الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نشرت صورة أخرى للبراق في نفس المجلة (سنة 1884 م، ص 4)، أخذت عن مخطوط أويغورى مشهور يشتمل على ترجمة القصيدة الفارسية عن ليلة المعراج المنسوبة لفريد الدين العطار (طبعة Pavet de Courteille، وانظر أيضًا، أبو الفدا، والبخاري إلخ)، وقد امتطى البراق أيضًا إبراهيم عندما ذهب لزيارة ابنه إسماعيل في منفاه بمكة (انظر الطبري: تاريخ الفرس، ترجمة زوتنبرغ، ج 1، ص 165).
[كارا ده فو B. Carra de Vaux]
تعليق على مادة "براق
"
في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به أتى بدابة "دون البغل وفوق الحمار أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه" وهذا هو الوصف الوارد في الأحاديث الصحاح للبراق. وهي أحاديث لا شك في صحتها عند أهل العلم بالحديث. بل هي في جملتها متواترة قطعية الثبوت. وهذا الوصف وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم، ليس من أقوال المفسرين كما يزعم كاتب المادة. وإن لم يصدق هو وأمثاله ذلك فلا شأن لنا بإقناعهم، إذ أن هذه الشئون من الغيب الذي لا يدخل تحت الحس والمشاهدة، فلا يؤمن به إلا من يؤمن بأصل الإسلام، وبنبوة محمَّد ورسالته، فمن شاء أن يناظر فليناظر على أصل الإِسلام أولًا.
وقد كان لكاتب المادة مندوحة أن يتحاشى الألفاظ الجافة في تعبيره.
وهذا البراق ليس حيوانا كما يظن الكاتب من ظاهر لفظ "دابة" الذي عبر به عنه في الأحاديث، لأنه من أمور الغيب التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم مما وراء هذه المادة التي في متناول الحس البشرى. ولا يستطيع العقل الإنسانى أن يفهم مدلول هذه الأشياء الخارجة عن نطاق قوته التي منحت له: إلا بالتعبير عنها بألفاظ تدل على مدلولات مما يُحَس ويُرى ويشعر، كما جاء وصف الجنة والنار في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وكما جاءت بعض أوصاف في الأديان السابقة، على لسان الأنبياء قبل نبينا، صلى الله عليهم أجمعين.
إن هذه الأمور الغيبية إنما أمرنا بالإيمان بها كما وردت، لا نتكلف أن نصورها بأكثر مما عبر عنها الله في كتابه أو رسوله في سنته، وقد جعل الله من أول فضائل المؤمنين أنهم (الذين يؤمنون بالغيب) فيصدقون رسولهم فيما أخبرهم، مما غاب عن حسهم وقصرت عقولهم عن إدراكه، وليس بضارهم شيئًا أن يؤمنوا به، بل في الإيمان به كل الخير: ثقة النفس بالله، والاعتراف بقدرته وضعف الإنسان فيتبع أوامر ربه كلها، فيما فهم وما لم يفهم، وفيما أحب وفيما كره {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [سورة البقرة آية 1 - 3].
والمثل على ذلك حاضرة. يأمر أحدنا طفله بأمر كله لطفله نفع ورضى، والطفل يعجب لأبيه، ويرى أمره أحيانا مخالفا عقله الصغير، وليس بمستطيع أن يدخله في نطاق تصوره، ومع ذلك يأبى أبوه إلا أن يلزمه الطاعة ولعله في بعض الأمور لو خالف أبا كان فيها هلاكه.
ويرى الرجل العاقل أشياء من عمل من هم أكبر منه عقلا وعلما، ينكرها ويجزم بأنها خطأ لا صواب فيه، ثم إذا أمكن لغيره أن يفهمه علتها أو ملابساتها علم أنه أنكر صوابا. وأن العلة إنما كانت في قصور فهمه.
وإنا لنقرأ كثيرا عن أبحاث الراصدين من علماء الفلك فنجد فيها أخبارا عما ظهر لهم من الرصد والحساب من أبعاد الكواكب من الأرض التي نعيش عليها، لا يمكن للرجل العادى الذي لم يدرس هذه العلوم أن يتصورها (بعض الكواكب يبعد عن الأرض 220 ألف سنة ضوئية، أي باعتبار أن الضوء يسير في الفضاء بسرعة 186 ألف ميل في الثانية الواحدة) وإنما يصدّق بها ثقة بالعلماء الذين بحثوا ونقبوا، وقد يكون الخطأ في حسابهم جللا، ولعل الغلطة في رقم من أرقام حسابهم تنتج فروقا بما لا يتصور عده من ملايين الأميال.
هذا كله في عقل إنسانى أمام عقل إنسانى، فماذا نرى في عقل إنسانى ضعيف أمام قدرة الخالق وعلمه الذي