المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الحسين بن على

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن على

- ‌المصادر:

- ‌حسين كامل

- ‌المصادر:

- ‌حسينى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسينية

- ‌المصادر:

- ‌الحشاشون

- ‌المصادر:

- ‌حشمت

- ‌المصادر:

- ‌حصار

- ‌1 - ملحوظات عامة:

- ‌2 - المغرب الإسلامى:

- ‌3 - بلاد فارس:

- ‌4 - سلطنة المماليك:

- ‌5 - الإمبراطورية العثمانية:

- ‌6 - الهند:

- ‌الحصرى

- ‌الحصن

- ‌1 - المغرب الإسلامى

- ‌المصادر:

- ‌2 - إيران

- ‌المصادر:

- ‌3 - آسيا الوسطى:

- ‌المصادر:

- ‌4 - إندونيسيا وماليزيا:

- ‌المصادر:

- ‌حصن الأكراد

- ‌الحصين

- ‌المصادر:

- ‌حضانة

- ‌المصادر:

- ‌حضرموت

- ‌حضرة

- ‌حضور

- ‌المصادر:

- ‌حطين

- ‌المصادر:

- ‌الحطيئة

- ‌حفاش

- ‌المصادر:

- ‌حفص بن سليمان

- ‌المصادر:

- ‌حفص، بنو

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حفص الفرد

- ‌حفصة

- ‌حفصة بنت الحاج

- ‌المصادر:

- ‌حقائق

- ‌حق

- ‌المصادر:

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حقوق

- ‌حقيقة

- ‌المصادر:

- ‌حكاية

- ‌الحكم الأول

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحكم الثانى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحكم بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الحكم بن عبدل

- ‌المصادر:

- ‌حكومة

- ‌1 - الامبراطورية العثمانية

- ‌المصادر:

- ‌2 - فارس

- ‌المصادر:

- ‌3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب

- ‌المصادر:

- ‌4 - شمالى إفريقية

- ‌المصادر:

- ‌5 - باكستان

- ‌6 - إندونيسيا

- ‌المصادر:

- ‌حكيم

الفصل: ‌3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب

‌3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب

(سوريا ولبنان والأردن والعراق) ظهر اتساع نظام الإدارة ونطاق الحكومة ومهامها أى السلطة الزمنية للدولة بصفة عامة) فى عصر المماليك والعثمانيين. وكان التفكك السياسى والعسكرى للمملكة قد أصبح حقيقة قبل سقوط الإمبراطورية الإسلامية وتخريب بغداد على يد المغول سنة 656 هـ (1258 م) بوقت طويل. وهكذا لم يجرد الخليفة، وإمام الجماعة، من سلطته الدنيوية فحسب، بل انتقص أيضًا من سلطته الروحية حتى تقلصت فى الحق تمامًا. فقد أرسى ولاة الأقاليم فى مصر وسوريا على سبيل المثال، دعائم حكوماتهم المستقلة إستقلالًا ذاتيًا، وأقاموا أسرًا حاكمة فى كثير من الأحيان وأصبحت الحكومة فى الأراضى الإسلامية ملكية بسيطة، الكلمة العليا فيها للحاكم القوى. وكانت الحكومة غالبًا مستبدة قاسية، وكثر فى كل مكان الحكام الذين يستطيعون أن يسبغوا الشرعية على حكمهم بالقوة الغاشمة. وفى الهلال الخصيب، أدت الاختلافات الطائفية التقليدية العرقية والقبلية إلى أن تقوم مرة أخرى الأسس الحقيقية للحكومة والسياسة.

ويرتبط قيام الحكومة الدنيوية الحديثة والإدارة فى مصر بحكم محمد على الكبير (1805 - 1849). فقد أسس دولة حديثة مستقلة استقلالًا ذاتيًا هو وورثته من بعده. فبالإضافة إلى تكوين جيش قوى حديث على الطراز الأوروبى، أقام محمد على إدارة مركزية تحكمت وراقبت عن كثب شئون الدولة. واستعار محمد على من أوروبا فكرتين أساسيتين جديدتين، وبالنسبة لمصر طبق أفكارًا مبتكرة هى: أصول الإدارة الدنيوية الرشيدة ومهام الحكومة الواسعة وسلطاتها التنظيمية. وقد امتدت هذه السلطات لتشمل كل مظهر من مظاهر الحياة العامة: الزراعة والتجارة والداخلية والخارجية والصناعة والتعليم. وتركت الأحوال الشخصية فحسب لحكم الشريعة والمحاكم الشرعية، وحتى هذا المجال من مجالات الحياة كان يخضع لرقابة حكومية مباشرة فى ظل سياسة محمد على المركزية. وهكذا كانت هناك بعد

ص: 4177

بيروقراطية مقصودة للعلماء، وإصلاح تدريجى فى إدارة الأزهر ومعاهده، وسيطرة مالية تفرضها الحكومة آخر الأمر على الأوقاف والممتلكات الأخرى للمؤسسات الدينية.

وفى باكورة حكمه، أنشأ محمد على مجلسًا حكوميًا هو "الديوان العالى" لمساعدته فى جميع شئون الحكومة والإدارة، ويرأس هذا المجلس نائبه "كتخدابك" الذى كانت له سلطات واسعة فى جميع أمور الحكومة. ويعد هذا المجلس الممهد لمجلس الوزراء الحديث لأنه كان حتى 1878 يعرف بالديوان الخديوى أو ديوان المعاونة. وفى نفس الوقت شكل محمد على مجالس قائمة بذاتها لكل فرع من فروع الحكومة مثل: الجهادية والبحرية والتجارة والتعليم والأشغال العمومية والشئون الخارجية. وقامت هذه المجالس مقام الوكالات التنفيذية أو المصالح التابعة لمجلس الدولة الحكومى. وأدى اتساع المهام الحكومية إلى تكوين مجلس أعلى جديد للدولة سنة 1834 يتكون من رؤساء المجالس القائمة بذاتها. وضم إلى عضويته العلماء وكبار التجار وأعيان المديريات. أما "مجلس المشورة" الذى أنشئ مبكرًا سنة 1829 ، فلم تكن له سوى مهام إستشارية، أسسه محمد على بنية ضم أكبر عدد من الزعماء الوطنيين والمحليين والقبليين إلى نظام حكمه.

ويعتبر قانون السياستنامه أو القانون النظامى أكثر الأشياء دلالة على تأسيس الحكومة المنظمة والإدارة المنهجية، بالإضافة إلى نجاح الحاكم فى فرض النظام العام. وفى الواقع، كان هذا إجراءًا اتخذ لإعادة تنظيم الحكومة حدد نظامها ومجال مسئوليتها ومهام كل مصلحة. فقد أعيد تنظيم الحكومة فى سبع مجالس أو مصالح أو وزارات أولية، ويسيطر "الديوان العالى" الذى أصبح "الديوان الخديوى" فيما بعد، على السلطة القضائية، وخاصة بعض الجرائم التى تقتضى حفظ النظام العام والأمن فى القاهرة، بالإضافة إلى مسئوليته عن السياسة الداخلية العامة. وكانت هناك مصلحة تشرف على الدخل من

ص: 4178

المديريات فى مصر وكريت والسودان والأراضى الأجنبية الأخرى. كما كانت مسئولة عن دخل المكوس ولها السلطة فى تعيين مفتشى الأقاليم وغيرهم. وبالإضافة إلى مصالح الحربية والبحرية، أشرف ديوان المدارس على نظام المدارس الجديد فى الدولة ومطبعة الدولة فى بولاق وما يتصل بذلك من نشاطات. وكانت مصلحة شئون الفرنجة هى البداية لوزارة العلاقات الأجنبية والتجارة الخارجية. وأخيرًا أنشئت مصلحة المصانع التى عنيت بمشاريع الدولة الصناعية.

ومع إعادة التنظيم الشاملة تلك أنشأ محمد على "الديوان الخاص" للنظر فى المسائل السياسية العامة، ووضع التشريعات، وإصدار التوجيهات لكل مصالح الحكومة. كما كان هناك مجلس خاص فى مصلحة المالية والدخل للنظر فى مسائل السياسة المالية. وكانت إعادة تنظيم الحكومة وإصلاحها على يد محمد على، هى أول إدارة حديثة استحدثت فى البلاد. وكان لجميع مصالح الحكومة ومجالسها مهام تنفيذية صارمة، كما كانت مسئولة أمامه - وأكثر من هذا، فإن محمد على أعاد تنظيم مصالح البلاد فقسمها إلى 7 مديريات و 5 محافظات عين لها أول مديرين للأقاليم والنواحى باعتبارهم موظفين عموميين للحكومة المركزية. كما نظم قوة شرطة حديثة يرأسها حاكم أو مفوض يعمل تحت إمرته ضباط ينتشرون فى أرجاء البلاد كافة.

والقضاء نفسه تأثر بنظام محمد على الحديث. فبالرغم من أن هذا الميدان ظل إلى حد كبير من مهام المؤسسات الدينية ومسئوليتها، إلا أن محمد على قبيل سنة 1830، منح سلطات قضائية لمجلس الدولة. وفى سنة 1842، إستحدثت هيئة جديدة هى "الجمعية الحقانية" التى كانت إرهاصا بقيام مجلس إدارى الدولة، وخولها سلطة محاكمة كبار موظفى الدولة، والنظر فى المخالفات الإدارية التى تحيلها عليها مصالح الحكومة على اختلافها. كما أسس "مجلس التجارة" ليقضى فى المنازعات التجارية بين أهل البلاد بعضهم البعض وبينهم وبين الأجانب. وبهذا بدأت سلطة الحكومة العلمانية الحديثة تتعدى تدريجيًا على مجال من

ص: 4179

مجالات سلطة الدولة، كان حتى ذلك الوقت مدخرًا للشريعة.

والتعليم مجال آخر تقلصت فيه السلطة التقليدية إذ خرّجت مدارس الدولة العلمانية والكليات الجديدة ومدارس التجارة والتعليم الفنى والبعثات الدراسية إلى أوربا، مجموعة من الإداريين المصريين الوطنيين والفنيين للعمل بالدولة، فساعدوا على زيادة تطور الإدارة العلمانية والحكومة الحديثة فى مصر.

ووقعت المرحلة الكبيرة الثانية فى تطور الحكومة الحديثة بمصر، فى حكم الخديوى إسماعيل (1863 - 1879) وفى هذه الفترة تدفق الأوروبيون تدفقًا على البلاد. وكان برنامج إسماعيل فى التنمية فى جميع المجالات طموحًا للغاية وسريعًا بالنسبة لموارد الدولة. وأدى هذا إلى مديونيته للدائنين الأوروبيين، وإلى إفلاسه فى النهاية وفرض الرقابة المالية والسياسية الأوروبية على الحكومة المصرية، ثم الاحتلال البريطانى فى النهاية سنة 1882. ومع ذلك، فإن هذه العوامل جميعًا أدت إلى تغييرات فى النظام الإدارى، وكان أكثرها دلالة إنشاء "مجلس النظار" فى أغسطس سنة 1878 ليكون مسئولًا عن إدارة البلاد. ودل هذا على أن حاكمًا مستبدًا مثل إسماعيل كان مضطرًا تحت الضغط إلى أن يستحدث صورة معدلة للنظام الأوروبى الذى يقوم على حكم وزارى. وكان أعضاء هذا المجلس أو الوزراء مسئولين عن سياسة مصالحهم التى يرأسونها أو إدارتها، كما كانت لهم السلطة على جميع الموظفين العموميين أو العاملين المدنيين فى تلك المصالح. وكان للمجلس رئيس أو وزير أكبر، أصبح فى ذلك الوقت مسئولًا عن اختيار الوزراء الآخرين.

وحتى ذلك الوقت، ساعد المجلس المخصوص حاكم مصر فى إدارة البلاد. وكان أعضاؤه، بالإضافة إلى رؤساء المصالح المتعددة بالحكومة، موظفين لدى الحاكم ولا تقع عليهم أي مسئولية خاصة. وأصبحت الدواوين الجديدة وزارات فعلية، وحل مجلس الوزراء محل "المجلس المخصوص" القديم باعتباره الجهاز الشرعى المعترف به لحكومة مصر.

ص: 4180

وأعاد إسماعيل تنظيم الإدارة فى مصر فقسمها إلى 13 مديرية و 8 محافظات وهو التقسيم الذى لا يزال قائمًا دون تغيير تقريبًا حتى اليوم.

وظهرت التغيرات البعيدة الأثر فى مجالات التشريع والقضاء، فى حين ظلت الأحوال الشخصية داخل نطاق القضاء الشرعى والمحاكم الدينية. وطغت القوانين الوضعية وسادت فى جميع المجالات الأخرى. وأعدت وصدرت مجموعة القوانين التجارية والمدنية والجزائية وقوانين العقوبات على الطراز الأوروبى، وأصبحت هذه القوانين فى الثمانينات من القرن التاسع عشر أساس القضاء الوطنى. وتحت حكم إسماعيل، تشكلت محاكم القضاة ومحاكم الدرجة الأولى فى جميع أرجاء البلاد. وبدأ العمل لإقامة المحاكم الوطنية فى عهد إسماعيل، وتم فى عهد توفيق باشا سنة 1883. وأسست المحاكم المختلطة للقضاء بين أهل البلاد والأجانب سنة 1876. وأصبحت وزارة العدل الجديدة مسئولة عن المحاكم الوطنية الجديدة وكل درجات القضاء فى البلاد.

وبإنشاء المراقبة الثنائية على مالية مصر سنة 1876، بلغ النفوذ الأوروبى المباشر الحكومة والإدارة المصرية. وأصبحت مراقبة الميزانية وإدارة الدين والكفاية الإدارية أهم مجالات الإصلاح الحكومى لفترة الثلاثين عامًا التالية، وخاصة فى أثناء الاحتلال البريطانى. وأصبح نظام المستشارين الأوروبيين، والإنجليز فيما بعد، للوزارات الحيوية ومديرى المرافق العامة والأشغال والمواصلات والمفتشين، دعامة هامة فى الإدارة المصرية خاصة تحت حكم كرومر.

ومنذ الاستقلال سنة 1923 وحتى الإطاحة بنظام الحكم القديم فى يولية سنة 1952، كان الجهاز الإدارى فى مصر فى جوهره، هو الجهاز الذى طوره أولًا محمد على وإسماعيل ثم أصلح تحت الوصاية البريطانية. ودعت الزيادة السريعة فى السكان، وقيام صناعة قومية صغيرة ومعها قوة عمالية صغيرة أيضًا، إلى اتساع مهام الحكومة والسلطات التنظيمية. وكان أكثرها دلالة إنشاء وزارة الشئون الإجتماعية سنة 1939 - 1940 تضم

ص: 4181

مصلحة للفلاح - وتنظر هذه الوزارة فى شئون العمل والأمن والرفاهية الإجتماعيين، على المستوى القومى فيما هو مفروض. وزادت القوة العمالية العامة خلال الحرب العالمية الثانية حتى أصبح إنشاء وزارة للعمل أمرًا حتميًا. كما تمخضت الحرب عن وزارة للتموين أيضًا.

ولعل الاقتصاد المصرى الذى ظل فى جوهره زراعيًا حتى وقت قريب يعتمد على التوزيع العادل لمياه النيل وحسن استخدامها، هو السبب فى أن أوجب واجبات الحكومة هو ما تقوم به وزارة الأشغال العمومية والرى منذ عصر محمد على. وكان الموقف السياسى بعد الحرب حريًا يخلق هوة واسعة بين الطبقات الحاكمة من السياسيين، أيًا كانت مذاهبهم السياسية، وبين الشعب. وقد خلقت مشاق الحرب، وما تبعها من بطالة، مشاكل جديدة دعت إلى التدخل الحكومى. وسرعان ما انتشرت بعد الحرب فكرة مؤداها أن المهمة الرئيسية للدولة والحكومة هى توفير الخدمات الاجتماعية وأسباب الرفاهية على نطاق واسع. زد على هذا، أن الناس أصبحوا ينظرون إلى الدولة والحكومات على اعتبار أنها أدوات للتغيير والتنمية. وفى هذه الأثناء، كانت الحكومات المصرية مشغولة كل الانشغال بالمنازعات الشخصية التى تتورط فيها الأحزاب السياسية والملك، بالإضافة إلى السعى إلى طرد القوات البريطانية من منطقة السويس. وفى الفترة بين 1946 - 1952، دعمت الحكومة قوات الشرطة والأمن، وهى من أجهزة الحكومة التى تشكلت وتطورت إلى حد كبير خلال الخمسين سنة السابقة بمساعدة البريطانيين. وكانت الحكومة تستخدم أجهزة الأمن وشتى إدارات الشرطة بأقصى قدراتها بدافع من المضايقة من قبل بعض الجماعات، مثل الإخوان المسلمين، وكانت هذه المعارضة تعمد إلى العنف أحيانًا.

وعندما انهار النظام البرلمانى، وأطاح الضباط الأحرار بالملكية فى يوليو 1952 والشهور التالية، استولى هؤلاء الضباط على مقاليد الحكم القائمة

ص: 4182

ووضعوها تحت الإشراف العسكرى. وبعد إلغاء الملكية فى يونية سنة 1953، أعلنت الجمهورية وأقيمت الحكومة على النظام الرئاسى سنة 1956، واتسمت الحكومة منذ ذلك الوقت بالسلطة التنفيذية القوية والمركزية الشديدة. وبدافع من التركيز والعناية بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وسياسات الرفاهية، قام النظام الحاكم الجديد بتغييرات جذرية فى الإدارة، إذ توسعت فى مهامها إلى حد كبير. وانبثق عدد من الوزارات الجديدة من تلقاء نفسها نتيجة لانهماك الحكومة فى التخطيط القوى للاقتصاد والنشأة السريعة للصناعة والتعبئة السياسية للجماهير، وكانت وزارة الصناعة قد نشأت من قبل سنة 1952، أما وزارة الثقافة والإرشاد القومى مثلًا، فكانت جديدة.

والتأميم الشامل للمشروعات الاقتصادية والتجارية سنة 1961، وهو الذى استحدث سياسة إشتراكية، أدى إلى تغيير آخر لمهام الحكومة لتشمل بالفعل كل مجال من مجالات العمل القومى والخاص. واتسع نشاط الحكومة فى هذه المجالات أكثر نظرًا لاتباع سياسة الإصلاح الزراعى واستصلاح الأراضى وإعادة توزيع الأراضى على الفلاحين مع ما تبعه من تكوين الجمعيات التعاونية للزراعيين والمستهلكين.

وبالرغم من أن الدولة التزمت بالتعليم المجانى والإجبارى لكل المصريين منذ 1950 - 1951، إلا أن نشاط الحكومة فى هذا المجال إتسع حديثًا إلى درجة كبيرة خاصة فى المستويات العليا للتدريب الفنى والجامعى.

وتأميم الصحافة سنة 1961 واستيلاء الحكومة على دور النشر، جعل من هذه المؤسسات والوظائف أيضًا أجهزة للدولة وحكومتها. كما ظهرت الهيئات الحكومية والخاصة فى ظل النظام الحاكم الحالى وأبرزها هيئة قناة السويس. وكان مشروع سد أسوان، الذى بدأ فى سنة 1960، من الضخامة بحيث تطلب وزارة خاصة له.

ص: 4183

وفى سنة 1966 أصبحت الوزارة فى مصر إدارة تنفيذية بمعنى الكلمة، والرئيس هو ونائبه أو نوابه الذين يختارهم يضعون سياسة حكومية قومية. وفى ظل الدستور المؤقت لمارس سنة 1964، أصبحت الوزارة وزارة رئاسية، أى ليس لها فى الحق مركز شرعى مستقل. ويتولى وزراء الوزارات شئون الحكومة بإرشاد وتعاون من وزاراتهم فيقترحون التشريعات وتقديمها للرئيس للنظر. ولكن الرئيس يرسم السياسة العامة للدولة بمشاورة حكومته (نواب الرئيس ووزراء الوزارة) فهو يصدر جميع قوانين ولوائح الأمن ويشرف على تنفيذها. ومنذ 1962، شكلت الدولة تنظيمًا شعبيًا سياسيًا لتشجيع الشعب على المشاركة فى البرامج القومية. ويقال إن الاتحاد الاشتراكى العربى ضم، فى عام 1966، ستة ملايين عضو، ونظم على المستويات المحلية والإقليمية والقومية ويرأس الرئيس اللجنة التنفيذية العليا له، ويعين هو أعضاءها. ومن ناحية أخرى، ما زالت ترتيبات الحكومة المحلية تتبع أساسًا النظام الذى نبع من الماضى. ويخضع ضباط الحكومة وكبار الموظفين العموميين لوزارة الداخلية. وما زالت هيئة القضاء تتبع النظام القديم لمحكمة النقض، التى تعمل فى ظلها 6 محاكم إستئناف وعدة محاكم ابتدائية (أى محاكم الدرجة الأولى)، والكثير من المحاكم المستعجلة. وأدخل النظام الحاكم الجديد تغيرًا جذريًا واحدًا وهو إلغاء المحاكم الشرعية سنة 1955 - 1956.

وكان حكم العراق بالنسبة للعثمانيين، قبل عام 1914، صعبًا ومكلفًا. ومع أن البلاد كانت فى ذلك الوقت منظمة فى 4 وحدات إدارية رئيسية هى ولايات الموصل، وبغداد، والبصرة ومتصرفية دير الزور، إلا أن سلطة ورقابة شتى الولاة الذين كانت تعينهم استانبول سلطة أقرب إلى الاسم من الفعل. وكان يصعب إخضاع العراق لسلطة مركزية أو ممثلين لها فى بغداد، إذ كان يسكنها مجتمع متفرق الأجناس والأديان من الأكراد والتركمان والأشوريين والشيعة واليزيدية وسكان البطائح والقبائل الأخرى.

ص: 4184

ومن المحتمل أن تطوير بعض وسائل المواصلات والخدمات البريدية فى القرن التاسع عشر قد أدى بلا شك إلى جنوحها إلى السلم وإخضاعها لسلطان مركزى.

وقد استغرقت قوات الاحتلال البريطانى عامين (1918 - 1920) لفرض بعض النظام والأمن المظهريين فى أرجاء البلاد. وأسس المفوض المدنى، تحت حكم القائد الأعلى البريطانى، نواة إدارة لحكم العراق بتكوين مصالح جديدة وحديثة فى حكومة بغداد، كان أهمها تلك التى اضطلعت بالنظام والأمن العام، خاصة وأن عدة أقاليم فى البلاد كانت تجاهر بتحديها للسلطات فى بغداد. وكذلك تلك المصالح التى تختص بالزراعة والأشغال العمومية والرى والصحة والنظافة، ناهيك عن المالية. ومورست السلطة الإدارية لمصالح الحكومة الجديدة فى طول البلاد وعرضها عن طريق تنظيم المديريات. وكان هذا بالضبط هو نفس نظام الوحدات الإدارية الذى كان موجودًا قبل الحرب العالمية الأولى، وكان عددها وقتئذ 16 وحدة. أما اليوم فهى أربع عشرة وحدة إدارية.

وعندما انتهى الحكم العسكرى فى أكتوبر سنة 1928، تشكل مجلس الدولة العراقى باعتباره جهازًا للدولة مسئولًا عن الإدارة، لكنه يستمع لنصيحة موظفين بريطانيين. واستمر الحكم بوزارة عراقية، مع بعض الوصاية البريطانية على جميع فروعه فى ظل الملكية من سنة 1922 - 1932، وهنالك حصلت العراق على استقلالها واشتركت فى عصبة الأمم. ثم انتهى الانتداب البريطانى رسميًا وحلت محله معاهدة إنجليزية عراقية.

وكان تكوين جيش قوى بعض الشئ وقوة طيران وقوة شرطة فى العراق، ضروريًا لحكم البلاد، وبحلول عام 1936، كانت الشعب الثلاث التنفيذية للحكومة قد تقدمت إلى حد كبير بالمقارنة بمثيلاتها فى دول الهلال الخصيب الأخرى. ولا يقل عن ذلك أهمية، تطور القضاء بالنظر إلى تفرق البلاد بين طوائف دينية وقبلية وسلالية. وبالرغم من ازدياد المركزية

ص: 4185

للسلطة فى بغداد، ظلت محاكم التحكيم الخاص والإجراءات الإدارية للقبائل كما هى.

وأصبحت تنمية الموارد القومية منذ وقت مبكر مسئولية الحكومة فى العراق وخاصة فى مجال الرى والزراعة. وشجعت البلديات، ومدت بالمال لتطوير مواقعها (قانون البلدية العام سنة 1929). وبتحسن المواصلات تقدمت الإدارة الحكومية المباشرة لبغداد على حساب القوى الأخرى خاصة شيوخ القبائل.

ويماثل نظام محاكم الدرجة الأولى للمديريات نظيره فى مصر. ومع ذلك، ظل "القانون المدنى العثمانى" مطبقًا فى العراق حتى سنة 1951 - 1952، وهنالك حلت محله قوانين أخرى. وكما فى مصر تتحكم وزارة الداخلية فى العاصمة فى إدارة المديريات، حتى أن المبادرات المحلية ظلت محدودة. ويعد هذا شيئًا بالغ الأهمية فى العراق حيث تميل الجماعات إلى تحدى السلطة المركزية للحكومة، ومع هذا، تشكل بمرور السنوات جهاز دائم من الموظفين المدنيين تزايد عدد أفراده، كما هى الحال فى الدول العربية الأخرى، خاصة منذ بداية الانقلابات العسكرية فى يولية سنة 1948، وهى الانقلابات التى أدت إلى أن تتوسع الحكومة فى الخدمة العامة. واستمرت هيئات الخدمة العامة فى استيعاب العراقيين المتعلمين. ونهض القانون الصادر عام 1957 بإجراءات الخدمة المدنية، وأنشأ "مجلس الخدمة العامة". وكما فى مصر، أصبحت إدارة العمل والأمن الاجتماعى مسئولية الدولة سنة 1939 - 1940، وتوسع فيها سنة 1956. كما أصبح من أكبر مهام الحكومة منذ 1953، ترشيد استخدام موارد رسوم البترول لمشاريع التنمية الرئيسية. كما أصبح التعليم الإجبارى مسئولية الدولة وتديره الحكومة منذ سنة 1940. ولكن عدم الاستقرار السياسى الذى ينعكس بعضه فى التورط الدائم للجيش فى السياسة والفتن القبلية المتعددة، والصراع الدائم بين الحكومة والأكراد، أثر بطريقة عكسية على سير الأجهزة الإدارية فى عملها برفق ويسر. كما تضاءلت كفاءة الحكومة منذ أغسطس

ص: 4186

سنة 1958، حين أدى "القانون ضد التآمر" إلى أعمال التطهير وقيام المنظمات البرلمانية فى صورة أحزاب سياسية ومليشيات شعبية وغير ذلك.

ومنذ الانقلاب السياسى سنة 1958، أصبح هناك اتجاه فى الجيش للسيطرة على الدولة والحكومة. وتمخض عن هذا فوضى فى الإجراءات الحكومية. وأدخل الدستور الجديد لمايو سنة 1964 قوى تنفيذية كبيرة فى نظام رئاسى للحكومة، تفوق مثيلاتها فى ظل الملكية. ويعين الرئيس وزراء الوزارة ويعفيهم من مناصبهم، ويحكم بمعاونة مجلس الدفاع القومى. وحدث فى العراق ما حدث فى مصر. فأصبحت هيئة حكومية قومية واحدة هى التى أعلن عنها، ونعنى بها "الاتحاد الاشتراكى العربى العراقى". زد على ذلك أنه قد صرح بأن الدولة مسئولة عن التخطيط الذى يوجه الاقتصاد القومى ويتوسع فى المنهج التعاونى، واتخذت حديثًا سلسلة من التأميم للمشروعات.

وفى سوريا ولبنان، أعاقت الانقسامات السياسية والاجتماعية والسلالية الحكومة فى جميع الأوقات، وربما كان ذلك أوسع مدى مما حدث فى العراق. وقد حاول العثمانيون تطبيق صورة من صور الإدارة هنا تقوم على تقسيم البلاد إلى مديريات، ومع هذا. استطاع الحكام العثمانيون أن يحكموا حكمًا مباشرًا دمشق والمدن الكبرى الأخرى فحسب، وتم لهم ذلك حتى جاء الغزو والاحتلال المصرى سنة 1831 - 1832. أما فى سائر المناطق، فقد حكمها شيوخ القبائل والزعماء المحليين لا يزعجهم فى ذلك مزعج. وقد حاولت السلطة المصرية فى تلك الفترة القصيرة من حكمها إقامة حكومة مركزية قوية، وفرض ضرائب منتظمة لمواجهة تلك الاتجاهات الانفصالية المحلية. وعمدت السلطات العثمانية إلى الأخذ ببعض الإصلاح الذى تفرع من نظام "التنظيمات"، فقامت بإجراء فى الإصلاح الإدارى يهدف إلى دفع مرتبات منتظمة للعاملين المحليين، وتوسيع التسهيلات التعليمية. وسرعان ما دخل النفوذ الأوروبى

ص: 4187

والأمريكى بعد ذلك إلى المنطقة فى صورة بعثات دينية وتعليمية، واقترن هذا بتحسن المواصلات فى البلاد.

وظلت لبنان، أو الجزء الجبلى منها على الأقل، حتى منتصف القرن التاسع عشر، تحكمها عائلتان قويتان على اعتبار أنها إمارة، وقضى على العائلة الثانية، وهى عائلة الشهابيين سنة 1842، وقسم العثمانيون الولاية إلى ناحيتين: ناحية درزية وناحية مارونية، لكل منها مدير ومجلس إدارى يمثل الجماعات الدينية، وكان هذا بمثابة اعتراف غير رسمى بالأساس الطائفى للحكومة والإدارة فى لبنان، ولكنه أدى أيضًا إلى مشكلة خطيرة فى الفترة ما بين 1856 - 1860 تفاقمت فى صورة مذابح طائفية وتدخلت فيها الدول. وعلى هذا صدر قانون أساسى فى 1861 - 1864 يجعل لبنان سنجقية مستقلة استقلالًا ذاتيًا يحكمها والٍ مسيحى غير لبنانى يعينه السلطان وتوافق عليه الدول.

وأدار هذا الوالى البلاد بمساعدة مجلس إدارى منتخب. وقد جسد هذا المجلس مبدأ الطائفية فى الحكومة والإدارة.

وأقام الانتداب الفرنسى سنة 1920 "دولة لبنان الكبرى" بإضافة المناطق الساحلية: طرابلس وصيدا وصور وبعلبك والبقاع وبيروت إلى السنجقية الأصلية لجبل لبنان. وكذلك أقر الدستور الصادر فى سنة 1926 الأساس الطائفى للحكومة رسميًا بجعل رئيس الجمهورية اللبنانى مسئولًا عن الإدارة أمام المندوب السامى الفرنسى. وخلال الفترة من 1926 - 1932 اضطلعت حكومة لبنانية قومية بالمهام الإدارية ولكن تحت الوصاية الفرنسية. فقد عين المندوب السامى الفرنسى العاملين بالحكومة فى الدول الأربع التى قسمت إليها سوريا أولا سنة 1920 (انظر ما يأتى). ومع ذلك، أدارت السلطات الفرنسية المرافق مثل: الجمارك والبريد والبرق مباشرة وبالتعاون فى كل من لبنان وسوريا.

ومنذ عام 1934، أصبح رئيس لبنان مارونيًا، طبقًا للعرف المعمول به، ورئيس الوزراء سنيًّا مسلمًا. وكان

ص: 4188

التركيز على سلطة تنفيذية قوية فى الحكومة تتمثل فى الرئيس ويقوم بها مجلس للوزراء. ويستطيع الرئيس أو المجلس أن يسنا التشريعات ويصدرا القوانين بالفعل. وامتد عمل جهاز الحكومة المركزية إلى المديريات، إذ يشرف وزير الداخلية ويسيطر على الإدارة المحلية والإقليمية. وهناك خمس مديريات هى: بيروت ولبنان الشمالية وجبل لبنان ولبنان الجنوبية والبقاع. وتتركز الإدارة الحكومية بصورة شديدة حتى أن مديرى المديريات ليسوا إلا ممثلين للسلطة المركزية، وليس للمجالس المحلية إلا مهام تنحصر فى تقديم النصح. ومنذ عام 1955، ظهرت محاولة للتخفيف من حدة مركزية الإدارة إلى حد ما.

وبسبب الأساس الطائفى المميز للسياسة والحكومة اللبنانية، ظهر اتجاه شعبى ينظر للوزراء ومديرى المصالح الحكومية نظرته إلى ممثلين للمصالح الطائفية أكثر من تمثيلهم للنشاط الخاص بالوزارات التى يتولونها. وظل توزيع مناصب الخدمات المدنية، مثل مناصب الوزراء، خاضعًا للموازنة بين المصالح الطائفية. وتحت ضغط الأفكار القومية الحديثة، ظهرت محاولة للإصلاح الإدارى سنة 1958 - 1959 ووفق على قانون للعاملين سنة 1959، وأنشئ بمقتضاه أيضًا مجلس للخدمات العامة، وكان هدف هذا التشريع الجديد إقامة مستويات عامة محايدة ومعايير للتعيينات فى الخدمة العامة وعلى معظم المستويات.

وتحكم الدولة فى لبنان من عدة وجوه عن طريق التوفيق بين مصالح الطوائف الدينية المختلفة، أكثر من حكمها بتدبير الحلول التى تفرض على الناس الأخذ بأحكامها الفعالة، والدولة تدير أيضًا المرافق. ومن ثم، فإن كثيرًا من أعمال الحكومة يقضى بمعرفة الحاشية التى تحيط بالرئيس سواء كانت رئيس وزراء أو وزير فى الوزارة. وكما يمارس الرئيس سلطة كبيرة، فإن مجلس النواب، وهو هيئة تشريعية وحيدة، يجنح إلى الخضوع للهيئة التنفيذية.

ص: 4189

وفى مجال إقامة العدل، حلت قوانين مدينة وقوانين عقوبات جديدة محل القوانين العثمانية فى وقت مبكر يرجع إلى سنة 1931 - 1932، وأصبح لوزير العدل مع ذلك مهام تنفيذية بحتة. ويقيم العدل "المجلس الأعلى للعدل" الذى يهيمن على القضاة. ونظمت المحاكم آخذة فى الكثير بالنظام المتبع فى سوريا والعراق، أى أنه أصبحت هناك محاكم درجة أولى ومحاكم استئناف فى كل قاعدة من قواعد المديريات الكبرى ومحاكم نقض فى العاصمة، كما كان هناك أيضًا مجلس للدولة لتطبيق العدالة الإدارية. وعلى خلاف الموقف فى مصر، ظلت المحاكم الشرعية والدينية تمارس مهامها فى مسائل الأحوال الشخصية.

ولما كان التاريخ السياسى لسوريا منذ الانتداب الفرنسى وفى أثنائه شديد الاضطراب، فإن الجهاز الإدارى للحكومة فيها سار على منوال لبنان بالرغم من افتقاد سوريا للأساس الطائفى الذى نشأ فى لبنان وفهم ضمنًا. وبعد تقسيم ما يعرف الآن بالجمهورية السورية إلى أربع دول: اللاذقية للعلوييين، وحلب ودمشق وجبل الدروز، وحدّ الفرنسيون كل هذه الدول فى دولة واحدة سنة 1936، وقسموا الدولة الجديدة إلى تسع مديريات، بالإضافة إلى مدينة دمشق، يديرها مديرون معينون تعاونهم مجالس محلية. وأنشأ دستور سنة 1950 وزارة مسئولة أمام مجلس نيابى واحد. وفى سنة 1953، وفى ظل الدستور الجديد للشيشكلى، أصبح هؤلاء مسئولين أمام الرئيس. ومن ثم كان الاتجاه فى سوريا أيضًا إلى إقامة سلطة تنفيذية أوسع. وأخذت الحكومة على عاتقها مسئولية أكبر لتنظيم الاقتصاد القومى والتخطيط له، كما حدث فى البلاد الأخرى.

وفى أثناء الوحدة القصيرة الأجل مع مصر من 1958 - 1961، كان يحكم سوريا مجلس تنفيذى إقليمى قائم بذاته يخص الإقليم الشمالى (سوريا) من الجمهورية العربية المتحدة. وحاولت السلطات المركزية فى القاهرة شيئًا فشيئًا جعل الحكم أكثر

ص: 4190

انسيابًا فى إقليمى الجمهورية العربية المتحدة. وبذلت الجهود لفرض سيطرة أكبر على الاقتصاد السورى.

ولقيت السلطات فى مصر بعض العوائق السياسية، وألغت القاهرة بالفعل الوزارة الإقليمية سنة 1961، وأصبح يحكم سوريا حاكم إدارى مسئول أمام رئيس الجمهورية العربية المتحدة أو نائبه فى سوريا.

ويشبه تنظيم القضاء فى سوريا شبهًا قويًا نظيره فى لبنان والعراق إلى حد كبير بالرغم من وجود محاكم إدارية قائمة بذاتها فى سوريا ومجلس للدولة. وأدخل دستور سنة 1950 المحكمة العليا لتستوثق من صلاحية القوانين والتشريعات.

وبالنظر للفورات السياسية المتعددة فى سوريا، فمن الإنصاف القول بأن الجيش فى الوقت الحاضر (سنة 1966) يتحكم فى إدارة الدولة.

وتضع الأردن من حيث هى ملكية دستورية، مسئولية الحكم والإدارة على عاتق وزارة يكون أعضاؤها مسئولين أمام الجمعية الوطنية منذ سنة 1952، حين حَلَّ دستور 1952 محل دستور 1947. وخولت الجمعية مجلس الوزراء سلطة أكبر سنة 1955، وخاصة فى مسألة التصويت على الثقة فى الحكومة واستقالتها فى حالة حل الجمعية الوطنية.

وتحت الانتداب البريطانى 1922 - 1946، حكم الملك الأردن، وكانت وقتها تسمى إمارة شرقى الأردن، بمساعدة مجلس تشريعى أنشئ سنة 1929 بمقتضى القانون الأساسى لسنة 1928 ومجلس تنفيذى.

وباستقلال الأردن عام 1946 وإعلان الملكية، أصبح المجلس التنفيذى مجلسًا للوزراء. وكان فى شرق الأردن مستشارون بريطانيون كما كانت الحال فى العراق، وكان الممثلون للمندوب السامى البريطانى فى فلسطين، المقيم فى عمان، يشيرون على حكومة شرق الأردن فى جميع المسائل السياسية الهامة. والحق أن جميع القرارات المتعلقة بالدفاع والمالية والعلاقات الخارجية لا بد أن تحظى بموافقته. وكانت قوات الأمن العامة

ص: 4191

والجيش بخاصة تنظم وتدرب على يد الضباط البريطانيين، وتزودها الحكومة البريطانية بالمال وتدعمها بالقروض حتى 1956.

وحتى سنة 1952، كانت للملك سلطات واسعة للحكم يتولاها بمساعدة قواته الخاصة بالأمن واحتفظ القضاء إلى حد كبير بالطابع العثمانى مستخدمًا القوانين العثمانية التجارية والمدنية وقوانين العقوبات حتى سنة 1950. ومنذ ذلك الوقت، أعلنت واستخدمت قوانين جديدة. وأصبحت هناك محاكم مدنية ودينية ومحاكم خاصة بالإضافة إلى الديوان الخاص الذى يفسر القوانين.

وفى حين خول الدستور الجديد لعام 1952، سلطات أكبر للوزارة والهيئة التشريعية، تقلصت سلطات العرش، فنشأ من إدماج فلسطين الوسطى فى المملكة، إزدياد المركزية فى الشئون الإدارية وتزايد سريع فى عدد الموظفين بالخدمة العامة. ويرجع هذا إلى العدد الكبير من السكان اللاجئين الذى انتقل إلى البلاد مع هذا الإدماج حاملًا معه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما زاد وزراء الوزارة بتطور المهام الحكومية. وأدت الحاجة إلى التشريع الاجتماعى والتخطيط الاقتصادى للتنمية إلى تشكيل أجهزة رسمية مثل "هيئة التنمية" و"هيئة خليج العقبة" وبنك التنمية وبنك التعمير.

ويتضمن التقسيم الإدارى للبلاد الآن (1966) ثمانية ألوية. كل لواء يديره مدير تعينه الحكومة المركزية. ثم تنقسم هذه الألوية إلى نواح يحكمها قائمقام، ثم للبلدان والقرى عمدًا ومجالس بلدية، وللنواحى مجالس للإدارة.

وقد اتسم الحكم فى مصر وبلاد الهلال الخصيب بسمة أساسية هى تركيز الإدارة وسرعة التطور والتوسع فى مهام الحكومة اللذين صاحبا الحاجة المتزايدة لخدمات الإصلاح والخدمات العامة.

هذا باستثناء لبنان التى قام بها نظام متعدد يسمح بحسم الصراع بالاعتماد على أسلوب يقوم على

ص: 4192

الموازنة الدقيقة بين المصالح الطائفية، أما الحكومة فى مصر والعراق وسوريا بل الأردن فإنها تقوم على المركزية الشديدة ويسيطر عليها الجيش سيطرة مطلقة. وفى حين نلاحظ فى لبنان أن الشعب يفضل قيام حكومة صغيرة بقدر الإمكان، وهذا لا يصدق على سائر بلاد الهلال الخصيب ومصر، ففى هذه البلاد، تعد الحكومة على تفاوت فى المقدار، جهازًا للتغيير والتنمية لا بد أن يوفر للناس الخدمات الاجتماعية والفوائد الاقتصادية. وأكثر من هذا، فإن الحكومة فى مصر والعراق تجنح إلى التحكم الفردى المتسلط. وعلى هذا، لا تعكس الأحكام الدستورية فى هذه البلاد بدقة أسلوب الحكومة والإدارة. ويبدو أن السلطة التنفيذية تهيمن على المجالس التشريعية أينما وجدت وأينما حلت. وحدث أخيرًا فى المجالس التشريعية وخاصة فى مصر، أن نما الوعى إلى التمثيل المشترك أو المهنى. وعلى هذا، فليست هناك أى صلة بين حياة الوزارة أو الحكومة (وخاصة اليوم تحت النظام الرئاسى) وبين حياة هيئات التشريع فى تلك البلاد. وبعبارة أخرى، قلما تلتزم السلطة التنفيذية بحدود الجهاز التشريعى المنتخب ما دامت هذه السلطة تحظى بتأييد الجيش.

ولم تستطع الحكومة فى سوريا أو العراق، وإلى حد طفيف فحسب فى لبنان، تفويض الولاء للطائفة والقبيلة والأبرشية تفويضًا تامًا. ولعلنا إذا استثنينا لبنان، استطعنا أن نقول إن الحكومات فى هذه البلاد استمرت تعتمد على القسر والإجبار أكثر من اعتمادها على الإقناع فيما تؤديه من مهام. وإنا لندخل فى هذه البلاد الأردن وإن كان السبب فيها مختلفًا ألا وهو القضية الفلسطينية.

وربما يتمثل الدور الرئيسى الذى تلعبه الحكومة بالقوة فى هذه البلاد أيضًا فى حكم الجيش للدولة، فإن لم يكن ذلك هو الشأن، كان هو السبب فى اختلاط العناصر العسكرية والمدنية فى حكمها.

ونظرًا للتركيب الاجتماعى، والتباين الدينى والعرقى، فإن المهمة الرئيسية

ص: 4193

للحكومة فى العراق والأردن ظلت سنوات عدة تقوم على فرض النظام والأمن العام، أو بعبارة أخرى، فإن المهمة الأساسية للحكومة المركزية كانت هى التأكد من أن سلطتها تحظى بالاعتراف والقبول العام من جانب كل الجماعات التى تضمها الدولة. وكان هذا ضروريًا أيضًا لتحصيل الضرائب على نحو أكثر تنظيمًا وتوفير الدخل الكافى للتنمية الزراعية وتنفيذ الأشغال العمومية.

وفى سوريا والعراق خاصة، أدت الاضطرابات السياسية الحديثة كما تتبين فى الانقلابات والانقلابات المضادة والتطهيرات، إلى المعاناة الشديدة التى تلاقيها هيئات العاملين الإداريين الدائمة فى النهوض بأعمالها. وأسوأ من هذا عدم ثقة الشعب فى جميع نواحى الإدارة والشك فيها مما يجعل عمل أى حكومة أكثر صعوبة.

وقد خبرت جميع البلاد التى تناولناها هنا لونًا من الوصاية من قبل الاحتلال الإنجليزى أو الفرنسى. وأثر ذلك على بنائها الحكومى وإجراءاتها، وخاصة فى مجال القضاء والإدارة الإقليمية وإدارة التعليم العام. والاستقلال الحقيقى حديث جدًا بالنسبة لهذه البلاد، حتى يمكن للمرء أن يقول إنها تمر بفترة انتقالية. ومع هذا فالفرق بين الحكومة فى هذه البلاد الآن وفى الماضى، علاوة على المحافظة على القانون والنظام، هو أنها اضطلعت بمهام جديدة واسعة فى التخطيط، كما عالجت فى بعض الأحيان الاقتصاد القومى، ووفرت خدمات بعيدة المدى للجمهور.

ويبدو أن تنمية أحدث فى بعض هذه البلاد قد قدر لها أن تؤدى إلى تزايد المركزية، ومن ثم سيطرة وتنظيم إدارى أقوى، وهذه ظاهرة فى الدول ذات الحزب الواحد كالاتحاد الاشتراكى العربى فى مصر، والاتحاد الاشتراكى العربى العراقى فى العراق. وهكذا لا تمارس السيطرة على الدولة عن طريق الحكومة والإدارة فحسب، بل تمارس أيضًا عن طريق تنظيم سياسى شعبى ليس له منافسون، فقد حرمهم القانون حتى من حق الوجود العام.

ص: 4194