الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صِدْقِ هَذَا. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ (1) ، فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا كَرَامَاتٌ، بَلْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ; لِلدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ عَلَى كَذِبِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْحَدِيثِ، مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يَرْوُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ، بَلْ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا كَذَّابٌ أَوْ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ عَدْلُهُ وَضَبْطُهُ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ هَذَا مِنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ؟ !
وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَوَدُّونَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا صَحِيحًا ; لِمَا فِيهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ عَلِيٍّ، عَلَى الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَتَوَلَّوْنَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيزُونَ التَّصْدِيقَ بِالْكَذِبِ، فَرَدُّوهُ دِيَانَةً (2) .
[فصل العاشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (3) : " الْعَاشِرُ: مَا رَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ: أَنَّ الْمَاءَ زَادَ بِالْكُوفَةِ (4) ، وَخَافُوا الْغَرَقَ، فَفَزِعُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (5) ، فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ، فَنَزَلَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ [فَصَلَّى](6) ، ثُمَّ دَعَا وَضَرَبَ صَفْحَةَ (7) الْمَاءِ بِقَضِيبٍ كَانَ فِي يَدِهِ (8) ، فَغَاصَ الْمَاءُ،
(1) ن، س، ب: ذَلِكَ
(2)
س، ب: دِيَانَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(3)
فِي (ك) ص 190 (م) .
(4)
م: أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْكُوفَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ك: أَنَّ الْمَاءَ زَادَ فِي الْكُوفَةِ.
(5)
ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام
(6)
فَصَلَّى: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) .
(7)
ن، م، س، ب: صَفِيحَةَ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك)
(8)
م: بِقَضِيبٍ كَانَ بِيَدِهِ، ك: بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ.
فَسَلَّمَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ (1) مِنَ الْحِيتَانِ، وَلَمْ يَنْطِقِ الْجَرِّيُّ وَلَا الْمَرْمَاهِيُّ (2) ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنْطَقَ اللَّهُ مَا طَهَّرَهُ مِنَ السَّمَكِ، وَأَسْكَتَ مَا أَنْجَسَهُ وَأَبْعَدَهُ " (3) .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: [الْمُطَالَبَةُ] بِأَنْ يُقَالَ (4) : أَيْنَ إِسْنَادُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ الَّذِي (5) يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا؟ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْحِكَايَاتِ الْمُرْسَلَةِ بِلَا إِسْنَادٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ شَيْئًا.
الثَّانِي: أَنَّ بَغْلَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِمْ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَتْ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. وَهَذَا النَّاقِلُ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، فَكَيْفَ يُقْبَلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ حِكَايَةٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا؟ !
الرَّابِعُ: أَنَّ السَّمَكَ كُلَّهُ مُبَاحٌ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ:" هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ "(6) .
(1) ك: وَسَلَّمَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ.
(2)
ك: الْجِرِّيُّ وَالزَّمَّارُ وَالْمَارَمَاهِيُّ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْجِرِّيِّ وَالْمَارَمَاهِيِّ 1/26 (ت [0 - 9] ) . وَأَمَّا الزَّمَّارُ فَلَمْ أَعْرِفْ مَا هُوَ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ فِي " تَاجِ الْعَرُوسِ ": الزِّمِّيرُ كَسِكِّيتٍ: نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ لَهُ شَوْكٌ نَاتِئٌ وَسَطَ ظَهْرِهِ، وَلَهُ صَخَبٌ وَقْتَ صَيْدِ الصَّيَّادِ إِيَّاهُ وَقَبْضِهِ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُ مَا يُصْطَادُ فِي الْأَوْحَالِ وَأُصُولِ الْأَشْجَارِ فِي الْمِيَاهِ الْعَذْبَةِ ".
(3)
ك: فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: أَنْطَقَ اللَّهُ لِي مَا طَهُرَ مِنَ السُّمُوكِ، وَأَصْمَتَ مَا حَرَّمَهُ وَأَنْجَسَهُ وَأَبْعَدَهُ.
(4)
ن، م: أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ.
(5)
ن، م: الَّتِي.
(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/426.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 96] .
وَقَدْ أَجْمَعَ [سَلَفُ](1) الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى حِلِّ السَّمَكِ كُلِّهِ. وَعَلِيٌّ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ يُحِلُّونَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْجَسَهُ؟ !
وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ جُهَّالٌ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ الْمَكْذُوبَةِ.
الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: نُطْقُ السَّمَكِ لَيْسَ مَقْدُورًا لَهُ فِي الْعَادَةِ، وَلَكِنْ هُوَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ. فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْطَقَ مَا أَنْطَقَ مِنْهَا، وَأَسْكَتَ مَا أَسْكَتَهُ، إِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ، فَأَيُّ ذَنْبٍ لِمَنْ أَسْكَتَهُ اللَّهُ، حَتَّى يُقَالَ: هُوَ نَجِسٌ؟ !
وَمَنْ جَعَلَ لِلْعَجْمَاءِ ذَنَبًا بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْطِقْهَا كَانَ ظَالِمًا لَهَا.
وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بَلِ اللَّهُ أَقْدَرَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ (2) .
فَيُقَالُ: إِقْدَارُهُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ - لَوْ وَقَعَ - إِنَّمَا كَانَ كَرَامَةً لِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَالْكَرَامَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالنُّطْقِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، لَا بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ فِي إِقْدَارِهَا مَعَ - امْتِنَاعِهَا - كَرَامَةٌ لَهُ، بَلْ فِيهِ تَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتِ عَلَى النَّاسِ، فَإِنَّ لَحْمَهَا طَيِّبٌ (3) ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 160] .
(1) سَلَفُ: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(2)
ن، م، س: فَامْتَنَعَتْ بِهِ.
(3)
س، ب: أَطْيَبُ