الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ إِنْ كَانَ مُظْهِرًا لِذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي مَقَالَاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ.
وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَفِيَ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ لِدِينِ الْإِسْلَامِ: إِمَّا لِكَوْنِهِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِنَشْأَتِهِ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ يَعْتَقِدُونَ مِثْلَ ذَلِكَ - فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَجْهَلُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ يَرَى الْوَاجِبَاتِ تَجِبُ عَلَى الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ، وَأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ - كَالزِّنَا وَالْخَمْرِ - مُبَاحٌ لِلْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى كَلَامٍ أَوْ تَصَوُّفٍ أَوْ تَفَلْسُفٍ، وَهِيَ مَقَالَاتٌ بَاطِلَةٌ مَعْلُومَةُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، لَا يَخْفَى بُطْلَانُهَا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْعِلْمِ.
[فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (1) : " وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ (2) الصَّحَابَةُ فِي مُشْكِلَاتِهِمْ، وَرَدَّ عُمَرُ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ، قَالَ (3) فِيهَا: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ".
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ وَحْدَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ لَا وَاضِحِهِ وَلَا مُشْكِلِهِ، بَلْ كَانَ إِذَا نَزَلَتِ النَّازِلَةُ
(1) فِي (ك) ص 180 (م) .
(2)
ك: وَإِلَيْهِ عليه السلام رَجَعَ.
(3)
ك: وَقَالَ.
يُشَاوِرُهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه فَيُشَاوِرُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَبَا مُوسَى، حَتَّى يُشَاوِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ سِنًّا. وَكَانَ السَّائِلُ يَسْأَلُ عَلِيًّا تَارَةً، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَارَةً وَعُمَرَ تَارَةً.
وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَكْثَرَ مِمَّا سُئِلَ عَلِيٌّ، وَأَجَابَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ، وَمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، بَلْ عَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْهُ، لَكِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا.
فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَمَا يَنْقُلُ عَنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْهُ، كَحَدِيثِ صَلَاةِ التَّوْبَةِ (1) وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا عُمَرُ فَكَانَ يُشَاوِرُهُمْ كُلَّهُمْ، وَإِنْ كَانَ (2) عُمَرُ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْقَضَايَا يَقُولُ فِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، كَالْعُمَرِيَّتَيْنِ وَالْعَوْلِ وَغَيْرِهِمَا ; فَإِنَّ عُمَرَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، أَوِ امْرَأَةٍ (3) وَأَبَوَيْنِ بِأَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَاتَّبَعَهُ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرُ الْفُقَهَاءِ، كَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ
(1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ صَلَاةِ التَّوْبَةِ فِيمَا مَضَى 5/513 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَكَانَهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ، وَأَوَّلُهُ (وَهَذَا نَصُّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) : كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . . الْحَدِيثَ.
(2)
ن، س، ب: وَكَانَ.
(3)
ن، م: وَامْرَأَةٍ.
وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَخَفِيَ وَجْهُ قَوْلِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ; فَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ، وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ. وَقَوْلُ عُمَرَ أَصْوَبُ ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ إِذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ.
كَمَا قَالَ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 11] ، فَأَعْطَاهَا الثُّلُثَ إِذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ (1) يَقْتَسِمَانِهِ كَمَا اقْتَسَمَا الْأَصْلَ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ مَا يَبْقَى أَثْلَاثًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ رَدَّ عُمَرَ إِلَى قَضَايَا كَثِيرَةٍ قَالَ فِيهَا: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ".
فَيُقَالُ: هَذَا لَا يُعْرَفُ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ إِلَّا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا لِمَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ.
قَالَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَارَضَتْهُ فِي الصَّدَاقِ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ. وَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ، فَلَا يُزَادُ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَنَاتِهِ، كَمَا رَأَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ أَقَلَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ. وَإِذَا كَانَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ. وَالْفَاضِلُ قَدْ بَذَلَهُ الزَّوْجُ وَاسْتَوْفَى عِوَضَهُ (2) ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَحِقُّهُ، فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثَمَنُ (3) عَصِيرِ الْخَمْرِ إِذَا بَاعَهُ الْمُسْلِمُ،
(1) ن: هُوَ مِنْ مِيرَاثٍ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، م: هُوَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ.
(2)
م: عَرْضَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
س: فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثَمَنُ. . .، ب: فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَثَمَنِ. . .
وَأُجْرَةُ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِحَمْلِ الْخَمْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى أَظْهَرِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ.
فَإِنَّ مَنِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً بِعِوَضِهَا، كَالَّذِي يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَسْتَمِعُ الْمَلَاهِيَ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْجُعْلِ، إِنْ أُعِيدَ إِلَيْهِ جُعْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ غَرَضِهِ، فَهَذَا زِيَادَةٌ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ يَطْلُبُهَا بِالْعِوَضِ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ هِيَ وَالْعِوَضُ كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ كَانَ قَدْ أُبِيحَ لَهُ الْعِوَضُ الْخَبِيثُ، فَصَارَ مَصْرُوفُ (1) هَذَا الْمَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَعُمَرُ إِمَامٌ عَدْلٌ، فَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْمَهْرِ الشَّرْعِيِّ يَكُونُ هَكَذَا، فَعَارَضَتْهُ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ: لِمَ تَمْنَعْنَا شَيْئًا أَعْطَانَا اللَّهُ إِيَّاهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20]، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَمِنْكَ نَسْمَعُ أَمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: بَلْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ الْآيَةَ ; فَقَالَ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ (2) .
(1) ب: مَصْرِفُ.
(2)
ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ 20 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ (ط. الشَّعْبِ 2/212 - 213) وَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ مُنَاقَشَةِ الْمَرْأَةِ لِعُمَرَ رضي الله عنه، ثُمَّ رَوَى الْخَبَرَ كَامِلًا وَفِيهِ اعْتِرَاضُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه، وَقَالَ بَعْدَهُ:" إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ " ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ لِهَذَا الْأَثَرِ. وَالْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 285، 287، 340، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْتَدْرَكِ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (انْظُرْ تَعْلِيقَ أَحْمَدَ شَاكِر رحمه الله 2/277 - 278) . وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ 4/74 (ت 4) .
وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ (1) صلى الله عليه وسلم[فِي حَقِّ عُمَرَ](2) مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْإِلْهَامِ، بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِمِثْلِهِ، لَا فِي حَقِّ عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ، وَلَا طَلْحَةَ، وَلَا الزُّبَيْرِ (3) .
وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» "(4) .
قَالَ (5) : وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ، فَقَالُوا فِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ فِيهِ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ» "(6) .
وَفِي التِّرْمِذِيَّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ» "(7) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ نَاسٌ (8) مُحَدَّثُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ
(1) ب (فَقَطْ) : فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ. . .
(2)
فِي حَقِّ عُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن، (س) ، (ب) .
(3)
س، ب: وَلَا فِي الزُّبَيْرِ.
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/56.
(5)
أَيِ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي سُنَنِهِ 5/280.
(6)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/191 - 192 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي تَدْوِينِ الْعَطَاءِ) .
(7)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68.
(8)
نَاسٌ: لَيْسَتْ فِي (م) .
يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» " (1) . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مُحَدَّثُونَ: أَيْ مُفَهَّمُونَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الدِّينَ» (2) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى (3) الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ". (* قَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ» " (4) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ *) (5) ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» "(6) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ:
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21
(3)
س، ب: أَرَى.
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21.
(5)
: مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/55.
قُلْتُ: لَوِ اتَّخَذْتُ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ; فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 125] . وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ يَحْتَجِبْنَ ; فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ، فَقُلْتُ:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 5] ; فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ " (1) .
وَهَذَا الْبَابُ فِي فَضَائِلِ عُمَرَ كَثِيرٌ جِدًّا.
وَأَمَّا قِصَّةُ الْحُكُومَةِ فِي الْأَرْغِفَةِ (2) ، فَهِيَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهَا - وَمَا هُوَ أَدَقُّ مِنْهَا - مَنْ هُوَ (3) دُونَ عَلِيٍّ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَفَارِيعِ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّقَائِقِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذِهِ، وَلَيْسُوا مِثْلَ عَلِيٍّ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقُرْعَةِ (4) فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ (5) ،
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/22.
(2)
لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا سَبَقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ عَنْهَا فِي (ك) ص 180 (م) هُوَ كَمَا يَلِي:" وَأَوْضَحَ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْكِلَاتِ: جَاءَ إِلَيْهِ شَخْصَانِ، كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ، فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَاءَهُمَا ثَالِثٌ وَشَارَكَهُمَا، فَلَمَّا فَرَغُوا رَمَى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ خَمْسَةً، فَأَبَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَقَلِّ، فَتَخَاصَمَا وَرَجَعَا إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام، فَقَالَ قَدْ أَنْصَفَكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِنَّ حَقِّي أَكْثَرُ وَأَنَا أُرِيدُ مِنْهُ الْحَقَّ فَقَالَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَخُذْ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَأَعْطِهِ الْبَاقِيَ ".
(3)
عِبَارَةُ " مَنْ هُوَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(4)
قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص 181 (م) : " وَوَاقَعَ مَالِكَانِ جَارِيَةً لَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَحَمَلَتْ، فَأَشْكَلَ الْحَالُ، فَتَرَافَعَا إِلَيْهِ عليه السلام، فَحَكَمَ بِالْقُرْعَةِ، فَصَوَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ -، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ عليه السلام، يَعْنِي بِهِ الْقَضَاءَ بِالْإِلْهَامِ ".
(5)
الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/376 - 377 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ مَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ إِذَا تَنَازَعُوا فِي الْوَلَدِ) وَنَصُّهُ: " عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَوْا عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فِي وَلَدٍ، وَقَدْ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، إِنِّي مُقْرِعٌ بَيْنَكُمْ فَمَنْ قُرِعَ فَلَهُ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَهُ لِمَنْ قُرِعَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَضْرَاسُهُ أَوْ نَوَاجِذُهُ ". قَالَ الْمُعَلِّقُ: " الْأَجْلَحُ (فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ) اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، وَغَلِيَا: أَرَادَ بِهِ: صَاحَا. وَأَصْلُهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ " غَلَتِ الْقِدْرُ تَغْلِي غَلَيَانًا. وَفِي نُسْخَةٍ: غَلَبَا (بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) . وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ رِوَايَةً أُخْرَى لِلْحَدِيثِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/150 - 151 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْوَلَدِ إِذَا تَنَازَعُوا فِيهِ. . .)، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ 4/373. وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ:" نَيْلِ الْأَوْطَارِ " 7/78 - 80، فِي كِتَابِ اللِّعَانِ، بَابِ الشُّرَكَاءِ يَطَئُونَ الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ:" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إِسْنَادِ الْمَرْفُوعِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مَسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَغْرَمَهُ ثُلْثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ ". ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَجْلَحِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُعَدُّ فِي الشِّيعَةِ، مُسْتَقِيمُ الْحَدِيثِ. وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا صَوَابٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: الْأُولَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْهُ. وَالثَّانِيَةُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ خَيْرٍ فَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ الْإِرْسَالُ. انْتَهَى وَعَلَى هَذَا لَمْ تَخْلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ عِلَّةٍ، فَالْأُولَى فِيهَا الْأَجْلَحُ، وَالثَّانِيَةُ مَعْلُولَةٌ بِالْإِرْسَالِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرْسَالِ هَا هُنَا الْوَقْفُ كَمَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، لَا مَا هُوَ الشَّائِعُ فِي الِاصْطِلَاحِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ التَّابِعِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ".
لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَا يَقُولُونَ بِهَذِهِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ فَنُقِلَ عَنْهُ تَضْعِيفُ (1) الْخَبَرِ ; فَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَقِيلَ أَخَذَ بِهِ. وَأَحْمَدُ أَوْسَعُ الْأَئِمَّةِ أَخْذًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ أَخَذَ بِقَضَاءِ عَلِيٍّ فِي الزُّبْيَةِ (2) ، وَحَدِيثُهَا أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، رَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَخَذَ بِهِ أَحْمَدُ (3) . وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَمَا بَلَغَهُمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، أَوْ بَلَغَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنَ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ، وَمَعْرِفَةِ صِحَّتِهَا مِنْ سَقَمِهَا، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ.
(1) م، س، ب: بِضَعْفِ.
(2)
ن: الرُّبْيَةِ، م: بَيْتِهِ، س، ب: الرُّتْبَةِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَالزُّبْيَةُ - كَمَا شَرَحَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر رحمه الله حُفَيْرَةٌ تُحْفَرُ لِلْأَسَدِ وَالصَّيْدِ، وَيُغَطَّى رَأْسُهَا بِمَا يَسْتُرُهَا لِيَقَعَ فِيهَا.
(3)
الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/24، 25، 236، 327 - 328 وَنَصُّهُ (2/24) : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى قَوْمٍ قَدْ بَنَوْا زُبْيَةً لِلْأَسَدِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَتَدَافَعُونَ إِذْ سَقَطَ رَجُلٌ، فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، ثُمَّ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِآخَرَ، حَتَّى صَارُوا فِيهَا أَرْبَعَةً، فَجَرَحَهُمُ الْأَسَدُ، فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ، وَمَاتُوا مِنْ جِرَاحَتِهِمْ كُلُّهُمْ، فَقَامُوا أَوْلِيَاءُ الْأَوَّلِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْآخَرِ، فَأَخْرَجُوا السِّلَاحَ لِيَقْتَتِلُوا، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَنْ تَقَاتَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ؟ ! إِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ قَضَاءً إِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا حَجَزَ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى تَأْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَمَنْ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُ، اجْمَعُوا مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ رُبُعَ الدِّيَةِ وَثُلُثَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الدِّيَةِ وَالدِّيَةَ كَامِلَةً، فَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعُ، لِأَنَّهُ هَلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا. فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ، وَاحْتَبَى، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنْ عَلِيًّا قَضَى بَيْنَنَا، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ". صَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر رحمه الله سَنَدَ الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: " عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ: أَيْ عَلَى أَثَرِهِ ". وَقَالَ: " وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 6/287 ".
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ عَلِيٍّ، وَلَا نِزَاعَ فِي هَذَا، لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْضَى الصَّحَابَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَعْرِفَةُ الْقَضَايَا بِالْإِلْهَامِ "(1) فَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِلْهَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَنْ أُلْهِمَ أَنَّهُ صَادِقٌ حَكَمَ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِلْهَامِ، فَهَذَا (2) لَا يَجُوزُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» "(3) . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالسَّمْعِ لَا بِالْإِلْهَامِ، فَلَوْ كَانَ الْإِلْهَامُ طَرِيقًا لَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَقَّ بِذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ مَعْرِفَةَ صَاحِبِ الْحَقِّ ; فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْهَى أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا يُقْضَى لَهُ، وَلَمَا حَكَمَ فِي اللِّعَانِ بِالْفُرْقَةِ قَالَ:" إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ " فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ:" «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» "(4)
(1) وَهُوَ قَوْلُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ الْأَسْبَقِ ". . . مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ عليه السلام، يَعْنِي بِهِ الْقَضَاءَ بِالْإِلْهَامِ ".
(2)
س، ب: وَهَذَا.
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412.
(4)
الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 6/100 - 101 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ، بَابُ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ. . .) وَأَوَّلُهُ: " أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ. . . الْحَدِيثَ وَفِيهِ. . . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ " فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ " وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/369 - 370 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي اللِّعَانِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/12 - 13 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/668 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ اللِّعَانِ. وَانْظُرْ نَيْلَ الْأَوْطَارِ 7/67 - 68.
فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِالْبَيِّنَةِ (1) .
وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يُلْهَمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ ; فَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ الْإِلْهَامِ ; فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ كَانَ مُلْهَمًا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فَعُمَرُ» . وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لِعُمَرَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَقْضِيَ وَلَا يَعْمَلَ بِمُجَرَّدِ مَا يُلْقَى فِي قَلْبِهِ، حَتَّى يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبِلَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ رَدَّهُ (2) .
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحُكُومَةِ فِي الْبَقَرَةِ الَّتِي قَتَلَتْ حِمَارًا (3) ، فَهَذَا
(1) ب: بِالشَّبَهِ.
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ.
(3)
لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَاقِعَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص. 181 (م) وَنَصُّ كَلَامِهِ: " وَرَكِبَتْ جَارِيَةٌ جَارِيَةً أُخْرَى فَنَخَسَتْهَا ثَالِثَةٌ، فَوَقَعَتِ الرَّاكِبَةُ فَمَاتَتْ، فَقَضَى عليه السلام بِثُلُثَيْ دِيَتِهَا عَلَى النَّاخِسَةِ وَالْقَامِصَةِ، وَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - ". وَأَمَّا قِصَّةُ الْبَقَرَةِ فَهِيَ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ وَنَصُّهَا: " وَقَتَلَتْ بَقَرَةٌ حِمَارًا، فَتَرَافَعَ الْمَالِكَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: بَهِيمَةٌ قَتَلَتْ بَهِيمَةً، لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا: ثُمَّ مَضَيَا إِلَى عُمَرَ، فَقَضَى بِذَلِكَ أَيْضًا. ثُمَّ مَضَيَا إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْبَقَرَةُ دَخَلَتْ عَلَى الْحِمَارِ فِي مَنَامِهِ، فَعَلَى رَبِّهَا قِيمَةُ الْحِمَارِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ دَخَلَ عَلَى الْبَقَرَةِ فِي مَنَامِهَا فَقَتَلَتْهُ، فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -: لَقَدْ قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ اللَّهِ عز وجل ".
الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، مَعَ احْتِيَاجِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى نَصٍّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، فَكَيْفَ يُصَدَّقُ بِشَيْءٍ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ؟ بَلِ الْأَدِلَّةُ الْمَعْلُومَةُ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ.
وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُ، إِذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» " وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ (1) ، وَالتَّصْدِيقِ وَالْعَمَلِ بِهِ.
وَالْعَجْمَاءُ تَأْنِيثُ أَعْجَمَ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ فَهِيَ عَجْمَاءُ، كَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذِهِ إِذَا كَانَتْ تَرْعَى فِي الْمَرَاعِي الْمُعْتَادَةِ، فَأَفْلَتَتْ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِهَا، حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى حِمَارٍ فَأَفْسَدَتْهُ، أَوْ
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 2/130 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابٌ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) وَنَصُّهُ: " الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ (انْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي، الْأَرْقَامَ 2355، 6913) . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 12/255: " الْعَجْمَاءُ. . . الْبَهِيمَةُ. . . جُبَارٌ: بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، هُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، كَذَا أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَعَنْ مَالِكٍ: مَا لَا دِيَةَ فِيهِ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: الْعَجْمَاءُ الدَّابَّةُ الْمُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبِهَا، فَمَا أَصَابَتْ مِنَ انْفِلَاتِهَا فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1334 - 1335 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ جُرْحِ الْعَجْمَاءِ. . . .) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/273 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْعَجْمَاءِ وَالْمَعْدِنِ وَالْبِئْرِ جُبَارٌ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/77 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْعَجْمَاءَ جَرْحُهَا جُبَارٌ. . .) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/33 - 34 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْمَعْدِنِ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ.
أَفْسَدَتْ زَرْعًا، لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّهَا عَجْمَاءُ لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُهَا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ بِاللَّيْلِ، فَعَلَى صَاحِبِهَا الضَّمَانُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ; لِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فِي النَّفْشِ (1) ; وَلِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَإِنَّهَا دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْهُ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ مَوَاشِيهُمْ بِاللَّيْلِ، وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ (2) بِحِفْظِ حَوَائِطِهِمْ (3) .
(1) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ. . .)[سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ 78، 79] وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَتَيْنِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:" الْحَرْثُ الَّذِي نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ إِنَّمَا كَانَ كَرْمًا نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهِ وَرَقَةً وَلَا عُنْقُودًا مِنْ عِنَبٍ إِلَّا أَكَلَتْهُ، فَأَتَوْا دَاوُدَ، فَأَعْطَاهُمْ رِقَابَهَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا، بَلْ تُؤْخَذُ الْغَنَمُ فَيُعْطَاهَا أَهْلُ الْكَرْمِ، فَيَكُونُ لَهُمْ لَبَنُهَا وَنَفْعُهَا وَيُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ الْكَرْمَ فَيُصْلِحُوهُ وَيُعَمِّرُوهُ حَتَّى يَعُودَ كَالَّذِي كَانَ لَيْلَةَ نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، ثُمَّ يُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ غَنَمَهُمْ، وَأَهْلُ الْكَرْمِ كَرْمَهُمْ. وَهَكَذَا قَالَ شُرَيْحٌ وَمُرَّةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ". وَنَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ " (ص 287) : رَعَتْ لَيْلًا.
(2)
م: الْحَائِطِ.
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/403 - 404 (كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ، بَابُ الْمَوَاشِي تُفْسِدُ زَرْعَ قَوْمٍ (الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 3569، 3570) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/781 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي) ، الْمُوَطَّأِ 2/747 - 748 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ) . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ رحمه الله: " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ مُرْسَلًا، وَالْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ، وَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، بِالْقَبُولِ، وَجَرَى عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ. قُلْتُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْصُولًا فِي. . . " وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/295، 5/435 - 436، 437.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ، وَجَعَلُوهَا دَاخِلَةً فِي الْعَجْمَاءِ. وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ نَاقَةِ الْبَرَاءِ (1) .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا اعْتَدَى، وَأَرْسَلَهَا فِي زَرْعِ قَوْمٍ، أَوْ بِقُرْبِ زَرْعِهِمْ (2) ، أَوْ أَدْخَلَهَا إِلَى إِصْطَبْلِ الْحِمَارِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا فَأَتْلَفَتْهُ، فَهُنَا يَضْمَنُ لِعُدْوَانِهِ (3) .
فَهَذِهِ قَضِيَّةُ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ، إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَقَرَةِ لَمْ يُفَرِّطْ، فَالتَّفْرِيطُ
(1) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى 8/146 (ط. الْمُنِيرِيَّةِ 1350) : " وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، لَكِنْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِضَبْطِهِ، فَإِنْ ضَبَطَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَضْبُطْهُ بِيعَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ " وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ لَيْلًا وَلَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ نَهَارًا. وَهُوَ قَضَاءُ شُرَيْحٍ وَحُكْمُ الشَّعْبِيِّ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ. قَالَ عَلِيُّ (بْنُ حَزْمٍ) : لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَبَقُونَا إِلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ. . فَصَحَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّ حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْنَ مُحَيِّصَةَ لِصُلْبِهِ، إِنَّمَا هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، وَسَعْدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْبَرَاءِ، وَلَا أَبُو أُمَامَةَ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنِيفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إِنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ ". ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الِاحْتِجَاجَ بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ عليه السلام، وَرَدَّ ذَلِكَ، وَقَالَ:" وَلَوْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ ".
(2)
س، ب: زَرَعَ.
(3)
ن: لِعَدَاوَتِهِ.
مِنْ صَاحِبِ الْحِمَارِ، كَمَا لَوْ دَخَلَتِ الْمَاشِيَةُ نَهَارًا فَأَفْسَدَتِ الزَّرْعَ ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابَ (1) ، كَمَا لَوْ دَخَلَتِ الْبَقَرَةُ عَلَى الْحِمَارِ (2)(* إِنْ كَانَ الْحِمَارُ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُفَرِّطَ بِإِدْخَالِهَا إِلَى الْحِمَارِ كَانَ ضَامِنًا. وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْحِمَارِ عَلَى الْبَقَرَةِ أَوِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحِمَارِ *)(3) بِدُونِ تَفْرِيطِ (4) صَاحِبِهَا كَاعْتِدَاءِ صَاحِبِهَا (5) ، فَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْبَهِيمَةِ كَالْعَبْدِ، مَا أَتْلَفَهُ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهَا، وَلَا يَكُونُ جُبَارًا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ نَقَلَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالَ يَكْذِبُونَ مَا يَظُنُّونَهُ مَدْحًا وَيَمْدَحُونَ بِهِ ; فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الْمَدْحِ، فَلَا صِدْقَ وَلَا عِلْمَ وَلَا عَدْلَ، فَيَضِلُّونَ (6) فِي الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ:{يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] .
(1) س: فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهَا الْبَابَ، ب: فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابَ.
(2)
فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: كَمَا لَوْ دَخَلَ الْحِمَارُ عَلَى الْبَقَرَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
(3)
: مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(4)
س: وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْحِمَارِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ، ب: وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْبَقَرَةِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ.
(5)
عِبَارَةُ " كَاعْتِدَاءِ صَاحِبِهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(6)
ن: يَطِلُّونَ، م: فَطَلُونَ، س، ب: يَظُنُّونَ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.