الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجلسة الافتتاحية
كلمة المشاركين في الندوة
(1)
باسم الله، وبه نستعين.
- حضرة السيد الوزير المحترم صديقي العزيز الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي!
- حضرة السيد الوالي المحترم والصديق العزيز -أيضاً-!
- حضرة السادة المسؤولين السياسيين والمثقفين أجمعين!
تحيتي لكم، وتقديري لكم جميعاً.
ماذا أقول بعد ما قيل؟ وكل شيء قد قيل، وقد أتيت متأخراً، والحقيقة أني أريد أن أحييكم باسمي الخاص أولاً، وياسم جميع المشاركين في الندوة ثانياً.
في نفسي تختلج خواطر كثيرة؛ لأني أزور أول مرة (الكوفة الصغيرة)"نفطة" ذاتَ الخمائل والواحات الرائعة الجميلة. ولو كان هنا كاتب ألماني، لبقي هنا طول حياته؛ لأن كاتباً ألمانياً أحب الشرق، وأحب الواحات،
(1) كلمة ارتجلها الأستاذ المنجي الشملي شيخ أساتذة الجامعة التونسية، وكان المشرف على الرسالة المهمة التي ألفها الأستاذ محمد مواعدة "محمد الخضر حسين حياته وآثاره".
وأحب الخمائل، وكتب في ذلك ديواناً عظيماً خالداً يسمى:"الديوان الشرقي للأديب الغربي" أنا الآن بصدد دراسته.
أتيت إلى هنا طبعاً لأحييكم، وأقول ذلك تخليداً للذكرى الخمسين لوفاة العلامة المرحوم محمد الخضر حسين، أصيلِ نفطة، وأصيلِ -أيضاً- الجزائر من جهة أمه، وحبيب دمشق، وحبيب مصر، وحبيب العالم كله، إذن هو عربي بالمعنى الحقيقي.
وهذه الأصول وهذه المراجع، رفعته ليس بالعلم فقط، ولكن داخل السياسة بالعلم، وأي مثقف أصيل لا يكون سياسياً؟! فإن الثقافة الأصيلة هي سياسة عميقة، اعترف بذلك العلماء، واعترف بذلك رجال السياسة الكبار.
واعترف بها -أيضاً- رئيسنا زين العابدين بن علي الذي جعل هذه الندوة العلمية مؤطّرة بوزيرين مهمين، أولاً: الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي في الافتتاح، والأستاذ الأخزوري في الاختتام، إني أعتبر هذا التأطير عملية ثقافية سياسية بعيدة المدى. نذكر بها الرئيس ابن علي، ويشكر عليها، وتحيتي إليه من هذا المنبر.
هذا من وجه. ومن وجه آخر: أنا أحس بقلق في نفسي؛ لأني عندما ألقيت دروسي في الجامعة التونسية عن الحركة الإصلاحية الإسلامية في البلاد العربية، كنت مقصراً؛ لأني لم أذكر الشيخ الخضر حسين؛ لأني لم أكن أعرفه تماماً معرفة جيدة، والاعتراف بالفضل دون الفضل فضيلة.
لقد أفادني محمد مواعدة حقاً؛ لأنه هو الذي اقترح عليَّ موضوعَ دراسته الجامعية أن تكون عن الخضر حسين، ففرحت بما قاله لي، وخشيت
-أيضاً- مما قاله لي، وأشرفت على عمله العلمي، كان عملاً ممتازاً، ونوقشت سنة 1972 م.
وكان محمد مواعدة -حقيقة- عالماً بحاثة، كان عالماً علامة بحاثة جيداً، أتعبني وأتعبته، لكن ذلك التعب كان تعباً لذيذاً، وإن لهذا الكتاب الذي هو بين أيديكم اليوم قصة، إن له قصة وهو يُعد البحث فيه، وله قصة -أيضاً- بعد أن تم البحث، والقصتان سياسيتان:
القصة الأولى: أشير إليها في إيجاز؛ لأنه لم يحن الحين لتفصيلها، وإن كان في العمر فضل، فستكون في مذكراتي: كنت يوماً مع محمد مواعدة في قهوة (الشيلينك)(1) يوم كانت قهوة ممتازة، فرأيت شخصاً ينظر إلينا بنظارتين سوداوين، قال لي محمد مواعدة: إنه من الشرطة، ومن حق الدولة التونسية أن يكون لها شرطة سرية مثل كل دولة، ومن الغد دُعيت إلى الداخلية، دعاني السيد وزير الداخلية شخصياً، وانتهت هذه القضية، وحُفظت القضيةُ -كما يقال- إدارياً.
وبعد أن نوقش بحث محمد مواعدة، دُعينا إلى رئاسة الجمهورية من قِبل الرئيس الراحل الزعيم بورقيبة، وقضينا معه أربع ساعات في القصر، والحديث كان عن محمد الخضر حسين، فيه الصحيح، وفيه الذي ينظر فيه -أيضاً-. إذن هذا الكتاب خطير جداً الذي بين يديكم، أول كتاب -في رأيي- علمي أكاديمي عن المرحوم محمد الخضر حسين -حسبما أعلم -.
وليس صدفة إذن أن يكون محمد مواعدة هو القطب الصلب لهذه
(1) مقهى في شارع محمد الخامس بمدينة تونس.
العملية، إلى جانب أصدقائي الأعزاء (أصحاب الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي)، ورئيسها صديقي المعتز كمال عمران، وأخي -أيضاً- فتحي القاسمي.
إذن، محمد الخضر حسين قضية، قضية فكرية عظيمة، وقضية سياسية خطيرة؛ أي: مهمة.
كيف ندرسه؟ وقد نهج محمد مواعدة الطريقة، والعلماء الآخرون سيواصلون البحث.
وإني -حقيقةً- أحيي أصدقائي من الجزائر الذين أَعتز بحضورهم هنا.
كما أعتز بأخينا علي الرضا التونسي الحسيني لما بذل من مجهود عظيم جداً في تعريفنا بآثار الشيخ محمد الخضر حسين.
محمد الخضر حسين وصل إلى مصر، وقد ناهز الخمسين قليلاً، تماماً كما فعل ابن خلدون، وصل عالماً إلى هناك، وإخواننا المصريون أحبوه، وكرموه، وانتخبوه شيخاً في الأزهر، ثم رقوه إلى رتبة شيخ الأزهر، وما أدراك ما شيخ الأزهر؟! هو تونسي المنشأ، ولكن لا نقلل من شأن مصر؛ لأن تونس ومصر إخوة.
وإلى اللقاء.