ.

ص: 402

اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ " فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ؛ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ (1) بْنُ سُهَيْلٍ رضي الله عنه؛ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ (2) أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ؛ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوهَا (3)، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 24] حَتَّى بَلَغَ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 26] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِـ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ (4) عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ (5) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ (6) ، وَهُوَ

(1) الْبُخَارِيُّ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ، الْمُسْنَدُ: وَيَتَفَلَّتُ أَبُو جَنْدَلِ. .

(2)

قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

(3)

الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا.

(4)

م: السَّنَدِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْيَمَانِ الْجُعَفِيُّ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِالْمُسْنَدِيِّ (بِفَتْحِ النُّونِ) ؛ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الْمُسْنَدَاتِ وَيَرْغَبُ عَنِ الْمُرْسَلَاتِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ " مُسْنَدَ الصَّحَابَةِ " بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 229. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/9 - 10، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/492 - 493 الْأَعْلَامِ 4/260

(5)

وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشُّرُوطِ، بَابُ الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ 3/193 - 197.

(6)

وَهِيَ الرِّوَايَةُ فِي 4/328 - 331

ص: 403

أَجَلُّ قَدْرًا مِنَ الْمُسْنَدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ؛ فَمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ هِيَ أَثْبَتُ مِمَّا فِي الْبُخَارِيِّ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:«كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (1) الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَكَتَبَ: هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ رَسُولَ اللَّهِ؛ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: " امْحُهُ "، فَقَالَ: " مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحُوهُ " قَالَ: فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ (2) ، قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلُوا فَيُقِيمُوا بِهَا (3) ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُوا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ. قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ» " (4) .

(1) ن، س: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(2)

بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

(3)

بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(4)

الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه فِي " الْبُخَارِيِّ 3/184 - 185 (كِتَابُ الصُّلْحِ بَابُ كَيْفَ يَكْتُبُ هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. .) \ 4 103 - 104 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ، مُسْلِمٍ 3/1409 - 1411 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/227 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/289، 291، 302. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 12/136: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، جُلُبَّانُ السِّلَاحِ هُوَ الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ، وَالْجُلُبَّانُ بِضَمِّ الْجِيمِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ ضَبَطْنَاهُ (جُلُبَّانُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَصَوَّبَهُ هُوَ وَثَابِتٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَابِتٌ سِوَاهُ، وَهُوَ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ يَكُونُ مِنَ الْأُدْمِ يُوضَعُ فِيهِ السَّيْفُ مُغْمَدًا وَيَطْرَحُ فِيهِ الرَّاكِبُ سَوْطَهُ وَأَدَوَاتِهِ وَيُعَلِّقُهُ فِي الرَّحْلِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا شَرَطُوا هَذَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ دُخُولُ الْغَالِبِينَ الْقَاهِرِينَ وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ فِتْنَةٌ أَوْ نَحْوُهَا يَكُونُ فِي الِاسْتِعْدَادِ بِالسِّلَاحِ صُعُوبَةٌ. "

ص: 404

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: «قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ وَفِي لَفْظِ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ؛ لَقَدْ كُنَّا [مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم](1) يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَجَاءَ (2) عُمَرُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ:" بَلَى "، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: " بَلَى "، قَالَ: فَفِيمَ (3) نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ ، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؛ قَالَ:" يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا "، قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْحِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) فَقَطْ

(2)

ن، م: فَجَاءَ.

(3)

س، ب: فِيمَ.

ص: 405

فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ (1) هُوَ؟ قَالَ: " نَعَمْ» "(2) .

وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ (3)" فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ ".

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: " «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ (4) ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ (5) ، وَلَوْ [أَنِّي] (6) أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ لَرَدَدْتُهُ» "(7) .

وَفِي رِوَايَةٍ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ (8) : " وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطُّ إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا أَمْرَكُمْ هَذَا "(9) ، " مَا

(1) ن، م: أَفَتْحٌ؟

(2)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ ابْنِ سَلَمَةَ الْأَسَدِيِّ (تَرْجَمَتُهُ فِي الْإِصَابَةِ 2/162 - 163، أُسْدِ الْغَابَةِ 2/527 - 528) رضي الله عنه مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/103 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ. . .) 6/136 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ سُورَةِ الْفَتْحِ) مُسْلِمٍ 3/1411 - 1412 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. .) الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/485 - 486 (عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) .

(3)

مُسْلِمٍ 3/1412 فِي آخِرِ الْحَدِيثِ

(4)

ن، م: آرَاءَكُمْ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي (س) وَ (ب) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.

(5)

وَهُوَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ

(6)

أَنِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

(7)

الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 3/1412 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ حَدِيثٌ رَقْمُ 95) الْمُسْنَدِ 3/485.

(8)

هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 5/128 - 129 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ) وَنَصُّهُ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخِيرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتِنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. . . الْحَدِيثَ.

(9)

هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي مُسْلِمٍ (حَدِيثٌ رَقْمُ 95) .

ص: 406

نَسُدُّ مِنْهُ خَصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خَصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ (1) " يَعْنِي يَوْمَ صِفِّينَ.

وَقَالَ ذَلِكَ سَهْلٌ يَوْمَ صِفِّينَ لَمَّا خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ حِينَ أَمَرَ بِمُصَالَحَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ.

وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ هِيَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ تُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ أَبِي بَكْرٍ [بِمَنْزِلَةٍ](2) مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَمُوَافَقَةً وَطَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، وَلَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالشُّورَى قَبْلَهُ.

فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ وَحْدَهُ فِي الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ وَإِنَّهُ [كَانَ](3) يَبْدَأُ بِالْكَلَامِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعَاوَنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا كَانَ يُفْتِي بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِغَيْرِهِ.

فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاسُوسُهُ الْخُزَاعِيُّ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَهُ الْأَحَابِيشَ، وَهِيَ الْجَمَاعَاتُ (4) الْمُسْتَجْمَعَةُ مِنْ

(1) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه فِي الْحَدِيثِ التَّالِي (رَقْمُ 96) \ 4/1413. وَجَاءَتِ الْعِبَارَاتُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مُجْتَمِعَةً فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 4 485 وَلَكِنْ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ. وَنَصُّ الْحَدِيثِ: ". . وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَنْ عَوَاتِقِنَا مُنْذُ أَسْلَمْنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلَ بِنَا عَلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا هَذَا الْأَمْرَ مَا سَدَدْنَا خَصْمًا إِلَّا انْفَتَحَ لَنَا خَصْمٌ آخَرُ ".

(2)

بِمَنْزِلَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

(3)

كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ

(4)

م: الْجَمَاعَةُ.

ص: 407

قَبَائِلَ، وَالتَّحَبُّشُ: التَّجَمُّعُ، وَأَنَّهُمْ مُقَاتِلُوهُ وَصَادُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ أَهْلَ الْمَشُورَةِ مُطْلَقًا، هَلْ يَمِيلُ إِلَى ذَرَارِيِّ الْأَحَابِيشِ؟ أَوْ يَنْطَلِقُ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَبْدَأَ أَحَدًا بِالْقِتَالِ، فَإِنَّا لَمْ نَخْرُجْ إِلَّا لِلْعُمْرَةِ لَا لِلْقِتَالِ؛ فَإِنْ مَنَعَنَا أَحَدٌ (1) مِنْ (2) الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ لِصَدِّهِ لَنَا عَمَّا قَصَدْنَا لَا مُبْتَدِئِينَ (3) لَهُ بِقِتَالٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" رَوِّحُوا إِذًا "، ثُمَّ إِنَّهُ [لَمَّا] تَكَلَّمَ (4) عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ ثَقِيفٍ وَحُلَفَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَخَذَ يَقُولُ لَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ:" إِنَّهُمْ أَشْوَابٌ " أَيْ: أَخْلَاطٌ وَفِي الْمُسْنَدِ أَوْبَاشٌ يَفِرُّونَ عَنْكَ وَيَدَعُوكَ، قَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ وَلَمَّا يُجَاوِبْهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَرَعَى حُرْمَتَهُ وَلَمْ يُجَاوِبْهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْعَوْرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَ مِنَ الْفُحْشِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

كَمَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَتَعَزَّى بِعَزَاءٍ (5) الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ هَنَ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» " رَوَاهُ

(1) ب: أَحْمَدُ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ.

(2)

ن، م: عَنْ

(3)

س، ب: مُبْتَدِينَ.

(4)

ن، س: ثُمَّ إِنَّهُ تَكَلَّمَ، م: ثُمَّ تَكَلَّمَ.

(5)

ن، م، س: بِعِزَى.

ص: 408

أَحْمَدُ (1) فَسَمِعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَجُلًا يَقُولُ: يَا فُلَانُ، فَقَالَ: اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيكَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) .

ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا كَانَ ظَاهِرُ الصُّلْحِ فِيهِ غَضَاضَةٌ وَضَيْمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَاعَةً لِلَّهِ وَثِقَةً بِوَعْدِهِ لَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ، وَاغْتَاظَ مِنْ ذَلِكَ جُمْهُورُ النَّاسِ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى عَلَى مِثْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ؛ وَلِهَذَا كَبَّرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه (3) لَمَّا مَاتَ تَبْيِينًا لِفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ يَعْنِي سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَعَلِيٌّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ مِنِ الْكِتَابِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ وَمَحَاهُ بِيَدِهِ.

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/521 وَبَيَّنْتُ فِي تَعْلِيقِي مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ وَشَرَحْتُ فِيهِ أَلْفَاظَهُ.

(2)

جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/136 بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا رِوَايَةُ عَتِيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ وَلَا تُكَنُّوا " وَفِي " النِّهَايَةِ " فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ مَادَّةُ " عَضَضَ ": مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا - أَيْ قُولُوا لَهُ: اعْضَضْ بِأَيْرِ أَبِيكَ، وَلَا تُكَنُّوا عَنِ الْأَيْرِ بِالْهَنِ تَنْكِيلًا لَهُ وَتَأْدِيبًا "

(3)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَلِيٌّ عليه السلام.

ص: 409

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (1) أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: " امْحُ رَسُولَ اللَّهِ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا؛ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ (2) فَكَتَبَ:" هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ".

وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَقُولُ: " لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهُ "، وَعُمَرُ يُنَاظِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ: إِذَا كُنَّا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَقَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ وَأَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَعَمِلَ لَهُ أَعْمَالًا (3) .

وَأَبُو بَكْرٍ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (4) لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ مُخَالَفَةٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ، بَلْ لَمَّا نَاظَرَهُ عُمَرُ بَعْدَ مُنَاظَرَتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَجَابَهُ أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ جَوَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأُمُورِ دَلَالَةً عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمُنَاسَبَتِهِ لَهُ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَعِلْمًا وَحَالًا؛ إِذْ كَانَ قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ وَعَمَلُهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ. وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا تَقَدُّمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ؛ فَأَيْنَ مَقَامُهُ مِنْ مَقَامِ غَيْرِهِ؟ ! هَذَا يُنَاظِرُهُ لِيَرُدَّهُ عَنْ

(1) سَبَقَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَبْلَ صَفَحَاتٍ () وَسَأُقَابِلُ الْكَلَامَ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 - 185.

(2)

عِبَارَةُ " وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ " لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ، وَلَعَلَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.

(3)

الْكَلَامُ السَّابِقُ هُوَ مُلَخَّصٌ لِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ سَابِقَةٍ.

(4)

م: وَلِرَسُولِهِ.

ص: 410

أَمْرِهِ؛ وَهَذَا يَأْمُرُهُ لِيَمْحُوَ اسْمَهُ فَلَا يَمْحُوهُ، وَهَذَا يَقُولُ: لَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهُ، وَهُوَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ فَيَتَوَقَّفُونَ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبُغْضُ الْكُفَّارِ وَمَحَبَّتُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَدْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ غَضَاضَةٌ وَضَيْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ. وَرَأَوْا أَنَّ قِتَالَهُمْ لِئَلَّا يُضَامُوا هَذَا الضَّيْمَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ الْمُصَالَحَةِ الَّتِي فِيهَا مِنَ الضَّيْمِ مَا فِيهَا.

لَكِنْ مَعْلُومٌ وُجُوبُ تَقْدِيمِ النَّصِّ عَلَى الرَّأْيِ، وَالشَّرْعِ عَلَى الْهَوَى؛ فَالْأَصْلُ الَّذِي افْتَرَقَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ: تَقْدِيمُ نُصُوصِهِمْ عَلَى الْآرَاءِ وَشَرْعِهِمْ عَلَى الْأَهْوَاءِ، وَأَصْلُ الشَّرِّ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّأْيِ عَلَى النَّصِّ وَالْهَوَى * عَلَى الشَّرْعِ؛ فَمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ فَرَأَى مَا فِي النَّصِّ وَالشَّرْعِ (1) مِنَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ * (2) الِانْقِيَادُ لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَرْعِهِ (3) وَلَيْسَ لَهُ مُعَارَضَتُهُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ.

كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ (4) وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "(5) فَبَيَّنَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُرْسِلُهُ، لَا يَفْعَلُ مِنْ تِلْقَاءِ

(1) ن، س: وَشَرْعٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(3)

وَشَرْعِهِ: سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

(4)

م: لَرَسُولُ اللَّهِ

(5)

جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ ضِمْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُ نَصِّهِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (519 - 520)

ص: 411

نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُطِيعُهُ لَا يَعْصِيهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَّبِعُ لِرَأْيِهِ (1) وَهَوَاهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ نَاصِرُهُ فَهُوَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَصَلَ؛ فَإِنَّ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَعُلُوِّ الدِّينِ مَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هَذَا فَتْحًا مُبِينًا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حُسْنَ مَا فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، بَلْ رَأَى ذَلِكَ ذُلًّا وَعَجْزًا وَغَضَاضَةً وَضَيْمًا.

وَلِهَذَا تَابَ الَّذِينَ عَارَضُوا ذَلِكَ رضي الله عنهم كَمَا فِي الْحَدِيثِ رُجُوعُ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ اعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ حَيْثُ قَالَ:" وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ " وَجَعَلَ رَأْيَهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّهِمُوا رَأْيَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ؛ فَإِنَّ الرَّأْيَ يَكُونُ خَطَأً، كَمَا كَانَ رَأْيُهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ خَطَأً، وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْحَلْقِ وَالنَّحْرِ حَتَّى فَعَلَ هُوَ ذَلِكَ قَدْ تَابُوا مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ.

وَالْقِصَّةُ كَانَتْ عَظِيمَةً بَلَغَتْ مِنْهُمْ مَبْلَغًا عَظِيمًا لَا تَحْمِلُهُ عَامَّةُ النُّفُوسِ وَإِلَّا فَهُمْ (2) خَيْرُ الْخَلْقِ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ وَأَعْظَمُهُمْ عِلْمًا وَإِيمَانًا وَهُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ رَضِيَ [اللَّهُ] عَنْهُمْ (3) وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ

(1) ن، س: بِرَأْيِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

س: إِلَّا فَهُمْ، ب: إِلَّا مَنْ هُمْ. . .

(3)

ن، م: وَقَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ.

ص: 412

عَلَيْنَا مِنْ تَوْبَةِ أَنْبِيَائِهِ، وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِمْ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ عَلَى الدَّرَجَاتِ وَكَرَامَةِ اللَّهِ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ جَرَتْ لَهُمْ أُمُورٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بُغْضُهُمْ لِأَجْلِهَا؛ إِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ.

وَهَكَذَا السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مَنْ ظُنَّ بُغْضُهُمْ [لِأَجْلِهَا إِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ](1) كَمَا ذُكِرَ (2) ، فَهُوَ جَاهِلٌ؛ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ أَنَّ الصِّدِّيقَ أَكْمَلُ الْقَوْمِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَسْبَقُهُمْ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُسَاوِيهِ.

وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِحَالِهِمْ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ كَانَ صَاحِبَ هَوًى صَدَّهُ اتِّبَاعُ هَوَاهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلِمٌ وَعَدْلٌ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَكٌّ، كَمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ شَكٌّ؛ بَلْ كَانُوا مُطْبِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ الصِّدِّيقِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَتَابِعِيهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَدَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَاللَّيْثِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ.

وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الرَّسُولِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ - أَوْ غَيْرَهُ - لَمْ تَكُنْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا فَهُوَ غَالِطٌ، كَمَا قَالَ مَنْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ن، م، س: لِمَا ذُكِرَ.

ص: 413

لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا يُقْصَدُ بِهِ (1) رَفْعُ الْمَلَامِ: بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنِ النَّحْرِ وَالْحَلْقِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ النَّسْخَ وَنُزُولَ الْوَحْيِ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّمَا تَخَلَّفَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ طَاعَتِهِ إِمَّا تَعْظِيمًا لِمَرْتَبَتِهِ أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ، أَوْ يَقُولُ: مُرَاجَعَةُ مَنْ رَاجَعَهُ فِي مُصَالَحَةِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا كَانَتْ قَصْدًا لِظُهُورِ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَيُقَالُ: الْأَمْرُ الْجَازِمُ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، مُوجِبٌ لِطَاعَتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بَعْضُ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَازِمٍ أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، وَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ الْجَزْمِ وَالْإِيجَابِ فَلَمْ يَسْتَرِبْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمْرَهُ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ كَانَ جَازِمًا وَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْفِعْلُ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَدَّدَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، وَرَوَى أَنَّهُ غَضِبَ وَقَالَ: مَالِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا (2) يُتَّبَعُ (3) .

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

(1) س: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ عُذْرِ مَا يُقْصَدُ بِهِ، ب: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا مَا يُقْصَدُ بِهِ. وَسَقَطَتْ " بِهِ " مِنْ (م) .

(2)

ن: س، ب: وَلَا.

(3)

الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/993 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ فَسْخِ الْحَجِّ) وَنَصُّهُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: " اجْعَلُوا حَجَّتَكُمْ عُمْرَةً " فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ. فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ:" انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا " فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ؛ فَغَضِبَ، فَانْطَلَقَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبَهُ اللَّهُ! قَالَ: " وَمَالِي لَا أَغْضَبُ، وَأَنَا آمِرٌ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ؟ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 4 286.

ص: 414

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّحَلُّلِ (1) بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُحْصِرُوا فِيهَا كَانَ أَوْكَدَ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجِّ الْوَدَاعِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مَحْوِ اسْمِهِ مِنِ الْكِتَابِ لِيَتِمَّ الصُّلْحُ؛ وَلِهَذَا مَحَاهُ بِيَدِهِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ كَانَ جَازِمًا. وَالْمُخَالِفُ لِأَمْرِهِ إِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَهُوَ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا لَا يَجِبُ، لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ احْتِرَامِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ لِمَا (2) فِيهِ مِنِ انْتِظَارِ الْعُمْرَةِ وَعَدَمِ إِتْمَامِ ذَلِكَ الصُّلْحِ. فَحَسْبُ الْمُتَأَوِّلِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَإِنَّهُ مَعَ جَزْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَشَكِّيهِ مِمَّنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَقَوْلَهُ:" مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمِرٌ بِالْأَمْرِ (3) وَلَا أُتَّبَعُ (4) " لَا يُمْكِنُ (5) تَسْوِيغُ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَابُوا مِنْهُ كَمَا تَابُوا مِنْ غَيْرِهِ.

فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَيَقْدَحُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَعْصُومِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي تَوْبَةِ مَنْ تَابَ، وَحَصَلَ لَهُ بِالذَّنْبِ نَوْعٌ مِنِ الْعِقَابِ فَأَخَذَ يَنْفِي عَلَى الْفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْمَلَامَ، وَاللَّهُ قَدْ لَامَهُ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ (6) فَيَزِيدُ تَعْظِيمَ الْبَشَرِ فَيَقْدَحُ (7) فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) .

(1) س، ب: مِنَ التَّحَلُّلِ.

(2)

م: وَلِمَا.

(3)

س، ب: بِالْمَعْرُوفِ.

(4)

م: فَلَا أُتَّبَعُ.

(5)

م: وَلَا يُمْكِنُ. . .

(6)

أَيِ اللَّهُ تَعَالَى لَامَ مَنْ فَعَلَ الذَّنْبَ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ، ثُمَّ تَابَ الْمُذْنِبُ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ.

(7)

س، ب: فَيَقِلُّ.

(8)

أَيْ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُثْبِتُ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، يَزِيدُ تَعْظِيمَ هَذَا الذَّنْبِ مِنَ الْبَشَرِ، وَيُقَدِّمُ بِذَلِكَ فِي اللَّهِ تَعَالَى؛ إِذْ إِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَعُدُّ الْمُذْنِبَ غَيْرَ مُذْنِبٍ.

ص: 415

وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ تَنْقُلُ الْعَبْدَ إِلَى مَرْتَبَةٍ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ؛ عَلِمَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ اللَّهُ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.

وَأَيْضًا فَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ إِلَّا وَاحِدٌ كَانَ يَكُونُ هُوَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ، مِثْلَ سَفَرِهِ فِي الْهِجْرَةِ وَمُقَامِهِ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِيهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَمِثْلَ خُرُوجِهِ إِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَ يَكُونُ مَعَهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ.

وَهَذَا الِاخْتِصَاصُ فِي الصُّحْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا أَحْوَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ كَذَّابًا فَذَلِكَ يُخَاطَبُ (1) خِطَابَ مِثْلِهِ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] لَا يَخْتَصُّ بِمُصَاحَبَتِهِ فِي الْغَارِ، بَلْ هُوَ صَاحِبُهُ الْمُطْلَقُ الَّذِي كَمُلَ [فِي] الصُّحْبَةِ (2) كَمَالًا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَصَارَ مُخْتَصًّا بِالْأَكْمَلِيَّةِ (3) مِنَ الصُّحْبَةِ.

كَمَا فِي الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «أَيُّهَا النَّاسُ اعْرَفُوا لِأَبِي بَكْرٍ حَقَّهُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ

(1) س: أَوْ كَذَّابًا يُخَاطِبُ، ب: أَوْ كَذَّابًا فَيُخَاطَبُ.

(2)

ن، م، س: كَمَّلَ الصُّحْبَةَ. . .

(3)

م: بِالْأَهْلِيَّةِ.

ص: 416

يَسُؤْنِي قَطُّ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ» " (1) .

فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[خَصَّهُ](2) دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَيْضًا؛ لَكِنْ خَصَّهُ بِكَمَالِ الصُّحْبَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ خَصَائِصُ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ.

وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ فَضَائِلَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلْيَتَدَبَّرِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ التى صَحَّحَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الَّذِينَ كَمُلَتْ خِبْرَتُهُمْ بِحَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَحَبَّتُهُمْ لَهُ، وَصِدْقُهُمْ فِي التَّبْلِيغِ عَنْهُ وَصَارَ هَوَاهُمْ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ إِلَّا مَعْرِفَةُ مَا قَالَهُ، وَتَمْيِيزُهُ عَمَّا يُخْلَطُ بِذَلِكَ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِينَ وَغَلَطِ الْغَالِطِينَ.

كَأَصْحَابِ الصَّحِيحِ: مِثْلِ: الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ،

(1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ؛ وَلَكِنْ جَاءَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ (تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ مُصْطَفَى عَبْد الْوَاحِدِ) 4/426 وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَزِيرُ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الَمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الَمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ شَبَّانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ أَخِي كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:" أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَسُؤْنِي قَطُّ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ رَاضٍ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُمْ ".

(2)

خَصَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَمَكَانُهَا فِي (س) بَيَاضٌ.

ص: 417

وَالْبَرْقَانِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَمِثْلِ صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ مَنْدَهْ (1) وَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ وَالْحَاكِمِ.

وَمَا صَحَّحَهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ [الَّذِينَ](2) هُمْ أَجَلُّ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَوْ مِثْلُهُمْ (3) مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْلُ: مَالِكٍ وَشُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِي، وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّيْنِ، وَخَلَائِقَ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.

فَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ عَرَفَ الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِذَلِكَ وَأَشَدِّهِمْ رَغْبَةً فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَأَعْظَمِهِمْ ذَبًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى سُنَّتِهِ وَحَدِيثِهِ وَالْأَنْصَارُ لَهُ فِي الدِّينِ يَقْصِدُونَ ضَبْطَ مَا قَالَهُ وَتَبْلِيغَهُ لِلنَّاسِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مَا كَذَبَهُ الْكَذَّابُونَ (4) ، وَغَلَطَ فِيهِ الْغَالِطُونَ، وَمَنْ شَرَكَهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا قَالُوهُ، وَعَلِمَ بَعْضَ قَدْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلْيُسَلِّمِ الْقَوْسَ إِلَى بَارِيهَا، كَمَا يُسَلِّمُ إِلَى الْأَطِبَّاءِ طِبَّهُمْ، وَإِلَى النُّحَاةِ نَحْوَهُمْ، وَإِلَى الْفُقَهَاءِ فِقْهَهُمْ، وَإِلَى أَهْلِ الْحِسَابِ حِسَابَهُمْ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ قَدْ يَتَّفِقُونَ عَلَى خَطَأٍ فِي

(1) م: وَابْنِ مُنْكَ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ.

(2)

الَّذِينَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ

(3)

ن، س، ب: وَأَمْثَالُهُمْ.

(4)

ن، م: الْكَاذِبُونَ.

ص: 418

صِنَاعَتِهِمْ؛ إِلَّا الْفُقَهَاءُ فِيمَا (1) يُفْتُونَ بِهِ مِنَ الشَّرْعِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِيمَا يُفْتُونَ بِهِ مِنَ النَّقْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى التَّصْدِيقِ بِكَذِبٍ، وَلَا عَلَى التَّكْذِيبِ بِصِدْقٍ؛ بَلْ إِجْمَاعُهُمْ مَعْصُومٌ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَنَّ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ مَعْصُومٌ (2) فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْفِعْلِ بِدُخُولِهِ فِي أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ، أَوْ تَحْلِيلِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَجَدَ فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ كَثِيرَةً، وَهِيَ خَصَائِصُ. مِثْلُ حَدِيثِ الْمُخَالَّةِ، وَحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وَحَدِيثِ إِنَّهُ أَحَبُّ الرِّجَالِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَدِيثِ الْإِتْيَانِ (3) إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ كِتَابَةِ الْعَهْدِ إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ تَخْصِيصِهِ بِالتَّصْدِيقِ (4) ابْتِدَاءً وَالصُّحْبَةِ، وَتَرْكِهِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" «فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي» "(5) وَحَدِيثِ دَفْعِهِ عَنْهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ لَمَّا وَضَعَ الرِّدَاءَ فِي عُنُقِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ؟ ! وَحَدِيثِ اسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَجِّ، وَصَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَانْقِيَادِ الْأُمَّةِ [لَهُ](6) ، وَحَدِيثِ الْخِصَالِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ فِي يَوْمٍ، وَمَا اجْتَمَعَتْ فِي رَجُلٍ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.

(1) م: فَمَا. .

(2)

ن: مَعْصُومُونَ.

(3)

ن: الِاثْنَانِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(4)

ن، س، ب: بِالصِّدِّيقِ.

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.

(6)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 419

ثُمَّ لَهُ (1) مَنَاقِبُ يَشْرَكُهُ فِيهَا عُمَرُ كَشَهَادَتِهِ بِالْإِيمَانِ لَهُ وَلِعُمَرَ، وَحَدِيثِ عَلِيٍّ حَيْثُ يَقُولُ:«كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» " (2) وَحَدِيثِ اسْتِقَائِهِ مِنَ الْقَلِيبِ، وَحَدِيثِ الْبَقَرَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "«أُؤْمِنُ بِهَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» " (3) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَنَاقِبُ عَلِيٍّ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ فَأَصَحُّهَا قَوْلُهُ: " «يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» "(4)، وَقَوْلُهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ:" «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» "(5) وَمِنْهَا دُخُولُهُ فِي الْمُبَاهَلَةِ (6) وَفِي الْكِسَاءِ (7) وَمِنْهَا قَوْلُهُ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» "(8)، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خَصَائِصُ. وَحَدِيثُ:" «لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» "(9) ، وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الشُّورَى وَإِخْبَارِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهُوَ رَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ (10) .

(1) م: وَلَهُ.

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/289

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/442

(6)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.

(7)

تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ

(8)

مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/34

(9)

مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/296 (ج) .

(10)

) سَبَقَ الْحَدِيثُ 5/59 - 60 - 6) .

ص: 420

فَمَجْمُوعُ مَا فِي الصَّحِيحِ لِعَلِيٍّ نَحْوُ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ، لَيْسَ فِيهَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلِأَبِي بَكْرٍ فِي الصِّحَاحِ (1) نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا أَكْثَرُهَا خَصَائِصُ.

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَمْ يَصِحَّ لِغَيْرِهِ؛ كَذِبٌ لَا يَقُولُهُ أَحْمَدُ وَلَا غَيْرُهُ (2) مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ؛ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: رُوِيَ لَهُ مَا لَمْ يُرْوَ لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ مَنْ عُلِمَ كَذِبُهُ أَوْ خَطَؤُهُ؛ وَدَلِيلٌ وَاحِدٌ صَحِيحُ الْمُقَدِّمَاتِ سَلِيمٌ عَنِ الْمُعَارَضَةِ خَيْرٌ مِنْ عِشْرِينَ دَلِيلًا مُقَدِّمَاتُهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ مُعَارَضَةٌ بِأَصَحَّ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهَا.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِهِ فِي الصُّحْبَةِ الْإِيمَانِيَّةِ بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ مَخْلُوقٌ، لَا فِي قَدْرِهَا وَلَا فِي صِفَتِهَا وَلَا فِي نَفْعِهَا (3) ، فَإِنَّهُ لَوْ أُحْصِيَ الزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ (4) أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَوَجَدَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ مَا اخْتَصَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا أَقُولُ ضِعْفَهُ (5) .

وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمْ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ

(1) م فِي الصَّحِيحِ.

(2)

س، ب: وَغَيْرُهُ

(3)

س: بَعْضِهَا، ب: نَوْعِهَا.

(4)

م: الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ عُمَرُ أَوْ عَلِيٌّ

(5)

ن، س، ب: ضَعِيفَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 421

مُبَرَّزٌ فِي ذَلِكَ عَلَى سَائِرِهِمْ تَبْرِيزًا بَايَنَهُمْ فِيهِ مُبَايِنَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ وَمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.

وَأَمَّا نَفْعُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُ عَلَى الدِّينِ فَكَذَلِكَ.

فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ الصُّحْبَةِ وَمَحَامِدُهَا الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ (1) أَنْ يُفَضَّلُوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِقَدْرِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا وَفَائِدَتِهَا مَا لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ أَحَدٌ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطُرُقِ ثَوْبِهِ حَتَّى أُبْدِيَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ "، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ (2) ، فَقَالَ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ " ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالُوا: لَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ. مَرَّتَيْنِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي ". مَرَّتَيْنِ. فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» (3) .

(1) م: الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصُّحْبَةَ، ب: وَيَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ، ن، س: تَسْتَحِقُّ الصِّيَانَةَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا آتِيهِ.

(2)

ن، م، س: فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ.

(3)

سِيقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7/228 - 229

ص: 422

وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ (1) فَانْصَرَفَ عَنْهُ مُغْضَبًا فَأَتْبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ؛ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» -. . الْحَدِيثَ. قَالَ: وَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ: " «إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ» "(2) .

فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ تَخْصِيصُهُ بِالصُّحْبَةِ فِي قَوْلِهِ: " «فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» " وَبَيَّنَ فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى النَّاسِ قَالَ: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا "، قَالُوا: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ؛ فَهَذَا يُبَيِّنُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ قَطُّ، وَأَنَّهُ صَدَّقَهُ (3) حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ طُرًّا.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ صَدَّقَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ بَلَغَهُمُ الرِّسَالَةُ وَهَذَا (4) حَقٌّ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا بُلِّغَ الرِّسَالَةَ فَآمَنَ (5) .

وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ " وَمَعَهُ يَوْمَئِذٌ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ» (6) .

(1) س: فَأَغْضَبَ أَبَا بَكْرٍ، ب: فَأَغْضَبَهُ أَبُو بَكْرٍ.

(2)

هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْبُخَارِيِّ 6/59 - 60 وَسَبَقَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا فِي الْجُزْءِ السَّابِقِ (ص) .

(3)

م: صَدَّقَ

(4)

م: فَهَذَا

(5)

ب: آمَنَ

(6)

هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنهما فِي: مُسْلِمٍ 1/569 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) وَأَوَّلُهُ. . . عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: وَكُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: " أَنَا نَبِيٌّ ". . وَفِيهِ قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ "(قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٌ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ مَعَهُ. . . وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/283 - 284 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ إِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/434 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَيِّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/111 - 113، 113 - 114.

ص: 423

وَأَمَّا خَدِيجَةُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ؛ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ عِيَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي بَيْتِهِ وَخَدِيجَةُ عُرِضَ عَلَيْهَا أَمْرُهُ لَمَّا فَجَأَهُ الْوَحْيُ، وَصَدَّقَتْهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّبْلِيغِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ الْإِيمَانُ بِهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ إِذَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ فَأَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ عَلِيًّا إِلَى الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ صَبِيًّا، وَالْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ.

وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالْإِيمَانِ وَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ أَبَا بَكْرٍ وَيُبَلِّغَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُمْكِنُ أَنَّهُ آمَنَ بِهِ لَمَّا سَمِعَهُ يُخْبِرُ خَدِيجَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبَلِّغْهُ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ» " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (1) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ بَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ كَذَّبَهُ أَوَّلًا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَدِيجَةَ وَعَلِيًّا وَزَيْدًا كَانُوا فِي دَارِهِ، وَخَدِيجَةُ لَمْ تُكَذِّبْهُ فَلَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِيمَنْ بُلِّغَ.

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

ص: 424

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ» " (1) .

وَالَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُوَافِقٌ لِهَذَا، أَيْ: اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُبَلَّغِينَ الْمَدْعُوِّينَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ:" وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ "(2) ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ.

وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا [النَّبِيُّ]صلى الله عليه وسلم فِي أَحَادِيثِ الْمُخَالَّةِ الَّتِي هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ؛ فَقَالَ:" إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ مِنْ (3) آمَنِ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ (4)، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ. لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (5) : " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي (6) لَاتَّخَذْتُ (7) أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ

(2)

فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ السَّابِقِ الَّذِي مَضَى

(3)

النَّبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(4)

زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ

(5)

(4 - 4) : زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ

(6)

مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ب)

(7)

م: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ. . .

ص: 425

وَمَوَدَّتُهُ» . * وَفِي رِوَايَةٍ " إِلَّا خُلَّةَ الْإِسْلَامِ ". وَفِيهِ: " قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ (1) الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. وَفِي رِوَايَةٍ: " وَبَيَّنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ "، وَفِيهِ فَقَالَ: "«لَا تَبْكِ إِنَّ آمَنَ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ * (2) لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» " (3) .

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:" «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمَنَ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: " وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي ".

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(1) الْحَيَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(3)

سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513 وَانْظُرْ أَيْضًا.

ص: 426

وَسَلَّمَ -: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا * لَاتَّخَذْتُهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ» .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا * (1) لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ؛ وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» ".

وَفِي أُخْرَى: " «أَلَا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خَلِّهِ (2) ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» "(3) .

فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا مِمَّا تُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ فَضَائِلِ الصُّحْبَةِ وَمَنَاقِبِهَا وَالْقِيَامِ [بِهَا] وَبِحُقُوقِهَا (4) بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى اسْتَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلِيلُهُ دُونَ الْخَلْقِ، لَوْ كَانَتِ الْمُخَالَّةُ مُمْكِنَةً.

وَهَذِهِ النُّصُوصُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ؛ قَالَ: " فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ (5) : فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " أَبُوهَا " قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ عُمَرُ: وَعَدَّ رِجَالًا» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " قَالَ: فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي آخِرَهُمْ " (6) .

(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(2)

ن، س: إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خَلِيلِهِ، م: إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ.

(3)

انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512، 2/436

(4)

ن، س، ب: وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا.

(5)

ن، م، س: قَالَ.

(6)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/354.

ص: 427