المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - أسرة فارسية من أبنائها الوزراء الأولون من الفرس للخلافة الإسلامية - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌البحرين

- ‌التاريخ:

- ‌البحرين: الوضع السياسي الآن

- ‌إنتاج الزيت:

- ‌بحيرا

- ‌البخاري

- ‌تعليق على مادة البخاري

- ‌كتابه "الجامع الصحيح

- ‌شرط البخاري في صحيحه

- ‌نبأ وفاته

- ‌بدر

- ‌بديع

- ‌تعليق على مادة "بديع

- ‌بديع الزمان

- ‌براءة

- ‌براق

- ‌تعليق على مادة "براق

- ‌البرامكة

- ‌1 - أسرة فارسية من أبنائها الوزراء الأولون من الفرس للخلافة الإِسلامية

- ‌2 - خالد بن برمك

- ‌3 - الوزارة وسقوط البرامكة

- ‌4 - أفراد آخرون من أسرة البرامكة

- ‌5 - النسبة: البرامكة

- ‌البراهمة

- ‌برهان الدين أحمد

- ‌بسملة

- ‌تعليق على مادة بسملة

- ‌بشار

- ‌تعليق على مادة "بشار بن برد

- ‌بعث

- ‌تعقيب

- ‌بعل

- ‌تعليق على مادة "بعل

- ‌بغداد (العراق)

- ‌1 - تاريخها

- ‌2 - تخطيط المدينة القديمة

- ‌تعليق على مادة "بغداد" بغداد حديثًا

- ‌السيد عبد الرزاق الحسيني

- ‌التاريخ

- ‌بغداد خاتون

- ‌البغوي

- ‌تعليق على مادة "البغوي

- ‌بقي بن مخلد

- ‌البكري

- ‌بكاء

- ‌البلاذرى

- ‌البلاغة

- ‌تعليق علي مادة البلاغة

- ‌بلال بن رباح

- ‌بلغاريا

- ‌بلقيس

- ‌بلوجستان

- ‌الوصف العام

- ‌المناطق الرئيسية:

- ‌التقسيم السياسي:

- ‌بلوخستان الفارسية:

- ‌المناخ:

- ‌حروف النسبة:

الفصل: ‌1 - أسرة فارسية من أبنائها الوزراء الأولون من الفرس للخلافة الإسلامية

يحيط بكل شيء؟ {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [سورة الكهف: 109].

وأما ما نقله الكاتب من أن بعض الناس تخيل صورة البراق فصوره أو وصفه فذلك شيء لا يعرفه الإِسلام ولا المسلمون، ولسنا نعبأ إلا بالبراءة منه.

وقد تعرض الكاتب للإشارة إلى الإسراء والمعراج وعبر عنهما بأنهما رؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم، وله شيء من العذر في هذا، إلا في نسبته إلى النبي، فإن الأحاديث الصحيحة المتواترة صريحة في أنهما لم يكونا في عالم الرؤيا، إنما كانا في اليقظة، بالجسم والروح، وكان هذا موضع الإعجاز، وكان هذا مما أنكرته قريش، ومما ارتد بسببه بعض ضعفاء الإيمان إذ ذاك، ولم تكن قريش لتكذب رجلًا يدعى أنه يرى رؤيا في المنام، فإن هذا مما يمكن أن يكون لكل إنسان، إنما هم ينكرون شيئًا معجزًا خارجا عن حدود القدرة البشرية، وكاتب المادة إنما تبع في كلامه بعض من أخطأوا من الكاتبين الإِسلاميين فزعموا أن الإسراء والمعراج بالروح، توهما منهم لحديث زعموه عن عائشة أنها ما فقدت جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وهو حديث لا أصل له ولا إسناد. بل هو حديث مكذوب مفترى، وعائشة كانت حين الإسراء طفلة صغيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما دخل بها بالمدينة، والإسراء كان بمكة قبل الهجرة.

أحمد محمَّد شاكر

‌البرامكة

‌1 - أسرة فارسية من أبنائها الوزراء الأولون من الفرس للخلافة الإِسلامية

، وليس "برمك" اسم شخص، وإنما هو لقب يطلق على الموبذ في "نوبهار" وهو منصب ديني وراثى. وكانت الأراضي الملحقة بالمعبد في يد أبناء هذه الأسرة أيضًا، ومساحتها حوالي 740 ميلا مربعا (طولها ثمانية فراسخ وعرضها أربعة) أي أكبر قليلا من مساحة إمارتى ليب Lippe وشامبورغ ليب Schaumburg-Lippe معا. وظلت هذه الضياع، أو جزء منها، في

ص: 1643

حوزة البرامكة إلى عهد متأخر. ويقول ياقوت في حديثه عن قرية "روان"(1) الكبيرة والكثيرة الخير شرقي بلخ إنها كانت ليحيى بن خالد بن برمك (ج 2، ص 942). و"نوبهار" اسم مشتق من كلمتين سنسكريتيتين هما "نفا" و"فهاراه" ومعناهما المعبد الجديد، قال بذلك الحاج الصينى هوان جوانغ في القرن السابع لميلاد المسيح Memoires sur les contrees occidentales)، ترجمة St. Gulien . ج 1، ص 30 وما بعدها Histoire de la vie de Hiouen-Thsang، ص 64) بل لقد عرف هذا المعبد بعض جغرافيى العرب مثل ابن الفقيه (طبعة ده غويه، ص 322) الذي قال إن نوبهار تعبد فيه الأوثان وليس بيتا من بيوت النار، وإذا أغفلنا بعض مبالغات ابن الفقيه فإننا نجد أن وصفه ينطبق تماما على المعبد البوذى.

ولقد حاول الفرس أن يربطوا بين هذه الأسرة الفارسية الأصل وبين ما أثر عن الدولة الساسانية لأسباب لا تخفى، فجعلوا المعبد البوذى بيتا من بيوت النار (ياقوت، ج 4، ص 819 وما بعدها) ونسبوا إنشاءه إلى ملوك الفرس الأقدمين، كما زعم موابذته أنهم من سلالة وزراء آل ساسان (سياستنامه، طبعة Schefer ص 151) ولعل هذه المزاعم لم تنشأ قبل عهد هارون الرشيد ثم ذاعت في المؤلفات المتأخرة التي لم تتأثر بها الروايات المحلية فحسب "فضائل بلخ في - Chres tomathie persane: Schefer ج 1، ص 71) بل تأثر بها العلماء المحدثون أيضًا (A literary History of: Browne Persia، ص 257).

وليس من المستحيل أن يكون ابن المقفع، وهو فارسى الأصل، قد وضع أقوالًا كهذه، والحق إن معاصره خالدا لم يكن له من النفوذ أيام أبي العباس والمنصور ما كان ليحيى في عهد هارون الرشيد، ولكن مكانته وكرمه الذي جر المنافع على أهل بيته جميعًا كانا يغريان بوضع الروايات الفارسية التي تعظم من شأن البرامكة (ابن الفقيه، ص 317).

(1) في معجم البلدان، طبعة القاهرة عام 1324 هـ. ج 4، ص 615 أنها "بليدة من نواحى طخارستان شرقي بلخ ليست بالكبيرة".

ص: 1644

ويقول البلاذرى (طبعة ده غويه، ص 409) أن النوبهار خرب في عهد معاوية، والراجح أن ذلك كان بُعيد عام 42 هـ الموافق 663 - 664 م Marquart: Emamshah (ص 69). ويقول الطبري إن الأمير نيزك، وهو من أهل البلاد، صلى في نوبهار في زمن متأخر يرجع إلى عام 90 هـ (708 - 709) وليس لدينا عن آخر البرامكة أبي خالد وأسلافه إلا روايات أسطورية، ولم يستطع ابن خلكان نفسه أن يجزم بإسلام برمك، ويذهب ابن الفقيه (ص 324) إلى أن خالدا هو ابن برمك هذا من ابنة أمير صغانيان، ويروى الطبري (ج 2، ص 1181)(في حديثه عن حملة قتيبة بن مسلم على العصاة في بلخ عام 86 هـ الموافق عام 705 م أن زوج الموبذ كانت من السبايا. وأنها أمضت ليلة مع عبد الله أخي قتيبة وأنها حملت بخالد في هذه الليلة، ثم أطلق سراحها مع بقية الأسرى. وظاهر مما أضافه الطبري عن أصل هذ القصة أنها من وضع أبناء عبد الله، لتشريف هذا البيت الفارسي بالدم العربي، كما ذهب البعض، أو لتقريب البيت العربي من البرامكة أصحاب الحظوة عند الخلفاء. ومن المحتمل أن نجد في هذه القصة التاريخ المضبوط لولادة خالد. أما وفاته فقد ذكر أنها كانت عام 165 هـ الموافق 871 - 782 م، ومعنى ذلك أنه كان في الخامسة والسبعين عندما بلغته الوفاة. وكان أبوه برمك مبرزًا في الفلك والفلسفة والطب، وهو الذي عالج الأمير مسلمة بن عبد الملك من داء ألم به (الطبري، المصدر المذكور). ويستدل من هذا على أن برمك ترك موطنة ورحل إلى دار الخلافة، وكان ذلك؛ كما تقول روايات متأخرة، في عهد الخليفة عبد الملك عام 86 هـ الموافق 705 م، وهو العام الذي توفي فيه الخليفة. ويظهر أنه عاد إلى موطنه بعد ذلك. وفي عام 107 هـ (725 - 726 م) أعاد، بأمر الوالى أسد بن عبد الله، بناء بلخ التي كانت قد خربت (الطبري، ج 2، ص 1490).

ولا نعرف عن ولادة خالد وتعلمه إلا القليل، وليس هناك من الأخبار ما يدلنا على تاريخ تقربه من الخليفة أبي العباس، أو سبب هذا التقرب الذي بلغ من الوثوق حدًّا جعل زوج كل من

ص: 1645

الخليفة ووزيره ترضع ابنة الأخرى (الطبري، ج 2، ص 840). وبعد عام 132 هـ الموافق 749 - 750 م أسند إلى خالد الإشراف على ديوان الخراج. وتقول بعض المصادر إنه كان يلقب بالوزير وقتذاك (المسعودي: التنبيه والإشراف، ص 340 - 342 Frag. Hist Arab، طبعة ده غويه، ص 215، ص 268) ويظهر أنه كان أول الكتاب الذين حملوا لقب الوزارة. ولم يذكر الوزير أبو سلمة على أنه أول "وزير لبيت محمَّد" بين الكتاب. ولعله كان وزيرًا بالمعنى الذي يفهم من هذه الكلمة في القرآن (سورة طه، آية 29 وما بعدها) أو بالمعنى الذي ورد على لسان أبي بكر في المصادر التاريخية (الطبري، ج 1، ص 1817، س 66، ص 2140، س 11). بل لم يكن خالد نفسه وزيرًا بالمعنى الذي كانت تحمله هذه الكلمة فيما بعد. ولم تقف شهرته عند القدرة في الحكم والسداد في المشورة بل تعدت دلك إلى البراعة في الحرب. وانضم تحت لواء أبي مسلم وقائده قحطبة بن شبيب مناصرًا آل محمَّد ومحاربًا دولة بني أمية. واستعمل على طبرستان بين عامي 148 هـ (765 م) و 152 هـ (769 م) وخرّب أثناء دلك مَصْمَغَان في جبل دَمَاوَنْد (Eranshahr: marquart، ص 138) ويقال إن أهل طبرستان بعد هذا الانتصار نقشوا على دروعهم صورة خالد وسلاحه (ابن الفقيه، ص 314). وفي عام 163 هـ (779 - 780 م) ظهرت براعتة الحربية في الاستيلاء على صمالو، وهو من حصون الروم، مع أنه كان قد طعن في السنن (الطبري، ج 3، ص 497).

وأول ما نجد خالدًا يشير على الخليفة المنصور في قصة تخطيط بغداد عام 146 هـ الموافق 763 - 764 م، وفي تنازل عيسى بن موسى عن حقه في ولاية العهد عام 147 هـ الموافق 764 - 765 م. وتنسب له مبان كثيرة ببغداد، كما ينسب له تخطيط مدينة المنصورة في طبرستان أثناء ولايته عليها؛ وقد نصب قبيل وفاة المنصور عاملا على الموصل بعد أن طلب إليه الخليفة أن يدفع 2.700.000 درهم، كما نصب ابنه يحيى على آذربيجان.

ص: 1646

ويقال إن أهل الموصل لم يوقّروا عاملا كما وقروا خالدًا، مع أنه لم يكن يلجأ إلى القسوة قلط في تأديبهم. ويذهب المسعودى (المروج، ج 6 ص 361) إلى أن أحدًا من أبنائه لم يضارعه في نبل خصاله.

ويذكر ابن خلكان أن ابنه يحيى توفي في الثالث من المحرم عام 190 هـ (التاسع والعشرين من نوفمبر عام 805 م) بالغًا من العمر السبعين أو الرابعة والسبعين، فيكون قد ولد بلا ريب عام 120 هـ (738 م) أو قبل ذلك ببضع سنين، وهو -على خلاف أبيه- لم يشتهر إلا بأنه كان عاملا ووزيرًا، فلم يرو عنه غزو أو فتح. وأهم ما خلفه من الأعمال قناة سيحان بالبصرة (الطبري، ج 3، ص 645، البلاذرى، ص 363). وعهد إليه الخليفة المهدي بتأديب ابنه هارون عام 161 هـ (777 - 778 م) وبعد عام 163 هـ (779 - 780 م) كان يحيى يشرف على ديوان الرسائل لولى العهد الذي استعمل على الغرب (أي جميع الولايات غربي الفرات) بما في ذلك أرمينية وآذربيجان وتعرضت حياته للخطر في الفترة القصيرة التي حكم فيها الخليفة الهادي، لاتصاله الوثيق بهارون الذي رغب خصومه في إرغامه على النزول عن حقه في ولاية العهد. ولكن ما كاد هذا يصل إلى الخلافة حتى استوزر يحيى، وكان لا يزال يدعوه "يا أبت"، وأعطاه سلطة لا حد لها. ومكث يحيى يحكم بمعاونة ولديه الفضل وجعفر سبعة عشر عامًا (786 - 803 م). أما ابناه الآخران موسى ومحمد فيندر أن يرد لهما ذكر.

وكان الفضل المولود عام 148 هـ (765 - 766 م) أكبر ابني يحيى وأعظم من أخيه شأنًا واستُعمل بين عامي 176 هـ (792 - 793 م) و 180 هـ (796 - 797 م) على الولايات التي كانت تشمل الجبال وطبرستان ودُنْباوَنْد وقومِس كما استعمل مدة من الزمن على أرمينية وآذربيجان وكذلك على خراسان من عام 178 هـ (794 - 795 م) إلى 179 هـ (795 - 796 م). ويقول اليعقوبى (تاريخه، ج 2، ص 516) إنه لم يوفق في حروبه في

ص: 1647

أرمينية، أو في داغستان بنوع خاص. وتنسب إليه في خراسان أعمال ليس من المعقول أن يكون قد قام بها في مدة ولايته القصيرة على هذه البلاد. ويقال إنه جند للخليفة 500.000 من الخراسانيين اأرسل عشرين ألفا منهم إلى بغداد وظل الباقون في خراسان (الطبري، ج 3، ص 631) وأنه أحرز عدة انتصارات باهرة وشيد الكثير من المساجد والرباطات وحفر قناة جديدة في بلخ Chrestomathie: Schefer Persane، ج 1 ص 88، 71) وشيد مسجدًا جامعًا جديدًا في بخارى، وهو أول من أدخل القناديل في المساجد في رمضان (نرشخى. طبعة Schefer، ص 48). ويروى المسعودى (المروج، ج 6، ص 363) أن الفضل عكف في الأيام الأولى لولايته على اللهو والصيد ولم ينته عن ذلك إلا بعد أن جاءه كتاب من أبيه.

أما جعفر الذي استفاضت شهرته في القصص فيما بعد، والمولود عام 150 هـ (767 م) والذي كان في السابعة والثلاثين من عمره عند ما بلغته الوفاة، فإن الناس لم يمتدحوا منه إلا حسن خطه وبلاغة منطقة وعلمه بالفلك، ويؤثر عنه أنه كان مثلًا يحتذى في اتخاذ الأزياء، وهو أول من استعمل رباط الرقبة لطول عنقه (الجاحظ: البيان والتبيين، ج 2 ص 151) وترد أسباب صلته بالخليفة -ولم يكن أبوه يحيى راضيًا عنها- إلى رذيلة مشهورة في الشرق (الطبري، ج 3، ص 676 م). ويبدو أن جعفرًا لم يفارق الخليفة إلا في رحلة قصيرة إلى الشام عام 180 هـ (796 - 797 م) لكي يصلح بين قبائل العرب التي كان يقاتل بعضها بعضًا، كما فعل أخوه موسى قبل ذلك بأربعة أعوام، ومع هذا فقد أسرف في التعبير عن حزنه لفراق الخليفه ورغبته في العودة إليه (الطبري، ج 3، ص 642). واستعمله الخليفة على ولايات واسعة عدة مرات، ولكنه لم يكن يذهب إليها، وإنما كان يحكمهما دائما نوّاب من قبله. ولا نستطيع أن نجزم من المصادر التي بين أيدينا بأنه أشرف على شئون الدولة بنفسه باعتباره وزيرًا أو نعين المبانى والأعمال التي قام بها. ولا يدل على نفوذه إلا ظهور اسمه على سكة الخليفة.

ص: 1648

ولم يكن لأبيه نفسه من سعة النفوذ خلال الأعوام السبعة عشر التي قضاها في الحكم ما يروى عنه، وكان عليه في الأعوام الأولى لحكمة أن يعرض شئون الرعية على الخيزران أم الخليفة المتوفاة سنة 173 هـ الموافق 789 - 790 م، فلما توفيت احتجز الرشيد الخاتم من جعفر وعهد بجانب كبير من أمور الرعية إلى الفضل بن الربيع وهو الذي نافسهم وخلفهم على دست الوزارة فيما بعد. وفي عام 179 هـ الموافق 795 - 796 م خلف الفضل محمدًا بن خالد البرمكى في الحجابة وكان استعمال علي بن عيسى بن ماهان على خراسان مخالفًا لرغبة الوزير (الطبري، ج 3، ص 702). وفي حجة عام 181 هـ (أوائل عام 798 م) أجيب إلى طلبه في اعتزال الحكم والبقاء في مكة (الطبري، ج 3، ص 646)، ولكنه عاد إلى بغداد في العام التالي، ويظهر أنه تسلم أزمة الحكم مرة أخرى.

ويتضح من هذه الأقوال أن نكبة البرامكة سبقتها تمهيدات من زمان طويل، ولم تكن راجعة إلى رغبة فجائية للخليفة. ففي الليلة الأولى من صفر عام 187 هـ (29 يناير عام 803 م) قتل جعفر بأمر الخليفة وأعقب ذلك زج يحيى وأبنائه الثلاثة الآخرين في السجن وصودرت أملاكهم وأعطى الأمان لأقارب الوزير، ولم يلحق بمحمد بن خالد، أخي يحيى، وأسرته مكروه؛ ثم أمر الرشيد فعلق رأس جعفر على جسر بغداد الأوسط، كما علق نصفا جسمه على الجسرين الآخرين، واحتجز الوزير وأبناؤه في مدينة الرَقَّة. ومات يحيى والفضل قبل الخليفة، ولا نعرف شيئًا عن مصير موسى ومحمد. ويظهر أن عِمْران بن موسى كان الحفيد الوحيد للوزير البرمكى الذي برز في الشئون العامة، فقد ذكر في حوادث سنة 196 هـ الموافق 811 - 812 م أنه دافع عن المدائن بلد آل ساسان أمام جيش المأمون (الطبري، ج 3، ص 859 وما بعدها)؛ ثم ورد ذكره مرة أخرى سنة 216 هـ (831 م) نائبًا لعامل السند (المصدر السابق، ج 3، ص 1105). كما ذكر أبو القاسم عباس بن محمَّد

ص: 1649

البرمكى على أنه واحد من آخر وزراء الدولة السامانية (Turkestan: Barthold wepochu mongolskago nachestuija ج 2، ص 278 متبعًا رواية الكرديزى) ولم يرد ما يفيد نسبته إلى هذه الأسرة، وفي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) نجد حسن البرمكى الدانشمندى قد أسفر عدة مرات بين الدولة الغزنوية وبلاط الخليفة (البيهقي، طبعة مورلى Morely، ص 441 وما بعدها). أما محمَّد بن جهم البرمكى المترجم المشهور لكتاب "خداى نامه" فالراجح إنه كان واحدًا من موالى البرامكة، كما ذهب البعض، وكذلك كان المنجم الذي ذكره الطبري (ج 3، ص 497 وما بعدها) في حوادث سنة 163 هـ (779 - 780 م).

ولا تساعدنا المعلومات التي بين أيدينا في إحصاء أعمال البرامكة وتقدير فضائلهم ومساوئهم. والشائع أنهم كانوا مسلمين معروفين بالتقى اشتهروا بحجهم وبالمبانى التي شيدوها، بيد أن خصومهم يتهمونهم بعدم الاحتفال بالإسلام وتعاليمه، فقد أورد الجاحظ ببيتين من الشعر في كتابه "البيان والتبيين"(ج 2، ص 150) لشاعر مجهول - وإن كان ابن قتيبة قد نسبهما في "عيون الأخبار"(ص 71، طبعة بروكلمان) للأصمعى اللغوي- قال فيهما:

إذا ذُكر الشرك في مجلس

أنارت وجوه بني برمك

وإن تليت عندهم آية

أتوا بالأحاديث عن مروك (1)

(انظر فيما يختص بهذا الكتاب مصنف حمزة، طبعة Gottwaldt، ص 41). وقال شاعر آخر (البيان والتبيين، وعيون الأخبار، المصدران المذكوران) عن نفسه:

(1) ورد في عيون الأخبار، طبعة دار الكتب المصرية ج 1، ص 51، هامش رقم 2 من كتاب مروك أنه "محرف عن مزدك، وإليه ينسب المزدكية وقد خرج في أيام قباذ بن فيروز فبدل شريعة زرادشت واستحل المحارم وسوى بين الناس في الأموال والنساء والعبيد، وكثر اتباعه، وعظم شأنه وتبعه قباذ نفسه ولم يزل كذلك حتى ولى كسرى أنوشروان فقتله، وأباد اتباعه".

اللجنة

ص: 1650

إن الفراغ دعاني

إلى ابتناء المساجد

وإن رأيى فيها

كرأى يحيى بن خالد

ويقال أن المنصور اتهم وزيره خالدا بأن هواه مع الفرس (الطبري، ج 3، ص 42). ويقول الطبري (ج 3، ص 572 وما بعدها) إن الهادي اتهم يحيى بالكفر، والراجح أن يكون الرشيد قد أوقع بالبرامكة لتهم مثل هذه، ولكن شيئًا من هذا لم تذكره المصادر. ومما يدل على أن سقوط البرامكة له صلة بالعودة إلى تعاليم الإِسلام الحقة أن السكة بعد سنة 187 هـ لم تكن تحمل اسم الخليفة أو ولى عهده كما كانت الحال منذ عهد المهدي.

ولم ينكر أحد من أنصار البرامكة أنهم لم يغنوا الدولة فحسب، بل أغنوا مواليهم أيضًا، وكان المؤرخون يميلون دائما لأهل القلم لأسباب واضحة، ولذلك فإن التاريخ، حتى الذي برئ من التحيز للفرس، أسرف في مدح البرامكة الذين كانوا يعتبرون منشئى هذه الطبقة، وسكت عن كثير من مساوئهم. ويجب ألا نعتمد كثيرا على ما يقال من أن عهد هارون الرشيد كان العصر الذهبي للخلافة الإِسلامية (الطبري، ج 3، ص 577 وما بعدها) أو أن الرشيد أحسن الحكم طالما كان البرامكة معه كما زعم بعض المؤرخين (المسعودى: التنبيه، ص 346، Frag. .Hist. Arab، ص 309)، ومع هذا فإن الرواية الشائعة تؤيد حكم المؤرخين في الحالتين. أو أنهم استطاعوا أن يوطدوا النظام في ولاية عربية خالصة كولاية الشام.

المصادر:

(1)

ضياء الدين برنى: زخبار برمكيان، في: Chrestomathie persone Schefer ج 2 ص 2 - 54.

(2)

المسعودي: مروج الذهب، ج 6، ص 361 وما بعدها، ص 386 وما بعدها.

(3)

ابن خلكان: ترجمة ده سلان، ج 1، ص 301 وما بعدها.، ج 2، ص 459 وما بعدها، ج 4، ص 103 وما بعدها.

ص: 1651