المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٤/ ٢

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

(1393/ 1377 - 1973/ 1958)

بقلم محمد الأخضر عبد القادر السائحي (1)

إن الشيخ محمد الخضر حسين يعتبر من المصلحين المجددين في القرن الرابع عشر للهجرة، وإن أهم ما يمتاز به هو أنه طبّق بصدقٍ شعاره:

ولولا ارتياحي للنضال عن الهدى

لفتشت عن واد أعيش به وحدي

فمن يكون؟

ومن اهتم به؟

وما هي آثاره؟

أما من يكون؟ فهو العبقري، المصلح، الإمام، المجدد، الكاتب، المناضل، المحارب للجهل والتعصب والإلحاد والدجل والخنا والسفاح.

هو المغربي الذي نال شرف الجلوس على قمة الهرم العلمي في مصر، فكرس الحقيقة الخالدة:

"من جد وجد"، وبرهن على مدى الترابط الوثيق بين الشعوب العربية،

(1) صحيفة "الشعب" الجزائرية - العدد 7854 (جمادى الثانية 1409 - جانفي كانون الثاني 1989).

ص: 223

وأوجب على العلماء والأدباء والمفكرين أن يكونوا الجسور الصحيحة التي تتجاوز بها الشعوب خنادق النظم، وأودية الحكام، ومستنقعات الجهل والدكتاتورية والرجعية.

وزاد من مكانة مصر رفعةً وشأناً؛ إذ برهنت على أنها أم العروبة، فعلاً تخرج بأبنائها النجباء، وتفتح لهم صدرها كريمًا واسعاً حنونًا، بغض النظر عن الجهة التي نبتوا فيها.

انظروا معي في هذا المقطع من قصيدة رائعة لأمير شعراء الجزائر الشيخ محمد العيد آل خليفة رحمه الله، بعنوان:(تهنئة الأزهر بشيخه الجديد) قالها سنة 1952 حينما أسندت رئاسة مشيخة الأزهر إلى الشيخ الإِمام محمد الخضر حسين رحمه الله:

وحبا الأزهر الشريف رئيساً

عبقرياً، ومصلحاً مسماحا

وإمامًا مجدداً مغربياً

رفع المغرب المهيض جناحا

هنئ الأزهر الشريف بشيخٍ

طاب أنساً به وزاد إنشراحا

رأسَ الأزهرَ الشريف فخلنا

سادنَ البيت أوتي المفتاحا

وجلا الحق "بالهداية" حيناً

فنفى عنه غيمه وأزاحا

حارب الجهل والتعصب والإلحاد

والدجل والخنا والسفاحا

بيراع يفري المشاكل عضباً

وحِجى يكشف الدُّجى لمَّاحا

حاز آلُ الحسين (بالخضر) الحر

مدى فخرهم وفازوا قداحا

أورث الله منه "طولقة" العرق

وأورى "بنفطة" المصباحا

"تونس" تقبل التهاني نشوى

وتهادي "الجزائر" الأفراحا

ص: 224

إنّ كلتا الأختين من خمرة البشرى

تعاطت على الصفا أقداحا

قد طوى سبعة وسبعين عاماً

ناشراً نور علمه وضّاحا

فالشيخ الخضر هو أحد الأئمة الذين نافحوا وجاهدوا عن الإسلام بالقلم والكلمة أكثر من نصف القرن الرابع عشر للهجرة، وطيلة النصف الأول من القرن العشرين، فهو صاحب مجلة "السعادة العظمى" التي صدر العدد الأول منها بتاريخ (16 محرم 1322 هـ سنة 1904) بتونس، وواصلت صدروها نصف شهرية إلى العدد 21؛ أي: قرابة عام.

وهو عضو (المجمع العلمي العربي) بدمشق منذ سنة 1919، ومن أول أعضاء (مجمع اللغة العربية) بالقاهرة منذ تأسيسه سنة 1933، وصاحب مجلة "الهداية الإسلامية" التي أصدرتها بالقاهرة سنة (1347 هـ / 1929 م) جمعية (الهداية الإسلامية) لتكون الناطقة باسمها، ورئيس تحرير مجلة "نور الإسلام"(1349/ 1353 هـ الموافق لسنة 1930/ 1934 م) التي تحولت - فيما بعد - إلى مجلة "الأزهر"، ورئيس تحرير مجلة "لواء الإِسلام"1954.

وبكلمة مختصرة: إنه أول من تصدى للشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" بكتاب نقض فيه دعاويه سنة 1925. كما تصدى سنة 1926 للرد على الدكتور طه حسين بكتاب "نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، وهو الذي نقد اقتراح الأستاذ أحمد أمين الذي قدمه للمجتمع اللغوي بالقاهرة مطالباً (ببعض الإصلاح في متن اللغة)، ووقف كذلك في وجه الأستاذ فريد أبي حديد في مسألة (موقف اللغة العامية من اللغة العربية الفصحى).

ص: 225

هذه بعض المجالات التي جال فيها الشيخ محمد الخضر حسين وقال، سنزيدها تفصيلاً وتوضيحاً بعد أن نعرف أين نشأ؟ وأين نبت؟ وكيف تكون؟

يعود منشؤه إلى أسرة (العمري) بالزيبان، تلك الأسرة العريقة في العلم والدين والشرف، ينتمي أبناؤها إلى التصوف، كما ينتمون إلى النسب النبوي الشريف، وهو ما أعطى لشيوخها في عصرهم مكانة مرموقة بين معاصريهم، خاصة في موطنهم الأصلي مدينة "طولقة" أحد المراكز الثقافية الهامة في الناحية منذ قرون.

في أواخر القرن الثالث عشر للهجرة (منتصف القرن التاسع عشر للميلاد) رحل السيد الحسين بن علي بن عمر الشريف عن مدينة "طولقة" بأسرته صحبة صهره الشيخ مصطفى بن عزوز جد محمد الخضر للأم، ووالد العلامة الشيخ المكي بن عزوز، وذلك بعد اكتساح قوات الاستعمار الفرنسي للمنطقة متجهين إلى مدينة "نفطة" حيث استقر بهم المقام في هذه الواحة الجميلة من واحات الجنوب الغربي التونسي.

في "نفطة" كان ميلاد محمد الخضر بن الحسين يوم (26 رجب 1293 هـ الموافق ليوم 21 جويلية سنة 1873 م)، فهو جزائري قح، سواء من طريق أبيه، أو من طريق أمه.

ثم انتقلت أسرة الحسين مرة أخرى إلى تونس العاصمة، عام (1306 هـ / 1888 م) ، وسن محمد الخضر حينئذ ثلاث عشرة سنة، فأتم تعليمه الابتدائي، وحفظ القرآن الكريم، والتحق بجامع الزيتونة في العام الدراسي (1307 هـ / 1889 م)، فواصل العلوم المقررة يومئذ علوماً دينية ولغوية، ولكنه تتلمذ على عدد من الشيوخ البارزين الذين كان لهم في نفسه

ص: 226

أثر محمود يذكرهم بالثناء والتقدير إلى آخر حياته، ولعل أهم هؤلاء الشيوخ هم: سالم بوحاجب (ت: 1923) وعمر بن الشيخ (ت: 1191) ومحمد النجار (ت: 1913)، وفي عام (1316 هـ / 1899 م) نال شهادة التطويع، وهي شهادة سميت بهذا الاسم؛ لأنها تتيح لحاملها أن يتطوع بالقاء الدروس في الزيتونة نفسها.

أصدر مجلة "السعادة العظمى"، وهي أول مجلة ظهرت في المغرب العربي، وأغلقتها سلطات الاستعمار الفرنسي، ثم تولى القضاء في مدينة "بنزرت" عام 1906 م، ولم يرقه ميدان القضاء؛ إذ حال بينه وبين الدعوة للإصلاح والجهاد، فتركه إلى التدريس في جامع الزيتونة أستاذاً للعلوم الدينية والعربية. كما تولى التدريس في مدرسة (الصادقية) بتونس.

حكم عليه بالإعدام لاشتغاله بالسياسة، ودعوته إلى النضال والتحرر، فهاجر إلى دمشق، وأقام بها مدة تولى في مطلعها التدريس في (المدرسة السلطانية)، واعتقله جمال باشا فترة من الزمن رحل بعدها إلى "الآستانة" وإلى ألمانيا. ثم عاد إلى دمشق، فلاحقته سلطات الاحتلال الفرنسي، فرحل إلى مصر لاجئاً سياسياً عام 1920، والتقى بكبار علمائها ورجالها، وآثره أحمد تيمور باشا رحمه الله بصداقته.

قام بتأسيس (جمعية الهداية الإسلامية)، وأصدر مجلة تحمل نفس الاسم، واشترك في تأسيس (جمعية الشبان المسلمين)، وانضم إلى علماء الأزهر مدرساً للفقه في كلية أصول الدين، ثم أستاذاً في التخصص، واختير عضواً في جامعة كبار العلماء بعد أن قدم رسالته العلمية "القياس في اللغة العربية".

ص: 227

ترأس جمعية (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية)، ثم عين - بعد قيام الثورة المصرية سنة 1952 - إماماً لمشيخة الأزهر.

توفي يوم (12 رجب عام 1377 هـ الموافق للثاني من فيفري سنة 1958 ميلادية)، ودفن بوصية منه في المقبرة التيمورية القاهرية إلى جانب صديقه أحمد تيمور باشا -رحمهما الله-.

أما من اهتم به، فلست أدري هل أستطيع حصرهم؟ ولكني سأذكر ما استطعت منهم على سبيل المثل لا الحصر كما يقولون:

1 -

الأستاذ محمد علي النجار الذي علق على ديوانه "خواطر الحياة" في طبعته الثانية سنة (1373 هـ / 1953 م).

2 -

الأستاذ أنور الجندي الذي خصه بترجمة في كتابه "الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا"، الصادر عن الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة سنة 1385 هـ من صفحة (173 حتى 176).

3 -

الأستاذ أبو القاسم محمد كرو في الكتاب الرابع من سلسلة "أعلامنا" الصادر عن دار المغرب العربي بتونس سنة 1975 بعنوان: "محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر الأسبق"، دراسات ومختارات صدرها ببيت من شعر الشيخ الخضر يقول:

ولولا ارتياحي للنضال عن الهدى

لفتشت عن وادٍ أعيش به وحدي

يحتوي هذا الكتاب على 110 صفحة رتبه صاحبه على مقدمة وقسمين: الأول: خصصه لحياته وأعماله، والثاني: قدم فيه نصوصاً مختارة.

4 -

الأستاذ محمد مواعدة الذي أعد بحثاً هاماً يعتبر لحد الآن أوفى البحوث عن شخصية الإمام محمد الخضر حسين في كتابه "محمد الخضر

ص: 228

حسين، حياته وآثاره" صدر عن الدار التونسية للنشر سنة 1974.

يحتوي هذا الكتاب على 363 صفحة، تقديم للأستاذ المنجي الشملي بصفته المشرف على هذا البحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة التونسية، ومقدمة، وثلاثة أقسام. في القسم الأول:

1 -

حياته بالبلاد التونسية.

2 -

حياته بالبلاد السورية.

3 -

حياته في مصر.

وفي القسم الثاني الخاص بآثاره ثلاثة أبواب أيضاً هي:

1 -

مقالاته ومحاضراته.

2 -

مؤلفاته.

3 -

شعره.

وفي القسم الثالث تحدث عن شخصيته الثقافية:

الرجل: العالم - الأديب - اللغوي - المصلح - السياسي.

وخاتمة، ثم ملحق، أورد فيه بعد التمهيد النصوص التالية:

الرحلة الجزائرية - خلاصة الرحلة الشرقية - حديث عن رحلتي إلى دمشق.

ونظراً لأهمية هذا العمل، فإني سأقتبس كثيراً من فقراته، خاصة في التمهيد لكل قسم، مستسمحاً من المؤلف أولاً، ومنك أيها القارئ الكريم:

يقول الأستاذ محمد مواعدة في تمهيد القسم الأول:

"إن حياة الشيخ محمد الخضر حسين هي حياة رجل كرسها صاحبها في طلب العلم والتعمق فيه أولاً، ثم في تعليمه ونشره والسعي لرفع راية

ص: 229

الإسلام وتوحيد كلمة المسلمين ثانياً.

فلم تكن حياة رجل عادي متشابهة في أيامها وسنواتها، بل كانت مليئة بالأحداث اللينة أحياناً، والصعبة أحياناً أخرى، ذلك لأن صاحبنا كان كثير التنقل، محباً للترحال والتعرف، واسع الطموح، زد على ذلك: ما صادفه من أحداث وظروف وطنية وعالمية لم تمر عليه كما مرت على كثير من الناس، ولم يتقبلها كما تقبلها كثير غيره، بل حاول أن يعيش ويتفاعل معها، ويساهم في تكييفها بقسط هو قسط العالم الذي يعتمد أسلوب التوجيه والإشارة والتنبيه حيناً، أو هو قسط الرجل السياسي الذي يعتمد أسلوب الحركة والعمل حيناً آخر.

وقد حاولت التعرف على أهم عناصر حياة الشيخ محمد الخضر حسين، وما مرت بها من مراحل مختلفة، والتوصل إلى أهم جوانبها، حتى نفهم شخصيته الثقافية، وما قامت به من أعمال لفائدة الدين والأدب والسياسة. ويمكن تقسيم حياة الشيخ محمد الخضر حسين إلى ثلاثة مراحل:

1 -

المرحلة الأولى: حياته بالبلاد التونسية:

وتخص هذه المرحلة سنوات حياته التي قضاها في تونس منذ ولادته وطفولته إلى تعلمه، وهي فترة يمكن تسميتها بفترة (التعلم والتكوين)، وتمتد من سنة 1873 م سنة ولادته إلى سنة 1912، وهي السنة التي غادر فيها البلاد التونسية نهائياً إلى المشرق.

2 -

المرحلة الثانية: حياته بالبلاد السورية:

وتخص هذه المرحلة كامل الفترة التي قضاها من حياته بدمشق، وانتقل أثناءها إلى الآستانة و"برلين"، وتمتد من سنة 1912 إلى 1920، وهي السنة

ص: 230

التي غادر فيها سورية للاستقرار في البلاد المصرية. ويمكن أن تسمى هذه المرحلة بمرحلة (التنقل والترحال).

3 -

المرحلة الثالثة: حياته بالبلاد المصرية:

وتشمل سنوات حياته التي قضاها في مصر، واستقر بها نهائياً، وتمتد من سنة 1920 إلى وفاته سنة 1958. ويمكن أن تسمى بمرحلة (المجد الثقافي)؛ لأنها الفترة التي أظهر فيها قيمته الثقافية، وبرزت فيها مكانته، وتقلد أثناءها مناصب علمية عالية، أكدت غزارة علمه، وعمق شخصيته.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقسيم الذي اعتمد الإطار التاريخي والجغرافي، قد اتبعه كل الذين كتبوا عن حياة الشيخ محمد الخضر حسين، (وخاصة منهم: الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، والأستاذ أبو القاسم محمد كرو). كما درج عليه هو نفسه عند حديثه عن أطوار حياته بمناسبة حفل التكريم الذي أقامه له أحد تلاميذه الدكتور عبد الوهاب المالكي عند زيارته دمشق سنة 1937، ويعتبر هذا التقسيم عملاً تنظيميًا يساعدنا فقط على فهم مراحل حياة الرجل وتدرجها. ذلك لأن حياة الإنسان حلقات متواصلة ومتداخلة في نفس الوقت من الصعب تقسيمها ومعرفة حدود كل مرحلة من مراحلها المتعاقبة.

ثم يقول الأستاذ محمد مواعدة في تمهيد القسم الثاني:

"قضى الشيخ محمد الخضر حسين حياته في التعلم والتثقف أولاً، ثم في التعليم وتوجيه المجتمع الإِسلامي ثانياً، متخذاً في ذلك كتابة المقالة، والقاء المحاضرة طريقة للتبليغ، فأشرف على تحرير مجلات عديدة هي:

"السعادة العظمى"، و"الهداية الإسلامية"، و"نور الإسلام"، و"لواء

ص: 231

الإسلام" وكان يكتب البحوث والمقالات العلمية والأدبية، كما كان يكتب أيضاً في عدد من المجلات الأخرى مثل: "المنار" ومجلتي "البدر" و"الفجر" التونسيتين، ومجلة "الفتح" التي كان يشرف عليها صديقه الشيخ محب الدين الخطيب، صاحب المطبعة السلفية بالقاهرة.

وقد كان الرجل كثير القراءة والمطالعة، كما كان كثير الكتابة، مسألة صحفي مصري بعد أن أصبح شيخاً للأزهر (مجلة المصور عدد الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر سنة 1952): هل تهوى الكتابة؟ فأجابه: وهل هناك من يجيد القراءة ولا يكتب؟! ويكفي أن نذكر أن آخر مقال صدر له بمجلة "لواء الإسلام" كان في عدد فيفري سنة 1958، وهو الشهر الذي وافته فيه المنية. ولذلك تتمثل أغلب آثاره في المحاضرات المنشورة، والمقالات والبحوث التي صدرت في مجلات مختلفة، ويبدو أنه كان يقوم بذلك عن قصد؛ لأن الغرض الذي كان يهدف إليه من الكتابة هو توضيح تعاليم الدين الإسلامي. وتوجيه المسلمين وإرشادهم، والدفاع عن الإسلام لحمايته من تهم الملحدين والزنادقة. ويقضي ذلك اتباع الوسائل الكثيرة الانتشار حتى تعم الفائدة عدداً كبيراً من القراء، ولا أجدى من استعمال المجلات والصحف لتحقيق هذا الغرض.

وهذا ما جعل الرجل لا يؤلف الكتب إلا عند نقض كتابي "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، و"في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، مع ملاحظة أن أسلوب هذا الرد لا يختلف كثيراً عن أسلوب البحث القصير أو المقالة.

وكان الشيخ محمد الخضر - بالإضافة إلى ذلك - شاعراً، وقد جمع

ص: 232

قسمًا من قصائده في ديوان "خواطر الحياة"، أما القسم الآخر، فلم يزل موزعاً في المجلات والصحف ينتظر الجمع والتبويب والنشر.

ويتبين مما تقدم: أن بحث آثار هذا العلامة، وتبويبها، وتحليلها العلمي الدقيق يتطلب دراسة مستقلة؛ نظراً لكثرة هذه الآثار وتشعبها، وتعدد مواضيعها. لكن ذلك لا يمنعنا من تقديم أهمها في هذا القسم من الدراسة والتعريف الموجز بمحتواها وقيمتها؛ حتى نستخلص أبرز أفكار الرجل ونظرياته في القسم الثالث من البحث، ويمكن تبويب هذه الآثار إلى ثلاثة أنواع:

1 -

الباب الأول: ويحوي المحاضرات المنشورة والمقالات المجموعة في كتب.

2 -

الباب الثاني: ويشمل ما ألفه الرجل من كتب في اللغة والأدب، وخاصة كتابيه في "النقض".

3 -

الباب الثالث: ويخص آثاره الشعرية.

كما يقول الأستاذ محمد مواعدة في تمهيده للقسم الثالث بشخصيته الثقافة:

"تعرضنا في القسم الأول من هذا البحث إلى حياة الشيخ محمد الخضر حسين، والأطوار التي مر بها، والظروف التي أحاطت بتربيته وتكوينه، ثم بنشاطه العلمي والسياسي، سواء بالبلاد التونسية، أو بالمشرق العربي، وتبين لنا من خلال ذلك أن الرجل محب للمعرفة، طالب لها، ومهتم بإصلاح المجتمع الإسلامي، ساع إليه في كل المناسبات والأحوال.

ثم تحدثنا في القسم الثاني عن آثاره، فحللناها بإيجاز، وعرفنا بأبرز محتوياتها، فتبين لنا من ذلك غزارة علم الرجل، وسعة معارفه، وسمو ثقافته

ص: 233

في ميادين الدين والأدب واللغة والسياسة، وحدَّه مواقفه في الدفاع عن الإسلام، ونقض ما يوجه إليه وإلى رجاله من (تهم) و (أباطيل)، أو ما يمس -في رأيه- القرآن الكريم والحديث الشريف من تحريف وسوء تأويل، أو مبالغة في الشرح والتفسير.

أهم ما يمكن استنتاجه من التعرف عن مراحل حياة الشيخ وآثاره: أن هناك انسجامًا وترابطًا متينًا بينهما، فكانت مؤلفاته النثرية والشعرية صورة صادقة لما كان يؤمن به من أفكار، ويعتقده من آراء في حياته. وهذا ما يجعل الرجل شخصية ثقافية متميزة لها عناصرها الأصيلة، ومضمونها الجلي، ومركباتها البارزة. وأهم هذه العناصر هي في نظرنا:

- محمد الخضر حسين العالم في شؤون الدين.

- محمد الخضر حسين الأديب.

- محمد الخضر حسين المصلح.

- محمد الخضر حسين السياسي.

أما عن الملحق، فإنه يمهد له بما يلي:

"اهتم الشيخ محمد الخضر حسين بميدان الرحلات منذ شبابه؛ كما بينا ذلك في القسم الأول من هذا البحث، وقد كان هذا الاهتمام ناتجاً عن شعوره بفائدة الرحلات، سواء بالنسبة إلى القائم بها من حيث تكوين شخصيته الثقافية والعلمية، وتوسيع مداركه وخبراته، أو بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي من حيث النشاط الذي يقوم به الرحالة في المناطق التي يزورها به. لقاء المسامرات العلمية، والخطب التوجيهية، والمحاورات الأدبية.

وقد قام هذا الرجل بعدة رحلات في حياته، زار خلالها البلاد الجزائرية،

ص: 234

وبلدان المشرق العربي، وبلدان أوربية مختلفة. ثم كتب مقالات وصفية عن بعض هذه الرحلات نشرها في المجلات والصحف.

وقد بقيت هذه الرحلات موزعة مما يحمل الباحث جهداً كبيراً عند الرجوع إليها لدراساتها، أو الاستفادة بمحتواها. ولذلك قمنا بجمعها، والتعليق عليها حتى نساهم في تقريبها من المثقفين عامة، والدارسين خاصة.

كما نمكن القارئ من الاطلاع على آراء الرجل وأفكاره بالاعتماد على نصوص من تحريره، بالإضافة إلى ما أوردناه في شأنه في هذه الدراسة.

وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ محمد الخضر حسين قد كتب مقالاً وصفياً عن رحلته إلى ألمانيا صدر بجريدة "البلاغ" البيروتية سنة 1918، وقد حاولنا الحصول على هذا النص لنشره في هذا الملحق، إلا أننا لم نتمكن من ذلك. أما النصوص التي قمنا بجمعها والتعليق عليها، فهي:

1 -

"الرحلة الجزائرية" التي نشرت في مجلة "السعادة العظمى" عدد 19 وعدد 20 و 21.

2 -

"خلاصه الرحلة الشرقية" التي نشرت في جريدة "الزهرة"(مارس - أفريل سنة 1913).

3 -

"حديث عن رحلتي إلى دمشق" الذي نشره بمجلة "الهداية الإسلامية".

وقد اعترضتنا صعوبة كبيرة في التعريف ببعض الأعلام المذكورين في هذه الرحلات، وخاصة في "خلاصه الرحلة الشرقية"، وقد تمكنا من التعريف بالبعض منها، وبقي عدد آخر لم نتمكن من التعرف به".

ص: 235