المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حكاية لهذه الكلمة تاريخ يتفاوت خطره - لا من الناحية اللغوية - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الحسين بن على

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن على

- ‌المصادر:

- ‌حسين كامل

- ‌المصادر:

- ‌حسينى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسينية

- ‌المصادر:

- ‌الحشاشون

- ‌المصادر:

- ‌حشمت

- ‌المصادر:

- ‌حصار

- ‌1 - ملحوظات عامة:

- ‌2 - المغرب الإسلامى:

- ‌3 - بلاد فارس:

- ‌4 - سلطنة المماليك:

- ‌5 - الإمبراطورية العثمانية:

- ‌6 - الهند:

- ‌الحصرى

- ‌الحصن

- ‌1 - المغرب الإسلامى

- ‌المصادر:

- ‌2 - إيران

- ‌المصادر:

- ‌3 - آسيا الوسطى:

- ‌المصادر:

- ‌4 - إندونيسيا وماليزيا:

- ‌المصادر:

- ‌حصن الأكراد

- ‌الحصين

- ‌المصادر:

- ‌حضانة

- ‌المصادر:

- ‌حضرموت

- ‌حضرة

- ‌حضور

- ‌المصادر:

- ‌حطين

- ‌المصادر:

- ‌الحطيئة

- ‌حفاش

- ‌المصادر:

- ‌حفص بن سليمان

- ‌المصادر:

- ‌حفص، بنو

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حفص الفرد

- ‌حفصة

- ‌حفصة بنت الحاج

- ‌المصادر:

- ‌حقائق

- ‌حق

- ‌المصادر:

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حقوق

- ‌حقيقة

- ‌المصادر:

- ‌حكاية

- ‌الحكم الأول

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحكم الثانى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحكم بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الحكم بن عبدل

- ‌المصادر:

- ‌حكومة

- ‌1 - الامبراطورية العثمانية

- ‌المصادر:

- ‌2 - فارس

- ‌المصادر:

- ‌3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب

- ‌المصادر:

- ‌4 - شمالى إفريقية

- ‌المصادر:

- ‌5 - باكستان

- ‌6 - إندونيسيا

- ‌المصادر:

- ‌حكيم

الفصل: ‌ ‌حكاية لهذه الكلمة تاريخ يتفاوت خطره - لا من الناحية اللغوية

‌حكاية

لهذه الكلمة تاريخ يتفاوت خطره - لا من الناحية اللغوية وحدها ولكن من ناحية تطور الأدب العربى أيضًا. ومما يؤسف له أن هذا التاريخ جاء مضطربًا فيما كتبه لين " Lane"(ص 618 وما بعدها). والعجيب أننا إذا راجعنا معاجم اللغة كاللسان مثلا (جـ 18؛ 207 وما بعدها) فإنا نجد أن المعانى التى أوردتها لهذه الكلمة تخالف كل المخالفة ما اصطلح عليه كتاب العربية فى العصور الأخيرة؛ وهى لا تذكر أبدًا "حكاية" بمعنى "قصة" أو "حديث". ولست تجد هذا المصدر مستعملا فى القرآن بهذا المعنى كذلك. وإنما يرد فيه كثيرا "الحديث" إسما، "وقص""ونبّأ". فعلا (انظر ما كتبه شبرنكر Sprenger عن أساطير العرب فى كتابه جـ 2، ص 390 وما بعدها). وفى الحديث وردت "حكاية" بمعنى "محاكاة الفعل"، وأكثر استعمالها فى القبيح من المحاكاة (انظر اللسان: المصدر نفسه).

مما تقدم يتبين أن كلمة "حكاية" تطابق الكلمة اليونانية "مميسيس"، ومن ثم جاءت جميع معانيها، فهى أولا تأتى بمعنى "المحاكاة" رغبة فى التسرية، و "الحاكية" المحترف هو الذى يقلد أيضًا، ثم ترد بمعنى رواية فتقول "حكيت عنه الحديث حكاية". وقد تدل على مجرد المشابهة، كما لو كان شئ يحاكى آخر لشبه بينهما (1) وظلت معانى الكلمة على هذا النحو خلال القرون الأربعة الأولى على الأقل، واستمرت زمانًا أطول فى اصطلاح رجال الدين. ويقول أبو البقاء فى "الكليات"(ويرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادى وعنها نقل محيط المحيط جـ 1، ص 431) إنه "لا يقال "حكى" الله كذا إذ ليس لكلامه مثل"(راجع ما ذكره البيضاوى فى تفسيره للقرآن سورة ص وابن عربشاه، فاكهة الخلفاء، طبعة فريتاغ Freytag ص 108، س 25).

أما كتاب الفهرست، ويرجع تاريخه إلى الجزء الأخير من القرن الرابع،

(1) المحاكاة المشابهة تقول فلان يحكى الشمس حسنا ويحاكيها بمعنى - انظر لسان العرب مادة "حكى".

ص: 4102

فيستعمل "الأخبار" وأحيانًا "الأحاديث" بمعنى الحكايات، ويستعمل "أسمار" و "خرافات" و"أحاديث" بمعنى القصص المقصود منه التسلية، ولكنه لا يستعمل كلمة "حكايات" فى هذا المعنى أبدا (انظر مثلا قوله المشهور عن أصل ألف ليلة وليلة، ص 304 وما بعدها وص 313). وقد تطلق "أسمار" على الأخبار الصحيحة (انظر الأسمار الصحيحة ص 305، س 9). أما كلمة "حديث" فتستعمل دائما للدلالة على الخبر فى أوسع معانى الكلمة. ولا تعنى كلمة "حكاية" فى كتاب الفهرست إلا رواية القول أو نقل الخط. فمثلا جاء فى ص 275، س 20 قوله: "حكاية من خط

" وفى س 21 قوله: ما هذه حكايته، أى ما هذا قوله.

وتجد استعمال المصدر فى هذا المعنى نفسه عند حمزة الإصفهانى المتوفى فى مستهل القرن الرابع (انظر ص 17، س 12؛ ص 64، س 1؛ ص 65، س 13؛ ص 201، س 4، طبعة Gottwaldt) وفى كتاب الأغانى لأبى الفرج الإصفهانى ترد "قصة" و"حديث" و "خبر" مستعملة جميعا من غير تفرقة بمعنى الأحاديث. أما "حكاية" فترد فى نفس المعنى الذى جاء فى كتاب الفهرست وعند حمزة الأصفهانى (طبعة بولاق جـ 1، ص 4، س 20 انظر قوله "هذا ما سمعت من أبى بكر حكاية واللفظ يزيد وينقص" .. ) وفى الأغانى ورد الفعل "حكى" بمعنى "حدث" أيضًا (انظر جـ 8، ص 162، س 7، 10) وقد أورد الفعل والمصدر معا مستعملا المصدر بمعنى المحاكاة.

ويظهر أن الاسم احتفظ بالمعنى الأصلى زمنًا أطول، ففى مروج الذهب للمسعودى المتوفى سنة 345 - 346 هـ عبارة مشهورة عن أصل ألف ليلة وليلة استعمل فيها كلمة "خرافات" فى كلامه على مثل هذه الحكايات، ولا ترد عنده "حكاية" بمعنى "قصة"، وإنما وردت بمعنى المحاكاة (جـ 8، ص 16؛ انظر جـ 4، ص 89 وما بعدها) وقد أورد ده ساسى فى رسالته عن ألف ليلة وليلة هذه العبارة فى أربع روايات. ويمكن القول بوجه عام أن الترجمات القديمة لهذه الكلمة كانت خاطئة (انظر Barbier de: Kosegarten Meynard Cottwaldt).

ص: 4103

وعندما نبلغ الحريرى المتوفى سنة 516 للهجرة نجد فى أوائل المقامات "حكى" و"حدث" و"أخبر" و"روى" كلها مستعملة بمعنى "قص" من غير تفرقة بينها، ولكنه يستعمل أيضًا "حكى"(طبعة ده ساسى جـ 2، ص 420) بمدلولها القديم بمعنى "شابه". ويظهر أن هذا المعنى قد بطل استعماله فيما بعد إلى حد أن الشراح اضطروا إلى تفسيره، وقد بلغ تطور معنى هذه الكلمة نهايته عند الحريرى.

على أننا إذا رجعنا إلى أقدم مخطوطات ألف ليلة (مخطوط Galland ومخطوط سول وشمول فى توبنكن Tuebingen، ويرجع تاريخهما إلى صدر القرن الرابع عشر الميلادى - بعد سنة 700 للهجرة) فإنا نجد "حكاية" تستعمل باطراد بمعنى "قصة" تروى للتسلية (انظر Geschichte von: Seybold Sul u. Schmul ص 164 وما كتبته عن the story of the Fisherman and the Jinni فى مواضع مختلفة؛ Festchrift: Noeldeke) ومن بين الأسماء المستعملة فى كتاب الفهرست وعند المسعودى للدلالة على مثل هذه الحكايات كلمة "أسمار" وقد عاد إليها معناها الأصلى الذى يدل بصفة خاصة على الأحاديث والقصص التى يسمر بها الناس ليلا فى حياة الصحراء. أما "خرافات" فقد تطور مدلولها فأصبح لا يدل إلا على الأساطير المستحيلة إذا قوبلت بغيرها من الحكايات التى يقبلها العقل، وإن كانت من نسيج الخيال (انظر الدميرى: حياة الحيوان، جـ 1، ص 185 س 31، طبعة القاهرة سنة 1313 هـ، خرافات الرياضة وجـ 2، ص 101، س 25 "خرافات العرب").

ويظهر أن كلمة خرافة ما زالت تستعمل بمعنى حكاية فى طرابلس وبلاد الجزائر (انظر Marchen: Stumme aus Tripolis) .

وينتهى بنا المطاف الآن إلى سؤالين: أيمكن أن نتبع تغير معنى كلمة "حكاية" بطريقة ما وأن نفسره؟ وكيف كانت طبيعة الحكايات الأولى بالمعنى الجديد لهذا اللفظ؟ لقد وجدت دائما فى اللغة العربية أخبار وأحاديث تجد بداياتها الأولى فيما ورد فى القرآن

ص: 4104

وفيما نقله عن الفارسية نضر بن الحارث (انظر ابن هشام ص 191) وتجد خواتيمها فى "الحدوتة" تحكى باللغة العامية ولا يكتبها أو يطبعها حتى الآن إلا علماء أوربيون أو بعض المصريين والسوريين الذين شذوا عن العرف المألوف.

وتعدد الأسماء التى تطلق على الأنواع المختلفة من الحكايات يبين بذاته مقدار الاهتمام بها وكيف أن العرب عنوا عناية فائقة بالتمييز بين أنواعها. وقد ذكرنا فيما سبق طائفة من هذه الأسماء، ونذكر الآن غيرها، فمثلا "رواية" كان مدلولها فى أول الأمر إعادة الحديث أو إنشاد الشعر على لسان "راو" فأصبحت الآن فى معناها العادى تطلق على الخبر والملهاة والمأساة تقرن أحيانا بكلمة تمثيلية وأحيانا تذكر مجردة.

ومن الأسماء أيضًا "المثل" والجمع "أمثال" فالحكاية هنا مثل أو تصوير بعض المواقف أو الأحكام والمبادئ مثل ما اشتملت عليه الحكايات التى ذكرت على ألسنة الحيوان فى كليلة ودمنة.

ومن الأسماء كذلك "سيرة" والجمع "سير" أى ترجمة حياة شخص. ومنها أيضا "نوادر" وهى حكايات متفرقة، ومنها "قصة" والجمع "قصص" وهى تطلق على الخبر أيا كان نوعه، ولكنها خصصت فى القرآن وعند أهل الفن من القصاص للدلالة على أساطير الأولين وقصص الأنبياء (انظر Goldziher: Muh Studren جـ 2، ص 161 وما بعدها).

وهذه المعانى الأخيرة فيها تضاد تام لمعنى "الحكايات" فى صورته الأولى، فإنه لم يكن يطلق على قصص الغابرين بل كان يطلق للدلالة على صور الحاضر. وقد وضح هذا كل الوضوح فى المثل الوحيد الذى طبع إلى يومنا هذا، وهو حكاية أبى القاسم البغدادى التى نشرها Adam Mez بعنوان (Abulkasim ein bagdader Sittenbild) ومؤلفها محمد أبو المطهر الأزدى يقول فى مقدمتها إنه ينشئ نوعًا من الأدب جديدًا، لا هو بالمقامة ولا هو بالرسالة (ولا بد أن يكون قد عرف مقامات الهمذانى)، وإنما هو صورة واقعية تصور أحوال البغداديين وأسمارهم

ص: 4105

تمثلت فى رجل هو فى رأينا صورة سيئة وإن كان المؤلف يعده ذا مشاركة أدبية ممتازة. ولسنا نجد فى هذا الكتاب أثرًا للقصة، وإنما هو يتناول وصف يوم أقيمت فيه مأدبة، ويسرد نماذج من الشعر وقطعًا من النثر المرصع المصنوع فى الصور البلاغية المألوفة فى عصره، كتبت لا بقصد عرض ما لدى المصنف من ذخيرة لغوية وإنما لإخراج صورة حية من صميم الحياة ويدافع المؤلف عن قصر حواره على شخص واحد يصور أحوال المدينة وآراء أهلها بعبارة طويلة نقلها عن الجاحظ (البيان، طبعة القاهرة، ص 31، س 12 - 24) وهو على ما يظهر أول من رضيت نفسه عن تصوير طبقات الناس.

وقصة الأزدى فى جوهرها تطبيق للواقعية التى ميزت الشعر البدوى القديم على حضارة المدن، وقد تجلى فى هذا التطبيق كل ما فى اللغة والآراء من بداوة وغلظة تميز بين الصحراء والمدينة وتفرق بين القديم والجديد.

ولسنا نجد فى القصة أثرًا للحكاية البدوية التى ذكر المؤلف أنه ألحقها بقصته للمقابلة بين القصتين.

"وحاكية" فيما كتبه الجاحظ معناها "الشخص الذى يحاكى" وليس معناها الأديب الذى ينشئ القصص الأدبية.

إن التطور الذى خلق هذا النوع الفريد من الأدب عند أبى المطهر يحتاج إلى تفسير، أردّه أنا إلى أثر مذهب أرسطو عن القصة فى الأدب ("مميسيس" Poetics 1 - 4) والجاحظ توفى 662 للهجرة، وكتب أبو المطهر حكايته بعد سنة 400 للهجرة (انظر Mez، ص 15) ولكن من الواضح أن كتاب الشعر لأرسطو لم يجد من ينقله إلى العربية ويعنى بدراسته إلا فى عصر متأخر عن ذلك. نعم، إن له مختصرًا صنفه الكندى المتوفى سنة 247 هـ (انظر الفهرست ص 250، س 5، ص 257، س 6) ولكنه لم يترجم بتمامه حتى نقله متى بن يونس المتوفى سنة 328 للهجرة (انظر الفهرست ص 250، س 4، ص 263 السطر الأخير) وكتب تلميذه يحيى بن عدى المتوفى

ص: 4106

سنة 364 للهجرة تفسيرًا له (انظر الفهرست ص 250، س 4، ص 264 س 12) وفى هذه الترجمة استعملت كلمة "حكاية" ترجمة للكلمة اليونانية مميسيس (انظر Margoliouth: Analecta Orientali)

وتصوير الفن الأدبى على أنه محاكاة للحياة عندما ينتقل إلى اللغة العربية يمكن أن ينشأ عنه ذلك النوع من الأدب، أدب أبى المطهر. وقد حدث بعد هذا تطور آخر فى معنى "حكاية" فأصبح يدل على القصة، ولا بد أن هذا التطور وقع سريعًا لأننا نجد الحريرى المتوفى سنة 516 للهجرة قد نسى تمامًا الاستعمالات الأولى لهذه الكلمة؛ بل نسى كذلك أنه كان فى مقدوره أن يطلق "حكاية" حتى على أمثال كالتى جاءت فى "كليلة ودمنة" على ألسنة الحيوان (انظر ده ساسى، جـ 21، ص 13، الطبعة الثانية).

وعندما يقرر الحريرى فى الفقرة نفسها أن مقاماته حكايات يكون أكثر قربًا من المعنى الحقيقى لهذا اللفظ. ذلك أن المقامات تعطينا من غير شك صورًا للحياة فى عصره، وإن كان قد عرضها فى صورة من البلاغة المصنوعة، وقصد منها إلى إبراز مقدرته اللغوية لا غير. ومن هذه الناحية نجد أن المقامات هى أصدق ما عرفه الأدب العربى تصويرًا لهذا النوع من حياة الصعلكة والاعتماد فى العيش على قوة القريحة، وتلك صفات تتميز بها الروايات التى تتحدث عن مغامرات الصعاليك.

وقد أخذت الفكرة نفسها، ثم بسطت بلغة العامة فى حكايات طويلة مثل حكايات على الزئبق التى تصور حياة الصعلكة تصويرًا صادقًا. واشتمل كتاب ألف ليلة وليلة على مختصر لها. وطبعت المجموعة المطولة على حدة فى بيروت والقاهرة.

ولم يكن من الممكن أن تستعمل كلمة "حكاية" بمعنى القصة من أى نوع إلا بعد أن تكون القصة قد مرت بمرحلة كانت تدل فيها على القصة الخيالية التى لا تتعلق بحوادث عجيبة وقعت فى عصر سالف أو فى بلاد بعيدة، أو تتحدث عن تعاون الجن والسحرة، ولكنها تتضمن صورًا من صميم الحياة

ص: 4107

التى عرفها القراء أنفسهم، نضرب لذلك مثلا حكاية الأحدب التى وردت فى ألف ليلة وليلة وحكاية على بن بكار وشمس النهار وهى من نوع آخر. وعلى هذا النحو دخل فى الأدب العربى لون معين جديد لا نجد له أثرًا فى كتاب الفهرست كما لا نجد فيه أثرًا للمقامة فى بدايتها الأولى: تلك المقامة التى بلغت أوجها بعد ذلك عند الهمذانى والحريرى.

وفى كتاب الفهرست ثبت بالمضحكين والندماء (ص 151 - 155) وبالحكايات العجيبة، وأخبار الفساق، وحكايات الجن (ص 304 وما بعدها). وكذلك لا نجد فى هذا الكتاب شيئا يمكن أن يقال عنه إنه يتصل بهذا النوع المعين من الأدب، وهو فن المقامات. وقد نسب ابن خلكان فى النص الذى نشره فستنفلد (رقم 451) إلى أبى الفرج الإصفهانى صاحب الأغانى كتابًا سماه "كتاب الحكايات" ولكنا نجده مذكورًا فى مصدر آخر باسم كتاب الحانات (انظر prooemium: Kosegarten فى طبعته للأغانى ص 196 وكذلك Wright: Chrestomathy، ص 87، س 11 ، من المخطوط 65).

مما تقدم يتبين أن نوعين جديدين من الحكايات قد بدأ فى وقت واحد تقريبًا ما بين القرن الرابع والقرن الخامس للهجرة. وكانا فى أول أمرهما متقاربين جدًا، ولكن سرعان ما افترقا إلى نوعين متمايزين كل التمايز. فالمقامة كانت فى أول أمرها "حكاية" بالمعنى الأصلى لهذا اللفظ، وحكاية أبى المطهر هى فى الواقع كالمقامة، وإن كانت لا يلقيها رجل وهو واقف، كما هى الحال فى المقامة، ولكن أبا المطهر يعتبر قصته نوعًا جديدًا يتميز عن المقامة وأنه أقرب إلى أن يكون تطورًا للحكاية بمعنى المحاكاة. وهدف كل من هذين النوعين يختلف عن الآخر. وقد عبرت عن هذا الاختلاف الأسماء التى سمى بها المؤلفون ما صنفوه منها. والمقامة نوع من القول البليغ، ولهذا دخلت فى فنون البلاغة. أما الحكاية فهى محاكاة، ولهذا اتصلت بالحركة والحياة.

ص: 4108

والتغير الأخير فى معنى كلمة حكاية قد يسره من غير شك التطور الذى دخل سريعًا على الفعل "حكى" بمعنى "قص" ولهذا نجد اسم "حكواتى" الآن معناه القصاص الذى يقص الحكايات على الجمهور، وأصبحت كلمة "حكاية" تطلق على أى نوع من أنواع القصة وإن كان لا يزال فى الإمكان استعمالها بمعناها الأصلى حتى فى لغة العوام (انظر Dozy، sub. voc)

ولا نزال نحس فى اسم "حكواتى" ما يشعرنا بالمحاكاة، فإن القصاص الشرقى يمثل دائمًا الحكايات التى يقصها، على أننا فى بعض الأحوال نجد الأسماء تطلق على غير مسمياتها الصحيحة: نجد مثلا فى "نزهة الأبصار والأسماع فى أخبار ذوات القناع" وتاريخها غير معروف، قصة واقعية قصيرة فى ذم النساء يسميها المؤلف مقامة (ص 82 - 89، طبعة القاهرة، 1305 هـ)

بقى الآن أمر واحد: هو أن التطور فى معنى "حكاية" كان محدودًا مقيدًا بعامل ثابت، فإن المتأدب فى العالم الإسلامى العربى على الأقل كان دائمًا لا يقدر القصة قدرها اللهم إلا فى بعض الحالات الفردية الشاذة. وهو لم يرض أبدا عن رواية وقائع وحوادث خيالية تروى لذاتها لا غير. ومثل هذه الروايات كان يعدها من شأن المسامرين والمضحكين والدهماء بوجه عام، ولم يكن المتأدب العربى بعد يعد من الأدب المهذب إلّا الحكايات التى كانت ترمى إلى أهداف أدبية كالأمثال التى جاءت فى "كليلة ودمنة" و"فاكهة الخلفاء" و "سلوان المطاع" وأمثالها؛ أو كالحكايات التى أريد بها أن تكون عرضًا للشعر الجيد والنثر البليغ مثل "لوعة الشاكى" وأنواع المقامات كلها، أو كالأخبار التى اشتملت على حوادث تاريخية وأدبية مثل "إعلام الناس" و"الفرج بعد الشدة"، و"مصرع العشاق"، أو كالقصص التى تهدف إلى غايات خلقية أو صوفية مثل "سلامان وأبسال" و "حى بن يقظان" لابن سينا و "المخيلات" لعلى عزيز الكريتى.

وقد عرف الكتاب المسلمون منذ زمن بعيد حكايات ذات قيمة أدبية جاءت

ص: 4109

إليهم من غير العرب، فقد نقلوا إلى العربية حكايات عن اليونانية والفارسية والهندية (انظر الفهرست، ص 305 وما بعدها؛ حمزة الإصفهانى، ص 41 وما بعدها).

ويظهر أنه فى زمن ابن النديم نفسه كان يصح للمؤلف بمعنى الكلمة أن يصنف كتبًا فى الحكايات. وهو يذكر (ص 306، س 9 وما بعده) أسماء كثيرين من هؤلاء المؤلفين. ويروى كيف أن الجهشيارى، وهو من كبار المؤلفين؛ شغل نفسه بتصنيف حكايات كحكايات ألف ليلة وليلة، وكيف أن أخًا للشافعى اشتغل بنسخ هذه الحكايات.

وفى زمن العباسيين كثرت الحكايات وانتشرت انتشارًا كبيرًا؛ فعمد الوراقون إلى وضعها مما أدَّى إلى انحطاط قيمتها الأدبية (ص 306، س 9 وما بعده) وكانت العلاقة بين المضحك والمسامر قريبة جدا (ص 140 وما بعدها، وبخاصة أخبار ابن أبى العباس الذى كان منجمًا ونديمًا للمتوكل ومصنفا لكتب الباه ص 151، س 23 وما بعده). وكانت هذه الحكايات فى الغالب لا يعرف مؤلفوها، وتذكر ضمن الخرافات مثل حكايات البطالين وحكايات جحا وحكايات "الباه"(ص 303 وما بعدها) وخير مثل على هذه الحكايات هو كتاب ألف ليلة وليلة، فقد اشتمل على حكايات بذل فى وضعها من المهارة الفنية ما يفوق بمراحل مهارة القصاص، ولو أنه لا يعرف مؤلفها أو أن واضعيها لم يجرءوا على التصريح بنسبتها إليهم. نضرب لذلك مثلا حكاية "قمر الزمان وبدور" وحكاية "سيدات بغداد"، "والتفاحات الثلاث". والقصص الواقعية وقصص البطولة باعتبارها من السير، وتواريخ الرجال تحتاج إلى سند يؤيدها وذلك بذكر أسماء مؤلفيها ولهذا ذكرت أسماء رجال نسبت إليهم هذه القصص ولكنا نرجح أن هذه الأسماء لا أصل لها.

إن ما ذكرناه فيما سلف يصدق على الأقطار الإسلامية التى تتكلم اللغة العربية. أما تركيا وبلاد الفرس فقد ظفرت فيهما الحكايات بتقدير أدبى أكبر، وبذلت جهود فى صقل أسلوبها

ص: 4110

وإن كانت مجهولة النسب فى هذه البلاد أيضًا. وفضلا عن ذلك فإن كلمة "مدّاح" التركية تطابق "الحاكية" إلى حد كبير. وقد تأثر الأدب التركى فى تطوره الأخير بحكايات المداحين، وظهر هذا الأثر واضحًا فى الروايات الواقعية، وكثير منها يشبه حكاية أبى المطهر إلى حد كبير، (انظر Tuer-: Georg. Jacob kische Bibliothek، فى مواضع مختلفة، وانظر عن الموضوع بأسره مقدمة المجلد 1، ص 6 وما بعدها؛ Gesch.: Horn d. tuerk. moderne ص 12 وما بعدها)

المصادر:

(1)

ذكرت المصادر فى صلب المادة ولكن أول مصدر ينبغى أن يرجع إليه دائما هو المقدمة Einleitung التى كتبها Mez لكتابه Abulkasim.

عباس محمود [ماكدونلد D.B. Macdonald]

+ حكاية: مصدر حكى، وحكى فلانا وحاكاه أى فعل مثل فعله، ولكن هذا الفعل أصبح نتيجة لتطور فى المعنى، واضحا للأفهام لأول وهلة، ويدل على: يقص، يروى، وكذلك فإن الاسم "حكاية" بداية من معنى "المشابهة" أصبح يدل بخاصة على المحاكاة أى التقليد، وانتهى إلى معنى "الحكاية" والرواية والقصة والأسطورة. وفى العربية الفصحى تدل صيغة الفاعلية "حاكية" على "المحاكاة". وقد اصطنعت العربية اسم الفاعل "حاكٍ" ترجمة لكلمة "جراموفون".

والجذر حكى أو حكو لم يرد فى القرآن، ولكنه ورد فى الحديث بمعناه الأصلى أى فعل المثل أو الحاكى (لسان العرب "مادة حكى") وهو معنى، يعبر ويحتفظ حتى الآن بالوزن الثالث حاكى (1)، وهذا هو المعنى الوحيد الذى تورده لحاكى المعاجم القديمة. ولسان العرب الذى لا يورد معنى قصَّ للفعل، وقصة للاسم، يقول إن الوزن الأول والوزن الثالث لهما ظل من المعنى القبيح بعض القبح، فيقال:"حكاه وحاكاه" ومن ثم، فإن المشكلة تنحصر فى اكتشاف كيف اكتسبت حكى وحكاية المعنى الذى يجرى عليه

(1) ليس حاكى هو الوزن الثالث، وإنما هو الوزن الرابع، لأن الوزن الثالث هو المجرد حكى.

ص: 4111

الاستعمال الآن (1). ولذلك، فإننا سنحاول أن نقيم تصنيفا ونقرر الموقف الذى عليه تلك القصص التى تسمى الآن حكاية فى القصة العربية أو أدب الترويح.

1 -

ويزودنا الجاحظ مرة أخرى بنقطة بداية مناسبة. ففى فقرة مشهورة من كتابه البيان والتبيين (طبعة هارون، جـ 1، ص 69 - 70) يكشف عن أنه كان ثمة مقلدون "حاكيَّة". ولم يكن هؤلاء، فيما يقول، قادرين فحسب على تقديم صورة طبق الأصل من الأساليب المصطنعة والإيماءات والصوت وعادات الكلام عند الجماعات العرقية المختلفة التى تكون منها سكان الإمبراطورية الإسلامية عامة، وسكان قصبة هذه الإمبراطورية خاصة، بل كانوا قادرين أيضا على التقليد الصادق كل الصدق لسلوك أنماط مختلفة من الناس وهيئتهم مثل العميان، ثم هو يقول آخرا إنهم كانوا قادرين على تقليد أصوات الحيوانات المفترسة والأليفة. ويضيف الجاحظ أن هؤلاء المقلدين أوجدوا أنماطا حقيقية أسبغوا عليها جميع السمات المميزة للجماعات التى كانوا يحاكونها. وهذه الموهبة فى التقليد التى تحتاج إلى قوة ملاحظة غير عادية، قد استغلها فى الشرق منذ أمد طويل أرباب السمر محترفين وهواة (انظر J: Horovitz، Spuren Griechischer Mimen in Orient، طبعة برلين سنة 1905)، كما نجد مثلا فى كتاب التاج المنحول للجاحظ (ترجمة pellat ص 149) نادرة مفادها أن رجلا من رجال الحاشية أراد أن يستعيد حظوته لدى ملك من ملوك الفرس بخدعة تقوم على محاكاة أصوات حيوانات مختلفة. وقد لاحظ آدم ميتز من قبل (- ern bag Abulkasim، dader sittenbild. طبعة هيدلبرغ سنة 1902، جـ 15 - 16) أن تكاثر المحاكين، واصطناع لون من ألوان السمر محبب إلى نفوس الملوك قد شجع عليه بلا ريب وجود لهجات عربية يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا، والمحاولات المتفاوتة النجاح التى بذلها السكان من غير العرب للتحدث بلغة

(1) استعملت كلمة حكى فى القرنين الثانى والثالث الهجريين بمعنى روى أو قص فقيل حكى عن فلان.

ص: 4112

الفاتحين. ونجد فى كثير من الأحيان محاكين بين أرباب السمر والمهرجين الذين كان يسمح لهم بالمثول بين يدى السلاطين دائما أو فى بعض الأحيان. والمسعودى (مروج الذهب، جـ 8، ص 161 وما بعدها؛ وانظر آدم ميتز، Renaissance، ص 368 - 378، الترجمة الإنجليزية، ص 408) يؤكد هذا بروايته عن نجاح واحد من هؤلاء المحاكين فى بلاط المعتضد، وهو ابن المغازلى الذى قلد (يحكى، يحاكى. حكاية) جميع صنوف الناس، وكان يقرن تقليده بسلسلة متصلة من النوادر المضحكة. والحق أن الحكاية لم تستطع أن تكون محاكاة صامتة، ولم يجد المحاكى بدًا من تأليف مقطوعة صغيرة يتلوها أو التماس قصة تزيد محاكاته حرارة. ومن ثم فلا بد أن يكون المرء على خبرة واسعة حتى يتحاشى ترجمة كلمة "حكاية" فى حالات من هذا القبيل بكلمة "قصة" ولو أن المرء يمكن أن يدرك أن هذا المصطلح قد طبق أصلا على التقليد وحده، وشمل بعد الإيماءات والألفاظ، وأخيرًا الألفاظ وحدها، وخاصة حين بدأ المؤلفون يدونون الألفاظ التى يتلوها الحاكييون. ثم إن هذا التطور قد شجع عليه بعد إهمال الكتاب فى الاستعمال الدقيق للكلمات، فحجب هذا إلى حد كبير الحقيقة التى تبين أن المحاكين استمر وجودهم؛ بيد أن البرهان على ذلك ربما نجده طوال العصور الوسطى؛ وآدم ميتز (Renaissance، ص 399؛ الترجمة الأسبانية، ص 505؛ والترجمة الإنجليزية، ص 423، غابت عنها هذه النقطة) يذكر حكاية واحدة سنة 415 هـ (1024 م)، ومما هو جدير بالملاحظة أن الأداء موضع المناقشة قد استتبع أيضًا وجود روايات خيال الظل. ومع أن المسرح الحديث يستمد أصوله من بلاد أجنبية إلا أن مؤرخيه لم يغب عنهم أن يجدوا سوابق له فى "الحكاية"، وفى "الخَيَال" إذا شئنا التدقيق (انظر J. Landau فى Studies in Arab theatre and Cinema، فيلاديلفيا سنة 1958، ص 1 وما بعدها)؛ وقد أغراهم أيضًا على وضع ذلك فى الحسبان ما يوجد فى تركيا باسم "مَدَّاح" أو "مُقَلَّد" مما يرادف تمامًا "الحاكية" الذى كان يروى النوادر فى

ص: 4113

أثناء قيامه بالتقليد المُسَلِّى والمحاكاة المعبرة، بل يرتدى لوازم ترمز إلى الشخصيات التى كان يرغب فى تقليدها. ويبدو أن هذه المهنة اضمحلت فى تركيا كما اضمحلت فى البلاد الإسلامية الأخرى، وبخاصة فى مصر، حيث ألف شخص يدعى أحمد فهيم الفار فى بداية هذا القرن فرقة قدمت فى القاهرة تمثيليات لاقت رواجًا كبيرًا بفضل مهارته فى تقليد صراخ الحيوانات وفى إخراج مشاهد مختلفة (انظر J. Landau، المرجع السابق، والمصادر التى استشهد بها؛ ولا نستطيع أن نغفل هنا القول مرة أخرى بأن الحكاية مشتقة من الجذر ح. ك. ى أو ح. ك. و، ومنها حَكَاوَاتى المستعمل فى الشرق مرادفًا لراوى الحكايات الذى ترتبط محاكاته ارتباطًا وثيقًا بالمعنى المتقدم لكلمة "حاكية".

ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) نجد عناصر المحاكاة (انظر. J Horovitz: المصدر المذكور، ص 21 - 27) تظهر فى أسلوب المقامة على أن هذا الضرب من الأدب استقل بفضل النشاط الأدبى لبديع الزمان وخلفائه فى "الحكاية" بمفهومها الصحيح. ومن ناحية أخرى ظهر فى الحقبة نفسها، أى فى بداية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) عمل فريد فى الأدب العربى، يعيد إلى الأذهان المقامة، إلا أنه يختلف عنها فى الأسلوب الفنى إختلافًا واضحًا كل الوضوح: هو حكاية أبى القاسم البغدادى لأبى المطهر الأزدى (طبعة آدم ميتز، Abulkasim) ويعد هذا العمل علامة على فترة جديدة وإن كانت قصيرة فى تطور معنى المصطلح "حكاية". ويستعيد المؤلف فى مقدمته الفقرة نفسها للجاحظ التى سبق بيانها، وهذه الإشارة، تبرر فى رأيه ابتداع نمط جديد من الكتابة ربما يضع شخصية مفردة على المسرح تمثل عقلية سكان قصبة الخلافة؛ ويعد أبو المطهر فى مقدمته أيضًا بكتابة "حكاية بدوية" وهى تصور السلوك البدوى، ولم يقدر لهذه الحكاية البقاء. وفى النص الذى وصل إلينا نجد أن بغداد هى مسرح حوادث الحكاية التى تجرى فى وسط برجوازى، وأن البطل أبا القاسم ليس إلا ضربًا من العيّارين

ص: 4114

الذين يُسَلُّون هذا المجتمع بسلسلة من النكات والتعليقات الساخرة المجنحة؛ وبعد وجبة العشاء يروح المعربدون فى غيبوبة من السكر، فلا يوقظهم إلا صوت المؤذن، وهنالك يعظهم أبو القاسم ويؤنبهم على فسوقهم (انظر F. Gabrieli فى مجلة Rivista degh studi ornentali؛ سنة 1942، ص 33، 45). ويتيح لنا الشاهد المنقول عن الجاحظ أن ندرك المعنى الذى أراد المؤلف أن يبثه فى هذه الحكاية، التى هى تمثيل واقعى للسلوك المأثور فى بغداد، وصورة منتزعة من حياة الواقع، وهذا هو السبب فى أن آدم ميتز قد ترجم عنوان هذه التمثيلية بما يأتى: ein bagdader sittenbild. إذ كان من المستحيل كل الاستحالة أن تترجم "حكاية" بكلمة "قصة". كما نجد أبا المطهر فى محاولته أن يستحدث "نمطًا" قد أظهر شيئًا من التفوق على الجاحظ الذى اقتصر فى دراساته لأنماط السلوك، وبخاصة فى كتابه البخلاء، على وضع النوادر بعضها إلى جانب بعض دون أن يبلغ مبلغ التوفيق أو التنسيق بينها.

ومع ذلك، فإن حكاية أبى المطهر هذه التى لم يقلدها فيما يظهر أحد تثير عدة مشكلات، فمن ناحية، نجد أن صلاتها بالمقامة غير واضحة، مع التسليم بأن المؤلف، وتفصيلات حياته غير معروفة، متأخر بلا شك عن بديع الزمان؛ وأنه بلا ريب قد أراد إبتداع أسلوب مميز. ومن ناحية أخرى، نجد أن ماكدونالد D.B. Macdonald (فى صدر هذه المادة) يرى أن السبب فى التطور الذى انتهى بالحكاية، يجب أن يلتمس فى تأثير المذهب الأرسطى المعروف باسم "ميميسس" فى الفن (فن الشعر- Poet ics، جـ 1 - 4)؛ والحق إن متى بن يونس فى ترجمته لكتاب فن الشعر (تحقيق عبد الرحمن بدوى، فى فن الشعر، طبعة القاهرة سنة 1953، ص 86 وما بعدها) يستعمل كلمة حكاية ليترجم الكلمة اليونانية ميميسس (فى حين يستعمل عبد الرحمن فى ترجمته الجديدة الوزن محاكاة)؛ ومن الممكن بلا شك أن فكرة الفن الأدبى على اعتبار أنه محاكاة للحياة ربما تكون هى التى أحدثت النمط الذى مثله أبو المطهر، ولكن الإشارة إلى الجاحظ تكفى إلى حد كبير

ص: 4115

فى تفسير هذا الإبداع الذى كان على أية حال، بتصويره الحياة فى مشاهد، مرحلة جديدة من تطور الشكل القديم للحكاية.

وعلى مدى القرون التالية نجد أحيانًا أن فعل "حكى" يرد بمعنى "يشبه"، أو "يقلد" ولكنه كان مهجورًا إلى حد أن الشراح لم يجدوا بدًا من شرحه، حين يظهر بخاصة فى مقامات الحريرى (تحقيق ده ساسى de Sacy؛ الطبعة الثانية جـ 2، ص 420) والذى يستخدمه الحريرى فى بداية المقامات هو"حَدَّث"، و"أخبر"، و"روى" بمعنى "يحكى"، و"يقص". واستعمال "حكى" مع حرف الجر "عن" مرادفًا لفعل "روى" كان من الاستعمالات الشائعة فترة طويلة (مثال ذلك؛ الجاحظ، فى رسالة التربيع والتدوير، الفصل ص 57) وكتاب الأغانى (جـ 8، ص 162)، الذى بلغ به الأمر أن ساق شاهدًا واحدًا على استعمال "حكى" بمعنى "روى" ونستخلص من هذا أن تطور معنى الفعل كان أسرع من تطور الاسم "حكاية" الذى يرد مع هذا فى الحصرى (جمع الجواهر، ص 4) بمعنى "نادرة مروية" كما يرد مرة واحدة على الأقل عند الحريرى (ده ساسى، الطبعة الثانية، جـ 1، ص 13) ليدل على "أمثال" كليلة ودمنة، بينما يلاحظ المؤلف فى الفقرة نفسها أن مقاماته ليست سوى حكايات، أى أنها صورة جديدة للحياة المعاصرة له. ومن ثم، فإنه حين ترد كلمة حكاية بعد لتدل بالتحديد على "القصة، أو الأسطورة" فإنها تناقض معناها الأصلى كل التناقض؛ وما دام ذلك قد انطبق بلا استثناء على الحاضر، ولم يدل على تقليد للماضى، فإنه لا مناص لنا من ثم أن نذهب إلى أن الحكاية قبل أن تستعمل للدلالة على جميع أنواع القصص قد مرت بمرحلة دلت فيها على القصة المبتدعة، وإن كانت منتزعة من حياة الواقع، أو قل إنها كانت على الأقل تعبيرًا صادقًا عن الحياة: وليس بين أيدينا دليل على هذا، ولكن حكاية أبى المطهر تزودنا بحلقة متينة من حلقات السلسلة، وسوف نرى فى مراكش أن الحكاية احتفظت بمعنى القصة التى يتفاوت حظها من الصدق ما دامت غير بعيدة الاحتمال.

ص: 4116

ويجب ألا ننسى أن المصطلح حكاية ينتمى أيضًا إلى مصطلحات علوم الحديث، وأن القول: حكيت عنه الحديث حكاية يدل على الاستشهاد أو النقل بالحرف؛ وفى قواعد اللغة تعنى "حكاية" الرواية باللفظ لما يمكن أن يكون مستعملا فى الزمن الذى وقعت فيه الحادثة التى تروى؛ والتعبير "حكاية صوت" يحتفظ بالمعنى البدائى للمصطلح؛ و"حكاية إعراب" أو "حكاية فحسب"، تعنى الترديد الدقيق لكلمة استخدمها المتحدث فى إعراب لم يعد متفقًا مع وظيفتها فى النص الجديد، مثال ذلك "رأيت زيدًا "من زيدًا"؟ (بدلا من زيد) ولكن هذه الحكاية غير جائزة حين يكون الاسم متبوعًا بنعت (انظر Voc. L: Machuel des principaux termes techniques de la .grammaire arbe، تونس سنة 1908، ص 27).

وتظهر الكلمة مرة أخرى على سبيل المثال كتاب الفهرست (طبعة القاهرة، ص 422، 429، 445 الخ .. ) لتدل على صورة طبق الأصل من النص أو بيان بالحقائق، وهى ترادف هنا كلمة رواية. كما توجد هذه المعانى نفسها عند حمزة الإصفهانى (طبعة Gottwald، ص 17، 64، 65، 201) وفى الأغانى (وخاصة جـ 1، ص 4)، على الرغم من أن "حكاية" فى هذه الفقرة الأخيرة تستعمل فى رواية الكلمات المسموعة، دون الزعم بنقلها كلمة كلمة ومن ناحية أخرى، نجد الزمخشرى أساس البلاغة، مادة حكاية) يقول إن العرب يستعملون حكاية بمعنى "اللغة" التى يعدونها بمثابة التقليد أو التمثيل، وهذا يفسر السبب فى أن اللهجات السورية واللبنانية تستعمل الفعل "حكى" عادة مرادفًا لـ "تحدث". وفى الأندلس، يلاحظ دوزى أن حكاية أيضًا تأتى فى معنى "أنموذج" ولكنه يرى أنها بالفعل "قصة" فى المقام الأول.

ومن ثم يبدو أنه منذ القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) فصاعدًا، كانت كلمة "حكاية" التى يعد معناها الأول مهجورًا فى الوقت الحالى، قد اكتسبت المعنى العام لكلمة "نادرة، قصة، رواية، أسطورة"؛ وهى

ص: 4117

شائعة فى كتاب ألف ليلة وليلة، وتظهر فى عنوان "كتاب الحكايات العجيبة، والأخبار الغريبة" الذى نشره وير H.Wehr، دمشق - فيسبادن، سنة 1956، عن مخطوطة ترجع إلى بداية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وعلى أية حال، فإننا نجد فى هذه المجموعة الأخيرة أن كل قصة مستقلة ظلت تعرف بالحديث، والحديث هو أحد المصطلحات العامة التى يميل معناها الفنى إلى إغماض استعمالاتها الأخرى. وعلى ذلك، نكون قد جمعنا هنا بقصد بين ثلاث كلمات، من الواضح أن كلا منها يمكن أن توضع موضع الأخرى، وهى: حكاية، وخبر وحديث أيضًا، ولعل من المفيد أن نردها إلى مجموعة الكلمات المستعملة فى اللغة العربية مرادفة لكلمة "قصة".

ويشمل القرآن الكريم عددًا من القصص ذات الصفة الدينية بهدف تهذيب المؤمنين، وفى الكتاب الكريم وردت الألفاظ قَصَّ، حَدَّثَ، ونبَّأ، وهى ثلاثة مصطلحات جنحت بعد إلى أن تكون كلمات مخصصة أصبحت هى ومشتقاتها وغيرها من مشتقات الجذور الأخرى مجموعة من المادة اللغوية الجديرة بالبحث. وواقع الأمر، أن تنوع الكلمات المستعملة فى القرون الأولى للإسلام ربما يبدو أنها تدل على أن الحكايات والأساطير والقصص بجميع أنواعها كانت شائعة، وكان يفرق بينها فى دقة شديدة؛ ومن ناحية أخرى، فقد تعرض كل منها على مدار القرون لتطور متميز يستأهل أن نفرد له مادة خاصة، ومن ثم، فلن نحتاج هنا إلى مناقشة تاريخ الأدب القصصى كله:"القصة" والقصة تستعمل للدلالة على جميع أنواع القصص، ولكن هذه الكلمات أطلقت بوجه خاص من خلال استعمال الفعل قصَّ، والاسم قصص فى القرآن، وكذلك القُصّاص المحترفين على قصص التهذيب وقصص الأنبياء. وعلى أية حال، فإن من الملاحظ فى أيامنا هذه أنها قد اصطنعت للدلالة على الرواية، وكذلك استعملت صيغة التصغير أقصوصة للدلالة على القصة القصيرة.

ص: 4118

"الأسطورة" وقد وردت هذه الكلمة فى القرآن فى عبارة "أساطير الأولين"(انظر سورة الأنعام، الآية 25؛ سورة الأنفال الآية 31؛ سورة النحل، الآية 24؛ سورة المؤمنون، الآية 83؛ سورة الفرقان، الآية 5؛ سورة النمل الآية 68، سورة الأحقاف، الآية 17؛ سورة المطففين، الآية 13)، وهى تنم عن السخرية حين يستعملها المشركون الذين جنحوا إلى مقارنة وحى السماء بالأساطير وبحكايات عجائز الزوجات التى يجب ألا تصدق. وتثبت الصعوبة التى يواجهها فقهاء اللغة فى التماس المفرد من أساطير، أن هذا المصطلح ربما يكون مشتقًا من الكلمة اليونانية "يوستوريا" أو من الكلمة اللاتينية - his toria، وأنه قد ساعد على صياغة الجمع الدالة على السخرية التى يبدو أن مفردها المرادف قد طواه النسيان، أو أنه لم يوجد ألبتة. وفى أيامنا هذه استقر المصطلح من جديد فى صيغة المفرد "أسطورة" بالمعنى الخاص للأسطورة أو الخرافة.

"نبأ" وله فى القرآن معنى "الخبر"، و"الإعلان" وقد احتفظ بهذا المعنى حتى الآن، وورد هذا اللفظ فى بعض الآيات القرآنية (انظر، سورة الأنعام، الآية 67؛ سورة ص، الآية 67؛ سورة الحجرات، الآية 6 الخ)، كما يوجد فى القرآن أيضًا بمعنى الحكاية التهذيبية أى قصة نبى من الأنبياء (انظر سورة التوبة، الآية 70؛ سورة المائدة، الآية 27، سورة الأنعام، الآية 34 الخ .. )، وبهذا المعنى تكون كلمة نبأ قد حلت محلها تمامًا كلمة قصص، وقصة.

"خبر"، وهى كلمة قرآنية أيضًا يماثل معناها معنى نبأ: أى "إعلان أو بيان عن شئ ما"، وقد قدر لهذه الكلمة أن تنتشر انتشارًا عظيمًا، وأن تطلق على الرواية التاريخية أو الرواية التى تتعلق بالتراجم. ومع أن كلمة "خبر" لا تحتاج بالضرورة إلى أن تكون لها حجية فى نظر النقاد فإنها من حيث المبدأ لا يمكن إطلاقها على قصة تنزع إلى الخيال. وعلى أية حال، فإنها تظهر مرادفة لمعنى "الحكايات" فى عنوان المجموعة المتقدم ذكرها التى حققها وير H.Wehr .

ص: 4119

"السيرة" وتوجد فى القرآن بمعنى واحد وحسب هو: "المنزلة" أو "المظهر"، ولكنها فى الأدب تدل أيضًا على "السلوك" و"أسلوب الحياة" و "الترجمة"(وبخاصة سيرة النبى [صلى الله عليه وسلم])، وهى المصطلح المستعمل فى تراجم الفروسية للشخصيات الشهيرة فى العصور القديمة أو فى العصر الإسلامى.

- "الحديث" ويمكن أن تترجم كما هى مستعملة فى القرآن بمعنى "مقال" ولكنها تعنى أيضًا القصة التهذيبية (مثال ذلك قصة موسى، سورة طه، الآية 9؛ سورة النازعات، الآية 15)، ومن ناحية أخرى، نجد كلمة أحاديث (جمع أحدوثة أقرب من أن تكون جمع حديث) وتستعمل فى الحكايات الأسطورية (انظر سورة، "المؤمنون"، الآية 44، سورة سبأ، الآية 19) وتعنى بوجه عام الحديث الكاذب. وبغض النظر عن معناها الاصطلاحى فى علم الحديث فإن كلمة حديث تستعمل عامة بمعنى قصة، أو حكاية، أو رواية، وقد استعملت بهذه المعانى فى كتاب "الأغانى"، وفى "الفهرست" وفى القصص التى نشرها وير H.Wehr وفى مواضع أخرى.

"المثل" وهذه الكلمة فى القرآن لا تدل فحسب على الصورة أو المشابهة بل تدل أيضًا على المثال (انظر سورة الكهف الآية 54، سورة الفرقان، الآية 33 إلخ .. )، بل تدل فى واقع الأمر على ضرب المثل (انظر، سورة الكهف، الآية 45) وهى تدل فى الاستعمال على القول المأثور وعلى القصة تبتدع لتصور مذهبًا ما أو لتفسر ظرفًا من ظروف الحياة ما، كما تستعمل فى وصف الحكايات ذات المغزى الواردة بكتاب كليلة ودمنة وتستعمل بوجه عام لوصف الخرافات التى تجرى على ألسنة الحيوانات.

وفى خارج نطاق القرآن، نجد فى الأدب ما يلى:

"الرواية" وتعنى النقل الشفوى لحديث، أو قصيدة أو قصة، وقد احتفظ مصطلح رواية بهذا المضمون فى مصطلح الحديث، وفى قواعد اللغة وفى

ص: 4120

النقد، وكان مرادفًا فى بعض الأحيان لكلمة "حكاية" بمعنى نقل الحقائق ووصفها. وقد اصطنعت فى العربية الحديثة للدلالة على القصة، أو الرواية بمعناها القصصى، أو المسرحية أو الفيلم.

"النادرة" وقد استعملت هذه الكلمة منذ أوائل العصور الوسطى بمعنى الملحة، أو اللطيفة وخصوصا الملحة الفكاهية، والنادرة لها من الخصائص النمطية ما يبرر أن نفرد لها مادة بذاتها.

"السمر" والجمع أسمار، وتعنى فى المقام الأول المحادثة، بل المنادمة بالليل، لأنها تشتق من جذر معناه "يتجاذب أطراف الحديث فى الليل"(انظر القرآن، سورة المؤمنون، الآية 67)، وهى كلمة من الكلمات التى يؤثرها ابن النديم للدلالة على القصص التى تحكى فى اجتماع ليلى، بل على القصص عمومًا على خلاف ما يؤكده موسى سليمان (الأدب القصصى، الطبعة الثانية، بيروت سنة 1956، ص 16 - 17) ، بقوله إنها القصص التى لا يمكن أن تحكى، من حيث المبدأ، إلا فى الليل (انظر ما يأتى). ويبدو أن كلمة "سمر" تستعمل أساسًا لتدل على "القصص الخارقة للطبيعة" كما تدل على الأخبار، ذلك أن ابن النديم يشير فى بعض الأحيان إلى السير والأسمار الصحيحة (الفهرست، طبعة القاهرة، ص 424). ولما استعملت كلمة حكاية بمعنى عام، استردت كلمة سمر معناها المتقدم، أى تجاذب الحديث فى جمع ليلى.

"الخرافة"، وأخيرًا يقال إن هذه الكلمة اسم واحد من العذريين طوحت به الشياطين، ولما عاد روى مغامراته فلم يصدقه أحد، وقد اكتسبت عبارة "حديث خرافة" معنى "الحديث الزائف كل الزيف"، ومعنى "الدجل"، وعلى أية حال، فإن النبى نفسه يؤكد على وجود شخصية من هذا القبيل وعلى صدق أخبارها (انظر الجاحظ، حياة الحيوان، جـ 1، ص 301؛ جـ 6، ص 210؛ الميدانى، مادة "حديث خرافة"). وإذا أسقطنا الكلمة الأولى من العبارة وشبناها بالجذر خ. ر ف ومعناه

ص: 4121

"يهذى بكلام ليس له معنى" فإن الكلمة تصبح اسمًا شائعًا يطلق على القصة الخرافية. وهذه هى الكلمة التى يستعملها المسعودى (مروج الذهب، جـ 4، ص 89 وما بعدها) فى فقرة مشهورة عن أصل ألف ليلة وليلة، وذلك فى ترجمة كلمة أفسانه الفارسية، التى تدل على القصص بوجه عام. وكتاب الفهرست الذى يستفيد بكلمة خرافة استفادة عظيمة، يبدو أنه يقابل بينها وبين كلمة سمر، ومن الواضح أنه يضفى عليها سمة أمعن فى الخيال. ولقد ظل هذا المصطلح شائعا حتى اليوم بمعنى "الخزعبلة"، و"حكاية الجن" و"الأسطورة". ومن الطريف أن نلاحظ أن كلمة "حكاية" فى بعض اللهجات المراكشية تدل بوجه عام على القصة يتفاوت حظها من الصدق، ولكنها على أية حال ممكنة الحدوث؛ والخرافة تدل على قصة من قصص العجائب، وكلمة قصة تعنى وصفًا تاريخيًا (انظر Textes arabes: L.Brunot des Rabat جـ 2، ص 163 - 164)، ونلاحظ فى بلاد تونس (انظر Glossaire de Takrouna: W.Marcais؛ هذه المادة) أن كلمة خرافة تدل على "حديث لا أساس له" وخرايفى تعنى "المتفاخر" والنصاب والغشاش، فى حين أن كلمة خَرَّاف ما زالت تدل على راوى القصص فى بلاد أخرى (انظر Lexique: G.Boris du parler arab. des Marazig باريس سنة 1958)، والخرافة قصة، والحكاية رواية قصيرة أو نادرة.

2 -

لعل من الاندفاع أن نزعم أن العرب القدماء قد شغلوا أنفسهم بالشعر والبلاغة وحدهما، ولم يلقوا بالًا إلى حكايات العجائب والأساطير التى هى التراث المألوف للإنسان البدائى، كما أن الدراسة الموجزة لتطور المعانى التى قدمناها فى هذه المادة لا تثبت أنهم اهتموا بحكايات العجائب والأساطير اهتماما كبيرا، والحق أن الجمع أساطير من المحتمل أن يكون قد أخذ من لغة أجنبية، وقد ثبت فى القرآن. أضف إلى ذلك، أن الأساطير الفارسية التى كانت تعرف فى الحيرة هى التى رَدَّ بها النضر بن الحارث على ما ورد بالقرآن من قصص، وعدها من "أساطير الأولين" (انظر، ابن

ص: 4122

هشام، السيرة النبوية، طبعة القاهرة سنة 1375 هـ = 1955 م، جـ 1، ص 300) وكانت، هذه الأساطير؛ فيما يقال، هى السبب فى أن تشير إليه شخصيًا بعض آيات القرآن (وبخاصة سورة القلم، الآية 15) وواقع الأمر، أن هذه القصص التهذيبية الواردة فى القرآن الكريم، تدل فيما يظهر على أن العرب الأولين كانوا قد ألفوا القصص والأساطير، ولكن من المحتمل أن يكون تقديس الأخبار القرآنية التى أخذت على أنها حقائق تاريخية، وبخاصة فيما يتعلق بالأقوام البائدة مثل قوم عاد وثمود الخ .. قد أسفر عن سوء ظن بالأدب الروائى، أو على الأقل، بذلك الجزء منه، الذى يتيسر تحويله مباشرة إلى قصص إسلامى يوضح ما جاء بالقرآن الكريم، ويهذب المؤمن.

ومن المؤكد بصفة عامة أنه حيثما يكون العصر الجاهلى هو المقصود، فإن عالم الأسطورة لا يفرق بينه وبين عالم التاريخ، كما أن مؤرخى القرون الأولى لم يترددوا فى أن ينقلوا الأفكار المتأصلة فى المأثورات الشعبية نقلا يكاد يخلو من النقد، ودخلت هذه الأفكار فى تاريخ العالم، وعلى أية حالة، فإن البحث فى المفردات القرآنية يكشف عن خط فاصل بين ما يعد فى أية حالة أمرا وثيقا ذا فضل فى تهذيب المسلمين مثل الحديث والقصص (أو القصة)، والخبر، والنبأ، والمثل ويبين ما يعد قصة خيالية، لا فائدة منها، بل خطيرة، وهى فى جميع الأحوال مما لا يليق بالمؤمن. ونعنى بها الأساطير ومرادفاتها: الأسمار، والخرافات، التى أصبح مفهومها من بعد يندرج تحت باب الحكايات.

والظاهر أن جزءًا من المادة التى يتألف منها الأدب، قد ترجع كتابته إلى أوائل القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)؛ وأن أسماء مثل: عبيد أو عبيد بن شرية، ووهب بن منبه، وكتاب التيجان، تقفز إلى الخاطر لتوها. ومما له شأن أن هذه كانت أساطير جنوبى جزيرة العرب، ومن الممكن أن يكون الإسلام قد اصطنعها بالطريقة نفسها التى اصطنع بها قصص كعب الأحبار. وثمة معلومات دنيوية قد اكتسبت

ص: 4123

المذاق الإسلامى لارتباطها بأناس مشهورين كانوا فوق الريب مثل عبد الله بن عباس، الذى تنسب إليه مثلا أسطورة العنقاء. وتغير الموقف منذ القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) بمعنى أن الباحثين قد دفعهم فرط الحماسة والتطلع إلى معرفة جمع أى شئ وقع فى أيديهم، فلم يعودوا يميزون بين الأفكار التى لها قيمة دينية أو علمية حقيقية وبين ماهو مجرد أدب دنيوى. ويبدو أنه قد تم فى هذا الوقت جمع القصص الغرامية التى أفرد لها كتاب الفهرست قائمة كاملة كذلك الحكايات المقصود بها شرح الأمثال والروايات التاريخية وقصص الحيوان والأساطير التى تتعلق بالعلل (انظر مادة "حيوان") والنوادر ومن المحتمل أيضًا أن يشمل ذلك قصص الخوارق، ذلك أن بعضها يرد فى المجموعات المتأخرة، ولا ريب فى أن أصلها عربى. ونجد فى الوقت نفسه أن قلب العالم الإسلامى كان يغمره فيض من الترجمة عن الفارسية، وزود ذلك العلماء بعناصر مستقاة من بلاد فارس والهند فى حين زودتهم الترجمة من اليونانية أيضًا بنصيب من المادة الأسطورية. ومن ثم ففى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) كان متيسرًا للجمهور أدب قصصى غنى كل الغنى، وازداد هذا الأدب ثراء فى القرون التالية بفضل أنماط مختلفة من قصص المغامرات التى قد يكون من المبالغة أن ننعتها بالملاحم.

وموسى سليمان فى دراسته للأدب القصصى التى استشهدنا بها فيما تقدم، وديوانه (يحكى عن العرب، الطبعة الثانية، بيروت سنة 1955 - 1956، فى مجلدين) الذى يصور هذا الأدب، ويشمل مجالًا أفسح من المجال الذى أوجزناه فى هذه المادة، قد أتى بتصنيف يستحق الذكر. وفى رأيه أن الأدب القصصى ينقسم إلى صنفين كبيرين: الأول، القصص المقتبسة التى تمثلها أساسا ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة. والثانى القصص العربية الأصيلة التى يمكن تقسيمها فرعيًا إلى: القصص الإخبارية (أى قصص الموسيقيين والمغنيين؛ والقصص الغرامية، والروايات الخاصة بالفخر والهجاء الخ .. ): والقصص

ص: 4124

البطولية: (قصة عنترة، وبكر وتغلب، والبرَّاق، الخ .. ): وقصص دينية (قصص الأنبياء، الخ .. ) وقصص لغوية: (المقامات)؛ وقصص فلسفية: (التوابع والزوابع لابن شهيد، ورسالة الغفران للمعرى، وحى بن يقظان لابن طفيل، والصادح والباغم لابن الهبَّاربّة). ويتضح من هذا التصنيف أن الكاتب موسى سليمان لم يضع فى حسبانه، لأمر ما، جميع الأدب الذى يتصل بهذا الموضوع، كما نجد أن بعض تفسيراته مشوبة بالخطأ (بالنسبة لابن شهيد بخاصة)، وأخيرًا، فإنه ينكر أن العرب كان عندهم أى قصص مبتكر عن الخوارق. ولذلك فإن من الأفضل أن نشير إلى المصدر الأساسى للمعلومات الخاصة بهذا الأدب فى القرون الأولى للإسلام. فكتاب الفهرست لابن النديم يتحدث عن الفن الأول من مقالته الثامنة تحت عنوان: أخبار المسامرين والمخرفين، وأسماء الكتب المصنفة فى الأسمار والخرافات (ويستخدم الناسخ فى هذا الصدد بالذات عبارة "حكاية خط المصنف" ليشير إلى أنه ينسخ كلمة كلمة)؛ ويضع أول الأمر قوائم خاصة بالأسمار والخرافات يتناول فيها على حدة مترجمات المتون الفارسية والهندية واليونانية الأصل؛ ويدخل فى هذا الفن روايات عن بابل، وعن الأشكانيين؛ ثم يتبع ذلك بالحكايات الغرامية، وقصص الخوارق التى يظهر فيها الجن الذين لهم علاقات غرامية بالإنس، وينتهى بأوصاف عن عجائب البحر. ويقرر ابن النديم أن أول من صنف مجموعات فى الخرافات هم فرس الحقبة الأولى أى الكيانيين، ويضيف أن هذه المادة استمرت فى النمو حتى أيام الساسانيين، وقد ترجمت هذه الحكايات بعد إلى العربية، وأضاف العرب إليها قصصا من عندهم. وهنا يتحدث ابن النديم عن هزار أفسانه التى كانت نواة ألف ليلة وليلة وعن محاولة الجهشيارى جمع ألف حكاية (سمر) - عربية فارسية ويونانية الخ - برجوعه إلى "المسامرين" والاستفادة بالمجموعات المكتوبة، ولكنه لم يبق إلا على تلك الحكايات التى تبدو له أكثرها أهمية.

ولقد حاول م. ف. غازى M.F. Gazhi: La littérature d'inagination en arabe du

ص: 4125

lleVlll au Vexle siecle؛ في Araabuc، جـ 4 - 2 سنة 1957، ص 164 - 178) الاستفادة من الصفحات التى أفردها كتاب الفهرست لهذا الموضوع، ولكن عمله لا يخلو من أخطاء، كما جاءت النتيجة التى انتهى إليها مخيبة للرجاء إلى حد ما، لأن قوائم العناوين التى ساقها ابن النديم لم تثبت ثبوت اليقين، ويمكن أن تكون عرضة لتفسيرات مخطئة. ومن الواضح أن الأغلبية العظمى من المجموعات التى ذكرها لم يقدر لها البقاء، إما لأنها قد استوعبت فى كتاب ألف ليلة وليلة، وإما لأنها قد ارتدت إلى الروايات الشفوية حيث أصبحت تدخل على تفاوت فى المأثورات الشعبية للبلاد المختلفة المتحدثة بالعربية. ونجدها فى هذا الصدد شيئًا غريبًا بعض الغرابة. ففى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) قال حمزة الإصفهانى (طبعة Gottwald، ص 41 - 42) بصريح اللفظ أن ما يقرب من سبعين كتابًا من كتب المسامرات كان القراء يقبلون عليها إقبالًا عظيمًا فى عصره، وبعد عدة عقود من السنين، ساق لنا ابن النديم قائمة أطول بهذه الكتب مؤكدا أن الأسمار والخرافات كانت شائعة كل الشيوع فى العصر العباسى بعامة، وفى خلافة المقتدر بخاصة، مما شجع النساخ الوراقين على إعادة نسخها، وربما قاموا هم أنفسهم بجمع حكايات جديدة. ويعزو آدم ميتز (Renaissane ، ص 242 - 243، الترجمة الإنجليزية، ص 253؛ الترجمة الأسبانية، ص 311 - 312) لهذا الافتتان بالأدب القصصى، وبالقصص التى يعدها ناقد محنك واسع المعرفة مثل ابن النديم قصصا ضعيفة مفقودة الحيوية، إلى تدهور الذوق العربى الخالص، وإلى الشغف السائد بما هو أجنبى؛ وبازدياد هذا التدهور، يحق لنا أن نتوقع النجاح المتواصل لهذا الصنف من الأدب القصصى، وبعد فإن كتب الأدب دأبت على أن تشمل فيما تحتويه نوادر قصيرة، وظل الأدباء المغمورون يؤلفون عددًا كبيرًا من كتب السمر، إلا أن الاحتقار التام للحكايات الخرافية تجلى وظهر ونحن نعلم ما حدث لألف ليلة وليلة التى لم ير العلماء العرب الدارسون أنها جديرة بأدنى قدر من التقدير، وعدوها مجرد لهو تافه لا

ص: 4126

يتمشى مع الأذواق التى يجب على المؤمن الصادق أن يسلم بها. ونستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن هذه الرائعة من روائع الأدب العالمى التى كشفها المستشرقون للعرب أنفسهم ظلت غريبة عن الأدب العربى، ومع أنها كانت فى الوقت نفسه من أصل أجنبى، بيد أنها تحوى عناصر عراقية ومصرية أصيلة (انظر Themes et motifs des: N.Elisseff Mille، et une nuits بيروت سنة 1949، ص 47 وما بعدها). والاحتقار الذى شعرت به الطبقات المثقفة شعورًا قويًا حيال القصص، يفسر بأجلى بيان كيف أن المأثورات الشعبية العربية قد تطورت على نحو مختلف كل الاختلاف عن تطورها فى الأجزاء الأخرى من العالم، ويفسر أيضًا السبب فى أن انتقالها مكتوبة فى العصر الذهبى للثقافة العربية، قد تلته ردة إلى الروايات الشفوية دون سواها على الرغم من أن كتيبات القصص الشعبية كانت قد غمرت الأسواق، واستمر انتشارها على المستويات الشعبية. ومما يلفت النظر أيضًا، أن الخرافات والأساطير لم تلهم الكتاب العرب قط، فى الوقت الذى نجد فيه الفردوسى الذى لم يكن على اتصال مباشر بالروايات الأصيلة أكثر منهم، قد نجح فى استخدام مواد معروفة أيضًا حق المعرفة لدى العرب، وأنشأ ملحمة الشاهنامة العظيمة القدر. ومن ناحية أخرى، فإنه لا مناص لنا من أن نشير هنا إلى أثر القصص العربية فى الغرب، وحسبنا أن نتذكر أن عددًا من المستشرقين قلدوا كالان Galland وجمعوا بدورهم قصصا مستمدة بوجه عام من الآثار الأدبية أو من مؤلفات شعبية يتردد فيها صدى هذه القصص ومنهم على سبيل المثال: بتى ده لاكروا Pétis de Ia Croix ومجموعته المسماة Mille et un Jours ، باريس سنة 1830، وكودفرى دمومبين - Gaudefroy Demombynes ومجموعته المسماه Les cent et une nuits، باريس سنة 1911، ونخص بالذكر إمام هؤلاء جميعا رينيه باسيه R.Basset الكاتب الفولكلورى النابه الذى عقد فى مؤلفه الموسوم Mille et un contes récit et Légendes arabes، باريس سنة 1924، ص 6، مقارنات عملية مفيدة من هذا القبيل.

ص: 4127

3 -

ومراعاة للإنصاف، فإن الأمر يقتضينا القول بأن بعض الكتاب العرب المحدثين يحاولون فى تردد إحياء الموضوعات القديمة ليجعلوا منها آثارًا أدبية بحق، ولكنه من المؤكد كل التأكيد أن المأثورات الشعبية بصفة عامة لا تكاد تلهم الكتاب المحدثين الذين يهتمون اهتمامًا كبيرًا بتقليد الغرب، مهملين بذلك هذه المادة الموروثة. ولربما لا يكون الاختيار فى الحقيقة يسيرا، لأن عالم اليوم أكثر انجذابا إلى الحكاية بمفهوم أبى المطهر الأزدى من انجذابه إلى خرافات الأقدمين، بل إن المرء قد يخرج بانطباع هو أن وقتهم يزداد انشغالا يوما عن يوم حتى ليضيق عن الاستماع إلى القصص التى أبهجت نفوس أسلافهم، وهم يحسون بهذا على أقل تقدير حين لا يرون أن اهتمامهم بهذه القصص يهبط بكرامتهم.

ومن ملاحظة الظروف الحالية أو الحديثة فى شمالى إفريقية، وفى بلاد أخرى، نخرج بفكرة عما يحتمل أن يكون قد حدث من قبل فى البلاد العربية، وقد بسط بلاشير R.Blachére:(فى Semitica، جـ 6، سنة 1956، ص 83 - 84) النظرية القائلة بأن المصطلح القرآنى "أساطير" قد طبق على ما كان الرجال يروونه من القصص، على حين تشير الخرافات إلى ما كان يحفظه النساء من قصص. وهذا أمر محتمل كل الاحتمال، ولكن هذين المجالين ليسا متميزين تميزًا واضحًا فى جميع الأماكن إذا أخذنا بملاحظات باسيه (Essai sur la littérature: H.Basset des Berbéres ، الجزائر سنة 1920، وفى مراجع أخرى) التى أوحت لبلاشير - Bla chére بفرض هام قد يؤدى بنا إلى تصديقه. وعلى الرغم من أن الكبار من الذكور يصطنعون بعامة الاحتكار لحكايات عجائز الزوجات، إلا أنهم مستعدون فى كثير من الأحيان إلى أن يستخرجوا من أعماق ذاكراتهم قصصًا سمعوها فى صباهم وتعمدوا نسيانها. وثمة أناس لا يرفضون الاستسلام لإصرار الباحثين ويروون، حتى فى أثناء النهار، بعض الحكايات الخرافية أو الحكايات التى تتسم بتهاويل الخيال؛ ومن ثم استطاع كاتب هذه المادة أن يجمع فى شمالى إفريقية وفى الشرق

ص: 4128

الأوسط نماذج لذلك من رواة ربطت بينه وبينهم أواصر الصداقة، وكان هؤلاء تخونهم ذاكراتهم فى بعض الأحيان. ولكن هذا البحث لا يستعيد الظروف المألوفة، ومن ثم يمكن القول بأننا نميز وجود مجالين تقليدين: حكايات الخوارق، والأسمار القديمة التى تطابق الحكايات الألمانية المعروفة باسم: Hausmarchen والتى تحكيها النساء، وخصوصًا العجائز منهن، على حين أن قصص البطولة والأساطير التاريخية، كانت هى ميدان الرجال. وكانت النساء الشهيرات برواية القصص يستأجرون قبل الميعاد المحدد بفترة طويلة، ويلف حولهن بعد العشاء، فى القرية أو فى منزل بالحضر، جمهور المستمعين من النساء والأطفال بخاصة؛ وكان الشتاء هو الوقت المفضل لمثل هذه المحافل، ولكن فى بعض المناطق الحارة كانت المحافل التى من هذا النوع لا يناسبها سوى ليالى الصيف الطويلة الرطيبة.

وكان التقليد الجارى يمنع رواية القصص فى أثناء النهار، ولعل ذلك يرجع إلى أن كل فرد كان لديه عمل يؤديه، على أن السبب الأول لذلك هو أن رواية قصة من القصص كانت تشوبها شية من السحر، وفى الاعتقاد الشعبى أن أى خرق لهذا المنع يكون جزاؤه عقابًا شديدًا تختلف طبيعته من مكان إلى آخر؛ ففى بلد من البلاد نجد أن المرأة التى تروى القصص فى أثناء النهار سوف تلد قزما أو مسخا؛ وفى بلد آخر يكون من المحتمل أن تقتل ذريتها الوحوش المفترسة، أو تكون مهددة بإصابة أطفالها بمرض القوباء الحلقية، إلا إذا واتت الصدفة كما كان القوم يعتقدون فى فاس، واستطاع المرء أن بعد إحدى عشرة عارضة فى سقف الحجرة. ولقد قامت عدة طرق للإفلات من العقاب، ولكن كان المنع فى معظم الحالات محل الاحترام، لأن الرواية كانت تشعر أنها تقدم على عمل خطير. والحق أن كل قصة كان يجب أن تبدأ بصيغة مقدسة قصد بها خلق المناخ السليم، وجذب انتباه المستمعين، ولكن يبدو أن هذه الصيغة كانت فى جوهرها لطلب الرحمة. وما زالت عبارة "كان ما كان" التى يستعملها رواة القصص

ص: 4129

ذكورا وإناثا فى الشرق، باقية مع خلوها من معنى واضح؛ ولكننا نجد فى مكان آخر صيغًا أكثر وضوحا؛ سواء كانت محتفظة بسماتها الوثنية أو اتخذت قالبا إسلاميا؛ وفيما يلى صيغة أوردها م. الفاسى ودرمنجم (- M.EL Fasi et E. Dermenghem فى Contes Fasis، ص 16) هى: "كان حتى كان، حتى كان الله فى مكان، ما تخلو منه لا أرض ولا مكان، حتى كان الحبق والسوسان فى حجر النبى عليه الصلاة والسلام حتى كان

" وبالطريقة نفسها تقال عند انتهاء القصة صيغة تطرد الأرواح الشريرة إذا احتاج الأمر مثل الصيغة المتبعة فى بلاد القبائل، فتجعل الأرواح تنفذ فى جسد الحيوان. وتميل كل هذه الصيغ إلى الاختصار دون ان تفقد شيئا أبدا من سمتها الوقائية؛ وفى بلاد البربر، يقول الراوى على الأقل: "انتهت حكايتنا، ولكن الحنطة والشعير لم ينتهيا". بل بقى ذلك فى صيغ مختصرة مثل:"توته توته خلصت الحدوته" تسمع فى سورية، ولها مذاق السحر.

أما بالنسبة للرجال، فقد لاحظ تورنو R.Le Taurneau (فاس، ص 555 - 556) أن رواة القصص، ويسمون فى فاس فداوى، والجمع فداوية أو فداوة، يرتلون على نقرات الدفّ المربع فعال العرب فى سالف الأيام، وأن أغلبية المستمعين (حوالى خمسين شخصا فى الشتاء، وما يقرب من مائتين فى الصيف) كانوا من قبل على معرفة بالقصص، ويؤنبون الراوى أو يستحثونه إذا أتفق وخانته الذاكرة، على أنهم كانوا يستمتعون كل الاستمتاع حين يستمعون للمرة المائة قصص الرحلات والمبارزات بين الأفراد وفعال الخيانة والإقدام، ولا يستنكفون من أن ترتاح مشاعرهم أو تهتز بالتكرار الذى لا ينتهى لصيغ جامدة لا تتغير. ويقول الكاتب نفسه "إن إسكافيًا اشتهر بموهبته فى رواية القصة كان يختار مكانا بين صلاتى العصر والمغرب، ويتلو يومًا بعد يوم قصة طويلة، استطاع أن يجعلها جياشة بالحياة ومثيرة للمشاعر أحيانا. وعلى

ص: 4130

أية حال، فإن برنامجه كان يحتوى على ثلاث قصص فحسب وهى: قصة عنترة واستمرت عاما؛ وقصة الإسماعلية (أى: الفاطمين) واستمرت ستة أشهر؛ وسيرة سيف ذى اليزل (كذا = يزن) واستمرت أربعة أشهر. وفى نهاية الجلسة كان يقوم واحد من المستمعين يجمع مبلغ من المال يسلمه للراوى".

وليس من الممكن فى نطاق هذه المادة الموجزة أن ندرس الحكايات الشعبية المجموعة إجمالا فى كتاب ألف ليلة وليلة من ناحية، وقصص الفروسية العظيمة من ناحية أخرى. ومن المطلوب أن تخضع القصص التى تم جمعها حتى الآن، والقصص التى سوف تجمع بعد، لبحث بعيد المدى يماثل على الأقل البحث الذى أفرده باسيه H.Basset فى نطاق بلاد البربر، ولا شك أن هذه الدراسة سوف تخرج إلى النور مصادر جديدة، وربما أدت إلى حلول لكثير من المشكلات التى لا نجد لها إجابة شافية. ويجدر بنا أن نذكر بالبحث الحديث الذى قامت به منذ وقت قريب ميا كرهارت (The art of sto-: Mia I.Cerhardt 1000 ry- telling، a literary study of the and one nights، ليدن سنة 1963).

المصادر:

وردت المصادر الأساسية فى صلب المادة، وانظر أيضا

(1)

Les Penseurs de: Carra de vaux l'lslam ، جـ 1، باريس سنة 1921.

(2)

Bibliographie des: V.Chauvin relatifs aux Arabes ouvrages arabes ou، جـ 4، ليبج سنة 1892

(3)

Pearson: 23806 - 914، الملحق، 6339 - 52

(4)

A survuey of: A. Abdel. Maguid -story literature in Arabic From before Is -lam to the middle of the nineteenth cen tury فى Isl.Quarteriy ، العدد الأول (سنة 1945) ، ص 104 - 113

(5)

المؤلف نفسه: A survey of the terms used in Arabic for narrative and story المصدر نفسه، ص 195 - 204

ص: 4131

(6)

Le conte dans L'ori-: E. Montet ent musulman، باريس سنة 1930

(7)

Regards sur la Lit-: R. Blachere térature narrative، en arabe au Ie Siécle (de L'hegire (VIle S.J.C فى Semitica، جـ 4 (سنة 1956) ، ص 75 ويشمل بعض الأفكار الأساسية التى انتفع بها فى هذه المادة - والمصادر التى ذكرها R. Basset فى Mille et un contes وهي تشمل قائمة طويلة بالمؤلفات العربية التى تحوى كثيرًا من القصص - أما عن مجال اللهجات العربية، فانظر مادة "عربية" فى هذه الدائرة، وأضف إلى ذلك على وجه الخصوص Artin Pasha: Contes Populaires inédits de la vallée du Nile، باريس سنة 1895

(8)

Modern Arabic: E. Littmann Tales، جـ 1، المتن العربى، ليدن سنة 1905.

(9)

Les Contes d'Al-: S. Bencheneb ger، وهران سنة 1946

(10)

Essai de Folk-: Dresse Legey lore Marocain، سنة 1926

(11)

Contes el: G.Marchand Legendes A Maroc، الرباط سنة 1923

(12)

M. EL-Fasi et E. Dermenghem: Contes Fasis، باريس سنة 1926، وانظر أيضا.

(13)

المؤلفان نفسيهما: Nouveaux Contes fasis، باريس سنة 1928؛ وانظر أيضًا.

(14)

L'arabe dialectical: H. Péres -algérien et saharien، Bibliographie anal ytique، الجزائر سنة 1928، الفهرس، مادة Contes

(15)

المصادر التى ذكرها W.Fischer: Die demonstrati Bildungen neuarabischen Dialekte، لاهاى سنة 1959، وتكاد تكون شاملة، ولذلك فإنها تضم جميع القصص فى اللهجات العربية، التى تم نشرها.

(16)

أما بالنسبة لمجال البربر، فانظر مادة (بربر).

حسن شكرى [بيلا CH. Pellat]

2 -

الأدب الفارسى:

ويشير مصطلح حكاية هنا من حيث الأدب الفارسى الكلاسيكى إلى القصة

ص: 4132

النثرية القصيرة التى لا يمكن القول بأنها تقوم على أسلوب أدبى بحق فى التراث الفارسى، ذلك أن الحكايات تدخل فى كثير من الأنماط الأخرى فى الإنشاء الأدبى (التاريخ، الكتابات الصوفية، الهجاء الخ .. ) بالإضافة إلى مجموعات الحكايات بمعناها الصحيح. ومن ثم، فإن للحكاية أنماطًا مختلفة بحسب الآثار الأدبية المختلفة التى تستخدم فيها: ومن هنا تكون لدينا الخرافة الخيالية، والحكاية الأخلاقية الرمزية، والنادرة شبه الواقعية، والمقطوعات الصوفية الخ .. ، وقد يكون لكل من هذه المجموعات الفرعية أصل وتاريخ مختلف.

ومن أنماط الحكاية التى لها أهمية خاصة الخرافة التى من أصل هندى. وليس ثمة شك إطلاقًا فى أن هذه هى أصل مجموعة كليلة ودمنة الذى يبدأ بالترجمة العربية التى قام بها ابن المقفع؛ توفى حوالى سنة 142 هـ = 759 م) من النسخة البهلوية التى ترجع إلى أصل هندى، وظهرت فى كثير من الترجمات الفارسية الجديدة نظمًا ونثرًا. وفى وقت متقدم بالفعل حلت محل جميع هذه الترجمات الترجمة التى قام بها أبو المعالى نصر الله بن عبد الحميد (538 = 1143 - 1144 م)، فى أسلوب أقرب إلى التنميق، وازداد حظ هذا التنميق فى النسخة المتأخرة التى صنفها حسين واعظ كاشفى (توفى 910 هـ = 1504 - 1505 م) بعنوان "أنوارى سهيلى"(أنوار سهيل). على أننا نجد تقليدًا آخر لكليلة ودمنة هو الكتاب المسمى "مرزبان نامه" للأمير مرزبان بن رسم بن شهريار الذى كتب أصلا فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) بلهجة طبر ستان، وأعيدت كتابته باللغة الفارسية الجديدة فى أسلوب منمق فى كتاب مرزبان نامه لسعد الدين الورامينى (622 هـ = 1225 م) وفى كتاب "روضة العقول" لمحمد بن غازى الملطى (نهاية القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى):

وثمة مجموعات أخرى من الخرافات الشعبية لها أصول هندية ضاربة فى

ص: 4133

القدم، خضعت لتطورات مماثلة لما خضعت له كليلة ودمنة وكان من أبرزها "سندباد نامه"(كتاب السندباد الذى يجب ألا نخلط بينه وبين قصة السندباد الملاح الواردة فى ألف ليلة وليلة، وهذه القصة هى الإطار لقصة الأربعين وزيرًا أو الوزراء السبعة)؛ و "بختيار نامه" وهو كتاب يشبه السابق أى (كتاب الوزراء العشرة)؛ و"طوطى نامه" أى (كتاب البَبَّغاء) وكلها مؤلفات تلتمس الموعظة، بينما تعد "قصص جهار درويش" أى قصص الدراويش الأربعة) قصصًا خيالية بحت. ولقد أعاد كتاب مختلفون كتابة جميع هذه المتون مرات عدة نثرًا ونظمًا.

وأصبح الأسلوب المنمق الذى يختلف فى هذه القصص باختلاف مضامينها، رياضة جمالية خالصة فى صنف من صنوف الأدب يمكن أن يدخل فى تصنيف الحكاية، وهو "المقامة"؛ وأول المقامات فى اللغة الفارسية هى مقامات حميد الدين (توفى 559 هـ = 1164 م) التى ليست سوى ترجمة من العربية لمقامات بديع الزمان الهمذانى، وكان هو نفسه على أية حال فارسى المولد.

ولقد تمت مهمة جمع أكثر ما يمكن جمعه من الحكايات وتصنيفها تحت عناوين مختلفة بالمجموعة الضخمة التى جمعها محمد عوفى بعنوان "جوامع الحكايات ولوامع الروايات"، وضمت هذه المجموعة ما يزيد على 2000 قصة ونادرة (النصف الأول من القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى)؛ واستلهمت مؤلفات عربية مثل "الفرج بعد الشدة" للتنوخى (توفى 384 هـ = 994 م) وأعاد كتابتها بالفارسية عوفى نفسه وآخرون.

وقد قام بجمع النوادر الفكاهية أيضًا عبيد زاكانى (القرن الثامن الهجرى = الرابع عشر الميلادى) الذى يعد كتابه المسمى "رسالة دلكشا" مجرد مجموعة من الحكايات تتسم بالفحش فى كثير من الأحيان، وقد كتبت بالعربية والفارسية على حد سواء.

ومن أساتذة الحكاية الذين لا نظير لهم سعدى فى كتابه كلستان (656

ص: 4134

هـ = 1258 م) الذى يعد أساسًا مجموعة من الحكايات الأخلاقية الخفيفة المصوغة فى قالب نثرى تتخلله مقطوعات من الشعر، وهو مقسم وفقًا للموضوع، وقد قلد كتاب كلستان أكثر من مرة وأفضل تقليد له هو كتاب "بهارستان" للشاعر جامى (توفى 898 هـ = 1492 م) وكتاب بريشان للقا آنى (توفى 1270 هـ = 1854 م).

وهذه الإلمامة الموجزة تستثنى "الرواية" التى لا يمكن أن تعد حكاية، وإن كان فيها بعض خصائصها. فالرواية بمعناها الحديث لا تكاد توجد فى الأدب الكلاسيكى، وتحتل مكانها القصص الخرافية الطويلة (داستان؛ ولم يفكر فيها مؤرخو الأدب الكلاسيكى بصفة عامة تفكيرًا يستحق الذكر)، وأقدم مثال لها الكتاب المسمى "سَمك عيار"(585 هـ = 1189 م) الذى كتبه صدقة ابن أبى القاسم شيرازى، وهو زاخر بمغامرات الفرسان الخيالية الذين هفت نفوسهم إلى طلب يد الأميرة إبنة إمبراطور الصين. ولقد أعقب هذه القصة الخيالية البطولية كثير من القصص الأخرى التى يقف بعضها فى منتصف الطريق بين الأدب الرفيع والأدب الشعبى، وهى تروى أحداث المغامرات الخارقة لأبطال كثيرين (مثال ذلك، قصة الأمير حمزة؛ عم النبى صلى الله عليه وسلم التى راجت فى الهند بوجه خاص.

ومن الممكن أن يعد من مجموعات الحكايات أيضًا كتاب "تذكرة الأولياء" أو السير الأسطورية لأولياء الله، ومن أشهرها فى بلاد فارس كتاب فريد الدين العطار (القرن السادس الهجرى = الثانى عشر الميلادى).

والعنصر المشترك فى كل هذه المادة المتباينة هو الأسلوب فى المقام الأول: فالأسلوب الروائى للحكاية القصيرة يظهر بصفة عامة فى شكلين أساسيين هما: الأسلوب الخالى من الزخرف، والأسلوب المنمق. وفى الحالة الأولى تمضى رواية الحكاية بطريقة تنصب على الأسلوب وقواعد النحو، ونادرًا ما تستخدم فيها الجمل التابعة، وقد لا تستخدم هذه الجمل إطلاقًا، ويجرى ذلك فى سلسلة من الجمل الخبرية

ص: 4135

القصيرة تتتابع بلا رابط. وقد بذلت محاولات لجعل مثل هذا السرد المفكك أكثر ترابطًا، واصطنعت هذه المحاولات التوسع فى التنميق والزخرف،

على أنه إذا حذفت المحسنات اللفظية لوجدنا الأسلوب الأصلى مستقيمًا لا عوج فيه. ولا يكون التطوير بالضرورة هو ترك الأسلوب الخالى من الزخرف إلى الأسلوب المنمق، ولربما وجد الأسلوبان معًا فى مؤلفات الفترة نفسها، ويكون ذلك أحيانًا عند كاتب واحد.

ومن ثم، ففى مشارف العصر الحديث، وجد الفن القصصى الفارسى نفسه وضع غير موات إلى حد ما حين واجه الأثر الأوربى القوى للروايات والقصص القصيرة التى كانت تستند فى الغرب إلى تاريخ طويل: ومن أكثر المهام صعوبة ومتعة للكتاب الفرس المحدثين مسألة إبداع واقعية مركبة تفوق الواقعية المتقدمة فى الزمن التى حاولها الكاتب فى الحكايات، وأسلوب فى الرواية ينبذ استعمال المحسنات اللفظية المعقدة، ويحقق البساطة التى تسمو على أن تكون مجرد رواية القصة فى أسلوب مستقيم خال من الزخرف اللفظى؛ ولقد حقق هؤلاء الكتاب المحدثون أحيانًا بعض النتائج المشهودة فى هذا الاتجاه (مثال ذلك، جمال زاده، وصادق هدايت، وصادق جوبك، الخ

).

المصادر:

(1)

Iranisch Literaturgeschicte: J.Rypka؛ ليبسك سنة 1959 (ويضم مراجع عن الطبعات الأساسية للمتون المستشهد بها علاوة على مصادر أخرى).

حسن شكرى [أ. باو سانى A. Bausani]

3 -

الأساليب الروائية للأدب التركى والأدب الشعبى.

وكلمة حكاية التى تحققت أيضًا بصيغة حكايات (فى العربية: حكاية) فى النصوص العثمانية، حين تستعمل مع الفعل المساعد (إت et) بمعنى "يحكى" أو "يقص". وهى تدل على القصة إذا إقترنت بأفعال بسيطة أو مركبة مثل "ده"، و"سويله" أى:"يقول"، و"نقلت" أى "يحكى". ولم

ص: 4136

يكن لكلمة حكاية من حيث هى مصطلح يدل على الجنس فى اللغة التركية التى يتحدث بها فى تركيا أى معنى خاص، ولكنها كانت تدل على كل صنف من القصة، كما تدل على صنوف القصة جميعا؛ فثمة: المسل (بالعربية: المثل)؛ ومنقبه أو أفسانه بمعنى الأسطورة؛ ولطيفة أو فكره أى النادرة، والقصة، والرواية، والقصة البطولية. ولم تكتسب كلمة حكاية مرتبة المصطلح الفنى الدقيق إلا فى المصطلحات العلمية الحديثة، وأصبحت تدل بوضوح على ثلاثة صنوف محددة: فهى فى الرواية الشفوية قصة طويلة بالنثر يتبادل النثر فيها بمقطوعات شعرية (حكاية العاشق، انظر ما يأتى) أو قصة تمثلية بالنثر يؤديها رواة محترفون ("حكاية المداحين"؛ وفى الأدب الحديث المكتوب، وهى الرواية أى القصة الطويلة (انظر ما يأتى).

وفى اللغة التركية التى يتحدث بها فى تركيا تستعمل كلمة إفسانه (بالفارسية: أفسانه) مصطلحًا يدل على الأسطورة؛ ولكنها فى اللغة الجارية سواء فى الماضى أو المضارع، يمكن أن يكون لها إذا إقترنت بـ "مسل" (بالعربية مثل) وبـ "هرافه" (بالعربية: خرافة) معنى التحقير أى: "القصة الممعنة فى تهاويل الخيال الملفقة، أو الخرافية".

ويجب أن نذكر أيضًا الاستعمالات المهجورة فى أيامنا هذه لبعض المصطلحات الأخرى: وأولها الكلمات التى يدخل فى تركيبها المقطع "نامه"(بالفارسية: نامه) الذى يضاف لاسم البطل أو للكلمة الدالة على الموضوع الأساسى، للإشارة إلى الكتب القصصية الكبيرة التى جرت الحال بأن تكتب بالشعر كما تكتب بالنثر أحيانًا مثل: اسكندر - نامه (قصة الإسكندر) وحمزة - نامه (مغامرة حمزة)، وغزوات - نامه (قصص الغزوات)، وفتح - نامه (قصص الفتح)، وولايت - نامه (سير الأولياء) وأوغوز - نامه (قصص عن الأوغوز)، إلخ

وللمصطلح الأخير فى كتاب دده قورقود فى النسخة التى بقيت لنا منه، والذى يرجح أنه صنف فى القرن

ص: 4137

التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى؛ انظر، P.N. Boratav: دده قورقود حكاية لرنده كى تاريخى أولايلر وكتابك تأليف تاريخى فى: تركيت مجموعه سى، جـ 8، سنة 1958، ص 31 - 62)"معنى الحدث الملحمى الذى ألف وأنشد فى تكريم البطل الأكبر للمغامرات التى تروى". ويوجد فى الكتاب نفسه أيضًا مصطلحان هما: "بوى" و"سوى" ويستعملان معًا مع الأفعال المشتقة منهما: بوى بويله - وسوى سويله؛ وللفعل الأول معنى "يحكى بالأسلوب الملحمى، وقصة تصف الفعال المشهودة لبطل من الأبطال"؛ والفعل معناه "يخطب (يغنى أو ينشد) المقطوعات الشعرية من الملحمة القصصية". ويستعمل مصطلح بوى، بالإضافة إلى ذلك، فى عناوين الأحداث الإثنى عشر التى استعملت فى مخطوط من المخطوطين (مخطوط درسدن Dresden، وهو أقرب ما يكون إلى الأصل المفقود لكتاب دده قورقورد، ويحمل اسم البطل، ويعنى ببساطة "الحدث": بمسى بايرق بوى، أى: حدث بمسى بايرق؛ باشات دبه كوزى أو لدوردوغى بوى" أى الحدث (الذى يحكى كيف) قتل باشات دبه كوز، الخ

وبوى وسوى مترادفان يدلان على التحقيق على "القبيلة"، و"العشيرة"، و"العائلة" والراجح أنهما استعملا أصلا ليدلا على القصص والأغانى التى تروى الفعال المشهودة لعشيرة من العشائر (انظر المصطلح توى بمعنى "احتفال"، و"مأدبة"، و"حفلات الزفاف" واستعملا أيضًا للدلالة على "أغنية الزفاف"، وانظر ب. ن. بورتراو: خلق حكاية لرى وخلق حكاية جيليغى، أنقره سنة 1946، ص 52، 117، 120، 294 - 297 وفى معنى "حدث" حلت محل كلمة بوى فى القصص الملحمى للأناضول الشرقية كلمة قول ("ذراع"، وأيضًا "فرع"، "فصل". وهى تدل على حدث من الأحداث فى المجموعة القصصية الكبيرة التى تحكى مغامرات اللص النبيل قور أوغلى: دمير جيوغلى قولى، آيواظ قولى الخ

وفى المخطوط الثانى الذى اصطبغ بالصبغة العثمانية أكثر من غيره (أى مخطوط الفاتيكان) المسمى "كتاب دده قورقود، نجد

ص: 4138

المصطلح بوى قد حل محله فى العناوين كلمة حكايات: بمسى بايرق الخ .. ، بل أن عنوان الكتاب (كتاب دده قورقود فى مخطوط Dresden) قد ورد فى مخطوط الفاتيكان على النحو الآتى: حكاية أوغوز نامه قازان بك وغيره".

وقد استعملت مصطلحات قصة (والجمع قصص) ومناقب (والمفرد منقبه) بالمعنى نفسه فى الكلمات التي تدخل في تركيبها "نامه" ولكنها تستعمل فى أكثر الأحيان فى الكتب التى تتناول الموضوعات الدينية الملحمية؛ ويشتق من الكلمة الأولى كلمة قصص خوان المرادفة للكلمة العربية قصّاص، وترادف فى الاستعمال كلمة قاص (أو "القارئ") للقصص التى تدور حول أنبياء ما قبل الإسلام، أو حول أبطال الإسلام أو الشخصيات الصوفية العظيمة أى: قصص أنبياء ومناقب غزوات سيد بطَّال؛ ومناقب حاجى بكتاش الخ

، والسير (والمفرد - سيرت؛ وبالعربية سيرة، والجمع سير) هى المصطلح الذى خصت به قصص حياة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ولا يفوتنا أن نذكر من الأمثلة على المصطلحات المستعملة لصنف بعينه من الأدب القصصى مصطلحًا آخر أيضًا هو مصطلح "مقتل" الذى يدل فى دوائر الشيعة على قصة مقتل الحسين رضى الله عنه فى كربلاء.

ومنذ بداية القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) تقريبًا، انتشر فى أرجاء الإمبراطورية العثمانية كافة تراث الشعر الشعبى، أى شعر العشاق. وكان هؤلاء الشعراء المغنون الذين جروا مجرى شعراء التروبادو الغربيين فى العصور الوسطى هم خلفاء المنشدين المعروفين باسم "أوزان"(المدَّاحون) لتراث الأوغوز الشعبى. وقد ألفوا الشعر الملحمى، ولكنهم مضوا فى السير على نهج التراث الملحمى أيضا. واستحالت الملحمة البطولية على يدهم صنفًا جديدًا أسموه حكاية. واحتفظت الحكاية هذه بعناصر بعينها من التراث القديم من حيث الشكل والموضوع، ولكنها أثريت إما بالاقتباس من الآداب الأجنبية أو بإبداعات انتزعت من الأحوال الإجتماعية الجديدة. وقد بقى

ص: 4139

هذا التقليد القصصى حتى اليوم؛ وما زال يمثله رواة القصة المنشدون فى أقاليم قارص، وأرتوين، وأرضروم فى شرقى تركيا. أما الحكايات ذات الموضوعات البطولية مثل حكايات مجموعة قور أوغلى، وحكايات كرم، وحكايات غريب الخ

التى تروى قصص الغرام فقد اتسمت بأنماط الأسلوب والشكل المأثورة: وفيها السرد القصصى والحوار الثنائى المألوف بالنثر؛ والأحاديث الفردية والجوار الثنائى العاطفى بالشعر يتخلل السرد القصصى، ويتغنى به بمصاحبة آلة تسمى "الساز"(آلة تشبه المزهر) راوى قصة العاشق نفسه. وثمة عدد من هذه القصص ألبست ثوب القصص الخيالية تروى سير العاشقين الحقيقيين، ولكن حتى فى هذه الحالة، نجد أنه قد أدخل عليها عنصر بعينه يتصل بالناحيتين الخرافية والأسطورية. ومع ذلك، فإنه بمقارنة هذه القصص بقصص العجائب، وبقصص مغامرات الفروسية (مثل قصة بطَّال) وبسير أولياء الله الصالحين، نجد أن الحكاية تفصح عن ميل واضح للواقعية. وفى سير "العاشقين" نجد أن الأشعار التى تقحم عليها تكون من نظم صاحب السيرة نفسه، وتستعاد على نحو تتفاوت فيه الأمانة. أما الحكايات التى لا تنتمى إلى هذه الفئة من السير الخيالية العاطفية، فهى بقسميها من النثر والشعر من آثار "كُتَّاب العشق" الذين يستهلونها بموضوعات مستمدة من مصادر شفوية أو مكتوبة، بل يستقونها فى بعض الأحيان من حدث ما يقع فى محيطهم المباشر، ويطورونها على مقتضى القواعد ومأثور التقاليد، ويدخلون فيها أشعارًا من نظمهم فى مواضع من السرد القصصى تبدو مناسبة كل المناسبة. أما الأعمال المختلفة والمراحل المتعاقبة لهذا الإنتاج فيرتجل بعضها فى أثناء الإنشاد، وقد لوحظ ذلك بين "كُتَّاب العاشقين" (= مُصَنِّف) فى الوقت الحاضر (انظر ب. ن. بوراتاو: المصدر السابق، ص 130 - 186، وبخاصة ص 158 - 163).

وثمة عدد من الحكايات فى سجل الأناضول مألوفة عند الشعوب الأخرى

ص: 4140

التى تتكلم بالتركية؛ وحسبنا أن نذكر أمثلة قليلة: فقد ذاعت قصة حياة بايرق الواردة فى كتاب دده قورقود فيما وراء إقليم الأوغوز بين القره قلبق، والأزابكه والقزخ، والآلتاى؛ كما توجد أحداث مختلفة مستقاة من مجموعة قور أوغلى فى نسخ بالآذريبجانى وبالتركمانية، وبالأوزبكية، وبالتترية التوبولية (بل فى نسخ بغير التركية: كالأرمنية والكرجية والكردية والتاجيكية). أما السير الرومانتيكية للعاشقين مثل سيرة كرم وغريب، فهى معروفة فى آذريبجان وتركمانستان، وكذلك قصة حب طاهر وزهرة معروفة أيضًا فى هذين الإقليمين، وفى أوزبكستان (انظر P.N.Boratav: -L'ép opée et la "hikâye" Philologiae Turcicae Fundamenta، جـ 2، فيسبادن سنة 1964، ص 11 - 44).

وقد تختلف الحكايات فى الطول. فالحكايات الخاصة بالكور أوغلى مجموعة عريضة تروى كل مرحلة منها (قول) على حدة، وهى بصفة عامة تبلغ من الطول مبلغ الحكاية الكاملة. وحين ينشد راو بارع حكاية طويلة، فإنه يشنف بها آذان مستمعيه عدة ليال ثلاث ساعات أو أربع فى كل ليلة. وإذا ما لقى الراوى إقبالا من المستمعين المحنكين، فإنه يجد ذريعة لبسط تلاوته بقدر ما يستطع، ويزيد فيها على نحو مصطنع زيادات غير قصصية: كاللوازم الموسيقية (تعزف على الآلات أو تؤدى بالأصوات) تضاف إلى بداية القصة ووسطها عند وقفات المنشد، كما يتم إقحام النوادر والحكايات القصيرة (= قّره ولىّ) عشوائيا الخ

وقد تطول الجلسات أيضًا حين يقوم بعض المستمعين الموهوبين بإنشاد قصص خارجة عن الموضوع. والحكايات الأقصر (تستمر ساعة أو ساعتين) وتعرف باسم سركوشته (سر كورشت) أو قصيدة.

وثمة بعض الروايات المنقحة المكتوبة لحكايات العاشقين، وتوجد منها مخطوطات ترجع إلى القرن التاسع عشر (انظر P.N.Boratav، المرجع نفسه، ص 206 - 210)؛ وفى القرن التاسع عشر أيضًا صدرت بعض الطبعات

ص: 4141

الحجرية، وأغلب الظن أنها استندت إلى مخطوطات؛ وعلى أية حال، فإن الطبعات القائمة على الروايات الشفوية تعد أمرًا محتملا، بدون تداخل النسخ المتداولة للمخطوط. وثمة طبعات معروفة حديثة جدًا (بالحروف اللاتينية، ومن ثم بدأت طباعتها منذ عام 1928) صدرت على هذا النحو (انظر P.N.Boratav، المرجع نفسه، ص 212 - 213).

ويقتضينا الأمر أيضًا أن نذكر الموضوعات الكلاسيكية مثل ليلى والمجنون، وفرهاد وشيرين الخ

وهى موضوعات لم تستوعبها الحكايات كل الاستيعاب، وخاصة فى فصولها الشعرية، على أنها أصبحت جزء من قائمة الحكايات الشعبية التى تنشر على هيئة كتب يبيعها فى الشوارع باعة متجولون، وكانت مطبوعة على الحجر أول الأمر، ثم طبعت بالمطبعة الحديثة.

وقد وجدت مؤلفات كلاسيكية للنثر القصصى العربى الفارسى مثل كليلة ودمنة، وطوطى نامه، وألف ليلة وليلة منذ بداية الأدب التركى الإسلامى فى نسخ مكتوبة ومسجلة فى كثير من المناطق التى تتكلم التركية. وقد بلغ هذا الأدب ذروته فى المنطقة العثمانية فى نهاية القرن الثامن عشر، متمثلا فى المجموعة الشهيرة المسماة (مخيلات لدن إلهى) لعزيز أفندى (انظر A.Tietz: فى مجلة ، Oriens ، جـ 1 سنة 1948، ص 248 وما بعدها). ولكن لا تعرف سوى أمثلة قليلة جدا من القصة الشعبية الحقيقية التى نقلت فى الصورة المكتوبة: ومن الممكن أن نذكر فى هذا الصدد قصة "داستانى أحمد حرامى"(المكتوبة شعرا، على نمط الحكاية الشعبية، رقم 153 فى الفهرس التركى، ورقم 956 ب فى الفهرس الدولى الذى صنفه Aarne-Thompson) . وهى قصة لمؤلف مجهول، يرجح أنه يرجع إلى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)؛ كما نذكر حكاية شعرية قصيرة كتبها عاشق باشا فى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) وهى تطابق نمط الحكاية الشعبية رقم 1626 فى الفهرس الدولى؛ ومجموعة (بلوركوشك) تشمل 13 قصة مستمدة من التراث الشفوى، وهى مصنف

ص: 4142

حديث إلى حد لا بأس به، ويرجح أنه يرجع إلى القرن التاسع عشر. ومن ناحية أخرى، نجد الأدب القصصى الفكاهى الذى يبدو أنه قد استمد جزءًا كبيرًا من موضوعه من التراث المتواتر شفويًا، وقد ظهر وشاع أكثر من ذلك فى نسخ مكتوبة. كما أن مجموعة النوادر المسلية التى صنفها ناصر الدين خوجه بدأت من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) لتكمل المجموعات الأخرى بسبب شعبيتها. والنوادر الأحدث من ذلك مثل نوادر بكرى مصطفى أو إنجيلى جاوش، وكلاهما شخص حقيقى من القرن الحادى عشر الهجرى. (السابع عشر الميلادى) قد نقلت بالتواتر الشفوى أول الأمر، ثم ظهرت أيضا فى الطبعات الحديثة يبيعها باعة الكتب المتجولون فى الشوارع. والنوادر الخاصة بأنصار الفرق المتزندقة (مثل فرقة التختجى، وفرقة القزلباش)، وكذلك قصص التمييز العنصرى التى ترويها مجتمعات عنصرية وإقليمية أو دينية، تحمل بعضها على بعض، بقيت كلها تتواتر شفويًا وبلا استثناء، حتى وقت قريب بعض القرب. ومع ذلك، نجد فى القرنين الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) والثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) مخطوطات فكاهات عن الرافضة الذين ظهروا مرة أخرى من بعد منتسبين إلى البكتاشية.

ولقد بدأت الرواية الحديثة والقصة القصيرة فى تركيا بمثابة إنكار للتقليد القصصى القديم الفصيح والشعبى على حد سواء. ومع ذلك، فإن من الحق أن نقول إن الروايات والقصص الأولى كانت متأثرة تأثرًا عميقًا بهذا التقليد بشقيه الفصيح والشعبى. صحيح أنها نجحت فى استبعاد جميع العناصر المخالفة للعقل والخرافية، إلا أنها من حيث الأسلوب وأشكال التعبير والتركيب، قد بقيت فيها الأصول الفنية القديمة للرواية التى التزمها كتاب القصص من قبل فى أدبهم المنطوى على العلم وكذلك المداحين، وظلت هذه الأصول باقية مدة طويلة حتى أدركت فترة الرواية الواقعية الطبيعية فى أوائل القرن العشرين، ومثال ذلك آثار الروائى العظيم حسين رحمى

ص: 4143

(كوربيكار؛ 1864 - 1944) ، الذى نهج فى هذا المقام نهج أستاذه أحمد مدحت (1844 - 1913) أبى الرواية الحديثة فى تركيا. والعناوين نفسها للروايات المتقدمة فى الزمن، التى ظهرت فى الوقت نفسه مثل آثار أحمد مدحت لها دلالة فى هذا الصدد:"مسامرات نامه"(1872 - 1875) لأمين نهاد، "وسير سروناز"(1873 - 1874) بقلم ت. عبدى. وكانت الآثار التى من هذا النمط تسمى Roman""(1) أو (حكاية) أيضًا، وكما يتبين من عنوان رواية مجهولة الكاتب هى "حكاية فردانه خانم"(1872 - 1873) ، ومن ثم، فإن كلمة "حكاية" اكتسبت معنى جديدًا، وقد اقتصر استعمالها من بعد على القصة فى الأدب الرفيع المكتوب. ولا يشير المصطلح المركب "كوجك حكاية"(قصة قصيرة) إلا إلى طول القصة وحسب.

المصادر:

بالإضافة إلى المصادر المذكورة فى صلب المادة انظر

(1)

كوبريللى زاده محمد فؤاد: تور كلرده خلق حكاية جليغينه عائد بعض مادّه لر، فى تركيت مجموعه سى، جـ 1 (سنة 1925) ، ص 1 وما بعدها

(2)

Tuerkisch: O.Spies volksbuecher، ليبسك سنة 1929.

(3)

مصطفى نهاد أو زون: توركجده رومان، إستانبول سنة 1935.

(4)

Turkish Folk: Ilhan Bashgoez Stories about lives of minstrels؛ فى مجلة المأثورات الشعبية الأمريكية، العدد 65 (سنة 1952)، ص 331 - 339.

(5)

Minstrel tales From: W.Eberhard Southeastern Turkey، بيركلى - لوس أنجلوس سنة 1995، والمصادر المذكورة فى المصادر التى ذكرناها، وفى - Philologiae Turcicae Fun damerenta، جـ 2، فيسبادن سنة 1965؛ 61) والبحث الأخير يزودنا بأوصاف فى الفقرات المناسبة للأسلوب القصصى فى آداب جميع البلاد التى تتكلم التركية، وهو مذيل بمصادر مسهبة. وبالنسبة للحكايات

(1) كلمة فرنسية تدل على الرواية تعتمد على سرد المغامرات أو دراسة الأخلاق والطبائع أو تحليل العواطف أو المشاعر.

ص: 4144

التركية انظر الفهرس الذى وضعه Typen tuer-: P.N.Boratav، W. Eberhard kischer volksmaerchen، فيسبادن سنة 1953.

حسن شكرى [برتو نائلى بوراتاو P.N.Boratav]

4 -

فى الأردية:

تطور النثر فى اللغة الأردية بعد ذلك بمدة طويلة أكثر مما تطور النظم فيها. ولذلك لم تعش الحكاية النثرية فى اللغة الأردية طويلا، وأفسحت المجال لأشكال الرواية ذات الطابع الغربى في أواخر القرن التاسع عشر، وللقصة القصيرة فى أوائل القرن العشرين ويقوم معظم أدب الحكاية فى اللغة الأردية على الترجمة من الفارسية؛ ولكن لهذه المترجمات فى كثير من الأحوال قيمة أدبية، وقيمة تاريخية بالتأكيد، تفقر إليهما الأصول التى استقيت منها.

ولقد ظهرت الحكاية أول ما ظهرت فى المثنويات التى كتبها فى بلاطى بجابور، وكلكندة بالدكن، ثم أعيدت كتابتها من بعد بالنثر حينما تطورت فى الشمال فى أوائل القرن التاسع عشر. والأثر الرائع الذى كتبه فى الدكن ملاّ وجهى من هذا الطراز هو "السبراوات"(طبعة عبد الحق، أورنكك آباد سنة 1932) ، وهو قصة رمزية اقتبست من كتاب محمد بن سيبك فتاحى نيشابورى (توفى 852 هـ = 1448 م) المسمى "دستور عشاق"(طبعة R.S.Greenshields، برلين سنة 1926). وموضوعه هو البحث عن أكسير الحياة، ويتضمن بعض المتشابهات غير المشروحة التى تتصل بالفكرة الرئيسية لرواية الوردة. وموضوع هذا البحث متشابك النسج فى نمط رمزى لتقاليد العشق المألوفة فى الشعر الإسلامى، ويتمثل ذلك فى قصة حب الأمير "دل"(قلب) للأميرة "حسن"(جمال) مع تشخيص جميع سمات الرغبة فى المحب والمقاومة العنيدة فى المحبوب. وفى هذه القصة الرمزية بعض العناصر السحرية التى تربطها بالنثر القصصى "داستان" الذى انتقل إلى اللغة الأردية فى أوائل القرن التاسع عشر، وقد اقتبست القصة فى شعر منثور، تختلط فيه القواعد الأدبية بعامية الدكن.

ص: 4145

وفى الهند الإسلامية، كانت القصة الرمزية "داستان" قالبًا يكتب بالنثر، وينشد شفاهة أيضًا. وكان يروى الـ "داستان" رواة محترفون فى بيوت النبلاء أو فى محافل خاصة فى: دلهى، ولكهنو، وبنارس، وحيدر آباد. وقد ظل الفن المسمى "داستانكوئى" مستعملا فى الحديث والكتابة فترة طويلة حتى الثلاثينات من القرن التاسع عشر يد ميرزا باقر على.

وكانت المادة الأساسية لأدب القصة الرمزية هى مجموعة "أمير حمزة" التى كتبت وأنشدت فى معظم البلاد الإسلامية من تركيا حتى إندونيسيا. وشخصيات القصة الرمزية هم بصفة عامة ثلاث فئات: البطل، والبطلة، وأصدقاؤهما من أرباب الفروسية؛ وكذلك العيارون الذين يساندونهم ويقومون ببعض الفكاهيات للترويح عن الناس فى أثناء رواية القصة؛ والمشعوذون أو السحرة "جادو كر" الذين يمثلون دور أعدائهم.

وكان للقصة الرمزية نمط تتردد فيه المواقف التى تكاد من طراز واحد، ويساعد "العيارون" فيها الأبطال ويتحدون المشعوذين فى جو سحرى يشبه التيه فى رتابته التى تتداعى فتمعن فى الإسهاب.

وتأليف مجموعة قصص الأمير حمزة الرمزية - منحول لأمير شعراء أكبر فيضى: وقد نقلت المجموعة إلى الأردية من الفارسية تحت إشراف كلية فورت ويليام Fort William College سنة 1215 هـ (1801 م). وتضم القصة الرمزية كلها سبعة عشر مجلدًا مقسمة إلى عدد من المسلسلات. وأول هذه المسلسلات هى "نوشروان نامه". وأعظمها رواجًا كتاب يقع فى سبعة مجلدات هو "طلسم هو شربا" وقد ترجم الأربعة مجلدات الأولى منه عن الأصل الفارسى، مير محمد حسن جاه، وترجم سائر مجلداته الثلاثة، أحمد حسين قمر.

وثمة تقليد لمجموعة قصص الأمير حمزة الرمزية، هو المجموعة المسماة "بستان خيال"، وهذه المجموعة قصة رمزية فى أربعة آلاف صفحة، ألفها بالفارسية مير تقى خان برعاية

ص: 4146

الإمبراطور المغلى محمد شاه (1131 هـ = 1719 مـ - 1161 هـ = 1748 م). وقد ترجمها إلى الأردية خواجه أمان دهلوى، وميرزا محمد عسكرى، وآخرون. ومن ناحية الأسلوب، نجد مجموعة "بستان خيال" دون مجموعة حمزة على الرغم من أن كلتا المجموعتين تعتمدان على السجع اللغوى، والجمل الموزونة، والتعبيرات المنمقة.

أما "فسانه عجائب"(سنة 1824) فمجموعة صنفها ميرزا رجب على بيك سرور (1787 - 1867) فى مجلد مختصر يضم قصصًا يربط بعضها ببعض رابط ما، وهى من الناحية الموضوعية وليدة القصص الرمزية "داستان" وتدخل فيها العناصر السحرية نفسها، ولكنها تتميز عنها بقصرها، وبما تعكسه عرضًا من الحياة الواقعية فى عصرها، وهمها الأول هو الزخرفة المركزة للأسلوب. وهذه السمات الجديدة، وبخاصة السمة الأخيرة، قد انتقلت بالوراثة من بانديت رتن ناث سرشار (1846 - 1902) ومن رواياته التى تعكس هى الأخرى أثر القصص الرمزى "داستان" فى مشاهد الغرام وبعض المواقف التقليدية.

"جهار درويش"، وهى أصلًا مجموعة من القصص بالفارسية يربط بينها رابط ما، وقد نسبت خطأ إلى أمير خسرو. والراجح أنها صنفت فى خلال القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى)، ونقلت إلى اللغة الأردية بروايتين حرفيتين على قدر كبير من الأهمية. إحداهما ترجمة حسين عطا خان وعنوانها "نوطرز مرصع" وتمت الترجمة سنة 1798، بأسلوب متشبع بالفارسية كل التشبع. ونقلها بالنثر الأردى الأكثر بساطة، الذى يراعى قواعد النحو، مير أمان دهلوى فى كلية فورت ويليام - Fort Wil liam College سنة 1801 بعنوان "باغ بهار". وهذان الأثران علامة على تطور النثر الأردى. وثمة "نوطرز مرصع" أخرى أدنى مرتبة أدبية صنفها فى كلية فورت ويليام Fort William College زرّين سنة 1801 م.

"سيف الملك وبديع الجمال"، وهى قصة من ألف ليلة وليلة، نقلها أول

ص: 4147

الأمر فى ثوب المثنوى، شاعر الدكن غوَّاصى سنة 1035 هـ (1625 م). وصاغها قصة نثرية عاطفية منصور على فى أوائل القرن التاسع عشر.

وتشمل النماذج الأخرى المشهورة لأدب الحكاية فى أوائل القرن التاسع عشر قصة "حياة القلوب" لولى محمد بن حافظ ميران، المنقولة من مؤلف باقر مجلسى عن قصص الأنبياء؛ و "سير عشرت، جامع الحكايات"(1825) للشيخ صالح محمد عثمان، وهى تقليد لكتاب "كلستان" لسعدى؛ و "هفت كلشن"، وهى مجموعة لناصر على خان واسطى، ترجمت من الفارسية إلى الأردية على يد ميرزا لطف على ولا؛ و"جاركلشن" لبنى نراين، التى ترجمت من الفارسية سنة 1811 م؛ وثمة مجموعتان من الحكايات النثرية هما:"مورينخى"، و"رشك برى"، ألفهما أحمد على حوالى سنة 1241 هـ (1825 م). وقد كتب أيضًا أشك مترجم "داستان أمير حمزة" قصة عاطفية هى (كلزار جين) سنة 1219 هـ (1804 م). وينتمى كتاب حيدر بخْش حيدرى (المتوفى سنة 1833) المسمى "عرائش محفل"، مثل كثير من الحكايات التى كتبت فى أوائل القرن التاسع عشر، إلى مجموعة قصص حاتم الطائى. وحيدرى هو أيضًا مؤلف "ليلى مجنون"، و"كلزار دانش" التى هى ترجمة لكتاب شيخ عنايت الله "بهار دانش" الذى يضم قصصًا عن مكائد النساء وخياناتهن.

ومن أشهر آثار حيدرى قصة "تتا كهانى" التى صنفت سنة 1215 هـ الموافقة 1801 م فى كلية فورت ويليام Fort William College، وتنتمى إلى مجموعة أخرى من أدب الحكاية، وهى التى من أصل هندى. وقصة ضياء الدين نّخشبى "طوطى نامه"(731 هـ = 1330 م) ليست إلا ترجمة فارسية لمجموعة باللغة السنسكريتية تضم سبعين قصة "شكاسبتنى" ومحور العقدة الرئيسية التى تدور حولها هذه القصة هى قصة ببغاء صادقة تحرس زوجة خائنة من الوقوع فى إثم الزنا، حين كان زوجها مسافرًا فى صقع بعيد، فتحكى لها الببغاء

ص: 4148

سلسلة من القصص لتشغلها بها وتجنبها السوء. وثمة نسخة مبسطة موجزة قللت عدد هذه القصص إلى خمس وثلاثين قصة، صنفها بالفارسية سنة 1049 هـ (1639 م) محمد قادرى. أما المثنوى الذى لفه الشاعر غوَّاصى "طوطى نامه"(1049 م = 1639 م) فيقوم على ترجمة نخشبى، فى حين تقوم قصة حيدرى النثرية "تتاكهانى" على مختصر كتاب قادرى.

وقد صنفت قصص أخرى هندية الأصل فى كلية فورت ويليام - Fort Wil liam College ومنها قصص "سنغاسن بتّيسى" لكاظم على جوان، ولَلُّو لال؛ و "بيتال بجيسى" وقد ترجمها إلى الأردية لطف على ولا بمساعدة لَلُّولال. وقد ترجم ولا أيضًا قصة عاطفية هندية بعنوان "مادهومال".

وقصة إنشا (1756 - 1817 م) المسماة "كهانى رانى كيتكى أوركنور أديهان كى"(1803) وهى من أصل هندى، لم تستعمل فيها كلمة واحدة من العربية أو الفارسية.

وثمة مجموعة هندية مشهورة تدور حول البحث عن زهرة نادرة "بكَّاولى" وهى اسم لامرأة أيضًا. وقد ترجمها إلى الفارسية سنة 1124 هـ (1712 م) عزت الله بنكالى، وترجمها إلى الأردية عن هذه النسخة نهال جند لاهورى (طبعتى كلكتة سنة 1815، وسنة 1827؛ وقد نشر الموجز الفرنسى الذى أعده Garcin de Tassy فى المجلة الآسيوية سنة 1836). وكانت النسخ المتقدمة فى الزمن لهذه القصة العاطفية مكتوبة شعرًا بلغة الدكن سنة 1025 هـ (1625 م) ، و 1151 هـ (1738 م). وأشهر ترجمة أردية للقصة العاطفية "بَكاولى" هى المثنوى الذى نظمه دياشنكر نسيم وعنوانه "كلزار نسيم" وتمت ترجمته سنة 1254 هـ (1838 م).

المصادر:

(1)

Histoire de la: Garcin de Tassy Littérature Hindouie et Hindoustanie، باريس سنة 1839.

(2)

A history of Urdu: R.B.Saksena Literature الله آباد سنة 1940.

ص: 4149

(3)

محمد صادق: A history of Urdu Literature لندن سنة 1964.

(4)

كليم الدين أحمد: فن دستانكوئى، بدون تاريخ.

(5)

of: Grahame Bailey A history Urdu Literature كلكته سنة 1932.

(6)

إعجاز حسين: مختصر تاريخ أدب أردو، كراتشى سنة 1956.

(7)

Storia delle let-: A.Bausani terature del Pakistan ميلان سنة 1958

(8)

وقار عظيم: همارى دستانن، لاهور سنة 1963.

(9)

المؤلف نفسه: مقالات، لاهور سنة 1948.

(10)

نصير الدين هاشمى: دكن مين أردو، حيدر آباد سنة 1935.

(11)

شمس الله قادرى: أردو وقديم، لكهنؤ، سنة 1930.

(12)

سيد على عباس حسينى: ناول كى تاريخ أور تنقيد، لهنؤ، بدون تاريخ.

(13)

مولوى عبد الحق: باغ وبهار، بالأردية، جـ 10 (سنة 1930)، ص 395 وما بعدها.

حسن شكرى [عزيز أحمد Aziz Ahmad]

5 -

فى لغة الملايو

تزل كلمة حكاية فى لغة الملايو، كما هى الحال فى العربية، على "القصة، والحكاية، والرواية، والقصة التاريخية". وهى تظهر فى عناوين أثرين من الآثار السومطرية فى بداية القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) هما: تاريخ حكام باساى (Ht. Raja Pasai Raja)، وتاريخ إسكندر ذى القرنين، أى قصة الإسكندر الأكبر، كما استقاه واعظ إسلامى من مصدر فارسى - عربى. والراجح أنه حدث فى فترة متأخرة فى الزمن قليلا، وفى ناحية من أنحاء جاوة أيام القرن الخامس عشر تسمى "ملقا" أن تمت ترجمة تاريخ بيرنكك بندوه جايا (أو بهاراتا يودها)، وتاريخ سنغ بوما (أو بهوّ مكوبا) وعدد من الحكايات التى قامت على مجموعة تمثيلية خيال الظل الجاوية (حوالى سنة 750 هـ =

ص: 4150

1350 م) لحكايات بنجى. وينتمى إلى الفترة نفسها تاريخ سرى راما أو الترجمة الملاوية للرَامايانا. ولكن الحوليات الملاوية (القرنان الخامس عشر - السادس عشر الميلاديان) تقول إنه حين غزا ألبوكرك ملقّا سنة 1511 م، كان عند الملاويين تاريخ الأمير حمزة، وتاريخ الحنفية وكلاهما منقول من الفارسية، ثم تاريخ يوسف.

كما أن حكايات النبى، التى يرجع تاريخها أيضًا إلى المرحلة الهندية - الفارسية المتقدمة للثقافة الملاوية الإسلامية، تحمل كلها اسم حكاية، ومثال ذلك حكايات النور الصوفى أى نور محمد، وانشقاق القمر بأمره عليه الصلاة والسلام، وعن حف شاربه وموته.

وينطبق الاسم على ترجمات لمجموعات شهيرة من الحكايات المستمدة من مصادر إسلامية. وقد ترجمت الحكاية الفارسية "طوطى نامه" تحت أسماء تاريخ خوجه ميمون (حكاية التاجر المحظوظ): وكان فى ملقا أيام القرن الخامس عشر إمرأة تسمى سبرية (صبرية، من الصبر) نسبة إلى صفة من صفاتها. وثمة ترجمتان لتاريخ الوزراء السبعة (تاريخ بختيار)، وتاريخ غلام (أو تاريخ راجا أيبخ) من اللغة العربية، وترجمة كاملة لكتاب كليلة ودمنة، ويرجع تاريخها جميعًا إلى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى). وأحدث نسخة لكتاب كليلة ودمنة، ترجمت حوالى سنة 1825 من اللغة التاميلية، وقد قام بهذه الترجمة كاتب لرافلز Raffles اسمه منشى عبد الله، وسميت تاريخ بنجه تندرام. كما سمى هذا المترجم نفسه سيرته الذاتية، تاريخ عبد الله.

وقد ظلت الملايو المسلمة، حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر تستمتع بكثير من الحكايات المترجمة عن مصادر هندية، حيث ينتصر الأمراء والأميرات ذوى الأصل المقدس على كل مكيدة يكيدهن بها الشيطان، وعلى المارد والإنسان، بقوس "أرجونا" أو بسيف "يافث"، ويفكون رموز الأحاجى بمساعدة الأرواح والجن، والحكماء من الهنود والمسلمين على حد سواء. وقد

ص: 4151

شهد ظهور الإسلام الأساطير التى اصطبغت بالصيغة الهندية نقلا عن الهند المسلمة، وانقلبت إلى حكايات مرصعة بذكريات من الحكايات الفارسية، وبإشارات إلى أبطال الشاهنامة مثل: قباذ، وجمشيد، وبهرام، وإلى أحداث من ملحمة الإسكندر، وبتلميحات إلى بغداد، والمدينة المنورة، ومصر وبوزنطة (كما هى الحال فى تاريخ شاه مردان) إلى تفسيرات للعلم الروحانى الصوفى. وكان تاريخ بوستامان من الحكايات الأخيرة.

ولقد بدأ تاريخ الملايو بتقليد للقصة الخيالية التاريخية العاطفية الجاوية، وعلى الرغم من أن أحد علماء الملايو يعزو تباين التواريخ من القصة الخيالية إلى أن قامت (إدارة التعليم البريطانية) بطبع "كتاب تواريخ ملايو"(طبعته الثانية سنة 1921). فإن المؤرخين الملاويين يفضلون فى كثير من الأحوال، على كلمة حكاية كلمات مثل: شجرة (حوليات)، وسلسلة (شجرة الأنساب) أو أسماء مثل: بستان السلاطين أو تحفة النفيس عناوين لمؤلفاتهم.

وتضم الفهارس ما يزيد على مائة وخمسين مؤلفا من المؤلفات الملاوية الكلاسيكية تحت اسم حكاية.

المصادر:

(1)

A history of clas-: R.O. Winstedt sical Malay Literature (وبه مصادر) فى Journal of The Malayan Branch of the R.A.S العدد 31/ 3 سنة 1958.

(2)

Literatuur in Ma-: C.Hooykaas leis en Indonesisch كروننكن وجاكرتا سنة 1952 (الترجمة الملاوية، بنيدر سسترة - Penyedar sastera كوالالمبور سنة 1963.

(3)

Note sulla Sruttura: A.Bausani della "hikayat" classica malese فى AIUON، السلسلة الجديدة، العدد 12 (سنة 1962) ، ص 163 - 192 (والمصادر المستشهد بها فيها).

حسن شكرى [ر. و. ونستت R.O.Winstedt]

ص: 4152