المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٣

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث]

- ‌سورة النساء

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 4]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 5]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 6]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 7]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 8]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 9]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 10]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 31]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 32 الى 33]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 55]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 68]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 77 الى 80]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 83]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 84 الى 87]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 91]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 92 الى 93]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 113]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 126]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 135 الى 136]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 147]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 152]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 162]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 171 الى 175]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «النساء»

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

سده، وكما يتهم المتهم غيره فللغير أن يتهم من اتهمه. وبذلك ترتفع الثقة، ويسهل على ضعفاء الإيمان المروق، إذ قد أصبحت التهمة تظل الصادق والمنافق. وانظر معاملة النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين معاملة المسلمين.

على أن هذا الدين سريع السريان في القلوب فيكتفى أهله بدخول الداخلين فيه من غير مناقشة. إذ لا يلبثون أن يألفوه وتخالط بشاشته قلوبهم. فهم يقتحمونه على شك وتردد فيصير إيمانا راسخا. ومما يعين على ذلك ثقة السابقين فيه باللاحقين.

ومن أجل ذلك أعاد الله الأمر فقال فَتَبَيَّنُوا تأكيدا لقوله فَتَبَيَّنُوا المذكور قبله

«1» .

وبعد أن أمر- سبحانه- المؤمنين بأن يعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ونهاهم عند جهادهم عن التعجل في القتل. أتبع ذلك ببيان فضل المجاهدين المخلصين فقال- تعالى-

[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96)

قال الآلوسى: قوله- تعالى- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ. شروع في الحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه، وليرغبوا عما يوجب خللا فيه. والمراد بالقاعدين: الذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم. وروى البخاري عن ابن عباس: هم القاعدون عن بدر وهو الظاهر الموافق للتاريخ على ما قيل. وقال أبو حمزة: إنهم المتخلفون عن تبوك. وروى أن الآية نزلت في كعب بن مالك من بنى سلمة ومرارة بن الربيع من بنى عمرو بن عوف. وهلال بن أمية من بنى واقف حين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة» «2» .

(1) تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ج 5 ص 168.

(2)

تفسير الآلوسى ج 5 ص 121.

ص: 268

وقوله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ جملة معترضة جيء بها لبيان أنهم غير مقصودين بعدم المساواة مع المجاهدين في الأجر.

والضرر: مصدر ضرر مثل مرض. وهذه الزنة تجيء- غالبا- في العاهات ونحوها، مثل عمى وحصر وعرج ورمد.

والمراد بقوله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ أى: غير أصحاب العلل والأمراض التي تحول بينهم وبين الجهاد في سبيل الله من عمى أو عرج أو ضعف أو غير ذلك من الأعذار.

وقد روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ روايات منها ما أخرجه البخاري عن البراء قال: لما نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته. فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «1» .

وقال القرطبي: روى الأئمة- واللفظ لأبى داود عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سرى عنه فقال: «اكتب» فكتبت في كتف- أى في عظم عريض كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية.

فقام ابن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى- لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله السكينة فوقعت فخذه على فخذي. ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا زيد. فقرأت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ الآية كلها.

قال زيد: فأنزلها الله وحدها فألحقتها. والذي نفسي بيده لكأنى أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف «2» .

والمعنى: لا يستوي عند الله- تعالى- الذين قعدوا عن الجهاد لإعلاء كلمة الحق دون أن يكون عندهم من الأعذار ما يمنعهم من ذلك، لا يستوي هؤلاء مع الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. أما الذين قعدوا عن الجهاد لأعذار تمنعهم عن مباشرته، فإن نيتهم الصادقة

(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 540.

(2)

تفسير القرطبي ج 5 ص 332.

ص: 269

سترفع منزلتهم عند الله- تعالى-، وستجعلهم في مصاف المجاهدين بأموالهم وأنفسهم أو قريبين منهم.

ويشهد لذلك ما رواه البخاري وأبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يسير إلى تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من سير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه. قالوا:

يا رسول الله، وهم بالمدينة قال: نعم حبسهم العذر» .

قال ابن كثير: وفي هذا المعنى قال الشاعر:

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد

سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وعن قدر

ومن أقام على عذر كمن راحا

وقوله: لا يَسْتَوِي نفى لاستواء المجاهدين والقاعدين، والمقصود بهذا النفي التعريض بالمفضول لتفريطه وزهده في الخير، وحض على الاقتداء بمن هو أفضل منه، إذ من المعروف أن القاعد عن الجهاد لا يساوى المجاهد في الفضل والثواب. فتعين أن يكون المراد بهذا التعبير التعريض بالقاعدين ليتأسوا بالمجاهدين، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله:

فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفى الاستواء؟ قلت:

معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم، والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته. فيهتز للجهاد ويرغب فيه، وفي ارتفاع طبقته، ونحوه: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أريد به التحريك من الجهل إلى التعلم. ولينهض الشخص بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم.

وقوله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من القاعدين.

وفائدة قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الإيذان من أول الأمر بأن قعودهم عن الجهاد لم يمنعهم عن الوصف بالإيمان، لأن قعودهم عن الجهاد لم يكن عن نفاق أو عن ضعف في دينهم، وإنما كان عن تراخ أو اشتغال ببعض الأمور الدنيوية.

قال الجمل وقوله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم غَيْرُ بالرفع: وقرأ الباقون بالنصب. وقرأ الأعمش بالجر.

فالرفع على وجهين:

أظهرهما أنه على البدل من الْقاعِدُونَ. وإنما كان هذا أظهر لأن الكلام نفى والبدل معه أرجح.

والثاني: أنه رفع على أنه صفة لقوله الْقاعِدُونَ لأنهم لما لم يكونوا أناسا بأعيانهم بل أريد

ص: 270

بهم الجنس أشبهوا النكرة فوصفوا بها.

وأما النصب فعلى: الاستثناء من الْقاعِدُونَ وهو الأظهر، لأنه المحدث عنه.

وأما الجر فعلى أنه صفة للمؤمنين «1» .

وقوله: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى بيان لمزية المجاهدين على غيرهم.

والمراد بالقاعدين هنا- الذين قعدوا عن الجهاد لسبب مانع من مباشرته أى: فضل الله- تعالى- المجاهدين بأموالهم وأنفسهم من أجل إعزاز دينه، فضلهم درجة على القاعدين بأعذار، لأن المجاهدين قد عرضوا أنفسهم للمخاطر والأهوال، وبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله.

والدرجة هنا مستعارة للعلو المعنوي أى أن المراد بها هو الفضل، ووفرة الأجر وزيادة الثواب. والتنوين فيها للتعظيم.

قال ابن جرير: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من أولى الضرر درجة واحدة، يعنى فضيلة واحدة. وذلك بفضل جهادهم بأنفسهم فأما فيما سوى ذلك فهما مستويان» «2» .

وقوله وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى جملة معترضة جيء بها تداركا لما عسى أن يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول.

أى: وكل واحد من فريقى المجاهدين والقاعدين من أهل الضرر وعده الله المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب.

وقوله كُلًّا مفعول أول لما يعقبه قدم عليه لإفادة القصر تأكيدا للوعد وتنوينه عوض عن المضاف إليه. وقوله الْحُسْنى مفعول ثان.

ثم بين- سبحانه- أنه قد فضل المجاهدين على القاعدين بغير عذر بدرجات عظيمة فقال وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً.

أى: وفضل الله- تعالى- المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين دون أن يكون هناك

(1) حاشية الجمل على الجليلين ج 1 ص 415

(2)

تفسير ابن جرير ج 1 ص 231 [.....]

ص: 271

عذر يمنعهم عن الجهاد، فضل الله المجاهدين على هؤلاء القاعدين بالأجر العظيم والثواب الجزيل، والمنزلة الرفيعة.

وقوله أَجْراً عَظِيماً منصوب على النيابة عن المفعول المطلق المبين للنوع، لأن الأجر هو ذلك التفضيل. أو على نزع الخافض أى فضلهم بأجر عظيم. أو على أنه مفعول ثان بتضمين فضل معنى أعطى أى أعطاهم أجرا تفضلا منه.

ثم فصل- سبحانه- هذا الأجر العظيم فقال دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

أى فضل الله- تعالى- المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين عن الجهاد بغير عذر بالأجر العظيم الذي يرفعهم عند الله- تعالى- درجات عالية ويقربهم من مقامات قدسه، ويغفر لهم ما فرط منهم، ويتغمدهم بسابغ رحمته وكان الله كثير الغفران لأوليائه واسع الرحمة بأهل طاعته.

وقوله دَرَجاتٍ مِنْهُ بدل أو عطف بيان من قوله أَجْراً عَظِيماً. وقوله مِنْهُ جار ومجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لدرجات.

ونكرت الدرجات للإشعار بأنها درجات عظيمة لا يحدها الحصر، ولا يعينها المقدار، بل هي شرف عظيم لا يناله إلا المقربون الأبرار.

هذا، وما جرينا عليه من أن المجاهدين يمتازون عن القاعدين بعذر بدرجة، ويمتازون عن القاعدين بغير عذر بدرجات هو رأى كثير من المفسرين، وقد عبر عنه صاحب الكشاف بقوله:

فإن قلت: قد ذكر الله- تعالى- مفضلين درجة ومفضلين درجات فمن هم؟ قلت: أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء. وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، لأن الغزو فرض كفاية «1» .

ومن المفسرين من يرى أن الذين فضل الله عليهم المجاهدين بدرجة وبدرجات هم صنف واحد، وهم الذين قعدوا عن الجهاد بدون عذر. أما الذين قعدوا بعذر فهم متساوون في الأجر مع المجاهدين.

وعلى هذا الرأى سار الآلوسى في تفسيره فقد قال ما ملخصه: «فضل الله المجاهدين» في سبيله «بأموالهم وأنفسهم على القاعدين» من المؤمنين غير أولى الضرر دَرَجَةً لا يقادر

(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 554

ص: 272

قدرها. وَكُلًّا أى: كل واحد من الفريقين المجاهدين والقاعدين (وعد الله الحسنى) . وقوله وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ عطف على ما قبله أَجْراً عَظِيماً.

ثم قال: ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة. وتقييده تارة بدرجة وتارة بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه. إما لتنزيل الاختلاف العنواني بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتي تمهيدا لسلوك طريق الإبهام ثم التفسير

وإما للاختلاف بالذات بين التفضيلين والدرجة والدرجات «1» .

وقد حكى الإمام القرطبي هذين الوجهين فقال: قوله- تعالى- فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وقد قال بعد هذا: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً فقال قوم: التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد.

وقيل: فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولى الضرر بدرجة واحدة. وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات «2» .

والذي نراه أولى من هذين القولين قول من قال بأن الله- تعالى- فضل المجاهدين على القاعدين بعذر بدرجة، وفضل المجاهدين على القاعدين بغير عذر بدرجات، وذلك لأن هذا التفسير هو المأثور عن ابن عباس وغيره من الصحابة. فقد قال ابن عباس في قوله- تعالى- فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً أراد بالقاعدين هنا أولى الضرر «3» ولأن القاعدين بعذر وإن كان لهم من حسن النية ما يرفع منزلتهم إلا أن المجاهدين الذين باشروا الجهاد وعرضوا أنفسهم لأخطار القتال يفوقونهم منزلة وأجرا.

وهذا ما يقتضيه منطق العقول البشرية، أما عطاء الله بعد ذلك لكل فريق فمرجعه إليه وحده على حسب ما تقتضيه حكمته وسعة رحمته.

هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة أن الجهاد من أفضل الأعمال وأن المجاهدين لهم عند الله- تعالى- منازل عالية. ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما أخرجه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله. بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة ومنه تتفجر أنهار الجنة» .

(1) تفسير الآلوسي ج 5 ص 123

(2)

تفسير القرطبي ج 5 ص 244

(3)

حاشية الجمل على الجلالين ج 1 ص 415

ص: 273