الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هامش الندوة
الفن يحتفي بخريج الزيتونة - شيخ الأزهر
(1)
من الأمور التي سعت إليها (الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي) ضمن ندوتها العشرين، والتي خصصتها للعلامة محمد الخضر حسين، بمناسبة مرور خمسين سنة على وفاته، وذلك أيام 16 - 17 - 18 جانفي 2009 م، إلى جانب تتبع الوعي الإصلاحي لدى الرجل، هو: محاولة استعادة عناصر الحياة بكل تفاصيلها في الفترة التي عاش فيها هذا المفكر الفذّ، سواء في تونس، أو في الشرق العربي، أو في الغرب.
ويتجلى ذلك -بالنسبة إلى مصر- في العرض الذي قدمه الأستاذ مجاهد توفيق الجندي، الذي حمل للندوة الأدوات التي كان للأزهر، بالإضافة إلى عديد الوثائق والملبوسات وغيرها.
كما مثلث المعارض التي أقيمت بالمناسبة مظاهر من تلك الحياة منذ تأسيسه لأول مجلة عربية في تونس بعنوان "السعادة العظمى" سنة 1904 م، وحتى سنة 1958 م شهر فيفري؛ حيث نشر آخر مقال له في مجلة "لواء الإسلام"، وهو الشهر نفسه الذي توفي فيه.
(1) الملحق الثقافي الصادر في الخميس 12 فيفري 2009 م بجريدة "الحرية" تونس. بقلم أحميدة الصولي.
وتؤكد المعارض التذكارية التي أقيمت حول حياة الشيخ في نفطة، والجريد، ومعرض بيت البناني، ومعرض مؤلفاته: أن الرجل يمثل مؤسسة عتيدة، سيكون موضوع أكثر من ندوة في المستقبل.
ويقدم معرض الرسم حول مدينة تونس أيام العلامة محمد الخضر حسين، للرسامة الناشئة روضة يحيى، مظهراً من مظاهر الحياة العامة إذ ذاك، وخاصة من حيث العمارة التي تعكس هدوء الحياة وبساطتها، ولا تنسى الأعمال بما يتحرك في الأعماق من ردود فعل تجاه ما يجري في مواجهة المستعمر، ومن طابور المحافظين على تكريس الاستسلام والقبول بما يأتيه الأجنبي، إلا أن الشيخ محمد الخضر حسين مزّق الصمت، ونبش في الضمائر، وحرك السواكن بمجلته "السعادة العظمى"، وبما استحدثه من أساليب في التناول والطرح وما إليهما.
ففي معرض اشتمل على 17 لوحة من أحجام متوسطة -غالباً-، جميعها تتناول العمارة من خلال الزوايا والكتاتيب والمساجد والأسواق القديمة، وفيها تتجلى خصوصيات العمارة والفضاءات؛ كأماكن العبادة بأقواسها وصوامعها.
كما أنجزت هذه الرسامة صورة الشيخ محمد الخضر حسين جاءت ألوانها تتميز بالهدوء، ومتماهية مع المظهر العام، وناهلة منه، وهو ما يمكن مشاهدته في بعض البناءات المتداعية، أو التي في حالة ترميم، هنا أو هناك في البلاد التونسية. وفيها يستذكر المشاهد، أو ربما تحمله تلك الألوان إلى سنوات بداية القرن العشرين، وما ينتشر فيها من البناءات البسيطة، ولكنها تتمتع بجمال خاص، وتحمل طابعاً معمارياً متميزاً، وبتلك المعارض كان
للفن حضور الاحتفاء بالشيخ محمد الخضر حسين.
كانت مدينة "نفطة" بكل ما فيها، تذكرنا بشخصية الشيخ محمد الخضر حسين، وقد أسهم عدد من أبنائها في فتح فضاءاتهم لتكون امتداداً للتظاهرة؛ مثل: المتاحف الخاصة، والمحلات، وغيرها.
وباعتبار أن أصل عائلة الشيخ من الجزائر، فقد أسهم وفد هام من الأساتذة الجزائريين في الندوة، وكان تداخلهم لافتاً ومؤثراً، ومؤكداً: أن الشيخ شخصية عربية تؤسس للإصلاح، وتتصدى لمعوقات التطور والنمو الفكري، والتحرر من الاستعمار، والبناء الحضاري.
يذكر أن ابن أخي المحتفى به الأستاذ علي الرّضا الحسيني قد قام بطباعة جميع آثاره في دمشق حيث يقيم، وينتظر أن تصدر طبعة بأعماله الكاملة في تونس. وتوجد بنفطة مدرسة باسمه تتميز بتفوق تلاميذها، وحصولهم على عديد الجوائز التي تؤكد نبوغهم وإبداعهم، خاصة من خلال نشريتهم، علماً بأن للمدرسة فرقة أطفال للإنشاد، ساهمت بعدد من الأغاني والأناشيد في أمسية اليوم الثاني من الندوة التي استمرت ثلاثة أيام.
وليس هنا التعرض إلى ما أسهم به بعض المشاركين من أفكار حركت في الجميع روح التحفز الإيجابي؛ مثل: الأساتذة المنجي الشملي، ومحمد مواعدة، والحبيب الجنحاني، وكمال عمران من تونس، والعربي الزبيري من الجزائر، وغيرهم.
مع ذلك، نلاحظ أن ثلاثة عناصر أساسية ميزت هذه الندوة، أشار إليها أحد الأساتذة بالجامعات الجزائرية، هي: الوضوح في الأهداف، وهدوء الخطاب، واتباع المناهج العلمية. وهذه العناصر إذا ما توفرت، تنتج عملاً
أو أعمالاً هادفة، وذات فوائد جمة. وهو ما يُجمع على توفره فيها كل من حضر هذه الندوة، أياً كانت مشاربهم.
وقد افتتح الندوة وزير الثقافة والمحافظة على التراث، واختتمها وزير الشؤون الدينية، وقدم كل منهما بحثاً يتعلق بالمحتفى به الشيخ محمد الخضر حسين، والمدرسة التونسية في الفكر الإصلاحي، وهي المدرسة التي كان من أهم مميزاتها: النظر العميق في المسائل الفكرية، والانفتاح، وهي المميزات التي طبعت فكر الزيتوني التونسي وشيخِ الأزهر المصلح الفذ.
ومروراً بكل من حضر فعالياتها، وانتهاءً بما تمخض عنها من بحوث، ارتفعت الندوة بالطرح إلى مستوى لفت الأنظار إلى خصوصيات العلامة، وتأثيره الفعلي في الحياة العربية مشرقاً ومغرباً.
وقد ارتأى المنظمون أن موضوع المائدة المستديرة "دور المثقف في توثيق العلاقات التونسية الجزائرية خاصة، والعلاقات العربية الإسلامية عامة: العلامة محمد الخضر حسين نموذجاً" سيكون موضوع الندوة المقبلة بحول الله.