الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الساحل الإفريقى انتقامًا من هؤلاء القرصان. على أن الأتراك سبقوهم إلى هذه الفكرة. ففي سنة 1534 استولى خير الدين على تونس عندما استنجد به الأمير الحفصى الذي نجا من المذبحة التي أنزلها بإخوته مولاى حسن خليفة أبي عبد الله محمد، وفى سنة 1535 استولى شارل الخامس على تونس واستطاع مولاى حسن بمعاونته أن يسترد مملكته على أن يدفع الجزية لأسبانيا. وفضلا عن هذا فقد كان عاجزًا عن الاحتفاظ بمركزه في عاصمته لو لم تعاونه الحامية الأسبانية بالقلعة. وقد خرجت بلاد تونس من قبضته إذا استثنينا شقة ضيقة من الأرض بين تونس وبنزرت. ثم عزله عن العرش آخر الأمر أخوه أحمد سلطان (1542 م) بعد أن سمل عينية. وقبض هذا الحاكم على زمام السلطة حتى سنة 1569 عندما استولى على تونس اولوج على ليمنع الأسبانيين من استعمال المدينة قاعدة أعمالهم الحربية الموجهة على الأتراك. وقد استطاع الحفصيون أن يستعيدوا عرشهم لآخر مرة في سنة 1573 بفضل الحملة الظافرة التي قام بها دون جوان النمسوى، ولكن سنان باشا استولى في السنة التالية على تونس والقلعة (981 هـ = 1574 م) وأخذ مولاى محمد آخر أمراء الحفصيين أسيرًا إلى الآستانة فمكن الأتراك لأنفسهم في بلاد تونس تمكينًا.
المصادر:
(1)
ابن خلدون: البربر، ترجمة de Slare: الجزءان الثانى والثالث.
(2)
الزركشى: تأريخ الدولتين الموحدية والحفصية، تونس 1289 هـ، الترجمة الفرنسية بقلم Chro-: Fagnan nique des Almohades et des Hafcides، قسنطينة عام 1895.
(3)
القيروانى (ابن أبي دينار): المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، تونس 1283، الترجمة الفرنسية بقلم Pellissier et Remusat: -l'Algerie sci Eploration scientifque de geographiques ences historiques et جـ 7، باريس 1845.
(4)
التيجانى: الرحلة .. ترجمة فرنسية بقلم A. Russeau في Journal Asiatique 1833 - 1843.
(5)
ابن قنغوض: Farésiade، ou com- mencement de la dynastie des Beni Haffs، نشره وترجمه Cherbouneau في Journal Asiatique 1851 أغسطس - سبتمبر 1852.
(6)
Annales tunisiennes: Rousseau (الجزائر 1864) الفترة الأولى.
(7)
Relations et: De Mas Latrie commerce de l'Afrique septentrionale (باريس 1886) في مواضع مختلفة.
(8)
Histoire de l'Afrique: Faure-Biguet septentrionale sous la domination musul- mane (باريس - بدون تاريخ)، الفصل العاشر - الثالث عشر.
(9)
Histoire de L'Afrique: Mercier Septentrionale، جـ 2، الفاصل الحادي عشر إلى الفصل الرابع والعشرين؛ جـ 3، الفصول الأول والثالث والسابع؛ وانظر كذلك المصادر الواردة في مواد الجزائر وبجاية وقسنطينة ومدينة تونس وبلاد تونس.
محمد عبد العزيز مرزوق [إيفر G. Yver]
+ حفص، بنو، ويقال بنو الحفصيون: دولة ببلاد البربر الشرقية (627 - 982 هـ = 1229 - 1574 م) جدها الأعلى صاحب مشهور للمهدى بن تومرت هو الشيخ أبو حفص عمر بن يحيا الهنتاتى من أوائل بناة مجد الموحدين. وقد حكم إفريقية ابنه الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص من سنة 603 إلى سنة 618 هـ (1207 - 1221 م). وكان حفيده أبو محمد عبد الله بن عبد الواحد حاكمًا عليها سنة 623 هـ (1226 م) وتخلص منه أحد إخوته "أبو زكريا يحيا" سنة 625 هـ (1228 م). وتذرع هذا الحاكم الجديد بحجة الدفاع عن التراث الخالص للموحدين وتطهيره من البدع فأسقط اسم الخليفة من بنى عبد المؤمن من الخطبة (بداية سنة 627 هـ = نوفمبر - ديسمبر 1229 م) واستقل بنفسه وتلقب بالأمير وتوطد سلطانه تمامًا
سنة 634 هـ (1246 - 1237 م) وجعل الخطبة باسمه.
ووحد الموحدون المغرب إلى حين، وفى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، انقسم المغرب مرة ثانية، ولم تكن هي الأخيرة، إلى ثلاث دول: إمبراطورية بنى مرين في فاس، ومملكة عبد الواد في تلمسان، ومملكة بنى حفص في تونس.
1 -
الأمير أبو زكريا يحيا (625 - 647 هـ = 1228 - 1249 م)، وقد نال الاستقلال فراح يجمع شتات ما صار يطلق عليه في ذاك الوقت إقليم الحفصيين؛ أي إفريقية كلها، باستيلائه على قسنطينة وبجاية سنة 628 هـ (1230 م) وتخليصه طرابلس والريف جنوبى قسنطينة من أيدى المنتقض العنيد بن غانية سنة 631 هـ (1234 م) وفى السنة التالية ضم الجزائر ثم أخضع وادى شلف، وشجع أبو زكريا توسع بنى سُليَمَ (كُعوب مرداس) حين ردوا بنى رياح (الدواودة) عنوة إلى إقليم قسنطينة والزاب. وفى سنة 636 هـ (1328 م) أخضع الهوارة الذين يستوطنون الحدود الجزائرية التونسية. وأحبط مؤامرة خطيرة سنة 639 هـ (1242 م) وشن هجومًا على تلمسان التي كان قد استولى عليها أوائل سنة 640 هـ (يوليو 1242 م)، وأعادها إلى عبد الواد مقابل خضوعه لحكم بنى حفص. وفى أثناء عودته تنازل لرؤوس قبائل بنى تجين عن حكمه لأراضيهم، وبذلك أقام في المغرب الأوسط عددًا من الدويلات الموالية له مما يكفل له الأمن. وامتد سلطان أبي زكريا منذ سنة 635 هـ (1238 م) حتى بلغ مراكش والأندلس ومن ثم توالت عليه أمارات الخضوع. وتوفى أبو زكريا وقد امتد سلطانه إلى شمالى مراكش بأكمله، ودان بنو نصر وبنو مرين له بالولاء.
وقد استمسك بتقاليد الموحدين في مباشرته الشئون المدنية والحربية. وأضاف إلى تونس حاضرة ملكه كثيرًا من المنافع: المصلى، والسوق، والقصبة، والمدرسة (أقدم المدارس العامة في بلاد البربر). ولم يتدخل المذهب الرسمى للموحدين في مذهب المالكية، أو مذهب
المتصوفة الذي اقترن باسم الدهمانى (المولود سنة 621 هـ = 1224 م) وعبد العزيز المهدوى، وسيدى أبي سعيد (المتوفى سنة 628 هـ = 1231 م) والشاذلى (المتوفي 656 هـ - 1258 م)؛ أو عائشة المنوبية (المتوفاه سنة 665 هـ = 1267 م وقد أعقب السلام والأمن نمو اقتصادى سريع وزاد التبادل التجارى مع بروفانس، ولنجدوك والجمهوريات الإيطالية، وعقدت المعاهدات معها. ومن سنة 636 هـ (1239 م) زادت العلاقات مع صقلية توطيدًا حينما بدأ الحاكم الحفصى في أداء جزية سنوية لها مقابل السماح له بحق التجارة البحرية، وحرية استيراد القمح الصقلى. وفى هذا الوقت نفسه تقريبًا، توطدت علاقات الصداقة بين مملكتى تونس وأراغون. واستقرت جماعات التجار المسيحيين (الأسبان، والبروفنساليين، والإيطاليين) في موانئ مملكة بنى حفص، وبخاصة ميناء تونس، وكان لهم فنادقهم الخاصة بهم وقناصلهم. وفى مطلع القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) هاجر كثير من مسلمى أسبانيا بما فيهم عدد من الصنّاع والأدباء وغير هؤلاء إلى إفريقية الحفصية، وقبل أن يمر وقت طويل، كانت قد تكونت جالية أندلسية قوية إلى جانب طائفة الموحدين بالعاصمة تونس (انظر مادة الأندلس الملحق).
2 -
الخليفة المستنصر (647 - 675 هـ = 1249 - 1277 م).
هو أبو عبد الله محمد، خلف أباه بصفته الوريث المنتظر دون أي صعوبة، وأرخى العنان لحبه للمباهاة، واتخذ لقب الخلافة منذ سنة 650 هـ (1253 م) وتلقب بالمستنصر بالله. وحققت سياسته المعتمدة على الثقة بالنفس انتصارات دبلوماسية هامة في مراكش والأندلس، بل في الحجاز ومصر. ولم يتعرض حكمه إلا لخطر قلة من المؤمرات والانتقاضات التي كان يبدؤها العرب أو يساندونها في كثير من الأحوال. وفى سنة 658 هـ (1260 م) أعدم حاجبه الأديب الأندلسى ابن الأبَّار. ومجمل القول أن العلاقات مع الممالك المسيحية كانت مستقرة مثلما كانت في حكم أبي زكريا
على الرغم من انتكاسها بعض الشيء حين اتجهت الحملة الصليبية للقديس لويس (توفى بقرطاجة في الخامس والعشرين من أغسطس سنة 1270 م) إلى إفريقية. وغادرها الصليبيون في أقل من شهر واحد تنفيذًا لشروط معاهدة أبرمها المستنصر معهم. وبدأت بموت المستنصر فترة طويلة حافلة بالاضطراب والانفصال (من 675 - 718 هـ = 1227 - 1318 م).
3 -
حكم الواثق بن المستنصر (675 - 678 هـ = 1277 - 1279 م) كان طيبًا في بدايته، ولم تعكر صفوه إلا مكيدة دبرها صفيه الأندلسى ابن الحبَيَّر، ونشوب فتنة في بجاية آخر 677 هـ (إبريل 1289 م) تعضيدًا لأبي إسحاق أحد أشقاء المستنصر. وفى أوائل سنة 651 هـ (1253 م) قاد أبو إسحاق هذا فتنة الدواودة العرب، ولجأ إلى بلاط بنى نصر بغرناطة، واستقبله بحفاوة بالغة عبد الواد التلمسانى وهنالك توفى المستنصر. وأجبر الواثق آخر الأمر على النزول عن العرش لعمه أبى إسحاق الذي دخل تونس سيدًا لها في ربيع الثانى سنة 678 هـ (أغسطس 1279 م) وقد ساعد على ذلك إلى حد كبير ما زوده به من معونة حربية بطرس الثانى ملك أراغون، الذي كان حريصًا على أن يضمن ولاء دولة الحفصيين في صراعه مع شارل ملك أنجو.
4 -
أبو إسحاق (678 - 682 هـ = 1279 - 1283 م). وقد قتل الواثق، وابن الحَبّير، وعددًا من الشخصيات المرموقة، وعهد بحكم ولاية بجاية إلى أخيه أبي فارس، وآذنت شمس صقلية بالمغيب في 30 مارس 1982 مؤذنة بسيطرة دولة أنجو على صقلية، فأعلن ابن الوزير والى قسنطينة استقلاله، كان بطرس الثالث ملك أراغون قد وعده بالمساعدة، ولكن أبا فارس دحره قبل أن تتمكن قوات بطرس من النزول إلى اليابسة، وأبحر بطرس متجهًا إلى ترابانى Trapani.
وأبقى أبو إسحاق على العلاقات المألوفة مع إيطاليا، وزوج إحدى بناته من وريث تلمسان المنتظر. ولكن ابن أبي عُمارة، المغامر، استولى على
جنوبى تونس كله بمساعدة العرب، ونادى بنفسه خليفة سنة 681 هـ (1282 م)، ونجح نجاحًا جعل أبا إسحاق يهرب إلى بجاية ليلحق بابنه أبي فارس. وقد أجبره ابنه على النزول له عن العرش في آخر سنة 681 هـ (ربيع سنة 1283 م) ونادى المغتصب ابن أبي عمارة (سنة 681 - 673 هـ = 1283 - 1284 م) بنفسه خليفة، وخلع أبا فارس وقتله في (3 ربيع أول = أول يونيو 1283 م) وقتل الخليفة السابق أبا إسحاق. ولكن انتصاره لم يدم طويلًا. فقد أثارت انحرافاته وسخافاته الواضحة في معاملته للعرب بوجه خاص، حفيظتهم، فعاونوا أبا حفص عمر شقيق المستنصر، وأبا إسحاق على خلعه.
5 -
أبو حفص (683 - 694 هـ = 1284 - 1295 م) نجح في استعادة سالان بنى حفص. ودفعه ورعه وحبه للسلم إلى بناء كثير من العمائر الدينية. وأصبح حلف آراغون - صقلية عدوًا له، وقامت هاتان الدولتان بالاستيلاء على جربة سنة 683 هـ (1284 م) وطالبتا تونس بأداء الجزية المنصوص عليها في معاهدة سنة 684 هـ (1285 م)، وكانت تؤديها من قبل إلى أمراء أبجو الصقليين، وعقدت الدولتان حلفًا مع المرينيين معاديًا لأبي حفص (685 - 686 هـ = 1286 - 1287 م). وشنتا غارات لنهب سواحل إفريقية، وجاءتا بدعى ليطالب بعرش أبي حفص وهو ابن ابى دَبّوس سنة (1287 - 1288 م)، وهو أمير موحدى كان قد لجأ إلى أراغون. وحدثت بعض الاتصالات إلا أن حاكم أراغون - صقلية لم ينجح قط في تجديد العلاقات السلمية مع أبي حفص؛ وبعد سنة 684 هـ (1285 م) فرض أبو زكريا، من أبناء ابى إسحاق، وابن شقيق أبى حفص، سيطرته بمساعدة العرب على الجزء الغربى بأكمله من الأراضى الحفصية بما في ذلك بجاية وقسنطينة. وفى السنة التالية سار إلى تونس وردّ جنوبًا، فاستولى على قابس، وتقدم نحو بجاية، التي كانت تهددها غارات واحد من آل عبد الواد بتحريض من أبى حفص، وكان لا يزال يفرض سيطرته على سلطان تلمسان. وفى الوقت
نفسه، نشأت دويلات مستقلة في أرض الجريد، وفى توزر، وفى قابس، وفى هذه الأثناء أظهر عرب جنوبى طرابلس العداء لأبي حفص. ومن ناحية أخرى، اكتسب بنو حفص لأول مرة في تاريخهم ولاء عرب المناطق الوسطى والشرقية، ومنحوهم إقطاعات من الأراضى ومن الموارد. وفى السنوات الأخيرة من عهده ضم أمير بجاية إقليم الزاب إلى حكمه، ومنذ سنة 693 هـ - (1294 م) تخلى أبو زكريا عن سيطرته على جنوبى قسنطينة كله. وفى السنة نفسها اعترف أمير قابس أيضًا بسيادة أبي زكريا. ويبدأ من هنا اضمحلال نفوذ بنى حفص، كما تذكرنا معارضة بجاية لتونس بمعارضة بنى حماد لبنى زيرى.
6 -
أبو عصيدة (694 - 708 هـ = 1295 - 1309 م). ولد بعد وفاة أبيه الواثق، وعين الشيخ الموحدى العظيم ابن اللحيانى كبير وزرائه. وحاول أن ينتقص من مملكة بجاية التي كانت تسودها البلبلة سنة 695 هـ (1296 م)، وسرعان ما ظهر الخطر من الغرب أيضًا، لأن إقليم الجزائر كان قد خضع لبنى مرين، وحين سيطر هؤلاء على متيجة فرضوا الحصار على بجاية سنة 699 هـ (1301 م) وتوفى أبو زكريا سنة 700 هـ (1301 م). وبذل ابنه وخلفه أبو البقاء كل ما في وسعه للتوصل إلى صلح مع أبي عصيدة، فأبرما آخر الأمر معاهدة سنة 707 هـ (1307 - 1308 م) كان هدفها إعادة توحيد الفرعين الحفصيين، وقضت هذه المعاهدة بأن تؤول الإمبراطورية الحفصية بأسرها إلى أحدهما بعد وفاة الآخر.
وفى السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه بخاصة اضطربت ممالك أبي عصيدة اضطرابًا خطيرًا، بفعل قبائل كُعوب العربية. ونحن نعلم أنه أبرم معاهدات بعينها مع العالم المسيحى، ولكن الجزية التي فرضوها على تونس واحتلالهم جربة دفعاه إلى التمسك بمعارضته لفردريك الصقلى.
7 -
أبو يحيا أبو بكر الشهيد (709 هـ - 1309 م). ابن عم آخر لأبي عصيدة، نصبه مشايخ الموحدين بتونس
الذين عارضوا التدابير التي ستؤول بمقتضاها إمبراطورية بنى حفص كلها إلى أبي البقاء. ولكن أبا البقاء تخلص منه بعد سبعة عشر يومًا من ولايته فحسب، وفرض على دولتى بنى حفص الاتحاد من جديد.
8 -
أبو البقاء (709 - 711 هـ = 1309 - 1311 م) وقد عجز من كل الوجوه عن منع ردة جديدة لإقليم قسنطينة التابع لحكم أخيه أبي يحيا أبي بكر، وكان أبو يحيا قد فرض سيادته على بجاية أيضًا سنة 712 هـ - (1312 م). وفى الوقت نفسه، كان الموحدى العجوز الشيخ ابن اللحيانى قد استولى على عرش تونس، بعد أن أجبر أبا البقاء على النزول عنه.
9 -
ابن اللحيانى (711 - 717 هـ = 1311 - 1317 م). وقد بدأ عهده بعلاقات طيبة مع مملكتى بنى حفص. وقاوم غارات بنى عبد الواد التلمسانيين) (713 - 715 هـ = 1313 - 1315 م) ثم هاجم حاكم بجاية أبو يحيا أبو بكر، تونس (715 - 716 هـ = 1315 - 1316 م)، واضطر ابن اللحيانى إلى تسليمها.
10 -
أبو ضَربْة (717 - 718 م = 1317 - 1318 م). هو ابن اللحيانى، أقامه التونسيون أميرًا عليهم، ولكنه لم يقاوم هجمات أبي يحيا أبي بكر سوى تسعة أشهر وحسب، وعادت الوحدة الحفصية مرة أخرى.
11 -
أبو يحيا أبو بكر (718 - 747 هـ = 1318 - 1446 م) وقد واجه مهمة صعبة هي إخماد الانتقاضات الخطيرة فيما بين السنوات 718 هـ (1318 م) و 732 هـ (1332 م) التي أثارها أبو ضربه، أو أحد أصهار ابن اللحيانى وهو ابن أبي عمران، ونفذها العرب، وبنو عبد الواد. وتعرضت مملكة الحفصيين لهجوم متصل ناجح في كثير من الأحوال على يد سلطان تلمسان خلال السنوات (719 - 730 هـ = 1319 - 1330 م) ولكن أبا يحيا أبا بكر حرر نفسه من هذا التهديد آخر الأمر بدخوله في حلف مع أمير فاس المرينى الذي تزوج وريثه المنتظر إحدى بنات أبي يحيا. وقد أدت
المصاعب التي اكتنفت الأربع عشرة سنة الأولى من حكمه إلى حدوث بلبلة في عدد من المقاطعات المحلية الجنوبية، وإلى إضطرابات قبلية.
من ثم حاول أبو يحيا منذ سنة 720 هـ (1320 م) الحفاظ على وحدة أراضيه، فعهد بقدر استطاعته بإدارة الأقاليم إلى ابنه، تنفيذًا لنصائح رؤساء بلاطه. وامتاز النصف الثانى من خلافة أبى يحيا أبى بكر (733 - 747 هـ = 1333 - 1346 م) بأن الشيخ ابن تفراكين الموحدى قد شغل أقوى منصب (وهو الحاجب مما قلل الاضطراب بقمعه العنيد لشغب البدو وغضبه من سخطهم وبتحرير جربة من نير الصقليين، وبتقليل تبعية بجاية لتونس بتشجيع خاص من الشيخ ابن تفراكين وبخضوع أبى يحيا أبى بكر بالتدريج لزوج ابنته وجاره الوثيق أبى الحسن المرينى، مما دفع أبا بكر المرينى إلى ضم تلمسان ومملكة عبد الواد إلى حكمه.
12 -
أبو العباس أحمد. وقد كفل له والده الأمير الراحل مساعدة المرينى أبى الحسن ليخلفه على العرش، ولكنه سرعان ما لقى حتفه على يد واحد من إخوته، هو أبو حفص، وكان هذا الاغتيال هو السبب الذي تذرع به أبو الحسن لفتح إفريقية دون عناء.
ولم يلق احتلال المرينيين (748 - 750 هـ = 1348 - 1350 م) إلا تأييدًا ضئيلًا، وأشعل إلغاء الإتاوات التي كان يجمعها البدو من السكان المستوطنين فتنه عربية أسفرت عن هزيمة نكراء لأبي الحسن سنة 749 هـ (1348 م) عجز بعدها عن استعادة ما كان له من سمعة طيبة. وفقد أبو العباس الجزء الأعظم من بلاد البربر ولقى المزيد من عداوة إفريقية، واضطر إلى الهرب بحرًا إلى الغرب في شوال سنة 750 هـ (أواخر ديسمبر 1349 م).
13 -
الفضل بن أبى يحيا أبي بكر حاكم بونة وقد بويع في تونس، ولكن سرعان ما دحره ابن تفرا كين سنة 751 هـ (1350 م) وأقام مقامه واحدًا من إخواته، هو أبو إسحاق ابن أبى يحيى أبى بكر.
14 -
أبو إسحاق (750 - 770 هـ = 1350 - 1369 م). وكان هذا الأمير
الجديد من صغر السن بحيث أصبح ابن تفرا كين الداهية أربع عشرة سنة صاحب السلطان الحقيقى وراء صاحب العرش. وتزايدت الاضطرابات وحركات الاستقلال الذاتى من كل الجوانب، فاستولى بنو مَكِّى على الجنوب الشرقى، وبنو حفص على قسنطينة وهنالك قُدر على أبى إسحاق أن يتحمل كثيرًا من الهجمات التي كان بعضها شديدًا خلال السنوات من 752 - 757 هـ - (1351 - 1356 م).
أما المرينى حاكم فاس، أبو عنان فارس، فكان متحمسًا للسير على منوال أبيه في مغامرات البطولة التي كان يخوضها، فاستولى على تلمسان، والجزائر وعلى مَدِيَّة. وقد سهلت العداوة المشتركة القائمة بين فروع بنى حفص الثلاثة الحاكمة في بجاية وقسنطينة وتونس، مهمة هذا الغازى الذي كان يتمتع إلى ذلك بمساندة بنى مزنى أمراء إقليم الزاب، وبنى مكى أمراء قابس.
أما الفتح المرينى الثانى لإفريقية 753 - 759 هـ = 1352 - 1348 م) فقد بدأ بداية رائعة بالاستيلاء على بجاية سنة 753 هـ (1352 م) ثم ركن إلى الهدوء فترة من الزمن؛ وفى سنة 757 - 758 هـ = 1356 - 1357 م) حقق أهدافه بالاستيلاء على قسنطينة وبونة وتونس، وبإخضاع بلاد الجريد وقابس. على أن انهيار أبى الحسن حدث في وقت أسرع مما كان متوقعًا نتيجة لفعل قليل البصر، وهو رفض السماح للدواودة بجمع ضرائب بعينها من الأهالى المستوطنين. واندحرت قواته، واضطر أبو عنان فارس إلى الانسحاب إلى فاس سنة 758 هـ (1357 م). وعاد أبو إسحاق وابن تفراكين إلى تونس خلال بضعة أشهر وحسب، وكانا قد طُردا منها. ومات المرينى سنة 759 هـ (1358 م) دون أن يفلح في التمكين لسلطانه ببلاد البربر الشرقية.
وبينما كان عبد الواد يعمل على استعادة ما فقده في تلمسان، عادت الأمور في المشرق إلى الحال التي كانت سائدة فيها حين بدأ أبو إسحاق حكمه لكل من: بجاية وقسنطينة وتونس التي
كان يحكمها ثلاثة حكام مستقلين مختلفين من بنى حفص؛ وبقى الجنوب كله والجنوب الشرقى، وجزء من الساحل محتفظة بالاستقلال عن بنى حفص التونسيين. ولما توفى ابن تفراكين سنه 766 هـ (1364 م) استطاع أبو إسحاق أن يحكم بشخصه، ولكن لم يكن لحكمه أثر يذكر. على أننا نجد أبا العباس أمير قسنطنية من بنى حفص قد استخلص بجاية من ابن عمه أبى عبد الله، ونجح في توحيد إقليم قسنطنية كله سنة 767 هـ (1366 م).
15 -
أبو البقاء خالد (770 - 772 هـ = 1369 - 1370 م). وقد ساء الموقف بسرعة خلال حكم هذا الأمير الذي كان صغير السن عندما خلف أباه، مما أدى إلى توحيد إفريقية للمرة الثالثة على يد أمير من بنى حفص خرج من قسنطنية وبجاية، وهو أبو العباس.
16 -
أبو العباس (772 - 796 هـ = 1370 - 1394 م). وقد أعاد هذا الأمير بفضل كفاياته العقلية والوجدانية وحزمه الرفيق، هيبة الأسرة الحاكمة التي كان واحد من أعظم أفرادها شأنًا. ومن صلبه انحدر جميع أمراء بنى حفص من بعده. وما إن كبح جماح البدو الرحل سنة 773 هـ (1371 م) وخفف سيطرتهم على الأهالى المقيمين حتى استرد شيئًا فشيئًا ما فقده أسلافه من الأراضى في الجنوب، والجنوب الغربى وتم له ذلك في السنوات من 773 - 781 هـ (1371 - 1381 م) بل استرد إقليم الزاب نفسه. وانشغل أبو العباس منذ سنة 783 هـ - (1391 م) بتعزيز ما حققه، وكبح أي محاولة لإحياء حركات الاستقلال في الداخل وتم إخمادها في الجنوب. وانخرط بنو عبد الواد في المعارك الداخلية، واشتعلت المنافسة الشديدة بين بنى عبد الواد وبنى مرين، ومن ثم لم يجد أبو العباس ما يخشاه من ناحية الغرب. وساءت العلاقات بين بلاد البربر والممالك المسيحية نتيجة أعمال القرصنة التي قام بها بنو حفص، واشتد جبروت هذه الأعمال حين أوقف زحف حملة فرنسا وجنوه المشتركة على المهدية سنة 792 هـ (1390 م). وعقد صلح بعد ذلك مع الجمهوريات الإيطالية.
17 -
أبو فارس (796 - 837 هـ = 1394 - 1434 م). وقد نهض بمهمة أبيه وأكملها بذكاء. فاقتلع الدول المحلية فى قسنطينة وبجاية سنة 798 هـ - 1396 م) وفى طرابلس وقفصة، وتورز، وبسكرة في الفترة من (800 - 804 هـ)(1397 - 1402 م) وأقام مقام أمرائها عمالًا من عبيده المحررين المختارين. وقاد حملة جريئة على أوراس سنة 800 هـ (1398 م) وعلى حدود بلاد طرابلس الصحراوية سنة 809 هـ (1406 - 1407 م). وقضى على أزمة خطيرة أثارت الخواطر في قسنطينة، والجنوب الشرقى في الفترة من 810 - 811 هـ (1407 - 1408 م) واحتواها باستيلائه على الجزائر سنة 813 هـ (1410 - 1411 م) وتلا ذلك فترة هدوء طويلة قطعها بشن عدة هجمات في الغرب حيث سيطر أبو فارس علي بنى عبد الواد التلمسانيين في الفترة من 827 - 834 هـ (1424 - 1431 م). وكذلك تدخل في أمور مراكش والأندلس. وكانت علاقاته مع الدول المسيحية علاقات ودية في بعض الأحيان، وطيدة في جميع الأوقات، واستمر النشاط الدبلوماسى المكثف مع هذه الممالك طوال فترة حكمه.
وكان للحالة الموفقة التي ترك والد أبى فارس المملكة عليها، ولقوته الحربية، بعض الأهمية في نجاحه الخارق، كما استفاد بالإضافة إلى ذلك من الشعبية التي أكتسبها نتيجة اهتمامه بالعدل، وسياسته الدينية السُنِّيّة التي تجلت في أمور كثيرة: فقد أسبغ النعم على أهل الورع، وعلى العلماء ولأشراف، واحتفل بالمولد النبوى الشريف، وعمل على مساندة المذهب السنى في جربة، وشيد العمائر المدنية والدينية وألغى الضرائب التي لا تقرها الشريعة، وعد التوسع في تسيير السفن الخاصة التي تحارب العدو نوعًا من الجهاد. وساد التمسك بحرفية المذهب المالكى بفعل سلطان الفقيه المشهور ابن عرفة (716 - 803 هـ = 1316 - 1401 م) ويرجع إليه معظم السبب في إبعاد ابن خلدون إلى القاهرة حيث توفى سنة 808 هـ (1406 م). ويستدل من ذكر قصر باردو لأول مرة سنة 823 هـ (1420 م) على مبلغ
تغلغل الأثر الأندلسى في بربر بنى حفص. وكان أبو فارس يحكم دولة زاهرة، كما كان كريمًا مع رعيته؛ فاكتسب بذلك شهرة عظيمة في العالم الإسلامى ببعد نظره وسماحته الواعية. وهذا الأمير الذي تجاوز السبعين وهزم ألفونسو الخامس ملك أراغون عند جربة قبل ذلك بعامين قد ختم حياته في أورسنيس، وهو سائر على رأس حملة لإخضاع تلمسان سنة 837 هـ (1434 م).
18 -
المنتصر (837 هـ = 1434 - 1435 م). حفيد أبى فارس، وقد كتب على هذا الأمير أن يدخل في منازعات مع أقاربه المنتقضين عليه وحلفائهم العرب، وشيد نافورة، كما شيد المدرسة المنتصرية التي خلَّدت اسمه.
19 -
عثمان (839 - 893 هـ = 1435 - 1488 م). شقيق المنتصر المتقدم ذكره، وقد واصل ما فعله جده العظيم أبى فارس. وكان عثمان ورعًا عادلًا، وبدأ في إقامة منشئات مائية كثيرة، وبنى عددًا كبيرًا من الزوايا. وشمل برعايتة صاحب الكرامات التونسى سيدى ابن عروس المتوفى سنة 868 هـ (1463 م) وقدر عليه أن يدخل مع أقاربه في نزاع طوال سبعة عشر عامًا من سنة (839 إلى 856 هـ (1435 - 1452 م) وبخاصة مع عمه أبى الحسن على. وكان ابن أبي فارس هذا قد طرد من حكم بجاية سنة 843 هـ (1439 م)، وظل بعدها مدة طويلة مناهضًا لجنود السلطان في إقليم قسنطينة، كما قام عثمان بأعمال حربية في الجنوب في الفترة من 845 إلى 855 هـ (1441 - 1451 م) وواقع الأمر، أنه ما إن انتهت المرحلة الأولى من مغامرة أبي الحسن حوالى سنة 843 هـ (1539 م) حتى كان السلام قد ساد الجزء الأعظم من البلاد. وكانت الولايات تحكم بالطريقة نفسها التي انتهجت في أيام أبي فارس - أى بعمال من العبيد المحررين المختارين الذين كان يطلق على الواحد منهم لقب قائد. وقد واجه واحد منهم يسمى نبيل، عثمانًا إذ ادعى أنه يستأثر بسلطة عظيمة في البلاط، فسجن نبيل هذا سنة 857 هـ (1453 م). وتلبَّد الجو في الجزء الثانى من حكمه ولاح شبح
المجاعة والطاعون، وعودة الاضطرابات القبيلة التي بلغت مبلغ الإزعاج بوجه خاص سنة 867 هـ (1463 م) وأخمدت هذه الاضطرابات بقسوة، بيد أنها لم تكبح تمامًا. وقام عثمان في مناسبات عدة بحملات تأديبية في الجنوب، والجنوب الغربى في الفترة ما بين سنة 862 هـ (1458 م) وسنة 870 هـ (1465 م) في هذه الأثناء استولى واحد من بنى عبد الواد على تلمسان، وأخضع مرة سنة 866 هـ (1462 م) إلا أن الأمر استلزم إخضاعه مرة أخرى سنة 871 هـ (1466 م). أما سنوات حكم عثمان الأخيرة (875 - 893 هـ = 1470 - 1488 م) فغامضة تمامًا غموض تلك السنوات الأخيرة من حكم بنى حفص. وقد مال عثمان ميلًا شديدًا إلى إقامة أقاربه ولاة على الأقاليم. ويبدو أنه شدد قبضته على تلمسان. وفى سنة 877 هـ (1472 م) اعترف والى فاس الجديد، ومؤسس أسرة بنى وطَّاس، بسيادته.
20 -
أبو زكريا يحيا (893 - 894 هـ = 1488 - 1489 م). نجح في أن يخلف جده عثمانًا وعامل أقاربه الذين تحدو حكمه بلا شفقة، واغتاله آخر الأمر ابن عمه الشقيق عبد المؤمن ابن إبراهيم.
21 -
عبد المؤمن بن إبراهيم (894 - 895 هـ = 1489 - 1490 م). خلعه من العرش أحد أبناء سلفه وعدوه في أيام معدودة من ولايته.
22 -
أبو يحيا زكريا بن يحيا (895 - 800 هـ = 1490 - 1494 م).
ربما كانت دولة بنى حفص خليقة بأن تستعيد قوتها في أيام حكمه، لولا أنه مات بالطاعون، وهو بعد شاب.
23 -
أبو عبد الله محمد (899 - 932 هـ = 1494 - 1526). ابن عم شقيق لسلفه، وقد استسلم للملذَّات، وعجل باضمحلال أسرة بنى حفص. وقد كبح أبو يحيا جماح القبائل العربية المنتقضة بصعوبة، واستخلص منه الأندلسيون بجاية وطرابلس سنة 1510 م.
24 -
الحسن (932 - 950 هـ = 1526 - 1543 م). ابن الأمير السابق،