الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
أصبحتِ (نفطةُ) فوقَ كلِّ لسانِ
…
وفَخَرْتِ بـ (الخِضْرِ) عظيمِ الشّانِ
وغدوتِ جوهرةَ الثقافةِ منذ أنْ
…
وُلِدَ الإمامُ بحضنِكِ الريّانِ
و (الكوفةُ الصُّغرى) تُسمَّى بعدَهُ
…
بـ (الكوفةِ الكبرى) مِنَ الأوطانِ
تتوجّهُ الأنظارُ نحوكِ كلَّما
…
ذُكِرَ الإمامُ بمجلسِ الإيمانِ
لكِ في القلوبِ وفي العيونِ مكانةٌ
…
ما حازَها بلدٌ من البلدانِ (1)
زهت مدينة "نفطة" أو (الكوفة الصغرى) -كما عُرفت عبر تاريخها العريق - خلال أيام 16 - 17 - 18 جانفي كانون الثاني من عام 2009 م التي انعقدت فيها (الندوة العلمية العالمية الأولى للإمام العلامة محمد الخضر حسين وإصلاح المجتمع الإسلامي)، وارتدت، وتزيّنت بأبهى وأحلى وأجمل حللها القشيبة، وتعلقت على جدرانها العتيقة البديعة لافتاتٌ احتوت ما جَمُلت قراءتُه، وجلّت معانيه من أقوال الإمام الخضر حسين - رضوان الله تعالى عليه -، وبدت في بهجة عيد انتظرته طويلاً.
أقول: برزت "نفطة" من بلاد الجريد - مولد الإمام محمد الخضر حسين - وضاءةَ الوجه، رافعةَ الجبين، تتباهى وتجرُّ ذيول الفخر والاعتزاز بوليدها
(1) هذه الأبيات في ديواني "خماسيات الحسيني".
وابنها البارّ الإمام، الذي أجمع العالَمان العربي والإسلامي على مكانته السامية، وفضله وعلمه الوفير، ونضاله من أجل تونس والعرب والإسلام، وأوقف حياته في هذا الميدان -محتسباً أوّاباً صدّيقاً- إلى رب العالمين، إلى الله - جل وعلا - الذي لم يعبد سواه، ولم يمالئ أو يدارِ أحداً من الخلق في دنياه، مردِّداً قوله في بيته الشعري الشهير:
أنا لولا همةٌ تحدو إلى
…
خدمةِ الإسلامِ آثرتُ الحِماما
وقوله الذي كان كثيراً ما يردّده:
ولولا ارْتياحي للنضالِ عن الهدى
…
لَفَتَّشتُ عن وادٍ أعيشُ به وَحْدي
هذا قوله الصادق، وقلبه السليم، وعمله الدؤوب طوال حياته المباركة، وكتابُه الذي حمله بيمينه للقاء رب العالمين.
إن مبادرة (الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي) بإقامة هذا الملتقى الإسلامي الجامع، عملٌ أُكبره وأُجِلُّه، وأُثني وأُحَيي القائمين عليه، فقد آن لتونس أن تكرِّم عظماءها وعلماءها، ورجالها المناضلين المخلصين بحق وأمانة، وأن ترفعهم إلى مكانتهم اللائقة والمستحقة لهم، لاسيما أولئك الذين هاجروا من ديارهم، وانتقلوا في آفاق الدنيا حاملين رسالة الوطن الكبرى، رسالَة الاستقلال وطرد الغاصب المحتل؛ من أجل أن تتبوّأ تونس مكانها بين كواكب الدول في سماء الحرية والسيادة
…
وأن يتطلع إليها العالم كأمة أنجبت الأفذاذ والنبغاء وروّاد الكفاح، وزاحمت بمنكبيها سائر الأقطار المتقدمة والمتطلعة دوماً إلى المستقبل؛ لتقول: إن فيها رجالاً مفكرين ومبدعين، ومناضلين أحراراً وأشرافاً يستحقون أن ينالوا بفضل علمهم وعملهم أعلى المناصب السياسية والدينية، وأرفعَها منزلة؛
كمشيخة الأزهر التي ارتقى إليها الإمام محمد الخضر حسين بقوة إيمانه وتقواه وورعه، وعلومه التي زوّده بها الجامع الأعظم - جامع الزيتونة في تونس -، وضم إليها علوم الجامع الأزهر، فتوّجته إرادة الله سبحانه وتعالى شيخاً للجامع الأزهر.
والله سبحانه وتعالى يكافئ رجاله الصادقين المخلصين في دنياهم قبل أن يثيبهم في آخرتهم أولئك {لَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30]. والحديث عن سالف الزمن لم يعد من المفيد ذكرُه في هذه المقدمة. عندما حاول الطغيان والجهل والغباء أن يطمس وجه تونس المشرق، ورجالاتها وزعماءها المخلصين. والله سبحانه وتعالى عنده الجزاء والحساب.
ولكن بعد زوال الغمّة، وانكشاف العسر والهيمنة والضياع، عادت تونس إلى تاريخها الصحيح الصادق، وفتحت صفحاتها الناصعة المضيئة والحمد لله.
لقد كان من حق الجزائر أن تحتفل بالإمام محمد الخضر حسين من خلال الملتقى الهام الذي أقامته (الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية) في مدينة "بسكرة") أيام 25 - 26 - 27 ديسمبر كانون الأول 2007 م. كذلك من حق تونس أن تقيم المهرجان العلمي العالمي الأول خلال أيام 16 - 17 - 18 جانفي كانون الثاني 2009 م
…
بل ومن الجدير بالعالم الإسلامي أن يقيم الندوات والدراسات حول الإمام.
إن هذه الندوات والملتقيات حافز للمثقفين والدارسين والباحثين لاستكشاف آراء الإمام الإصلاحية، ودعوته الإسلامية، ونضاله السياسي. لا للدراسة والقراءة، بل للعمل بموجبها في كافة مناحي الحياة، وهي في
حقيقتها منارة من منارات الشريعة الإسلامية، هذه الشريعة التي هي صالحة لكل زمان ومكان.
إن ميزات هذه التظاهرات العلمية، تعبير عما تكنه الأمة من تقدير واحترام لرجالها الأوفياء، وإن ما ننَشده هو الانتفاع، والاستثمار لتراث الإمام وأفكاره وعلومه المبثوثة في الكتب التي نشرناها له، والتي يأمل الإمام أن تكون دعوة صالحة عند الله تعالى.
ليس من المهم مطلقاً أن نكتفي بإطلاق الصفات عليه، سواء كان إصلاحياً، أو تجديدياً، أو تنويرياً، فإن فكر الإمام -بمواهبه المتعددة في كل ميدان من ميادين العمل الإسلامي- يدعونا إلى الأخذ به، والسير على منهاجه؛ لأن النهج الذي دخله من باب الإسلام، ولخدمة الإسلام، ولا غاية من وراء ذلك إلا أن يرى الإسلام عزيز الجانب؛ لأنه الدين الذي اختاره الله لعباده.
والحمد لله على ما هدى. والحمد لله على نعمة الإسلام.
علي الرّضا الحسيني