المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - المغرب الإسلامى - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الحسين بن على

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن على

- ‌المصادر:

- ‌حسين كامل

- ‌المصادر:

- ‌حسينى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسينية

- ‌المصادر:

- ‌الحشاشون

- ‌المصادر:

- ‌حشمت

- ‌المصادر:

- ‌حصار

- ‌1 - ملحوظات عامة:

- ‌2 - المغرب الإسلامى:

- ‌3 - بلاد فارس:

- ‌4 - سلطنة المماليك:

- ‌5 - الإمبراطورية العثمانية:

- ‌6 - الهند:

- ‌الحصرى

- ‌الحصن

- ‌1 - المغرب الإسلامى

- ‌المصادر:

- ‌2 - إيران

- ‌المصادر:

- ‌3 - آسيا الوسطى:

- ‌المصادر:

- ‌4 - إندونيسيا وماليزيا:

- ‌المصادر:

- ‌حصن الأكراد

- ‌الحصين

- ‌المصادر:

- ‌حضانة

- ‌المصادر:

- ‌حضرموت

- ‌حضرة

- ‌حضور

- ‌المصادر:

- ‌حطين

- ‌المصادر:

- ‌الحطيئة

- ‌حفاش

- ‌المصادر:

- ‌حفص بن سليمان

- ‌المصادر:

- ‌حفص، بنو

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حفص الفرد

- ‌حفصة

- ‌حفصة بنت الحاج

- ‌المصادر:

- ‌حقائق

- ‌حق

- ‌المصادر:

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حقوق

- ‌حقيقة

- ‌المصادر:

- ‌حكاية

- ‌الحكم الأول

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحكم الثانى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحكم بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الحكم بن عبدل

- ‌المصادر:

- ‌حكومة

- ‌1 - الامبراطورية العثمانية

- ‌المصادر:

- ‌2 - فارس

- ‌المصادر:

- ‌3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب

- ‌المصادر:

- ‌4 - شمالى إفريقية

- ‌المصادر:

- ‌5 - باكستان

- ‌6 - إندونيسيا

- ‌المصادر:

- ‌حكيم

الفصل: ‌1 - المغرب الإسلامى

(1)

أراضى المغرب الإسلامى أى: الأندلس، وبلاد المغرب.

(2)

بلاد فارس.

(3)

آسيا الوسطى.

(4)

إندونيسيا وبلاد الملايو.

[هيئة التحرير]

‌1 - المغرب الإسلامى

سنرى في هذه المادة كيف تغلب المغرب الإسلامى على المشكلات الكبرى للتحصين، وكيف تم تخطيط وتنظيم الأنماط المختلفة للأبنية الحصينة، كحصون المدينة المطوقة بالأسوار، والقلاع المنعزلة، والثغور، ودور الصنعة، وكيف تم التغلب أيضًا على الصعوبات التى تعترض حماية أجنحة الجيوش وبوابات الحصون بداية من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)، وعلى ما أدخل على المدافع من تعديلات.

حصون البلدان المطوقة بالأسوار:

منذ أيام الإمبراطورية الإسلامية في عهودها المتأخرة صارت البلدان غير المحصنة شيئًا نادرًا في العالم الغربى. وبسبب القلق الذى أحدثته الغزوات حصنت المراكز الحضرية بالاستحكامات، ومن ثم ضاق نطاق إمتدادها الأصلي في حالات كثيرة. ومع ذلك، ظلت مدن كثيرة بريف البربر، بلا أسوار، وكانت في أول الأمر أسواقًا زراعية.

وقد أدى التاريخ المضطرب للأسر الإسلامية الحاكمة، وخاصة في ريف البربر، إلى تحصين بلدانه أو إلى صيانة أسوارها بالترميمات الجيدة. ومنذ بداية البداية لسلاطين الأسر الحاكمة كانت الاستحكامات تقام على الدوام. وأدت الحاجة إلى وجود سور حصين حول كل بلدة مهما كان حجمها إلى ترميم ما بنته الإمبراطورية القديمة من أسوار، وبحكم الظروف، إلى تعميمها في أوائل العصور الوسطى.

خطة الحصن المطوق بالأسوار، في أسبانيا وإفريقية، اصطنعت الأسوار الإسلامية أحيانًا الشكل العام للحصن

ص: 3984

القديم المطوق بالأسوار، والاستفادة بقواعده وبأجزاء أخرى منه، كما حدث في قرمونة وفى قاصرش، كما حدث في كثير من الأحوال أن أدى ازدهار دول بعينها أو حواضر إقليمية في العصور الوسطى، إلى توسيع أسوار البلدة حتى طوقت ضواحٍ هامة.

وعلى الأرض المستوية، كانت حصون البلدة المطوقة بالأسوار في أغلب الأحوال، تتخذ شكل المستوطن الذى كان قائمًا قبلها. ونجدها في الأساسات الجديدة أكثر انتظامًا من ناحية الشكل، ولها استحكامات في صفوف طويلة. وفى المواقع غير المستوية، كانت تعدل تعديلًا بسيطًا لتناسب تضاريس الأرض: والمبدأ هو الاقتصاد في استخدام الأبراج، بينما يمتد السور الساتر بطول النتوءات الصخرية متتبعًا إياها عن قرب كلما أمكن ذلك، أما البروزات والمرتدات المشهودة فنادرة. وتأخذ معظم الحصون المطوقة بالأسوار شكلًا غير منتظم هو الشكل المُحَدبْ، والمضلع.

على أنه كان من الضروري في حالات كثيرة أيضًا أن يدخل في الخطة أقرب مواقع النجد التى يمكن السيطرة منها على الاستحكامات. وقد امتد سور غرناطة في القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) حتى بلغ حصنين صغيرين يحميان منحدرات تل الحمراء وقمته. وامتدت الاستحكامات في شاطبة صاعدة حتى حصنين صغيرين على قمة نَجْدها ليسيطرا على المدينة من أعلى.

ولا يقل عن ذلك في الأهمية كفالة الحماية لأولئك الذين يريدون بلوغ موارد المياه: فالأسوار تنتهي ببرج بارز يمتد هابطًا حتى النهر في بطليوس. وفى إشبيلية، صار البرج الذى من هذا القبيل في طرف السور شأن البرج الذهبى، نقطة حراسة قوية.

و"القصبة"، وهى مقر الأمير أو حكومته، تشغل عادة أعلى جزء من البلدة، ويفصلها عنها استحكام من الاستحكامات، فإذا كان موقعها متميزًا عن موقع مستوطن البلدة فإن الأسوار تضم حينئذ الحصنين المطوقين

ص: 3985

بالأسوار، كما هى الحال في المرَيَّة. أما في مالقة التى كانت القصبة فيها تشغل قلب المدينة، فقد كان لهذه المدينة حصنها المطوق بالأسوار، وربطت المدينة بعضها ببعض استحكاماتٌ طويلة بلغت قلعة جبل الحديد الخارجية، وكانت الحال على هذا النحو في جَيَّان.

ولما امتدت القصبة حتى شملت البلدة الحكومية، كان من الممكن أن يصبح لها نظامها المستقل في التحصين سواء كانت على اتصال بالأحياء السكنية والتجارية أو لم تكن. وكانت الحمراء منفصلة بشكل ملحوظ عن غرناطة، مثلما كانت فاس الجديد عن فاس البالى.

ومن ناحية أخرى، نجد قصبة الموحدين في مراكش، وقصور مولاى إسماعيل في مكناسة متصلة بالمدينة نفسها، ولو أن القصبة والقصور كانت في جزء منها كلًا محصنًا واحدًا.

وفي كل حالة، كان ثمة منهجان في التحصين إما متقاربين وإما متلاصقين.

وقد بنيت بعض القصبات لإيواء الحاميات التى كانت مهمتها الإشراف والرقابة على بلدة ما، تهددها أخطار الاضطرابات. وكانت الحال على هذا المنوال في رباط ماردة الذي بناه عبد الرحمن الثانى. وفى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) أبقى السعديون على مثل هذه الرقابة على فاس باستخدام الأبراج الشمالية والجنوبية.

خطة الحظيرة للحصن المطوق بالأسوار.

يوجد السور المزدوج الذى يضم دهليزًا ضيقًا في مدينة الزهراء. كما أن الممرات الطويلة بين الاستحكامات العالية كثيرة في قصور مولاى إسماعيل بمكناسة.

ويبدو أن السور الخارجى المألوف في التحصين عند الروم (البوزنطيين) لم يستخدم في الحصون الإسلامية في بداية العصور الوسطى، مع أنه أوشك أن يكون القاعدة في أسوار الحصون الأسبانية منذ القرن الخامس الهجرى

ص: 3986

(الحادى عشر الميلادى) ونجده أيضًا في مدينة المهدية، ولكنه ظل نادرًا في المغرب.

ومع ذلك، فإنه يوجد في تلمسان، وفى تازة. وثمة سور خارجى متصل يحيط باستحكامات فاس الجديد .. وجرت الحال بأن تكون هذه الأسوار الخارجية المتباينة في الارتفاع مزودة بالأبراج. أما الخندق فقد كان أمرًا مألوفًا منذ بداية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) في التحصينات الأندلسية. ولكنه ظل في أماكن أخرى أمرًا استثنائيًا للغاية. وكانت هذه الخنادق حفرًا جافة خططت لوقف زحف الخيالة وجعل التسلل أمرًا عسيرًا. ولم يكن الخندق في البلد الجاف الجو الوعر في كثير من الأحوال هو أفضل وسائل الدفاع شأنه في ذلك شأن البلاد المستوية الرطبة.

القلاع المنعزلة - كان للقلاع المنعزلة وظائف مختلفة غاية الاختلاف. وكان عدد بعينه من قلاع الحدود هو الذى يحدد جبهات القتال: ومن ثم نجد في الأندلس منذ نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أن الحدود ظلت أمدًا طويلًا تساير نهر دويره حتى سقوط مملكة غرناطة، تحميها سلسلة متصلة من الحصون غربًا وشمالًا حيث كانت المملكة معرضة لهجمات القشتاليين في هاتين الجهتين. وكذلك أدى التنافس بين ملوك الطوائف إلى إقامة خطوط من التحصينات. وفي بلاد البربر لا نكاد نجد أية حدود معلومة بين الدويلات الإسلامية حيث وجد أن التحصين القائم في الأماكن المحتمل النزاع عليها كاف؛ ومع ذلك أقام عبد الواحد خط "صُمَّام" لصد الحفصيين. وقلاع الحدود هذه، لم تستطع في الحروب التى كانت فيها الحملات المدمرة الخاطفة من أجل السلب والنهب هى أكثر أنواع القتال شيوعًا، أن تمنع مرور قوات العدو منعًا باتًا. ولكن على الرغم من أنها أتاحت مرور غزاة السرايا إلا أنهم احتاجوا إذا ما أرادوا الفتح والتمكن إلى ضرب حصارات طويلة باهظة التكاليف. وفى أغلب الأحوال، كانت هذه القلاع تبنى في أيام مملكة غرناطة

ص: 3987

بخاصة، فوق القمم المنحدرة، ولم يكن في وسعها سد مداخل الدروب، ولكنها تعد وسيلة مثلى إذا كان الغرض وضع البلد تحت المراقبة بحيث يصعب أخذه على غرة.

وفى الأندلس كان لا بد أن تقام في السهول الخصيبة المعرضة لغارات العدو قلاعٌ تتخذ مأوى، وكانت هذه القلاع في العادة تسيطر على قرية ما. وقد زاد بنو نصر عدد القلاع التي من هذا القبيل في أخصب أجزاء الريف التي كانت معرضة لغارات القشتاليين.

وعلى سواحل شمالى إفريقية، وسواحل تونس بخاصة، والسواحل المطلة على الأطلسى بعامة، بنيت القلاع التي عرفت بالرباطات وهي صوامع حصينة كان النسَّاك المسلمون الذين يتعبدون فيها يعدون أنفسهم للجهاد وهم يتعبدون، ويرجع السبب في إقامة الرباطات الإفريقية بلا شك، إلى حملات الغزو الصقلى، إذ لم يكن هناك في ذلك الحين أى خطر مسيحى يهدد السواحل التونسية. ومن ناحية أخرى، نجد أن الأصل في إقامة الرباطات على ساحل مراكش المطل على الأطلسى، ورباطات أندلسية بعينها، يرجع حقًا إلى الخوف من غزوات النورمنديين. وعلى ما يظهر، لم تجر أية حروب مع عدو خارجى تحت أسوار هذه الرباطات، ولم تكن ثمة تحصينات بحرية بمعنى الكلمة، بل كانت هناك أماكن لتجنيد من يحاربون في سبيل الله، وقد أصبحت هذه الأماكن فيما بعد مراكز يعيش فيها النسَّاك بل المتصوفة. ويبدو أن بعض الرباطات المراكشية مثل قصبة أوداية بالرباط، وحصن تيط المطوق بالأسوار، كانت تحرس الحدود الشمالية والجنوبية لاتحاد خوارج برغواطة.

وفى ظل الموحدين اتسع الرباط حتَّى صار له نطاق المدينة بفضل همة الخليفة الثالث أبى يوسف يعقوب المنصور، وصار مركزًا لتجمع المقاتلين الذين كانت أسبانيا مقصدهم.

وفى بعض الأحيان، كانت القلاع تجمع أو تُصَفَّ بحيث تصبح خطًا دفاعيًا يشرف على البلدان التي تهددها

ص: 3988

حركات الانتقاض، أو لتسد الطرق في وجه المنتقضين. ومن ثم، فقد حرس المرابطون الريف من معقل بنى تودة الحصين، ومن قلعة أمرجو. ولما بلغت ثورة الموحدين كتلة جبال أطلس المراكشية العظيمة بنوا فيها القلاع لإعاقة تقدم العدو الرابض فى أسفلها أو عند فتحة الممر الجبلى الضيق. وقد واجه مولاى إسماعيل المنشقين من البربر في المنطقة الوسطى لجبال أطلس والريف، وبنى أيضًا سلسلة من القصبات.

وقد شغل هذا السلطان نفسه بالاحتلال العسكرى لأملاكه، كما بنى في السهول التى أخضعها لحكمه قلاعًا رابط فيها جنود حاميته الذين عرفوا بالعبيد. وكانت مهمة هؤلاء الجنود هي جباية الضرائب النقدية والعينية على حد سواء. وضمت أسوار هذه القلاع علاوة على قصر السلطان والمسجد، صوامع أسطوانية الشكل لحفظ أعلاف الدواب.

ولقد بنيت قلاع كثيرة لحماية الطرق التجارية الرئيسية وتأمينها، ولإيواء المسافرين في الليل بعد عناء رحلة اليوم، ولتزود أحيانًا حاملى البريد الحكومى، في المراحل المتتابعة، بما يحتاجون إليه، وكان لذلك نظام بعينه لأنه لم يكن في مقدور البلدة الحصينة القيام بهذه المهام. وكانت الطرق المؤدية من قرطبة إلى الحواضر الكبرى للأندلس تميزها قلاع تقوم بين كل قلعة منها والأخرى مرحلة من السفر تستغرق يومًا واحدًا. وكلفت القلاع الثانوية وأبراج المراقبة في بعض الأحيان بحراسة الدروب الجبلية.

وكانت الجسور المقامة على الأنهار الكبيرة في حماية قلعة هي في أحيان كثيرة قلعة لها شأنها. ومن ثم، فإن حصن رباط ماردة كان يحرس تقاطع نهر وادى آنة والبلدة التي يجرى فيها معًا. وفى معظم الأحوال، كانت تحرس الجسور المقامة على نهر تاجه قلعة من القلاع أو برجٌ على أقل تقدير.

خطة القلعة: وفى كثير من الأحيان استمر اتباع التقليد الرومانى البوزنطى في خطة هذه القلاع، وكذلك اتبع أحيانًا

ص: 3989

في القلاع الأموية بسورية، التي تدين بالفضل الكبير في خطتها إلى القلاع الرومانية والبوزنطية. وكانت خطة الحصون التي تقام على أرض مستوية منتظمة دائمًا غاية الانتظام، مربعة الشكل أو مستطيلة، وهي مزودة بأبراج الأركان وتكتنفها أبراج وسيطة تختلف في عددها. كما اتبعت الأشكال الهندسية القديمة الخالصة للتحصينات نفسها دون خروج عنها في المبانى الحكومية المراكشية، وفى عمارة البربر أيضًا.

ولكن قلاعًا كثيرة بنيت فوق قمم التلال أو فوق النتوءات الصخرية. وفى مثل هذه الحالات، كانت بعض التعديلات ضرورية لتتلاءم مع التضاريس. وقد تباين محيط القلعة تباينًا كبيرًا من حيث الحجم والشكل على السواء. وفى بعض الأحيان، كان السور الساتر الواقع فوق المنحدرات لا يحتاج إلى أبراج. وقد نشأت الحاجة في البلد الَّذي تغلب الصفة الجبلية عليه إلى اكتشاف أماكن صلبة للأساسات اللازمة لإقامة الأبراج على مسافات غير منتظمة. وكانت التغييرات الحادة في اتجاه التضاريس كثيرة جدًّا، ويظهر أثرها في شكل متعرج. وقلما يظهر السور المزدوج باستثناء تحصينات بنى نصر التي كانت متأثرة بالنمط المسيحى، كما ظل السور الخارجى شيئًا نادرًا للغاية.

ويدخل في باب الاستثناء أن تضم القلعة الإسلامية معقلًا لإيواء الحامية أو برجًا محصنًا. ومع ذلك، فقد كان للرباطات الإفريقية في كثير من الأحوال أبراج للمراقبة، كما كان لقلعة سوسة برج من هذا القبيل. وفى قلعة بنو حَمَّاد كان البرج البارز العظيم للمنارة يتخذ شكل المعقل المحصن. وقد أدخل البرج المحصن المحاط أحيانًا بمعقل لإيواء الحامية في تحصينات بنى نصر في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) تقليدًا للقلاع المسيحية. على أنه حدث في القرنين الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) والتاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) أن عادت قلاع بنى نصر وبدرجة كبيرة جدًّا إلى أشكال التحصين الأسبانى المغربى.

ص: 3990

الموانئ ودور الصنعة الحصينة: عرف كل منها في المغرب الإسلامى. ولعل تاريخ ثغر طنجة "بالية" إلى الشرق من طنجة كان يرجع إلى العهد الإسلامى. وكان بهذا الميناء حوض داخلى للسفن، امتلأ الآن بالرمال، وكان يحميه سور محصن، وكان مدخل الميناء ومخرجه من بابين كبيرين يكتنفهما أبراج، ولم يبق من ذلك كله سوى أطلال في مستوى الأرض. ومن ناحية أخرى، نجد أن دار صناعة سلا البحرية - المطمورة الآن - ما زالت محتفظة ببابها وبرجها. وقد شغلت دار الصناعة هذه أحد أركان حصن المدينة المطوق بالأسوار. ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) اتخذ حلًا مماثلًا في مدينة المهدية. فقد انتظم الحصن المطوق بالأسوار ميناءً داخليًا يحمى مدخله برجان متباعدان يمكن أن تمتد بينهما سلسلة حديدية. وكان ثمة عقد كبير من الحجر المنقوشى يوصل إلى ثغر حُنين الَّذي بنى في القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)، وعقد مماثل في ميناء أو دار صنعة (بجاية) وفى دار صنعة مالقة. والظاهر أن العقد الكبير الذي كانت تمر من تحته السفن لشحنها وتفريغها، ينتمى إلى التقليد الأسبانى.

مادة البناء: دخل حجر الدستور المنحوت في كثير من الأحوال في تحصينات الأغالبة بإفريقية. وجرت الحال باستخدامه في السور الساتر كله، وفى العمائر الهامة في جميع الأحوال. أما الأسوار التي بنيت بالدبش فكانت تربطها الأحجار المنحوتة. كما استخدم في التحصينات الأموية، في أجمل صورها بالأندلس، رباطات من أحجار سابحة ورادة على التوالى. ولكننا نجد في التحصين الإفريقى حتَّى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أن الدبش كان هو مادة البناء المستخدمة بشكل متكرر إلى حد بعيد. وكان في كثير من الأحوال يربط بينه وبين الأحجار المنحوتة لهذا الغرض، وكثيرًا كان يشذب ويبيت في صفوف منتظمة، وكان في بعض الأحيان يسوى مع التبادل في فَرْشَات سميكة ورقيقة. وفى قلاع المرابطين

ص: 3991

كانت الأربطة المحيطة بالدبش ترصع بالحصى الأسود.

وفى كثير من الأحيان استخدم الدبش في أسبانيا في بناء القلاع الثانوية، وأحيانًا مع الطبقات الرابطة وحشو من قوالب الطوب، ويتكرر الاستعمال الأخير في مدرسة طليطة بصفة خاصة. ويحدث أحيانًا أن الأربطة الموهومة تمد الطبقات الرابطة الزاوية حتَّى الواجهة المقامة بالدبش. وفى أيام بنى نصر زاد تقليد القلاع المسيحية من استخدام الدبش.

أما التحصينات الكبيرة من الآجر فنادرة في المغرب الإسلامى. ومع ذلك، فإن استحكامات مدينة القيروان كانت من أول الأمر مبنية بالآجر. وهكذا كانت بعض الأجزاء من استحكامات بصرة في شمالى مراكش، ونجد في الأندلس أن الآجر لم يستخدم في العمائر إلا في العصر المتأخر بعض التأخر من حكم المدَجَّنين. ولكننا في الأبواب التي بنيت بحجر الدستور أو بالدبش المخلوط بالأسمنت أو غير المخلوط به نجد الآجر مستخدمًا بصفة عامة في بعض العقود، وفى الأقبية، بل في واجهات المداخل أحيانًا حيث كان الهيكل الأساسى مبنيًا كله بالخرسانة.

ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) نجد مادة البناء الغالبة في القلاع الأندلسية ليست إلا نوعًا من الخرسانة قوامها طين صلصالى أو حصوى تتفاوت نسبة خلطه بالجير تحشى في مغاليق يبلغ سمكها حوالى 80 سم. وقد جلبت هذه الطريقة إلى المغرب في القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وظلت مستخدمة حتَّى القرن العشرين. كما أحدث استخدام الخرسانة نوعًا من التبسيط في الأشكال، ومن ثم غلب البرج المستطيل واستخدم مع الخرسانة الآجر في بناء العقود وقوائمها وفى الأقبية، وفى واجهات الأبواب في بعض الأحيان.

مشكلات الأكتاف: ومن أندر النادر أن تكون المساقط والمداخل المرتدة فى

ص: 3992

السور الساتر كافية في حد ذاتها لإقامة أكتاف جيدة. ومن ثم كان من الضرورى الاعتماد على الأبراج وأبراج الزوايا التي تكتنف جدران السور. ذلك أن أبراج الزوايا المقامة على الأسوار فوق الأرض المستوية لا تزيد المسافة بين الواحد منها والآخر على ثلاثين مترًا بحال حتَّى لا تترك بين البرجين مساحة لا تغطيها القذائف. ومع ذلك كان يمكن أن تكون الأبراج قريبة بعضها من بعض بمسافة أقل. ففي الأندلس أيام القرنين الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) والخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) استخدمت الأبراج الصغيرة الأبعاد واللاصقة بعضها ببعض في كثير من الأحوال.

أما الأبراج المستديرة والأبراج التي تكاد تكون مستديرة، فلم يكن يصادفها المرء إلا في النادر، ويبدو في هذا الأثر المسيحى. فقد استخدم البرج شبه المستدير في تحصينات الأغالبة، وفى هذا دليل على التأثر بالمشرق. ويوجد هذا النمط في بعض القلاع السورية، كما أنه شائع في العمائر العباسية. وفى معظم الأحوال استخدم في الأندلس وشمالى إفريقية البرج المستطيل، الَّذي طوله أكبر من عرضه. أما الأبراج المائله فنادرة. وتوجد شرفات الحصون ذات الشكل الرباعى غير المنتظم في زوايا الحصون المطوقة بالأسوار أحيانًا. كما نجد شرفات الحصون الكثيرة الأضلاع في الأندلس أيام القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى)، ولكنها لم تستخدم في المغرب إلا قليلًا. ومجمل القول أن العمارة الإسلامية في الغرب تظهر تباينًا طفيفًا من حيث الشكل في شرفات الحصون. ففي معظم الحصون الأندلسية المغربية المطوقة بالأسوار نجد سلسلة من الأبراج المتماثلة تبعد بعضها عن بعض مسافات متساوية بطول خط السور الساتر.

وفى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) ابتدعت الأندلس برجًا من طراز جديد عرف باسم (البارانا) أو البرج الخارجى المعزول عن السور الساتر، ويقع أمامه، ويتصل به بوساطة جزء بارز من السور. ويتصل

ص: 3993

البرج وقاعدته بالطريق المستدير للمعقل. وفى حالة كهذه ربما يحيط السور الخارجى للدفاع بسفح (البارانا). وفى بعض الأحيان أيضًا يكون (البارانا) متقدمًا إلى حد بعيد، وقائمًا في طرف جزء من السور الساتر ذى حاجز مزدوج بارتفاع الصدر. وهذا التجديد الَّذي أخذ به في فترة متأخرة على الأغلب في حصون المدجَّنين لم يصل إلى المغرب فيما يظهر.

وخلاصة القول، أن هذه الأبراج لا يدخل فيها إلا الحد الأدنى من التركيبات. وكان لها في بعض الأحيان قاعدة مستوية ورصيف له مزاغل لإطلاق النيران، وأحيانًا أخرى، تكون ذات غرفة داخلية على مستوى الطريق الدائرى ورصيف عال من أرضية محمولة على عوارض تدعمها، ويرقى اليها بسلم. على أننا نجد منذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أن شرفات الحصن الكبيرة الكثيرة الأضلاع كان لها طابقان أو ثلاثة طوابق من الحجرات ذات الأقبية، وسلم داخلى. وهذه الأبراج الكبيرة كلها من نوع (البارانا). وقد أسهمت إلى حد كبير في الدفاع عن الأماكن المكشوفة عن غيرها في السور.

الأبواب: لم توجد الحصون الأمامية والقلاع الصغيرة في مقدمة المدخل الرئيسى للحصن قط. وحتى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، كان في الأندلس وفى ريف البربر فحسب، نظام المداخل التي تنفتح بين برجين، وكان لها دهاليز مقبوة تختلف أطوالها، وأنصاف أعمدة تدعم عقد باب الدخول، وعقد باب الخروج في بعض الأحيان، وتحمى مفصلات أضلاع الأبواب.

وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) يظهر في الأندلس المدخل البسيط المنحنى الذي عرف في التحصينات البوزنطية؛ وانتقل إلى المغرب في هذا القرن نفسه هو وأشكال أخرى للقلعة الأندلسية المغربية، ثم انتقل في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) إلى بلاد تونس. ولبعض هذه الأبواب ممر مكشوف بدلًا من

ص: 3994

الرواق الرئيسى المقبب. وتفتح هذه الأبواب أحيانًا بين برجين، وفى أحيان أخرى على كتف شرفة محصنة ضخمة. وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) تظهر الأبواب الثنائية أو الثلاثية المدخل المنحنى أيام الخلفاء الموحدين. ويتكون طريقها الداخلى من سلسلة من الردهات المقبوة يقطعها ممر مكشوف في أغلب الأحوال. وتنزل ضلف أبواب الدخول والخروج بين عمودين مربعين يدعمان الممشى المقنطر.

وكانت جميع هذه المداخل ذات الممرات الجانبية تنفتح بين برجين. وفى أيام الموحدين كانت الأبراج والواجهة تبنى بالحجر، وتغطى بزخارف ثرية منحوتة. وفى أيام المرينيين وبنى نصر حلت المداخل المبنية بالآجر محل تلك المداخل المبنية بالأحجار، وكانت زخرفة واجهاتها أقل إسرافًا. وكانت الكتلة السميكة للبناء التي تكّون هذه المداخل تبرز من وراء الواجهة الداخلية للمعقل، ويقوم البرجان المكتنفان بالمدخل المقنطر في الخارج وحدهما أمام السور الساتر، ولم يكونا من حيث الأبعاد أكبر بكثير من سائر الأبراج. وتعد المداخل العظيمة التي أقامها الموحدون ذات قيمة كبيرة من الناحية الزخرفية والوظيفية على السواء، بل إنها من أعظم الأعمال الإبداعية كمالًا في فن العمارة الأندلسى المغربى، ولعلها كانت من أبدعها جمالًا، كما كانت بلا شك أكثر العمائر الإسلامية ثراءً في الإسلام بأسره.

أما المدخل ذو الدهليز الطويل من النمط الشرقى، فإنا نجده في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) فحسب، ومثال ذلك المدخل الرئيسى لمدينة المهدية الفاطمية، ولسقيفة الكحلاء. وهذا الشكل لا نجد له تقليدًا في المغرب الإسلامى.

والسواتر المنزلقة التي تحمى مدخل الحصن نادرة في الأندلس ولم يرد أى ذكر لها في المغرب. وظل المدخل المنحنى مستخدمًا في كل العهود من الأندلس حتى إفريقية.

تعديل من أجل المدفع: لم يقم بنو نصر بشيء يذكر سوى أنهم أقاموا في

ص: 3995

سطح بعض الأبراج وفى بعض مداخل الحمراء منصات منخفضة يوضع المدفع فوقها؛ وفى المغرب استفاد سلاطين بنى سعد في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) من هذين نظامين، ذلك أنهم رأوا أن سور قصبة مراكش كان خليقًا بألا يهاجمه إلا قبائل ليست في حوزتها مدفع، ولذلك فإنهم اكتفوا بتوسيع الأبراج المستطيلة المكتنفة للجدار الساتر لإيواء مدفع هاون صغير في غرفة الدفاع بكل برج. أما في غيرها من المدن مثل حصن الزواية في تازه وفى الأبراج الشمالية والجنوبية بفاس فإنهم قلدوا (والفضل يرجع للمعلومات التي أمدهم بها المرتدون دون شك) الحصون الأوربية ذات الملاجئ المسقوفة المقبوة التي تطلق منها المدافع، والجدران السميكة المائلة من أعلى إلى الخلف والتى كانت على شكل النجمة في بعض الأحيان. واستخدمت ضروب التقليد للحصون الأوربية هذه في كل المناطق الساحلية بشمالى إفريقية، وفى المغرب، وفى الولايتين العثمانيتين حيث كان يخشى من غارات يشنها الأوربيون لاسترداد ما فقدوا أو الأخذ بالثأر. ولم يقصد بها شيء سوى أن تصمد للضرب بالقنابل من البحر وأن ترد عليه بالمثل وقد ارتفعت هذه العمائر بعض الشيء، ولم يستعمل قط التحصين المنخفض من طراز فوبان. وكانت خطوط الدفاع غاية في البساطة لا تعدو سورًا وخندقًا، ومنحدرًا ترابيًا هي بمثابة الجدار الخارجى للخندق. وعلاوة على هذه الحصون التي تتفاوت في حداثتها، فإن الطراز القديم للتحصين استمر أيام العصور الوسطى متبعًا بأبسط أشكاله، في بلاد البربر من أقصاها إلى أقصاها.

ومن ثم، ظل المغرب الإسلامى مخلصًا لتقليد الإمبراطورية الرومانية القديمة وبوزنطة. وكانت الإضافات الوحيدة لهذا التقليد هي إبداع أشكال جديدة ابتكرها الأندلس. فقد ظهر البرج الخارجى (البارانا) والمدخل ذو المنعطفات الكثيرة، والممر المكشوف في الأندلس. ولم تستطع المؤثرات الوافدة

ص: 3996