الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجلسة الافتتاحية
كلمة السيد وزير الثقافة والمحافظة على التراث الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي بافتتاح أعمال الندوة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
- السيد والي توزر!
- الكاتب العام للتنسيق بالتجمع التونسي الديمقراطي!
- السيد المعتمد الأول!
- أعضاء مجلس النواب، وأعضاء مجلس المستشارين، وأعضاء اللجنة المركزية للتجمع!
- السيد فتحي القاسمي الكاتب العام للجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي!
- الأستاذ محمد مواعدة عن الهيئة التنظيمية لهذه الندوة!
- الأساتذة الأجلاء!
-أيها السيدات والسادة!
يسعدني أن كون بينكم اليوم في هذه المدينة الجميلة، هذه المدينة العريقة التي تعتز بعطائها المستمر في المجال الثقافي والفكري، وفي بناء
الوطن، وإلى مزيد من التقدم، مدينة "نفطة" الجميلة.
يسعدني أن أكون بينكم في هذه المدينة لافتتاح هذه الندوة الدولية حول العلامة محمد الخضر حسين وإصلاخ المجتمع الإسلامي. هذه الندوة التي تنظمها الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي، والتي تندرج في سياق سعي دؤوب انطلق منذ فجر التغيير المبارك بهدي من سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، وسعي متصل الحلقات على درب تحقيق المصالحة، مصالحة التونسي مع مقومات هويته، ومع تراثه الإصلاحي السَّرِيِّ والثريّ.
ولا شك بأن بلادنا قد أنجبت أعلاماً أفذاذاً، ومصلحين روّاداً، كان لهم -منذ القدم- إسهام بارز في إنماء الثقافة العربية الإسلامية، وتغييرِ الفكر الإنساني. وإن المتتبع لتاريخ الأفكار، وللتاريخ الثقافي في تونس عموماً، يتبين -من خلال محطات هذا التاريخ ومناراته- خصوصيةَ المدرسة التونسية التي اتسمت على مرّ العصور بالنظر العميق، وبالرؤية المتزنة، وبالتيقظ المبكّر للقضايا المحورية والفكرية. وياستشراف منعطفات الصيرورة التاريخية، وبالانفتاح على الآخر، انفتاح التكافؤ والحوار، مع نبذ الانكفاء والانغلاق والتصادم والتعصب.
إن التراث الفكري الثري والمتنوع الذي أنتجته هذه المدرسة العريقة المتأصلة، جدير بأن يعكف عليه أهل العلم والبحث؛ نظراً وتحقيقاً وتمحيصاً وتحليلاً وتأليفاً؛ من أجل مزيد استكمال جوهره الثمين، وأبعاده المتعددة، ومن أجل تبيان تراكمية البناء في مراحله المتعاقبة، وتوجهات المنزع التنويري والتحقيقي الذي كان من أهم ثوابته؛ حتى يدرك الجيل الصاعد من المثقفين
أن لحركة الإصلاح في بلادنا مرجعياتٍ فكرية وثقافية متينةَ الأسس، وضاربة الجذور في قرار مكين من ذاكرتنا ومن موروثنا. وحتى يدرك -أيضاً-، وبالخصوص: أن حفظ هويتنا وخصوصيتنا من الذوبان في عصر العولمة، وتحقيق الحضور الفاعل، والانخراط النشيط في مجتمع المعلومات يقتضيان -بالضرورة- حرصاً مستمراً على إحياء الذاكرة، وسعياً لا يكلّ، وتعهداً هدْياً. لعلاقتنا بالمرجعيات، نستقرئها ونسائلها، ونجدد تمثلنا لها، ووضعها في كل آنٍ وحين على محك البحث والتمحيص، وهو ما تعمل (الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي) بجدّ ومثابرة من أجل تحقيقه، وهو جهد يستحق منا كل الشكر والثناء والتقدير، جهد نحييه في هذه المناسبة.
حضرات السيدات والسادة، أيها الأساتذة الأجلاء!
لقد ظهرت في البلاد التونسية - منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإلى الثلث الأول من القرن العشرين - كوكبةٌ من رجال الإصلاح والتنوير، برّزوا في العلم، وحققوا ودققوا، ووصلوا مجد الأسلاف بمبتكرات الأخلاف، وأسهموا بقسط وافر في نشر مبادئ العقلانية والواقعية والفكر الاجتهادي، وإشاعة قيم التسامح والانفتاح والحوار، وكانوا منارات مضيئة في تاريخ تونس الفكري والثقافي.
وُيعدّ الشيخ العلامة محمد الخضر حسين الذي تعلّم في جامع الزيتونة، وعلّم فيه، ركناً من أركان الحركة الإصلاحية، وعلَماً من أعلام النهضة الفكرية والأدبية، ورمزاً من رموز النضال الوطني التونسي خلال العقد الأول من القرن العشرين.
وقد سطع هذا النجم الثاقب في سماء تونس في فترة مخاض عسير، مثّلت منعطفاً حاسماً في التاريخ الفكري والأدبي والسياسي لبلادنا، وأجمع الكلّ على تثمين قيمة الرجل العلمية، ومنزلته الإصلاحية، وتوجهاته الوطنية. وشهدت تآليفه الحجّة -في العلوم الإسلامية، وفي اللغة، وفي الأدب، والتراجم- على رسوخ قدمه وعلوها.
ولم تكن هجرته إلى الشام أولاً، ثم إلى مصر حيث استقر وبلغ قمة المجد العلمي خلال توليه مشيخة الأزهر عام 1952 م لتنسيه واجب الوفاء لتونس، والاعتزاز بالانتماء إليها، أو تثنيه عن النضال من أجل استقلالها.
فقد كان دائم الاتصال والتواصل مع أهل العلم والأدب في تونس، واحتضن العديد من الطلبة الذين أتموا دراساتهم الجامعية في مصر، وأسس سنة أربع وأربعين وتسع مئة وألف (جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا) وكان من خلالها سنداً ونصيراً للقضية التونسية، وللوطنيين الذين ولّوا وجوههم قبَل القاهرة؛ للتعريف بهذه القضية لدى الرأي العام العربي، كما كان سنداً لقضايا التحرر في شمال إفريقية عموماً.
وإن من دواعي مزيد اعتزازنا بهذا الشيخ الجليل، التونسي المنشأ: إشعاعَه العربي والإسلامي الذي لم يُنسه يوماً أصوله ومنبته، وحرصه على أن يكون فاعلاً في حركة التحرر في شمال أفريقية بشكل عام.
حضرات الأساتذة الموقرين!
إن تونس التغيير بقيادة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، اختارت منذ فجر التحوّل بلا مواربة طريقَ المصالحة مع هويتها وتراثها، وأكدت، وتؤكد كل يوم وشائجَ الاعتزاز بأعلامنا الروّاد الذين سطروا بمداد من ذهب
التاريخَ المجيد في المجالات الفكرية والأدبية، والعلمية والوطنية، وحرصت على تكريم هؤلاء الأعلام، وإحياء ذكراهم، والعمل على مزيد التعريف بآثارهم ومآثرهم.
وما تفضّل سيادة الرئيس زين العابدين بن علي سنة ست وتسعين بتوسيم الأستاذ علي الرضا الحسيني الذي تولى الاعتناء بتراث عمه العلامة محمد الخضرحسين، وتحقيقه، وإخراجه إلى أهل العلم والبحث، وإعادة نشره، إلا دليلٌ قاطعٌ على هذا التوجّه، وشهادة معبرة عن وفاء سيادة الرئيس وتكريمه لكل من تفانى ويتفانى في خدمة الوطن، وأخلص له.
وإني لمتأكد من أن ما سيتفضل به الأساتذة الأجلاء - بهذه المناسبة نود أن نحيي الأشقاء من بين الأساتذة الذي يشاركون في أعمال هذه الندوة من الأقطار الشقيقة من الجزائر، من سورية، من مصر - إني متأكد، قلت: إن ما سيتفضل به الأساتذة الأجلاء من تونس، ومن هذه الأقطار الشقيقة في هذه الندوة من أبحاث، سينير السبيل، ويسلط مزيد الأضواء على جوانب عديدة ثرية متصلة بهذا العَلمَ الفذّ الذي كان من أعلام الإصلاح الديني والاجتماعي، ومن أقطاب النهضة اللغوية والأدبية، ومن رموز النضال الوطني.
أشكر كل المساهمين في هذه الندوة على حُسن إعدادها، وعلى ما بُذل، وكل ما بذلوه من جهود من أجل إعدادها وتنظيمها، وأتمنى لأعمالكم كل النجاح والتوفيق.
وأجدد الترحاب والشكر، الترحاب بالأشقاء، والشكر لهم على حضورهم معنا، ومشاركتهم في هذه الندوة حول هذا الرجل الذي نعتبره
تونسياً، وعربياً، وإسلامياً، وهو من الرجالات، ومن المنارات التي حققت إشعاعاً يجعل انتماءها انتماءً واسعاً إلى الأقطار العربية الإسلامية.
أشكركم جزيل الشكر على حسن استماعكم وصبركم، والسلام عليكم.