المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمة وزير الشؤون الدينية الدكتور أبي بكر الأخزوري في اختتام أعمال الندوة - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٥/ ٢

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(30)«الإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين وإصْلَاحُ المُجْتَمَعِ الإسلامِي - تُونس»

- ‌المقدمة

- ‌كلمة اللجنة التنظيمية

- ‌كلمة السيد والي توزر الترحيبية

- ‌كلمة السيد وزير الثقافة والمحافظة على التراث الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي بافتتاح أعمال الندوة

- ‌كلمة الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي

- ‌كلمة عائلة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌كلمة المشاركين في الندوة

- ‌كلمة الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي

- ‌المرحلة التونسية في حياة الإمام العلامة محمد الخضر حسين

- ‌المرحلة السورية في حياة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌المرحلة المصرية في حياة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌زواية الشيخ مصطفى بن عزوز، وأشهر أعلامها

- ‌مناقشة حول المحاضرات وتعقيبات المحاضرين

- ‌الفكر الإصلاحي ومشاريع التحديث

- ‌الإصلاح التربوي في فكر الإمام العلامة محمد الخضر حسين

- ‌مجلة "السعادة العظمى" وقضايا الإصلاح

- ‌تطور الخطاب الديني عند الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌تطوير الفكر الديني من خلال مجلة "السعادة العظمى

- ‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين مفسرا ً

- ‌دور المثقف في توثيق العلاقات المغاربية

- ‌كلمة وزير الشؤون الدينية الدكتور أبي بكر الأخزوري في اختتام أعمال الندوة

- ‌تحية إلى نفطة والجريد في ختام الندوة

- ‌ملاحظة واعتذار

- ‌الورقة العلمية

- ‌برنامج الندوة

- ‌شهادات حول العلامة محمد الخضر حسين

- ‌نفطة (الكوفة الصغرى) تحتضن ندوة علمية حول العلامة محمد الخضر حسين

- ‌الفن يحتفي بخريج الزيتونة - شيخ الأزهر

- ‌شيخ الأزهر العلامة التونسي محمد الخضر حسين محل ندوة علمية في "نفطة

- ‌شهادة تقدير

الفصل: ‌كلمة وزير الشؤون الدينية الدكتور أبي بكر الأخزوري في اختتام أعمال الندوة

الجلسة الختامية

‌كلمة وزير الشؤون الدينية الدكتور أبي بكر الأخزوري في اختتام أعمال الندوة

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

يطيب لي -في البداية- أن أعبّر لكم عن عميق سعادتي بوجودي بين هذه النخبة الفكرية النيِّرة، هذه النخبة المشهود لها بالارتباطات بالعلم، وجودة البحث.

كما أعبّر عن كبير اغتباطي باختتام هذه الندوة العلمية الدولية ذاتِ الموضوع الهام: (العلامة الشيخ محمد الخضر حسين، وإصلاح المجتمع الإسلامي).

أهمية هذه الندوة متأتية -أساساً- من كونها حلقة من حلقات السلسلة الإصلاحية التونسية من بداية القرن التاسع عشر إلى التغيير المبارك بقيادة رائد الإصلاح والتغيير سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، الذي انطلق في مشروعه الحضاري من فكره الثاقب من المخزون الوطني، ومن ثوابت المرجعية الفكرية لرّواد الإصلاح. يقول سيادته ما يأتي: "إن التغيير مسار متواصل،

(1) في الواقع لم تكن هذه كلمة، بل محاضرة أكسبت الندوة ثراء ثقافياً مهماً.

ص: 205

والإصلاخ استشراف مستمر للمستقبل، لا يكتفي بمواكبة التحولات، بل يعدّ لها، ولما بعدها.

وقد اخترنا الإصلاح منهجاً؛ لأننا انطلقنا من مخزون وطني عميق، واستلهمنا ثوابتنا ومراجعنا من فكر روّاده، ونضال شعبنا، ومقومات شخصيته الوطنية، وحضارته المتميزة. ونحن نذكر -بهذه المناسبة- بكل اعتزاز وإكبار روادَ الإصلاح في بلادنا، وزعماء الحركة الوطنية وقادتها، وشهداءها ومناضليها، ونحيى مآثرهم وتضحياتهم، وننزّلها المكانة اللائقة بها، لتبقى مراجعَ لأجيالنا القادمة، ومحطاتٍ وضاءة في تاريخنا الوطني". هذا من خطاب سيادته الذي ألقاه بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم سنة (1423 هـ ، الموافق 2002 م).

كلمة المفاتيح تحدد أغراضنا من مثل هذه الملتقيات، هذه الملتقيات التي تتناول بالدرس أعلام الفكر والثقافة، والتغيير والإصلاح، ومواكبة التحولات، الهوية، الثوابت، وليس من أغراضنا إطلاقاً التبرير والتنديد. إنما نروم الإسهام في بناء الشخصية المتميزة المشدودة إلى خلفية فكرية تاريخية، المعتزة بالتمسك بالهوية، وبالانتماء الحضاري، والانتماء إلى الوطن، الوطن لا كحيّز جغرافي فقط، إنما ككيان روحي حضاري بغايته السامية، وقيمه النبيلة، بما يمكّن تلك الشخصية الأصيلة المتجذّرة من التماس أسباب التحديث والارتقاء بالفرد والمجموع إلى أسمى ما يمكن أن يتحقق من المناعة والسؤدد، تلك هي المعادلة التي تتآخى فيها الأصالة والحداثة، التاريخيُّ والآنيُّ، والتي نراها في عهدنا السعيد تتحقق، بل قل: تنمو وتينع.

إن كل سعي إلى هذا الغرض مطلوب محمود، نطرب له وندعمه،

ص: 206

ويقيني: أن غطاء الثقافة والمحافظة على التراث، و (الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي) قد نزّلت هذه الندوة في هذا الإطار بالذات، والشاهد إنما يتمثل في هذه المداخلات القيمة، وفي هذا الخيط الجامع الذي يؤلف بينها جميعا.

ولا يسعني هنا إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل المستحق إلى السادة الأساتذة الأجلاء من تونس، ومن أشقائنا الوافدين من الجزائر ومصر وسورية ومن الكويت؛ لأنني رأيت كويتياً بيننا والحمد لله، بغية الإسهام في طرق الموضوع على النحو المنهجي الذي يضمن موضوعية الاستنتاج والنتائج.

كما لا يفوتني أن أشكر الذين بذلوا جهداً ملحوظاً بالإعداد والتنظيم المحكمين، والسلط الجهوية والمحلية على اختلاف مواقعها التي دعمت العمل، وأسهمت بالتالي في إنجاح فعالياته، وعلى رأسها السيد والي "توزر".

أيها السادة والسيدات!

لقد تناولت البحوث القيّمة التي تفضلتم بإعدادها بالدرس، تناولت بالدرس فكر عَلَمٍ من أعلامنا الأفذاذ، حريٌّ بنا جميعاً أن نستلهم من فكره ومواقفه ما به نستحث الخطا للأفضل. نعم إننا لا نشرب من النهر مرتين كما يقول بعض الفلاسفة، فلا نقر الماضوية والتشبث بالقديم، لكن التاريخ مثقل بالمعاني والعبر، ورحم الله ابن خلدون الذي سمى كتابه في التاريخ:"العبر".

إن جوانب كثيرة من شخصية محمد الخضر حسين جديرة بالانضباط، ولعل أبرزها -على الإطلاق- منهجه التنويري في تناول قضايا الإصلاح الاجتماعي، وليس غريباً أن يوصف بكونه رصيناً عقلانياً، فبالتتبع والاستقراء

ص: 207

ندرك أنه سلك سبيل الدرس المعمق، والنظر الشامل السديد.

فقد كان يعرض القضايا التي يتقبلها على معيار البحث العلمي الرصين، الذي قوامه النقد والتحليل والتعريف. يقول المرحوم الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور في كتابه "الحركة الأدبية والفكرية في تونس":"اقتضت هذه الحيرة ظهور شهاب ثاقب من شهب العلم والأدب، يهدي الحائرين، يتناول قضية الإصلاح، فيعرضها على معيار البحث العلمي الرصين، والنقد المنطقي الرزين".

إن منهجه هذا أهّله إلى أن يكون مستنيراً، رافضاً لكل فكر خرافي أسطوري، لكل فكر ماضوي، كان متفتحاً غير متعصب لقديم، يعتمد الرأي المستند إلى دليل، حتى أدبه الرائق جاء غنياً بسديد الأنظار، وبمزيد الحكم المتعلقة بالخصوص بالإصلاح الاجتماعي.

لقد رفض الشيخ الخضر حسين القول بغلق باب الاجتهاد -وأقول هذا وبأعلى الصوت لأننا بحاجة ماسة إلى ما التمسه من الاجتهاد-، واستدل بمقتضى المنطق، فقال في أول مقال كتبه في أول مجلة عربية في بلادنا أسسها هو بنفسه "السعادة العظمى" قال ما يأتي:"إن دعوى أن الاجتهاد قد أغلق هي دعوى لا تُسمع إلا إذا أيدها دليل يوازن بقوته الدليل الذي انفتح به باب الاجتهاد أولاً".

إننا اليوم نتمسك بهذا المنهج العقلاني، الذي لا غنى عنه في تحقيق تطلعات المجتمعات الإسلامية إلى الرقي الحضاري المتوازن. ومن حق أبنائنا علينا أن نطلعهم على هذه الشواهد مثال الحصافة والجدّ والنبوغ، بما هي لحظات وضاءة تنير السبيل، وتعطي الخطوة الصحيحة. {اهْدِنَا الصِّرَاطَ

ص: 208

الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6 - 7].

لقد تولدت عن هذا المنهج قيم خالدة (نعضّ عليها بالنواجذ) كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كحرية النقد، واحترام التفكير، والوسطية والاعتدال، واعتبار النسبية لضبط الظواهر والمواقف؛ بحيث لا إفراط في فكره. ولعل قمة نبوغه في مواقفه من نزوعات عصره وأحداثه، فما إن ظهرت "العروة الوثقى" إلى تونس، ظهر اضطراب بالأفكار، ولّد -كما يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور- تناحراً وتنابذاً، واهتزت الألباب دهشة من جراء ذلك الاضطراب.

ووقف الشيخ الخضر حسين في الوسط العدل، ونأى بنفسه الانحياز إلى نزعة من النزعات المتقابلة، رافضاً الإغراء في الحكم، معايشاً القضايا بكل هدوء وموضوعية، موجهاً الرأي إلى ما فيه الصلاح العام، وما يقتضيه من قيم زكية ينبغي أن تسود، وكل خلق قويم يجب أن يكون الرابط بين الطرفين.

ومما يزيدنا إكباراً لفكر محمد الخضر حسين، ويعمم رغبتنا في الاستزادة من دراسته بالعمق اللازم -وقد سمعت نباً أطرب له: أنه ستتناول هذه القضايا التي تقبلها مراراً وتكراراً في المستقبل إن شاء الله تحقيقاً-: وعيُه الكبير لضرورة تربية الشخصية الفردية والجماعية على التمسك بالهوية، الهوية المتحركة، المتشبثة بالثوابت، المعتبرة لمتغيرات الزمان والمكان، ولا تعارض بين هذه وتلك، آملة في مستقبل تواكب حركة المجتمع ومواقعه من علوم ومعارف وتقنيات كفيلة بتيسير إنجاز التقدم، وتحقيق النمو، ودعم القدرة على الإسهام في صنع التاريخ. كفانا استهلاكاً، لا بد أن نصل إلى

ص: 209

مرحلة صنع المعرفة، صنع التاريخ، وهذا لا يتأتى إلا بالاستناد إلى هويتنا.

إن موضوع الهوية، ويناء الشخصية المتميزة القادرة على مواكبة التطورات والتغيرات الطارئة، مازال مركز اهتمام. اليوم بحاجة ماسة إلى أن نحث الخطا حتى نجذّر أبناءَنا في هويتنا، بل أقول: اقتضى الأمر مع العولمة في جوانبها جميعاً وخاصة منها الثقافية، وهذا ما أكد عليه رئيس الدولة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي غير ما مرة، منها قوله:"إننا نتقدم على درب الحداثة والرقي متمسكين بمقومات هويتنا الوطنية، مستلهمين من ثرائها العريق ما يدفعنا إلى مزيد الإنجاز والإضاءة، لقد اخترنا لبلادنا سبيل العمل والكد، والجد والتنوير والتحديث في مدارج المعرفة والعلوم والرخاء والنماء، لتبقى تونس واحة أمان واستقرار، وأرض تسامح واعتدال، ومنارة حضارية مشعة على الدوام".

إننا عندما نتحدث عن الهوية، نعني -بالطبع- مقوماتها المتماثلة من تاريخ، ودين، ولغة، ومصالح مشتركة، هذا تعريفنا للهوية.

في خصوص التاريخ: كما نوهنا -سابقاً-: أن لذاكرة الشعوب أهمية كبرى في تحريك الثوابت، ومن هنا تأكدت ضرورة معرفة أبنائنا لتاريخ بلادهم بكل ما يتسع له من احتمالات الظواهر والأحداث، على اختلاف دروبها، ودرجات أهميتها، ولا يتأتى ذلك إلّا بقراءة موضوعية نقدية للوقائع وعللها ومتطلباتها، ومن لا تاريخ له، لا حاضر له، ولا مستقبل له.

جاء في كلمة رئيس الدولة بتصديره البريد لكتاب "تونس عبر التاريخ" ما يأتي: "التاريخ بنظامه ورموزه ومراميه هو مبنى الهوية، والعمود الفقري للشخصية الوطنية، نرى فيه دلالات تكرس تعلقنا بهويتنا وأمجادنا التاريخية،

ص: 210

ونستلهم مآثر أجدادنا، ومكانتهم السامية". هنا أذكر أن الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله اشترك في لجنة (تدوين التاريخ) بتونس؛ مما يظهر فهمه الصحيح للتاريخ، والرأي عندي: أن له في ذلك بعض ما يذكّر بالمنهج الخلدوني، إنه كان واعي التأثر بقواعد علم العمران البشري، ويشهد بذلك اهتمامه بحياة الرجل الذي تخرج مثله في جامع الزيتونة المعمور، واستقر مثله في مصر حيث مجاله، وقد ألقى محاضرة بعنوان:(حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية).

ومن الكتّاب المعاصرين من شبّه الشيخَ محمد الخضر حسين بابن خلدون، حتى في تنقلاته وأغراضه، سواء في هجرته إلى مصر، أو إلى البلاد المغربية، نقول اليوم: المغاربية.

بخصوص الدين كمقوّم من المقومات: كل منطلقات الشيخ هي منطلقات إصلاحية، كانت مبنية على النصوص التأسيسية، على العلوم الشرعية، على الفكر الديني النيّر المؤسَّس على الاجتهاد والقيم السمحة، ومن مآثره هنا -زيادة على ما أسلفنا- يدعو إلى الاجتهاد المنضبط، إنه يعتمد الرأي حيث يثبت بالدليل، ولا يثق بالمرويات إلا بعد نقدها وعرضها على معقول المعنى. وهذا هو علم المنهج المستنير الذي ننشده اليوم، والذي به نسلم من هذه الفتاوى المضحكة المبكية التي اتسع سوقها هذه الأيام، وضمتها مذهبية مقيتة.

نعم، إن ديننا الحنيف هو عصمة أمرنا، وقوام مسارنا الحضاري، كما يقول سيادة الرئيس، والدين عقيدة وقيم ومُثل، وقراءة مقاصدية، وسند للتنمية، التنمية تستغرق كل سبل التنمية

الدين لا ينضب معينه، وليس

ص: 211

الدين تشبثاً -كما قلنا- بالماضي، وبأقوال رجال عبّروا عن واقعهم الذي ولّى ولن يعود. وهؤلاء رجال، ونحن رجال -كما يقول علماؤنا-. وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا، وأن نفهم نصوصنا لنعبّر عن واقعنا كما عبّروا، ونجدّد كما جدّدوا بكنف التمسك الواعي في ثوابت شخصيتنا.

والمقوم الثالث اللغة: - وأرى لافتة كُتب عليها: اللغة مقوّم أساسي من المقومات - يجدر القول هنا: إن الشيخ محمد الخضر حسين لم يكتف بطرح المسألة اللغوية في محاضرته التي ألقاها في نادي الجمعية الصادقية بعنوان: (حياة اللغة العربية)، لم يكتف بتدريس اللغة، بل تجاوز ذلك إلى العمل الميداني من خلال الجمعيات الثقافية

وأقصد: هنا هذه الجمعيات الثقافية، ومن خلال العمل المؤسساتي، وأقصد هنا: المجمع العلمي العربي في دمشق، الذي يعد محمد الخضر حسين من أعضائه الأولين، كما أنه كان من أبرز الأعضاء الذين تأسس بهم مجمع اللغة العربية بمصر، فقد أبرز أن اللغة وعاء حضاري، ولابد أن تواكب حركة المجتمعات العربية، وذلك يتأتى بالانفتاح على العلوم الأخرى، واستيعاب العلوم والمعاني الجديدة. وهو ممن حرص على حذق اللغة الأجنبية، والتفتح على الآخر. وزار ألمانيا مرتين، ومن فرط ذكائه ونبوغه: أنه حفظ اللغة في أشهر معدودة، فاكتسب الخصال الثورية لمعرفة الواقع المتجدد.

هذا المقوم نحرص عليه اليوم، ومن أغلب الدلالات على ذلك: ما تفضل به سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بإطار المرجع الذي ألقاه يوم 7 نوفمبر 2008 م دعا فيه إلى إحكام الإحاطة بالشباب، وتجنيبهم الاغتراب الحاصل من التحولات المتسارعة، وإلى الاهتمام باللغة العربية.

ص: 212

وإن الإحاطة بالشباب اليوم من أدق المهام المطروحة على المجتمعات والبلدان، بحكم ما يشهده عالمنا من تطور، وما تعيشه الحضارة البشرية من تحولات متسارعة تفتح آفاقاً وفرصاً جديدة، مما يحتم حسنَ تهيئة الشباب للتأقلم معها، ومواكبتها، والاستفادة منها حتى يكون فاعلاً فيها، وحتى نجنبه ما قد ينشأ عنها من مخاطر الاغتراب، وفقدان التوازن، وغياب الوعي بالهوية. الهوية التي حرصنا دوماً على حماية مقوماتها، ومن بينها: اللغة العربية، التي ندعو وسائل الإعلام -وخصوصاً المرئية منها والمسموعة- بحكم انتشارها إلى أن تكون أول من يحافظ على سلامتها، ويعزز من حيويتها.

أيها السادة والسيدات!

إن تعلقنا بمقومات هويتنا، وحرصنا عليها لا يحتاجان إلى دليل، هنا لابد أن نرد على من أراد أن يمس من شخصيتنا، أو من انتمائنا، إننا أمناء أوفياء، نحتضن مدارك مصلحينا، وتونس لم تعد قاصرة عن كفاية عظمائها -كما سجل زين العابدين السنوسي في ترجمة لمحمد الخضر حسين- بل أضحت -وخاصة من فجر التغيير المبارك- أضحت معروفة بدائم اعتزازها بعظمائها، والنابغين من أبنائها، وأنها تذكرهم اليوم، وتكرمهم أحياء وأمواتاً، فحمداً لله.

إذن، نتجاوز هذا الاحتضان؛ لنؤسس ما به نحقق الرغبة الملحة لجميع المصلحين والمناضلين، ومن بينهم: الشيخ المصلح محمد الخضر حسين. بماذا؟ بالتواصل مع الأشقاء مغرباً ومشرقاً. إن الشيخ محمد الخضر حسين رحل إلى الجزائر؛ حيث وجد التبجيل أينما حلَّ، وحَسَناً فعل المنظمون للندوة حين أدرجوا في فعاليتها دور المثقف في توثيق العلاقات التونسية

ص: 213

الجزائرية خاصة، والعلاقات العربية عامة. كما رحل إلى مصر، وإلى سورية، وإلى تركيا، ولقي في جميعها الاحترام والتقدير. وهنا -فعلاً- كانت الندوة دولية.

نعم، إن الفكر هو القاطرة، فلنعمق الصلة الثقافية والعلمية في مجتمعاتنا، وهنا أثمّن هذه التوءمة التي قامت البارحة بين جمعيتنا، والجمعية الجزائرية. وهذا مكسب كبير نريد أن يتوسع؛ لأن وحدة الفكر هو الأسّ الذي يمكن أن نبني عليه مصيرنا المشترك، فلنعمق الصلة الثقافية والعلمية بين مجتمعاتنا؛ فهي الطريق الأمثل لكشف عقول أبنائنا على قيمنا المشتركة، أملاً في بلوغ أعلى درجات النماء والتقدم.

وإننا نرجو أن تتكرر مثل هذه الملتقيات، وستتكرر -إن شاء الله- تحقيقاً، لتناول هذا العَلَم وأعلاماً آخرين من أعلامنا الذين كان لهم الفضل في النهج الإصلاحي الذي نعتز به ونفتخر.

وإن ساعدت الأبحاث والدراسات التي تناول بها أصحابها عدداً غير قليل من المواضيع المتصلة بسيرة الشيخ محمد الخضر حسين ومواقفه وفكره، فإن المرتجى هو: أن يمضي البحث في فكر الرجل إلى أعماق ما أفضى فيه إلى الآن من نتائج ومعين لا ينضب؛ تأكيداً للحقيقة، واعتباراً لتمثيل رؤاه ومواقفه في سياقها التاريخي والسياسي بما يوسع مدى نقدها من جديد.

قلت: أن نجلي أسباب ما نشاهد من تطوير في مراحل حياته على أساس من الاعتصام بالقيم الخالدة، والثوابت التي لا مهرب منها.

أجدد الشكر للجمعية، والأساتذة الأجلاء، والوافدين، والمنظمين الأكفاء، والسلط الجهوية والمحلية، أشكر كل أهل الجريد. عندما أنشد

ص: 214

الأستاذ علي الرضا تلك الأبيات، انقدح في ذهني أن العامل الجيني له دور كبير جداً.

أشكر كل أهل الجريد الذين كان لهم -على الدوام- دور كبير، ومفترق هام في بناء الوطن وتماسكه وإشعاعه، بفضل ما أنجب من نبغاء تجاوزت حدود بعضهم حدود البلاد؛ ليقيموا جسور المحبة والإخاء والتضامن والتعاون، وبناء المصير المشترك بيننا وبين إخوتنا في المغرب والمشرق.

سدّد الله الخطا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 215

اختتام الندوة

تعقيب الأستاذ محمد مواعدة (1) على خطاب السيد وزير الشؤون الدينية

بسم الله الرحمن الرحيم

شكراً للأخ العزيز، وللأستاذ المتميز الدكتور أبي بكر الأخزوري وزيرِ الشؤون الدينية.

لا أقول: على هذه الكلمة، ولكن على هذا البحث الدقيق والعميق، وليس كلمة. هو بحث من أستاذ جامعي متميز معروف بتواضعه، فهذه الكلمة الآن عميقة تمثل إضاءة جوهرية في هذه الندوة. والإخوة يعرفون أن مثل هذه الندوات العلمية، هناك بحث في الافتتاح، وبحث في الاختتام، وهذا بحث الاختتام، وليس كلمة.

وأشكركم -أيضاً- على التركيز في قضية جوهرية هي قضية الهوية، خاصة وأنتم تعلمون أن قضية الهوية الوطنية والحضارية هي الآن محل مهاجمة.

نحن نعيش الآن مرحلةَ، الهويةُ معرضة فيها للأخطار، ولذا قلت: ندوتُنا هدفها هدفنا هذا، وهو أن المساهمة في الحفاظ على الهوية وحمايتها، من

(1) كلمة الأستاذ محمد مواعدة تعقيباً على خطاب الدكتور أبي بكر الأخزوري في اختتام أعمال الندوة.

ص: 216

بينها: العودةُ إلى مثل هذه الشخصيات التي تمثل ركائز للهوية.

إننا في هذه الندوة جعلنا العنوان: (الندوة العلمية الأولى للعلامة محمد الخضر حسين وإصلاح المجتمع الإسلامي). وهذا الاقتراح جاء من قبل رئيس الجمعية الذي قال: "الندوة العلمية الأولى" ثم إن اللجنة التنظيمية باركت هذا التوجه؛ أي: إن هناك ندوات، وهذه الندوات -كما قال السيد الوزير- ستكون في تعميق القضايا التي تناولها الشيخ خضر حسين طوال حياته.

وبهذه المناسبة أبين للسيد الوزير ما يلي: خلال لقائي بالسيد الوالي المحترم أشرت إلى مبادرة هي الآن في دور التطور، وهي أن هدف هذه الندوة، أهميتها إلى غيرها من الندوات ستسعى إلى تكوين هيئة تهتم بأبناء الجريد قديماً وحديثاً، ونحن الآن -بالاتفاق مع الجمعية وأهل الجريد- سنسعى إلى هذا التوجيه.

وأشكر أهل الجريد، وأهل "نفطة"، وآل عزوز، والذين تعاونوا بشكل مباشر وكامل مشاركة أدبية ومادية.

وشكراً للسيد الوزير، وأطلب إبلاع السيد الرئيس زين العابدين بن علي كامل تقديرنا، وستوجه الندوةُ برقية إلى سيادته؛ لاهتمامه بصفة شخصية في هذه الندوة، هذا التوجه الذي يسعى إلى تأصيل الكيان الوطني والحضاري، وشكراً.

ص: 217