الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلوماتي الخاصة عن شيخي علامة العصر الحاضر الأستاذ محمد الخضر بن الحسين شيخ الجامعات الأزهرية
(1)
بقلم الطيب بن عيسى
"شيخ الصحفيين التونسيين في عصره. ولد بتونس العاصمة (1324 هـ - 1906 م)، تلقى علومه بجامع الزيتونة، أصدر صحيفتين: "المشير"، و"الوزير".
من مؤلفاته: "المغرب الأقصى بين عهدين" - "ذكريات سجين" - "مشاهير المهاجرين" - "خواطر الحاج". توفي (1385 هـ - 1965 م) ".
* مولده وأسرته:
ولد المترجَم له بمدينة "نفطة" من (بلاد الجريد) الواقعة في أقصى الجنوب الغربي التونسي، وهي آخر نقطة بالحدود التونسية، وتبعد "نفطة" عن العاصمة التونسية 475 ك م.
ولد في 26 رجب سنة 1293 هجرية، وهو محمد الخضر بن الحسين ابن علي بن عمر الشريف، فأسرتُه إذن ترجع إلى بيت العمري بـ"طولقة" بيت العلم والمجد والشرف.
(1) صحيفة "الأسبوع" التونسية - العدد 308 الصادر في 30 نوفمبر - تشرين الثاني وما بعده.
و"طولقة" تبعد عن مدينة "بِسَكْرَة" عاصمةِ الجنوب لمقاطعة "قُسَنْطينة" من القطر الجزائري بنحو 42 ك م. وبطولقة مركز دائرة الزيبان.
ووالد المترجَم له كان رحل منذ قرن من طولقة إلى نفطة التي استقر بها نهائيًا، وتزوج بأخت المرحوم الشيخ محمد المكي بن عزوز هناك، وللشيخ الخضر إخوة، وهم: الشيخ الجنيد، والشيخ محمد العروسي، (المتوفَّيان) والشيخ محمد المكي، المستقر بالعاصمة، والأخير من كبار الأدباء واللغويين المشاهير.
والشيخ زين العابدين، نزيلُ العاصمة الأموية "دمشق الشام"، وجميعهم ولدوا بـ "نفطة".
* تعليمه بنفطة:
قرأ المترجَم له القرآن، وحفظه بنفطة على مؤدبه الخاص المرحوم الشيخ عبد الحفيظ اللموشي، كما تلقى مبادئ العلوم العربية على علماء نفطة، ومنهم: خاله المرحوم الشيخ محمد المكي بن عزوز العالِمُ المصلح الشهير دَفينُ إستانبول عاصمةِ الخلافة الإِسلامية وقتئذٍ، المعدودُ من أقدم التونسيين المستقرين بالآستانة قبل الشيخ إسماعيل الصفايحي، والشيخ صالح الشريف، والشيخ عمر بيراز، والسيدين علي، ومحمد باش حانبة (الأخوين)، وجميعهم من رجال الوطنية الصادقة، والإخلاص المتين.
* تعليمه بتونس:
ولما استقر والد المترجَم له بالعاصمة نهائياً سنة 1307 هـ زاول العلوم العربية الثانوية والعليا بجامع الزيتونة الأعظم.
* شيوخه:
قرأ على شيوخ أعلام، منهم: المرحومان، الشيخ سالم بوحاجب، والشيخ عمر بن الشيخ، والشيخ محمد النجار، والشيخ مصطفى رضوان، والشيخ عبد العزيز الوزير.
* تطويعه ثم تدريسه:
حصل على شهادة التطويع عام 1314 هـ ثم في عام 1324 هـ نجح في مناظرة التدريس المالكية من الرتبة الثانية.
* توليه القضاء بـ"بنزرت":
وقبل مناظرة التدريس بمدة، أُسندت إليه خطة القضاء الشرعية بمدينة "بنزرت"، فباشرها بضعة شهور، ثم ألح على الحكومة حتى تقبل استعفاءه من هذه الوظيفة خوفاً من الله، فقبلت طلبه، وأنجاه الله من تحمل المسؤوليات الكبرى.
* تلامذته بتونس:
وقد تعلم عليه طلاب كثيرون بجامع الزيتونة، وبالمدرسة الصادقية، ومن تلاميذه: صاحب جريدتي "المشير والوزير" كاتبُ هذا المقال، الذي قرأ عليه "السعد" و"المحلى" و"التهذيب"، وكانت شهادة الشيخ في دفتر تلميذه عدد 5187 مؤرخة بربيع الثاني سنة 1326 هـ.
* من آثاره بتونس:
كان أصدر مجلة "السعادة العظمى"، وهي أول مجلة صدرت بتونس، وكانت دينية وأدبية، وقام بمحاضرات ومسامرات بقاعة (الجمعية الخلدونية)، أو بنادي (جمعية قدماء الصادقية)، ثم طبعت مسامرته بتونس، ووزعت.
* إقامته بدمشق الشام:
وفي سنة 1333 هـ رحل إلى الشام، والتحق بأخويه الشيخين: محمد المكي، وزين العابدين، اللذينِ سبقاه للرحيل قبل سنة، فاستقر بدمشق بضعة أعوام، كان أثنائها يتردد على إستانبول، والمدينة المنورة، والقدس، وفي الأعوام الأخيرة أدى فريضة الحج.
* تدريسه بدمشق:
تخرج عليه تلاميذ كثيرون بسورية، سواء بالجامع الأموي، أو المدارس الأخرى الرسمية.
* حظوته لدى فيصل الهاشمي:
كان محظوظاً من طرف المرحوم الملك فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي، صاحب سورية في ذلك العهد، وعاهل العراق فيما بعد.
* أسفاره إلى أوربا:
وفي أثناء استقراره بدمشق قام برحلات إلى عواصم كبرى من الأقطار الأوروبية؛ كألمانيا، وإيطاليا، وسويسرة، وغيرها.
* استقراره بمصر:
وبعد خروج الملك فيصل من دمشق عاصمةِ ملكه، وإعلانِ الانتداب الفرنسي على سورية، خرج المترجم له من دمشق، واستقر نهائياً بمصر إلى اليوم، وكان ذلك سنة 1337 هـ.
* مهمته العلمية بمصر:
كان مدة إقامته بالقاهرة المعزيَّة في أول أمره يطبع كتبه العلمية الكثيرة، ويلقي دروساً خاصة على بعض الطلاب بالأزهر، أو بالمعاهد العلمية الأخرى،
ثم انخرط في سلك أساتذة الأزهر بعد اجتيازه للمناظرة بصفة رسمية؛ حيث نجح نجاحاً باهراً.
* مجلة "نور الإِسلام":
ولما قررت مشيخة الأزهر إصدار مجلة إسلامية، أسندت مهمة الإشراف عليها إلى لياقة الشيخ الخضر، فكان رئيس تحريرها.
* مجلة "الهداية الإسلامية":
كما أصدر المترجَم له مجلة "الهداية الإِسلامية"، وكان رئيساً لتحريرها، والمشرفَ على إدارتها، فكانت من أرقى المجلات الدينية، ومساندةً لمجلة "المنار" التي كان يرأس تحريرها العلامة المصلح المرحوم الشيخ رشيد رضا الحسيني تلميذُه العلامة المرحوم الشيخ محمد عبد المصري، ومجلة "الهداية الإِسلامية" لسان حال (جمعية الهداية الإِسلامية) التي يرأسها الشيخ الخضر -بارك الله في أنفاسه-.
* ذكرياتي عن الشيخ بمصر:
في عام 1343 هـ قمت برحلة إلى مصر، وما وصلت إلى القاهرة حتى اتصلت بفضيلة شيخي الخضر، وتقابلت معه مرات، وكان وقتئذٍ مصححاً بالمكتبة العامة المصرية (الكتب خانة) للتآليف التي تطبع على نفقة المكتبة، وهذه المهمة العلمية ليست بسيطة كما يُظَن من أنها مجردُ مقابلة الأصل بالمطبوع -حسب التعارف بين المؤلفين والمحررين للمجلات والصحف-، بل هي أعلى من ذلك وأدق وأصعب بكثير؛ لما يأتي بيانه:
* مقدرته العلمية:
إن التصانيف الخَطِّية المرادَ طبعُها -خصوصاً العتيقة منها- لابد أن يوجد
بها نقص في كلمات أو جمل، وأحياناً صفحات كاملة، وذلك لقدم العهد، وتلاشي البعض من أوراقها، إما أكلها الفأر، أو ثقبها السوس ثقباً، أو وسخت بالحبر، أو غير ذلك من عوامل الفساد، وبناء عليه، فمأمورية الأستاذ الخضر النابغة هي تكميل ما نقص من الأصل، مع مراعاة أساليب ذلك التأليف من تبويب وتقسيم وتفصيل، ومع مراعاة درجة المؤلف -أيضاً- من حيث الإنشاء والتعابير، سواء في النثر أو الشعر.
وطبعاً إن التآليف المعروضة للطبع مختلفة الفنون والعلوم، ويحتاج المصحح إلى اطلاع واسع، وإلمام تام بجميع العلوم العربية؛ كي يمكنه أن يكمل النقص في النحو أو الصرف، أو التوحيد أو المنطق، أو الحساب أو التاريخ، أو الهندسة أو الجغرافية، أو الطبيعة أو الكيميا، أو علوم البلاغة، إلى غير ذلك من المباحث الدينية أو الأدبية أو الرياضية.
فالتصحيحُ أو التكميل الذي من هذا النوع هو فني، ويحتاج إلى نبوغ وتخصص في جميع العلوم دون استثناء.
فمن هذه الناحية يكون الأستاذ الخضر نابغة عصره، ولولا أنه عَلَّمَ تلامذةً أصبحوا اليوم أخصائيين في التصحيح الفني، لصعب على إدارة المكتبة العامة الإتيانُ بعالم متفنن يقوم مقامه عند تخلِّيه عن مهمة التصحيح، وتفرّغه للتدريس بالأزهر في المعهد الأخير، ثم الارتقاء إلى أعلى المناصب العلمية.
* أخلاقه وصلاحه:
كان شيخي معروفاً في تونس، وفي البلاد الشرقية بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وحسن المعاشرة، ولم يعرف عنه الحمقُ والشراسة وضيق
الصدر، وغيرُها من الأوصاف، وهو ممن سلم الناس من يده ولسانه، وله أسلوب في الانتقاد لطيف؛ إذ مداره الإقناع بالبرهان القطعي على صواب رأيه، دون جدال بعنف، أو تصلب بحمق، مع تحاشي المبالغة في التنديد اللاذع، مقتدياً بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يمزح ولا يقول إلا حقاً.
هذا من جهة أخلاقه وطباعه، ومن جهة صحة إيمانه، وشدة شكيمته في الذود عن حياض دينه، فقد كان لا تغره في الحق لومة لائم، ويعد من أولياء الله الصالحين، لتقواه في السر والإعلان، وعليه، فهو داخل في قوله تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63].
فالشيخ عالم عامل بعلمه.
* لغته العربية:
إن لغة الشيخ الخضر هي العربية الصرفة، سواء في دروسه، أو محادثته العامة أو الخاصة، لسليقته المفطور عليها منذ أن تعلم العربية، بل كان يتحاشى استعمال اللغة العامية الدارجة بقدر الإمكان، وقد عرفتُ تعوده بذلك منذ أن كان مدرساً بجامع الزيتونة الأعظم.
* منهجه الإصلاحي:
إن هذا العلامة الديني يدعو إلى الإصلاح من الناحية الدينية بجميع الوجوه؛ اجتماعياً واقتصادياً، ولربما يحارب النعرة الوطنية البحتة التي جعلت المصريين ينقلون رفات المرحوم سعد زغلول الزعيم الأكبر من قبره الأول الإِسلامي لوضعه في قبره الثاني المماثل لقبور الفراعنةُ في شكله، والفراعنة جدود أقباط مصر المسيحيين.
* تصانيفه العلمية:
لصاحب الفضيلة شيخي الخضر تآليفُ عديدة، منها ما طبع بتونس، كمجلة "السعادة العظمى" التي أصدر منها عدة أجزاء، و"رسالة الدعوة إلى الإصلاح" عندما كان مدرساً بجامع الزيتونة، وبالمدرسة الصادقية، و"حياة اللغة العربية"، وهي المسامرة التي ألقاها بقاعة مكتبة الخلدونية عندما كان مدرساً بالمعهدين المذكورين -أيضاً-.
ومنها ما طبع بمصر؛ ككتاب "نقض كتاب الإِسلام وأصول الحكم" الذي يرد فيه على الأستاذ الشيخ عبد الرازق مؤلف كتاب "الإِسلام وأصول الحكم"، وهو حينئذ من علماء الأزهر.
وكتاب "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" يرد فيه على كتاب "في الشعر الجاهلي" تأليف طه حسين، وكان الأستاذ الخضر وقتئذٍ من علماء الأزهر، وكتاب "محمد رسول الله وخاتم النبيين" الذي ألفه بعد ما أصبح عضواً باللجنة العليمة لهيئة كبار العلماء المؤلفة لحماية الدين، والدعوةِ إلى سبيل الله.
هذه الكتب قرأتها، وما أزال أملكها، ما عدا "نقض كتاب الإِسلام وأصول الحكم" حيث لم أتصل به، ولم أطالعه.
ومن المحقَّق: أن لفضيلة الأستاذ الخضر تآليفَ أخرى لم أتصل بها، قد يمكن أنها طبعت في سورية عندما كان شيخي مدرساً بالجامع الأموي في دمشق، وبالمدرسة السلطانية، أو في مصر في أثناء المدة الطويلة التي أقامها هناك.
* دخوله في الجنسية المصرية:
ولما كانت قوانين مصر مانعةً من مباشرة غير المصريين للوظائف بأنواعها
بين شرعية وعادية، فقد انخرط في سلك المتجنسين بالجنسية المصرية منذ عهد بعيد.
* توليته مشيخة الأزهر:
إن انخراط شيخي في سلك العضوية باللجنة العلمية لهيئة كبار العلماء قد رشحته لأن يتبوأ مقعده من رئاسة مشيخة الجامعات الأزهرية عن كفاءة ولياقة وخبرة تامة غير محدودة.
ولهذا السبب فقد عينته حكومة مصر الحديثة شيخاً للجامعات الأزهرية.
وكان إسناد المشيخة إليه عندما عرضت عليه الخطة بوساطة ثلاثة وزراء قصدوا محلَّه لهذا الغرض حتى لا يردَّ لهم طلباً.
* صدى توليته المشيخة:
كان لتوليته هذه الخطة المعتبرة صدى كبير بالعالم الإِسلامي؛ لأن شخصيته معروفة، ولا سيما بتونس والجزائر وسورية ومصر؛ حيث يَعرفه تلاميذه الكثيرون، مع سمعة واسعة.
وقد اهتزت كافة الأوساط التونسية سروراً للفخر الذي ناله جامع الزيتونة الأعظم؛ إذ أنجب مثلَ هذا العالم الكبير الذي أصبح على رأس العلماء الأعلام بالعالم أجمع؛ لأنه يترأس الأزهر الذي يمثل أعظم كلية دينية بالعالم الإِسلامي.
وقد هنأته المنظمات الزيتونية، وهنأته تونس الفخورة بابنها البار، وكان على رأس المهنئين: عاهل المملكة التونسية ملكُنا المحبوب سيدنا ومولانا محمد الأمين الأول -أيده الله، وأطال عمره-.
أما كاتب هذا الفصل، فكواحد من أبنائه البارين، وتلامذته المخلصين،
فأهنئه من صميم فؤادي، أصالةً عن نفسي، ونيابة عن إخوانه، داعياً الله أن يعينه على ما أولاه، وأن يجري الخير على يديه، وأن يمد في أنفاسه، حتى ينتفع المسلمون بمواهبه الفطرية والكسبية، كما انتفع إخوانهم من قبلهم بعلمه الغزير.