الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ الخضر
بقلم أحمد حمزة
"صاحب مجلة "لواء الإِسلام" بالقاهرة، ووزير سابق، ومن العاملين الصادقين في خدمة الإِسلام بالمال والجهد"(1).
إن الله لا ينزع العلم من صدور العلماء انتزاعاً، ولكن ينزعه بقبض العلماء إليه. ولقد قبض إليه سبحانه في شهر رجب الحرام عالماً يذكره الشرق والغرب، وتذكره المحافل والندوات، تعددت جهات نشاطه، وتنوعت أساليب خدمته للإسلام، فهو المجاهد الذي يجاهد أعداء الإِسلام في تونس، ويقود الثورات عليهم، حتى يحكم عليه بالإعدام، فلا يضعف ذلك من عزيمته، ولا يوهن من شكيمته، بل يستمر متنقلاً في الآفاق، داعياً للإسلام، مدافعاً عنه، يتنقل بين البلاد الأوربية ضاربًا في الأرض، حتى إذا ألقى به الرحيل في أرض فلسطين، اشترك في إنشاء مدرسة (الدعوة والإرشاد)، وكان يتولى التدريس فيها، وتخرج على يديه تلاميذ كثيرون انبثوا في البلاد العربية دعاة مجاهدين.
ولما احتلت فرنسا بلاد سوريا التي اتخذها مقاماً، طاردته في ضمن
(1) مجلة "لواء الإِسلام" - العدد 12 من السنة الحادية عشرة.
من طاردت من الأحرار، وهو كالسيف المسلول لا يضعف ولا يهن، فهاجر إلى مصر، وفي مصر عكف على العلم الذي كان ذخيرته وعدته دائماً، ولم ينس جهاده في سبيل الإِسلام، فأخذ يؤسس الجمعيات الدينية، ويعضدها بقلمه ولسانه، وأنشأ جمعية الهداية الإِسلامية، وكان يمدها بما يفيض ماله القليل.
ووقف قلمه على من يهاجمون الحقائق الإِسلامية، وله كتاب أفرده في الرد على من هاجموا نظام الحكم في الإِسلام. وقد امتاز بقوة الحجة، وإحكام الجدل العفيف النزيه.
ولما أنشئت الكليات الأزهرية، كان ممن أقاموا دعائم التدريس في كلية أصول الدين، وتلاميذه من الوعاظ وغيرهم يذكرون فضله عليهم، وعمق تفكيره، ويعتبرون ما كتبه حجة يرجعون إليها.
ومنذ اتجهنا إلى إنشاء مجلة "لواء الإِسلام" نتقدم بها محتسبين النية خدمة لهذا الدين الحنيف، وبياناً لحقائقه، لم نجد علماً يحمل اللواء سوى الشيخ الخضر حسين، فأرسى قواعد التحرير فيها، وتعهدها بتوجيهه وقلمه وقلبه المنير، ونيته وإخلاصه رضي الله عنه، فسارت قدماً إلى الإمام، تحمل رسالتها، وتتجه إلى غايتها، ومن ورائها (الخضر)، ونخبة مؤلفة من العلماء المخلصين المؤمنين.
ولم ينقطع عن رياسة التحرير إلا عندما شغل بمنصب شيخ الأزهر، وفي هذا المنصب أعاد إليه كرامته، وأكّد عزته، ولا يزال الأزهريون يذكرون له مواقف الشمم والإباء، وما زالت كلماته التي قالها، والتي استهل بها عهده فيه تدوِّي في آذانهم، يرددونها، ويعترفون له بتحقيقها، فقد قال رضي الله عنه: "ولّيت
الأزهر موفوراً عزيزاً، فإن لم يزد في عهدي، فلن ينقص منه شيء". ثم ترك الأزهر، وعكف على العلم والكتابة مرة أخرى في "لواء الإِسلام". واستمرت المجلة تشرق بمقالاته، وتضيء بإخلاصه حتى قبضه الله إليه.
فرضي الله عنه في الصديقين والصالحين والأبرار المجاهدين.