الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محاضرات الندوة
الإمام الشيخ محمد الخضر حسين مفسرا ً
(1)
يُعَدُّ الشيخُ محمد الخضر حسين من روّاد الحركة الإصلاحية الإسلامية الحديثة؛ مثل: محمد عبده (1849 - 1905 م)، ورشيد رضا (1865 م - 1935 م)، وعبد الرحمن الكواكبي (1854 م - 1902 م)، وسالم بو حاجب (1828 م -1925 م)، وغيرهم.
ومِنَ المعروف أنَّ شخصيةَ الخضر حسين رجلِ "الهداية"، وصاحبِ "السعادة" شخصيةٌ ثريةٌ متعددةُ الاهتمامات.
فمنها: الاهتمامُ الصحفي الذي بدأ به نشاطه.
ومنها: الاهتمامُ التربوي؛ إذ اشتغل بالتدريس في جامع الزيتونة، والأزهر، والاهتمامُ الصحفي الإصلاحيُّ الإسلاميُّ التنويريُّ، والاهتمامُ الديني الذي يتبوَّأ مكانةً بارزةً في حياته، إنْ لم نقل: إنه يحتل الحيِّزَ الأَوفرَ في شخصيته.
وهو من رجال الفكر والأدب التونسيين مولداً ونشأةً، ساهم في إخصاب التراث العربي الإسلامي بإنتاج ثري ومتنوع في الحقلين الأدبي والديني؛ إذ كان رحمه الله "عَلَماً من أعلام الإسلام، وكان تعريفاً وتشريفاً للتونسيين
(1) محاضرة الأستاذ أنور بن خليفة - باحث ومدرّس في معاهد الجامعة الزيتونية.
وجامع الزيتونة، ومفخرةً للمغرب الإسلامي كلِّه" (1).
وقد كان الرجلُ -إلى جانب كل ما ذكرنا- مُفَسِّراً للقرآن الكريم -كما تشهدُ بذلك آثارهُ-؛ إذ كانت أغلبُ آثاره تتصل بالعلوم الدينية مباشرة، وكانت الطاغيةَ على شخصيته الثقافية؛ مما يجعل آراءَه في المجال الديني تستحق بحثاً مفصلاً، وخاصة: تفسيره للقرآن الكريم. والمُتَمَعِّنُ في إنتاج الخضر حسين في التفسير يُدْركُ -دونَ عناءٍ- أهميةَ منهجه في التفسير، واستقلاليتَه عن التفاسير السابقة والمعاصرة له، والحديثُ عن الشيخ محمد الخضر حسين مفسراً من خلال تفسيره "أسرار التنزيل"، وبقية آثاره يقتضي منّا التركيز على المسائل التالية:
أولاً: إنتاجه في التفسير.
ثانياً: مصادره في تفسير القرآن الكريم.
ثالثاً: منهجه في تفسير القرآن الكريم.
ولكن -باعتبار أنَّ ثقافةَ المفسِّر، واتجاهاتِه الفكريةَ، وما يسود عصرَه من علوم ومناهجَ واتجاهاتِ وأحداث مختلفة، ينعكس غالباً على تفسيره- يجدر بنا أن نقف على بيئته، وتكوين شخصيته، ومختلف المراحل التي مرَّ بها في حياته.
والشيخُ محمد الخضر حسين صورةٌ عن عصره الثقافي، والبيئات المختلفة التي تقلَّبَ فيها؛ حيث وُلد في بلدة "نفطة" بالجنوب الغربي التونسي
(1) علي الرضا الحسيني (الإمام محمد الخضر حسين بأقلام نخبة من أهل الفكر) -مقال محمد الخضر حسين ذلك الجندي المجهول- بقلم عبد القادر سلامة - الدار الحسينية للكتاب، ط 1/ 1992/ م ص 146.
يوم (26 رجب 1293 هـ 21/ جويلية 1873 م)(1) في أسرة شريفة عُرِفَتْ بعلمها وفضلها. و"نفطة" مدينةٌ ذاتُ تاريخ، عُرفت بأثرها في العلوم الدينية والأدبية حتى لُقِّبَتْ "بالكوفة الصغرى"(2)، فقد برز فيها عددٌ من كبار العلماء، كان لهم دورٌ بارزٌ في حفظ العلوم، ونقلها إلى الأجيال اللاحقة عنهم. وقد تميَّزت بكثرة مساجدها، وما كانت تقدِّمهُ للتلاميذ الوافدين عليها من تعليم وتكوين؛ إذ كان يقصدها طلبةُ العلم من الجزائر وتونس".
أما في أسرته، فقد عُرِفتْ أمه بثقافتها الواسعة، وحرصها الشديد على حسن تربيتها لأبنائها، وإشرإفها على تعليمهم. وجثُهُ للأم هو الشيخ مصطفى ابن محمد بن عزوز، وقد اشتهر أبوه الحسين بالعلم والورع والصلاح، تتلمذ على الصوفي الشهير الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري ناشر الطريقة الرحمانية (3). وخالهُ هو الشيخ محمد المكي بن عزوز العالمُ الجليلُ الذي وُلد سنة (1270 هـ / 1850 م) بنفطة، واشتهر بنبوغه في الفنون الأدبية، والعلوم الرياضية، والعناية بعلوم الحديث، وكانت له وجهةٌ إصلاحيةٌ.
وقد أشار الشيخ محمد الخضر حسين إلى البيئة العلمية الأولى حيث تلقى تكوينه الأول، فحفظ القرآن الكريم، ودرَس الكتب الأولى في علوم
(1) اختلفت الروايات في ضبط تاريخ ميلاده:
- ذكر علي الرضا الحسيني سنة 1874 م في كل ما نشر من مؤلفات الشيخ.
- أبو القاسم محمد كرو سنة 1876 م في "أعلامنا" تونس 1974 م، وكذلك "دائرة المعارف التونسية"(ج 3 ص 690).
(2)
محمد الفاضل بن عاشور "تراجم الأعلام "/ 1970/ م، ص 190.
(3)
محمد الفاضل بن عاشور "تراجم الأعلام" / 1970/ م، ص 187.
اللغة والدين إذ يقول: "نشأت في بلدة من بلاد الجريد بالقطر التونسي يقال لها: "نفطة"، وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحاتٌ تهُبُّ في مجالس علمائها، وكان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر، فتذوقتُ طعم الأدب من أول نشأتي، وحاولت وأنا في سن الثانية عشرة نظمَ الشعر"(1).
والتحق الخضر حسين سنة (1307 هـ / 1887 م) بجامع الزيتونة، وكان متهيئاً لتلقي العلوم؛ لما أُتيح له من تكوين خاص، وقد وافق دخولُهُ حركةً إصلاحيةً عميقةً شملتْ العلومَ والكتبَ المقرَّرَةَ ومناهجَ التدريس، وكان لهذا الإصلاح أثرُهُ الإيجابيُّ في تكوبن شخصيته، مع ما تلقاه من علم على عدد من الشيوخ الذين تأثر بهم، وتلقى عنهم العلمَ، ومن أبرزهم: الشيخُ سالم بو حاجب، والشيخ عمر بن الشيخ، ومحمد النجار (1839 م - 1912 م). وبذلك فقد تلقى علومَه من شيوخ تميزوا بالبراعة في التدريس والمحاضرة، والتبحر في العلوم اللغوية والشرعية، وكان لهذا الاتصال أثرُهُ؛ إذ تجلَّت هذه الخصال فيه، وظهرتْ في مقالاته ومحاضراته.
ثم انتقل إلى سورية في ديسمبر 1912 م؛ حيث استقر بدمشق مع عائلته، والدته وإخوته الأربعة الذين سبقوه إلى هناك، وخلال إقامته كان مثابراً على نفس النشاط العلمي والإصلاحي الذي كان يقوم به في تونس، فكان يكتب المقالاتِ في الصحف والمجلات، ويلقي المحاضرات. وقد امتازت هذه المرحلة من حياته في سورية بكثرة التنقل والسفر بين البلدان العربية والأوروبية خاصة.
(1) محمد الخضر حسين ديوان "خواطر الحياة"، القاهرة سنة 1953 م، (ص 5).
ومن سورية انتقل إلى مصر في 24 جويلية 1920 م؛ حيث قضَّى فيها بقية عمره. وقد توجَّهَ اهتمامُه إلى تأسيس الجمعيات، وواصل نشاطَه العلمي والثقافي؛ إذ كان يلقي المحاضرات والدروسَ الدينية بالمساجد، ويكتب المقالات في بعض الصحف والمجلات لخدمة الإسلام والمسلمين. وانتُدِب للتدريس بالأزهر في قسم التخصص سنة (1927 م)، وبلغ مجدَه العلمي والديني حيث أصبح شيخاً للأزهر يوم الأربعاء (27 ذو الحجة سنة 1371 هـ / 17 ديسمبر 1952 م). وواصل جهوده العلمية، فكان ينشر البحوثَ الدينية والمقالات في بعض المجلات؛ مثل:"لواء الإسلام"، التي كان أحد المشرفين عليها، ومحرراً لقسم تفسير القرآن الكريم فيها تحت عنوان:"أسرار التنزيل"، ثم جُمعت هذه البحوث في كتاب واحد يحمل نفس الاسم، بعد أن قام علي الرّضا الحسيني بجمعها وتحقيقها. وبذلك فلقد تكونت شخصية الخضر حسين تكويناً شاملاً بعد أن مرَّ بمراحل عديدة، واتصل بشخصيات علمية.
ولئن امتازت المرحلة الأولى التي قضاها بتونس بالتعليم والتكوين، واختصت المرحلة الثانية التي قضاها بالشام، وبعض البلدان العربية والأورويية بكثرة التنقل والترحال، فإن المرحلة الأخيرة التي سماها محمد الفاضل بن عاشور (16/ أكتوبر 1901 م -/ 19 أفريل 1970 م):"مرحلة المجد الثقافي والشهرة العلمية"(1)، هي التي عرف فيها أعلى المراتب العلمية، وأشرف على مشيخة الأزهر.
(1) في محاضرة ألقاها بمناسبة أريعينية الشيخ محمد الخضر حسين في 20 مارس 1958 م محمد مواعدة "محمد الخضر حسين حياته وآثاره"(ص 86).
وقد تبين لي: أن للشيخ محمد الخضر حسين مكانة علمية كبيرة، وأنه يتميز بسعة المعارف، وتنوع المؤلفات وغزارتها. فهو القائدُ الذي واجه الاستعمارَ الفرنسي في تونس، فعمل على استنهاض الشعب بإبراز قيمة الحرية في الإسلام، وقد دفع ثمنَ ذلك الهجرةَ من الوطن الذي نشأ فيه وترعرع.
وقد واجه تسلُّط أحمد جمال باشا وجبروته في دمشق، خاصة مع المفكرين ورجال النخبة المثقفة، فعمل على بث العلم في صفوف شبابها من خلال تدريسه بالمدرسة السلطانية، وشحذ همم رِجالها من خلال إلقاء المحاضرات العلمية بالجامع الأموي. فدفع ثمنَ ذلك السجنَ والتعذيبَ. وتصدَّى لخطر فكر أراد النيل من الدين الإسلامي وسماحته في مصر، فنقض كتابي: علي عبد الرازق، وطه حسين، وعمل على تنظيم النظم الاجتماعية وتطويرها "من خلال بعث الجمعيات"، وأثرى الحياة الفكرية "إنشاء المجلات"، فلاقى جزاءَ ذلك التدريس بالأزهر قرابة العشرين سنة، ودخول هيئة كبار العلماء، وتقلَّد مشيخة الأزهر.
وقد ساهمتْ هذه المحطاتُ في إثراء الزاد المعرفي والفكري للشيخ؛ حيث لاقى في كل مرحلة علماءَ الأمة وأقطابَها، وهو ما ساهم في بلورة فكره الديني، وترجيح كفّة العلوم الدينية في كتاباته، ترجيحاً توَّجَهُ باتجاهه إلى علم التفسير من خلال كتاب "أسرار التنزيل"، الذي وضعه بداية من سنة (1366 هـ / 1947 م).
أولاً - إنتاجه في التفسير:
طرق الخضر حسين بابَ التفسير، فعقد دروساً دينية في تفسير القرآن
الكريم (1)، وكَتبَ في المجلات (2)، وقد جُمعت وطُبعت ووُزعَتْ ليعمَّ نفعُها، ويزدادَ أثرُها، وقد "استمر في هذا العمل الجليل حتى أثقلتْهُ السنون، وقد قارب عمرُه الطاهرُ الثمانين عاماً"(3).
ولم تكن هذه الدروسُ والكتاباتُ على شيء من الكثرة، فلم يكن مقدارُ ما تناوله من آيات القرآن بالمقدار الكبير الذي كنّا نرغب في أن تُزوَّد به المكتبة الإسلامية.
وإذا نحن ذهبنا نستقصيه، فإنا نجده في تفسيره لسورة (الفاتحة)(4).
وكذلك قام بتفسير القسم الأكبر من سورة (البقرة) من بدايتها إلى الآية 193 من قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} [البقرة: 193](5).
(1) دروس التفسير التي ألقاها في بعض النوادي والجمعيات الإسلامية والمساجد، ونشرت في مجلة "الهداية الإسلامية" التي كان يصدرها المؤلف في القاهرة.
(2)
مجلة "لواء الإسلام" التي كانت تصدر بالقاهرة، وكان رئيساً لتحريرها بدءاً من العدد الصادر بتاريخ الأول من شهر رمضان لعام (1366 هـ / 1947 م) حتى العدد الثاني عشر من السنة الرابعة، والصادر في شهر شعبان لعام (1370 هـ / 1951 م).
(3)
علي الرضا الحسيني - تقديم كتاب أسرار التنزيل" الذي قام بجمعه، وصدر سنة 1976 م.
(4)
مجلة "لواء الإسلام"، العدد الأول من السنة الأولى/ كتاب "أسرار التنزيل" من (ص 7 إلى 12).
(5)
مجلة "لواء الإسلام" من العدد الثاني إلى العدد السابع السنة الأولى/ كتاب "أسرار التنزيل"(13 - 311).
وقام بتفسير آيتيْ سورة (البقرة)(119 - 120) من قوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 119] إلى قوله {
…
مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120](1).
تفسير الآيات (52 - 53 - 54 - 55) من سورة (آل عمران)؛ أي من قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ
…
} [آل عمران: 52]، إلى قوله:{فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [آل عمران: 55](2).
تفسير الآية (159) من سورة (آل عمران) من قوله تعالى: ({فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
…
} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159](3).
تفسير الآيات (24 - 25 - 26) من سورة (الأنفال) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
…
} [الأنفال: 24]، إلى قوله:{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26](4).
تفسير الآيات (62 - 63 - 64 - 65) من سورة (يونس) من قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ
…
} [يونس: 62] إلى قوله: {نَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس: 65](5).
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول من المجلد الحادي عشر/ كتاب "أسرار التنزيل"(318 - 322).
(2)
ن م - الجزء الثاني من المجلد الثامن عشر/ كتاب "أسرار التنزيل" من الصفحة (323 - 328) ..
(3)
ن م - ج 3 مج 11/ كتاب "أسرار التنزيل" من الصفحة (329 - 333).
(4)
ن م - ج 2 مج 11/ كتاب "أسرار التنزيل" من الصفحة (334 - 340).
(5)
محمد الخضر حسين كتاب "أسرار التنزيل" من الصفحة (341 - 345).
تفسير الآيتين (27 - 28) من سورة (الحج) من قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ
…
} [الحج: 27} إلى قوله: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28](1).
قام بتفسير خمس آيات (21 - 25) من سورة (ص) من قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا
…
} [ص: 21]، إلى قوله:{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25](2).
ونجد من آثار الخضر حسين في التفسير تلك الدروسَ التي ألقاها في الأزهر الشريف "محافظة على سُنَّة الكثير من أهل العلم حيث يمرُّون بالأزهر"(3)، فقام بتفسير الآيات:
(122)
من سورة (التوية) من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً
…
} إلى آخر الآية.
(26)
من سورة (غافر) من قوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ
…
} إلى آخر الآية.
(22)
من سورة (الأنبياء) من قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ
…
} إلى آخر الآية.
(1) مجلة "لواء الإسلام"، العدد 4 من السنة 1، كتاب "أسرار التنزيل" من الصفحة (346 - 350).
(2)
مجلة "الهداية الإسلامية" 1، ج 4 من المجلد 11 - كتاب "أسرار التنزيل" من الصفحة (351 - 358).
(3)
محمد الخضر حسين من دروسه في التفسير التي ألقاها في الأزهر - نشرت بجريدة "الزهرة" يوم الثلاثاء (17 ربيع الثاني 1331 ص 25/ مارس 1913 م).
(69)
من سورة (يس) من قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ
…
} إلى آخر الآية (1).
وقام بتفسير الآيات (21 - 22) من سورة (البقرة) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
…
} [البقرة: 21]، إلى قوله:{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22](2).
وكذلك نجد له بعض البحوث التفسيرية عالج فيها بعض مشكلات القرآن، ودفع بها بعض ما أثير حول القرآن من شكوك وإشكالات؛ كشرحه لقوله تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ..} [القيامة: 3](3).
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
…
} [الأعراف: 157](4).
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
…
} [الأنعام: 20](5).
وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
(1) ن م.
(2)
ملخص درس من دروس التفسير التى كان يلقيها فى دار (جمعية الهداية الإسلامية) بالقاهرة - وقد نشر في مجلة "الهداية الإسلامية" ج 12 من مج 13 - كتاب "أسرار التنزيل" من (312 - 317).
(3)
"محمد رسول الله وخاتم النبيين"(ص 44).
(4)
ن م ص 45 - 46.
(5)
ن م ص 46.
وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)} [يس: 36](1).
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ
…
} [التوبة: 6](2).
وكانت له بعض المقالات المتضمنة لتفسير بعض الآيات؛ مثل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
…
} [الكهف: 20} (3).
قولى تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ
…
} [النساء: 135] إلى قوله: {وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135](4).
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
…
} إلى قوله: {يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159](5).
هذا كلّ ما للخضر حسين رحمه الله من إنتاج في التفسير، وهو -على قلّته- عملٌ كبيرٌ وعظيمٌ، بالنظر لما يهدف إليه من إصلاح، وما يحمل في طياته من توجيه حَسَنٍ في التفسير، وحَسْبُ الشيخ أن يكون قد لفت قلوباً كثيرة من المسلمين إلى القرآن بعد أن أعرضوا عن هديه، وضلوا عن إرشاده، وتلك حَسَنةٌ نرجو له برّها وذخرَها عند الله تعالى.
وهذه القلة في التفسير لا تعني مطلقاً أن الشيخ لم يكن مطلعاً على
(1) ن م ص 48.
(2)
ن م ص 108.
(3)
ن م ص 109.
(4)
ن م ص.
(5)
"محمد رسول الله وخاتم النبيين"(ص. 11).
ما كتبه أهم أعلام التفسير، سواء ممن سبقه، أو من عاصره، وهو -كما ذكرنا سابقاً- يُمضي أغلب أوقاته في القراءة والاطلاع على أمَّهات الكتب، وهو ما يوضِّح بصورة جلية تنوُّع مصادر الشيخ في التفسير وثراءَها.
ثانياً - مصادره في تفسير القرآن الكريم:
كان الشيخ يستند في تفسيره للقرآن الكريم على كتاب الله تعالى ذاته؛ إيماناً منه بأنه مصدر للتفسير؛ باعتبار أن ما أُجمل في موضع قد فُصِّل في موضع آخر، وما أُبهم في آية قد عُيِّن في آية أخرى
…
وكان يستند -أيضاً- إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان السلف من الصحابة والتابعين استنادَه إلى أساليب اللغة والبلاغة، وما كتبه المفسرون، ولكنه لم يُلْغ عقله، بل كان يضع هذه المصادرَ والمراجعَ كلَّها أمام نظره.
وقد كان الخضر حسين ينهج في الإشارة إلى مصادره ومراجعه الطرقَ التالية: إما أن يصرِّح باسم المؤلف، ولا يذكر اسم الكتاب. وإما أن يذكر اسم الكتاب، ولا يصرِّح باسم المؤلف. وإما أن يصرح باسم المؤلف والكتاب معا. وسوف أستعرض مصادر الخضر حسين من خلال ثلاثة أوجه رئيسية:
أولاً: مصادره في التفسير وعلوم القرآن.
ثانياً: مصادره في الحديث وعلومه.
ثالثأ: مصادره في اللغة والنحو والأداب.
أولاً - مصادره في التفسير وعلوم القرآن:
التفسير: إن المتأمل في تفسير الخضر حسين يقف على مصادر متنوعة في العلوم الإسلامية الأساسية، وخاصة التفسير، وكان اعتماده الأكثرُ في هذا العلم على تفسير الزمخشري (ت 538 هـ)"الكشاف"، وابن العربي
(ت 638 هـ) في تفسيرآيات الأحكام "واضح السبيل إلى معرفة قانون التأويل بفوائد التنزيل"، و"كشف المعاني" لابن جماعة (1422 م - 1457 م)، وتفسير القاضي البيضاوي (ت 658 هـ / 1286 م)"أنوار التنزيل وأسرار التأويل".
وبرغم أنه لا يغفل عن ذكر المصادر والمراجع التي ينقل عنها، إذ تجده في عديد المقالات يعدد كتب التفسير التي نهل من معينها، والتي ركز عليها في أثناء تفسيره للقرآن الكريم، فهذا لا يعني حصره لكل ما جاء في تفسيره من مراجع، فقد نجد الكثير مما لم يتطرق إليه بالذكر؛ إذ نجده رجع في بعض المواضع إلى كتب "شروح الكشاف" للجرجاني (1340 م / 1413 م)، وابن جريج (699 م / 767 م)، والطبري (ت 315 هـ)، ويكتفي -في بعض الأحيان- بالإشارة إلى ذلك بالقول:"ذهب كثير من المفسرين إلى"، و"قال المفسرون"، "جمهور المفسرين"، دون الإشارة إلى الكتب.
وبذلك فإن الخضر حسين في اعتماده على بعض أعلام المفسرين قد انتهج الطرق التالية:
- نقل بعض المواقف والأفكار والآراء، ومخالفتهم في مواقف أخرى؛ كما فعل مع الزمخشري.
- مجرد النقل الحرفي لمواقف مفسرين آخرين طالما اعتبرهم معلمين له، ودرسهم لتلاميذه، فالتقى معهم في الأفكار والآراء؛ مثل: البيضاوي، وابن العربي.
- الاعتماد على بعض المفسرين لتدعيم مواقف يراها، وذلك قصد تدعيم وإثبات توجهاته.
علوم القرآن: اعتمد الخضر حسين في مجال علوم القرآن على السيوطي
(1445 م / 1505 م) في "الإتقان"؛ إذ نجده يُكثر من الرجوع إليه في أغلب مقالاته المتعلقة بالقرآن، وخاصة في تفسيره "أسرار التنزيل".
وللإشارة، فإن السيوطي قد مثّل مصدراً أساسياً في علوم القرآن بالنسبة لجميع المفسرين من بعده، وخاصة في العصر الحديث.
ثانياً - مصادره في الحديث وعلومه:
الدَّارسُ لتفسير الخضر حسين "أسرار التنزيل"، والمُطَّلعُ على بقية آثاره، يعثر -دون عناء- على مصادره من الحديث النبوي التي يعتمد عليها.
والملاحظ: أن مجموعة من الكتب وأصحابها كانت تتصدر القائمة، وأخرى لم تزد الإشارة إليها على مرة أو مرتين خلال تفسيره للقرآن الكريم.
أما أكثرُ هذه المصادر التي كان كثيراً ما يعود إليها، ويستقي منها -فيما بدا لي-، فهي:"صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم، و"سنن التّرمذي"، و "النسائي"، و "موطا مالك"، و "السنن الكبرى للبيهقي"
…
وهي -في مجملها- أصحُّ الكتبِ المتضمنةِ لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا غرابةَ في أن تحتلَّ الأولويةَ في مصادره، ذلك أنه التزم بضرورة الأخذ بما صحَّ من الأحاديث.
أمّا منهجُهُ في ذلك، فهو الرجوعُ إلى سائر المصادر الأخرى؛ من حيث ذكرُ المرجع ومؤلفه معا، أو ذكر المرجع دون الإشارة إلى اسم مؤلفه، أو الاكتفاء بالإشارة إلى صاحب المرجع فقط.
وبذلك فإن الخضر حسين قد حافظ على سنَّة المفسرين في اعتماد الحديث النبوي لتفسير القرآن الكريم، معتمداً على أهمّ الكتب في الحديث، وقد كان أميناً في نقله عن المحدِّثين برغم أنه يكتفي بالإشارة فقط إلى
مصدر الحديث بصيغة تدل على درجة الحديث فقط. وفي بعض الأحيان يذكر الحديث بالمعنى دون المحافظة على الألفاظ التي ورد بها الحديث.
ولئن كان مُقَلِّداً في اعتماد الحديث للتفسير، فإن كتابه يخلو من الضعيف والموضوع، متجنباً لخوض في بعض الاختلافات الحاصلة حول رفض بعض الأحاديث.
وبذلك تظهر إضافة الخضر حسين في مجال الاعتماد على الحديث في أنه تجاوز سُنَّةَ القدامى من المفسرين في ذكر أسانيد الأحاديث، ولم يُثقل قارئ تفسيره بأسماء الرواة.
ثالثاً - مصادره في اللغة والنحو والأداب:
ما تجب الإشارة إليه: أن المصادر والمراجع التي اعتمد عليها في هذا المجال عديدة ومتنوعة، وليس من قبيل المبالغة إذا قلنا: إنها تفوَّقت على جميع المصادر التي اعتمد عليها في تفسيره، برغم أنه نادراً ما يذكر المصدرَ أو صاحبَه.
ومن الملاحظ: أنه لا يقتصر في استشهاده بآراء أغلب هؤلاء الأئمة على التأييد فقط، بل كان يخالفهم الرأي، أو يُفنِّد ما أقرُّوه، برغم أنه يُظهر نفسَه بمثابة التلميذ المتعلم من شيخه، والساعي إلى الاستفادة بمذاهبهم في النحو، فهو غالباً ما يسعى لتقريب وجهات النظر، والعمل على تقليص الهوَّة والاختلافات، خاصة في فهمه لآيات الذكر الحكيم.
ومن أكثرِ الأسماء التي تداولها في تفسيره "أسرار التنزيل"، ابن هشام (ت 761 هـ) في كتابه "مغنى اللبيب"، وعبد القاهر الجرجاني (ت 1078 م) في كتابيه:"أسرار البلاغة"، و"دلائل الإعجاز"، وسيبويه في "الكتاب"،
ثم السكاكي (ت 1229 م)، والزجاج (ت 923 م)، والكسائي (ت 850 م)
…
وتتعدد الأسماءُ في مختلف الكتب، وكذلك تتالت أسماءُ عديدةٌ للعلماء الذين اهتموا بالقرآن من حيث دراسةُ معانيه وإعجازه البياني واللغوي؛ من أمثال: الكسائي، والزمخشري، وابن قيم الجوزية (ت 751 هـ)، والفيروزبادي (ت 1415 م)، الذي يشير إليه دائماً بصاحب "القاموس".
وله مصادرُ في فنون أخرى متنوعةٌ؛ مثل: التراجم والسير، والتاريخ والعلوم
…
رأيتُ أن لا اْذكرها، إذ لو جمعتُ كل ما ذكر من مؤلفات ومصنفات، لاستغرق مني ذلك حيزاً كبيراً، ولكن اقتصرت على ذكر نماذج منها، علّها توضِّح منهجه في مساره الفكري والثقافي، وخاصة في تفسيره للقرآن الكريم.
ثالثاً- منهجه في تفسير القرآن الكريم:
يمكن استخلاص منهج الشيخ محمد الخضر حسين في المفسير من خلال تعريفه لعلم التفسير، وتحديد موضوعه وأغراضه، وهو يراه: علماً "من أشرف الصناعات؛ لأن موضوعَه كلامُ الله تعالى، والغرضُ منه الاعتصامُ بالعُروة الوثقى، مع أن الناس في حاجة شديدة إليه
…
" (1).
وهو -في نظره- ينبني على علوم كثيرة شرعية ولغوية، من ذلك: أنه يرى من شروط المفسر "أن يكون عارفاً بعلوم اللغة العربية، وفنون بلاغتها
…
" (2).
(1) محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 23).
(2)
ن م ص.
وقد بَيَّنَ الغرضَ من علم التفسير، فحددَ له أمرين أساسيين: فهمَ معاني القرآن المُمَكِّنَ من استخراج أحكامه، والاستدلالَ به على صدق النبوة؛ إذ يقول:"أُنزل القرآن لمقصدين ساميين: أولهما: هداية البشر إلى سبل السعادة في الحياتين الدنيا والآخرة، وثانيهما: دلالته على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ادّعاه من الرسالة التي هي مطلعُ تلك الهداية العامة، فكان أعظمَ معجزة وأخلدَها على وجه الأرض"(1).
هذه أهمُّ الأغراض التي حرص على بيانها من خلال تفسيره، وقد تعرَّض في مجمل آثاره، وفي أثناء حديثه عن التفسير إلى أنواعه، فذكر التفسيرَ بالمأثور، والتفسيرَ بالرأي، وخصائصَ كلِّ واحد منهما، وبعضَ نقاط الضعف فيها؛ مثل: الإسرائيليات في التفسير بالمأثور.
أما التفسير بالرأي، فقد جاءه النقص من ناحيتين: عدم الأخذ بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في التفسير من ناحية، أو بعدم الموافقة لما تقتضيه قواعد اللغة أو بلاغتها من ناحية أخرى.
كما ذكرَ بعضَ أنواع التفسير التي اعتُبرت مخالفةً للحكم المقصود من التفسير، بل خرج البعضُ منها عن الدين وأصوله، وخالف أحكامَه، وأهمُّها: التفسير الإرشادي، والتفسير الباطني.
أما المنهجُ الذي اتبعه في تفسيره للقرآن الكريم، والوسائل التي اعتمدها لبيان ما فيه من أهداف سامية، وأغراض ومعانيَ جليلةٍ، فيقوم على أسس ثلاثة، هي: اللغة، المأثور، والرأي.
(1) محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 26).
ولا يعني التّركيز على هذه الدعائم أنّ مباحثه لم تستند إلّا عليها، وإنما هي ركائزُ بدتْ أكثرَ وضوحاً، ورأيتُ أنها الأجدرُ بالدراسة والتّحليل، إضافة إلى تضمُّنِها موضوعاتِ مهمّةً على صلة وثيقة بموضوع عملنا.
الأساس الأول - اللغة:
إن الأساسَ الأولَ -وهو اللغة- استحوذ على النصيب الأوفر، ولأن "خلفية المفسر العلمية تبدو في تفسيره واضحة، وقد تطغى على الجوانب العلمية الأخرى في تفسيره، فالزمخشري العالم المفسر اللغوي ظهرت آثار بلاغته وتقدمه في تفسيره الكشاف"(1).
فقد ظهرت براعةُ الخضر حسين، وقدرتُه في اللغة في تفسيره للقرآن الكريم؛ بحيث يمكننا اعتباره تفسيراً لغوياً. وتعتبر اللغة في تفسيره من أهم وأبرز الأسس التي قام عليها، واستوى على سوقه، بل هي العَصَبُ الذي يشدُّ أركانَ هذا التفسير ويُقوِّيه، ويميزه ويتميز به. فهو يقدِّم علوم العربية على ما سواها في مجمل آثاره، وذلك لأهميتها العظمى عنده؛ إذ يقول في ذلك:
"
…
يفهمه (القرآن) كل من له إلمام باللغة العربية، سواء عليه كان خبيراً بطرق البلاغة، أم فاقد الإحساس التي يتذوق به طعمها
…
" (2).
ومن خلال تفسيره للقرآن الكريم تبين لي: أنه عَكَفَ في مجمل مباحثه المتعلقة بالعربية على:
(1) مرتضى محمد تقي الإيراواني "الشيخ الطبرسي وآراؤه النحوية من خلال كتابه: مجمع البيان" رسالة ماجستير، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة 1980 م (ص 91).
(2)
محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 12).
- المعجم.
- النحو والإعراب.
- علم البلاغة (المعاني، البيان، البديع).
- المعجم: يعتمد الخضر حسين اعتماداً كبيراً على اللغة، فيهتم:
ببيان المفردات: اهتم الشيخ بإيضاح المفردات القرآنية، وبيان أصولها اللغوية العميقة؛ ليوفر لقارئ كتاب الله تعالى معرفةً بأصول كلام العرب الذي به نزل القرآن، ويكون أقدرَ على فهم النصوص التي تتألف من مثل هذه المفردات. والأمثلة توضِّح ذلك: قال في شرح كلمة "الفاسقين" من قوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26].
"الفاسقون: جمع فاسق. وهو في أصل اللغة: الخروج. يقال: فَسَقَت الرطبة من قشرها؛ أي: خرجت منه. وشرعاً: الخروج عن طاعة الله، فيشمل الخروجَ من حدود الإيمان، وهو الكفر، ثم ما دون الكفر من الكبائر والصغائر. ولكنه اختص في العرف من بعدُ بارتكاب الكبيرة. ولم يُسمَع الفسق في كلام الجاهلية بمعنى الخروج عن الطاعة. فهو بهذا المعنى من الألفاظ الإسلامية، وقَصْر الإضلال بالمثل على الفاسقين إيذانٌ بأن الفسق هو الذي أعدَّهم لأن يضلوا به؛ حيث إن كفرهم قد صرف أنظارهم عن التدبر فيه حتى أنكروه .. "(1).
- عنايته بالاشتقاق: اهتم الخضر حسين بالاشتقاق في تفسيره، وذلك
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 48). (انظر -أيضاً-: أمثلة أخرى (ص 323، ص 350).
لأنّ معرفة اشتقاق الكلمة يزيد في بيان معناها، ويوضحه. ومن أمثله ذلك: يقول في تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180].
"
…
والوصية: اسم من أوصى يوصي، فهو بمعنى: الإيصاء، وقد تستعمل بمعنى: الموصى به. ومعنى الجملة: إذا حضر أحدكم الموت، وقد ترك مالاً كبيراً، وجب عليه الإيصاء بجانب منه لوالديه: أبيه وأمه، وأقاربه، وبدأ بالوالدين؛ لعظم حقهما
…
" (1).
- معاني الحروف: ومن نماذج ذلك نذكر ما قاله في تفسيره للآية: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19]:
"و (من) في قوله تعالى: (من الصواعق) للتعليل، وإنما كانت الصواعقُ داعيةً إلى سدّهم آذانهَم بأصابعهم؛ من جهة أنها قد تُفضي بصوتها الهائل إلى الموت. وجاء هذا صريحاً في قوله تعالى: {حَذَرَ الْمَوْتِ}، يقال: صعقته صاعقةٌ: إذا أهلكته بشدّه صوتها، أو با لإحراق. والمعنى: يسدُّون آذانهم من أجل الصواعق حذراً من أن تقتلهم بروعة صوتها"(2).
كما يعتمد الخضر حسين على النحو والإعراب، وقد تميز منهجه في ذلك بخصائص عديدة منها:
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 287). (انظر -أيضاً-: أمثلة أخرى (ص 14، ص 15).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 34). (انظر -أيضاً-: أمثلة أخرى) ص 186، ص 316).
* المزج بين المباحث النحوية والبلاغية:
كان كلَّما تعرَّض لآية خلال تفسيره للقرآن الكريم، ذكرها بطريقة تدل على تمكنه من المادة التي يتناولها، مع ما عُرف به من الجمع بين المباحث النحوية الإعرابية، والمباحث البلاغية عند إعراب الآية الواحدة.
فقد يبدأ بإعراب الآية إعراباً نحوياً، ويفاجئ القارئ بالدخول إلى مبحث بلاغي في نفس الوقت واللحظة، ومن نماذج ذلك تفسيره الآية الكريمة:
يقول في تفسيره لقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 26].
"وأمَّا: حرف تصدَّر به الجملة للتأكيد. تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدْتَ تأكيدَ ذلك، وإفادةَ أنَّ ذهابَه واقع لا محالة، قلت: فأما زيد فذاهب، والضمير في قوله:(أنه) يعود على المثل، أو على ضربه من قوله:{أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: 26]. والحق: خلاف الباطل، وهو الثابت الذي لا يسوغ إنكارُه. ووجه كون المثل أو ضربه حقاً: أنه يوضح المبهم، ويفصل المجمل، فهو وسيلة إلى تقرير الحقائق وبيانها.
وقال: (أنه الحق) معرَّف بـ "ال"، ولم يقل: أنه حق؛ للمبالغة في حقيقة مثل. ومن المعروف في علم البيان: أن الخبر قد يؤتى به معرَّفاً بـ "ال"؛ للدلالة على أن المخبر عنه بالغ في الوصف الذي أخبر به عنه مرتبة الكمال. وأشار إلى ما يتلقى به الكافرون هذه الأمثلة عندما تتلى عليهم، فقال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة: 26].
"ماذا: ما الذي. والإرادة في أصل اللغة: نزوع النفس إلى الفعل. وإذا أُسندت إلى الله تعالى، دلَّت على صفة له تتعلق بالممكنات. فيترجح بهذا أحدُ وجهَي المقدور. وقد كان جائزَ الوقوع، وعدم الوقوع. وقوله: (مثلاً) واقعٌ موقع التمييز لاسم الإشارة. هذا كقولك لمن أجاب بجواب غير مقبول: "ماذا أردت بهذا الجواب؟ ". وكلامُ هؤلاء الكافرين هي لفظة استفهام عما أراد الله من الأمثال، ومعناه: استحقارٌ لهذه الأمثال، وإنكارٌ لأن يكون الله قد ضربها للناس"(1).
* كثافة المادة النحوية:
تكثفت المادةُ النحويةُ الواردةُ خلال إعراب الشيخ محمد الخضر حسين للآيات القرآنية، حتى أصبحتْ سِمةَ تميَّز بها منهجُه الذي اعتمد فيه على ثقافته اللغوية النحوية دون العودة إلى ذكر مصادره، منها -على سبيل المثال- تفسير لقوله تعالى:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58].
"
…
الحِطَّة: مِنْ حَطَّ بمعنى: وضع. وقد وردتْ هذه الكلمة وهي مفردة في معرض الحكاية بالقول: (وقولوا حطة)، والمعروف أن القول لا يُحكى به إلا الجُمل، ولا يُحكى به المفردات إلا أن يكون المفرد في معنى الجملة
…
ومن أقرب ما تفسر به الجملة: أن يكون (حطة) مصدراً مراداً منه طلبُ حِطَّةِ الذنوب. وقد يجيء المصدرُ المرادُ منه الطلب مرفوعاً؛ نحو:
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 47)، (انظر -أيضاً-: أمثلة أخرى (ص 20).
"سلام عليكم"، ويُحمل من جهة صناعة الإعراب على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: مسألتنا حطة؛ أي: أن تحط عنا ذنوباً، والاقتصارُ في لفظ الجملة على الخبر وحده لقيام قرينة تدل على المبتدأ من أساليب الإيجاز المعدود في أبدع فنون البيان" (1).
* استخراج الأسرار اللغوية بالاعتماد على أسلوب العرب:
لمّا كان الخضر حسين شغوفاً باللغة وأسرارها، ضليعاً في معرفة خباياها، كان يعود إلى استعمالات العرب وأساليبهم، قاصداً من وراء ذلك أن يصل بالكلمة على القرار المكين بحسب مبلغ علمه وإدراكه.
ومن نماذج ذلك: ما قاله في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: 85].
"
…
هذا تقريعٌ لهم؛ لعصيانهم بارتكاب ما نُهوا عنه. وقد وردتْ هذه الجملة على أسلوب قول العرب: "ها أنت ذا قائماً"، فالضمير (أنتم) مبتدأ، واسم الإشارة (هؤلاء) خبر عنه. وجملة:(تقتلون أنفسكم) حال، وهي من قبيل الأحوال التي لا تحمل الفائدة من الأخبار إلا ذكرها
…
" (2).
وبعدَ أن تتبَّعْتُ منهجَه وموقفَه من استخدام النحو والإعراب في تفسير القرآن الكريم من خلال آثاره، وخاصة كتاب "أسرار التنزيل"، تبيَّن لي أنه يمتاز بثقافة نحوية كبيرة، جعلتْه يتخلص من أسر أئمة النحو؛ كسيبويه،
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 97)، و"الهداية الإسلامية"(ص 106).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 137)، (انظر -أيضاً-: أمثلة أخرى (ص 352، 181).
والخليل، والفرّاء
…
وهذا إنما يدلُّ على تمكُّن الخضر حسين من اللغة العربية، وامتلاكه لثقافة نحوية واسعة أهَّلته لتفسير القرآن الكريم.
ويندرج ضمن اعتماده على التفسير البياني واللغوي: استشهادُه بالشعر العربي، وهو كثيرٌ جداً، ومتناثرٌ في "أسرار التنزيل"، وبقية آثاره.
وقد تميزتْ شواهده الشعرية بالقوة والبيان والتنوع، وكان منهجه يراوح بين إسناد هذه الأشعار إلى قائليها، وعدمه، وهو في كل ذلك ملتزم بـ:
- أن يكون الشعر شارحاً لبعض كلمات القرآن ومفرداته: مثال ذلك: ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: 93].
"
…
الإشراب: السّقي، وهو إيصال مائع إلى الجوف من طريق الفم، واستُعمل على وجه التجوُّز في خلط لون بلون؛ كأنَّ أحدَ اللونين سقى الآخرَ، فقالوا: بياض مُشْرَبٌ بحمرة، وقالوا: أُشرب قلبُه على حب كذا: إذا خالط حبُّه قلبَه:
إذا ما القلبُ أُشْرِبَ حُبَّ شيءٍ
…
فلا تأملْ له الدهرَ انصرافا (الوافر)
"ففي جملة: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} مضاف بمحذوف؛ لدلالة المعنى عليه، وهو لفظ: "حب"، والتقدير: حب العجل. والمعنى: أنّ حب العجل خالطهم حتى خلص إلى قلوبهم؛ كما يخالط الماء أعماق البدن. وحذفُ لفظ الحب من نظم الكلام يُشعر بشدّة تعلق قلوبهم بالعجل؛ حتى كأنهم أُشربوا ذات العجل
…
" (1).
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 152).
- أن يؤكد بالشاهد من الشعر ما ترشد إليه الآية من معان: مثل ما قاله في تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].
"تفيد هذه الجملة -بحسب وضعها الأصلي- النهيَ عن الموت في حال غير حال الإسلام، وليس الموت في استطاعة الإنسان حتى يَنهى عنه، أو يأمر به، وإنما النهي في المعنى متوجِّه إلى أن يكون المخاطبون في حال لو جاءهم الموتُ وهم متلبِّسون به، لوقعوا في خسران مبين، فنهيهم عن الموت في حال غير حال الإسلام يراد منه: الأمر بالثبات على الإسلام إلى حين الوفاة.
والمعنى: اثبتوا على الإسلام، واستقيموا على مَحَجَّتِهِ البيضاء حتى يدرككم الموت، وأنتم في حال كونكم مسلمين.
وكما ينهى عن الموت في حالة، والمراد: عن التلبس بتلك الحالة، يأمر بالموت في حالة، والمراد: الحث على التلبس بتلك الحالة؛ كما يقال: مُتْ وأنت شهيد. المراد: الحث على الاستشهاد في سبيل الله. ومن هذا القبيل قول المتنبي:
عِشْ عزيزاً أو مُتْ وأنتَ كريمٌ
…
بينَ طعنِ القنا وخفقِ البُنودِ (الخفيف)(1)
- أن يورد الشعر بياناً وتأييداً لأوجه البلاغة: مثال ذلك: عند تفسيره لقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61].
يقول "الذلّة: الهوان. والمسكنة: الخضوع، وضرب الذلة والمسكنة
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 213).
عليهم كنايةٌ عن إحاطتهما بهم كما تحيط القبة بمن ضُربت عليه. كما قال زياد الأعجم في عبد الله بن الحشرج:
إِنَّ السماحةَ والمروءةَ والنَّدَى
…
في قُبَّةٍ ضُرِبتْ على ابنِ الحَشْرَجِ (البسيط)(1)
وهكذا نراه في عرضه للآيات القرآنية يتعامل معها بروح اللغوي الأديب، والمفسر الذي ينطلق من قاعدة اللغة، ويجعلها أساس التفسير، ثم يعضِدُها بالشعر العربي انطلاقاً من أن في القرآن بعض الآيات التي تستوجب العودة إلى الشعر لكشف معانيها، وتبيان ألفاظها، وهو ما يؤكد اهتمامَه الشديد بديوان العرب، وإلمامَه بوجوه الإعجاز البياني.
والبلاغة القرآنية كانت من أكبر أهداف الخضر حسين، فعِلْمَا: المعاني، والبديع- اللذان أشار إليهما الشيخ في مختلف آثاره التفسيرية- من الأمور التي تأثَّر بها من مدرسة عبد القاهر الجرجاني، والزمخشري.
ولعل أهم الأوجه والقضايا البلاغية التي تناولها الشيخ بالبحث والدراسة هي:
- الإيجاز: حين يعرض الشيخُ لأسلوب الإيجاز في القرآن الكريم نراه معنِياً بالإشارة إلى ما أُوجز فحسب، دون أن يومئَ إلى موضع الحُسن في ذلك الأسلوب، وقد اعتبر الشيخ للإيجاز أنواعاً منها:
حذف المبتدأ، وحذف الجمل التي يدل الكلام على تقديرها، واستعمال المفرد في معنى الجمع، إضافة إلى إيجاز الحذف، وذكر البدل
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 105).
وحذف المبدل منه.
- المجاز: والمجازُ من المباحث البلاغية التي عرض لها محمد الخضر حسين في تفسيره، من ذلك -مثلاً-: قوله في تفسير قوله تعالى: {يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة: 61].
يقول: إخراج النبات: إظهاره بإيجاده، والمنبِت له -في الحقيقة- هو الخالق -جلّ شأنه-. وإسناده إلى الأرض في قوله:(تنبت الأرض) أخذاً بعادة إسناده إلى الأرض على وجه المجاز، وإسناد الفعل إلى المكان الذي يقع فيه أسلوبٌ عربي فصيح، والحقيقةُ في قوله تعالى:{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7](1).
* الأساس الثاني - التفسير بالمأثور:
يعتمد الشيخ محمد الخضر حسين في تفسيره للقرآن الكريم نهجَ التفسير بالمأثور؛ حيث يفسِّر القرآن بالقرآن، والقرآن بالحديث النبوي، والقرآن بأقوال الصحابة والتابعين، فمَنْ بعدَهم من العلماء والفقهاء، وكذلك أسباب النزول، واعتماد أوجه القراءات، وأصحاب السير والأخبار.
* تفسير القرآن بالقرآن:
اشترط العلماءُ على من أراد تفسير القرآن: أن ينظر أولاً في كتاب الله العزيز؛ ليصل إلى المعنى الصحيح؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً، فما جاء منه مجملاً في مكان يفسر ما جاء مُبيناً في مكان آخر، وما جاء موجزاً يستعان على بيانه بما جاء مُسهَباً، وقد اعتد الخضر حسين بهذا النوع من
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 104).
التفسير اعتداداً واضحاً في "أسرار التنزيل"؛ إذ نجده في تفسيره للقرآن الكريم يعتمد القرآن في:
- الاستدلال على معنى كلمة بما ورد من معناها في آيات أخرى:
ومن نماذج ذلك: تفسيره لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35].
يقول: "القرب: الدنُّو. ولم يذكر القرآن نوعَ هذه الشجرة على عادته من عدم التعرض لذكر ما لم يدع المقصود من سوق القصة إلى بيانه. والمنهيُّ عنه: هو الأكلُ من ثمار الجنة، وتعليق النهي بالقرب منها، إذ قال:(ولا تقربا) لقصد المبالغة في النهي عن الأكل؛ إذ في النهي عن القرب من الشيء قطعٌ لوسيلة التلبُّس به؛ كما قال تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]، فنهى عن القرب من الزنى؛ ليقطع الوسيلة إلى ارتكابه، وهي القرب منه (1).
- الاستدلال على معنى كلمة مجمَلة بما فُصِّل في مكان آخر: يقول في تفسير قوله - سبحانه تعالى -: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: 136].
"ما أُنزل إلى إبراهيم: الصحفُ المشارُ إليها بقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 18 - 19](2).
- الاستدلال بالقرآن على تعدُّدِ المعاني للكلمة الواحدة: تفسيره لقوله
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 61)، "روائع مجلة الهداية الإسلامية" إعداد وضبط علي الرضا الحسيني، الدار الحسينية للكتاب، دمشق 1999 م، (ص 107 - 108).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 218)، وانظر -أيضاً -:(ص 243).
تعالى: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53].
"والشاهدون: الذين يشهدون بالتوحيد، وما لا يتم الإيمان إلا به، أو الأنبياء عليهم السلام؛ فإنهم شهداء على أممهم يوم القيامة؛ كما قال تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41](1).
- نفي الاحتمالات، وتعدد الأقوال، فيحمل الآية على آية أخرى: ومن نماذج ذلك: تفسيره لقوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40].
"والنعمة: المنعَم به، وتُجمع على نِعَم، وقد وردت في القرآن بمعنى النعم، ولا تحتمل غير هذا المعنى؛ كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
فلفظ العدّ والإحصاء يعني: أنه أريد بها: النعم الكثيرة. والنعمة في هذه الآية التي نحن بصددها يترجح حملها على معنى النعم، إن لم يقم دليل من الآية على أنه أريد بها نعمة معهودة" (2).
- تأييد ما ورد في آية بما نص عليه في آيات أخرى: قال في معرض تفسيره لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
…
} [البقرة: 185].
"هذه جملة مستأنفة لبيان حكمة الإذن للمريض والمسافر في الفِطْر، وهي أن الله تعالى بنى تشريعه على اليسر والرفق؛ كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 325)، وانظر -أيضاً -:(ص 163).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 71)، وانظر -أيضاً -:(ص 163).
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78](1).
* تفسير القرآن بالحديث:
كما فسّر القرآنُ الكريم بعضُه بعضاً، فسرت السنة النبوية كثيراً من القرآن. وإذا رجعنا إلى كتاب الله تبارك وتعالى، وجدناه يشهد بذلك، فقد قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
المطلع على تفسير الخضر حسين للقرآن الكريم، وخاصة في كتابه "أسرار التنزيل"، وبقية آثاره يجده يعتمد الحديث النبوي لـ:
- تفسير معنى لفظ في الآية، أو يعاضدها ويساندها فيما ترمي إليه.
- توضيح حكم في القرآن.
- اعتماد الخضر حسين الحديث لتأكيد وتأييد ما ورد في القرآن.
- الحديث يأتي بحكم جديد ليس في القرآن.
تميز منهجُ الخضر حسين في تناول الحديث النبوي الشريف بملامح متباينة، تمثلت في ذكر الحديث دون الإشارة إلى مصدره، أن يذكر الحديث مشيراً إلى المصدر، وإن كان لا يعنى بذكر درجته من الصحة والضعف، أو التعليق على رجال الحديث، أن يذكر درجة الحديث دون ذكر المصدر.
وبالرغم من عدم انتظام طريقته في تخريج الحديث النبوي الشريف بذكر مصادره التي استقى منها، إلا أنّي أرى أنه قد انتفع في تفسيره بقواعد المحدثين وأصولهم في الرواية. فقد امتلأ تفسيره بالأحاديث الصحيحة والحسنة، وابتعد ابتعاداً تاماً عن الأخذ بالأحاديث الموضوعة، وهذه ميّزة
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 296).
تُذكر للشيخ، وتبيّن لنا مدى التزامه بالمنهج السليم في البحث في تفسيره، وهو في طريقته تلك لا يعتمد على كتب التفسير فقط، وإنما يرجع إلى مصادر الحديث الشريف، ويأخذ منها.
* تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين:
من مصادره في التفسير بالأثر: ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم، وخاصة ما جاء عن طريق ابن عباس "ترجمان القرآن". وقد اعتبر الشيخ محمد الخضر حسين أن تفسير الصحابة للقرآن يلي بالمكانة تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم.
والنماذج التالية من التفسير تُظهر مدى اعتماده على هذا الجانب الذي يعتبر أحد أركان التفسير بالمأثور، حيث قال محمد الخضر حسين في تفسير قوله تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28].
"ذكر اسم الله: حمدُه وتقديسه. والأيام المعلومات: الأيام العشر عند جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: ابن عباس، والحسن البصري. وبه قال أبو حنيفة، وذهب جماعة، منهم مالك بن أنس وأصحابه، إلى أن الأيام المعلومات: يوم النحر، ويومان بعده
…
والمعنى: يقدسون الله ويحمدونه شكراً على ما رزقهم من بهيمة الأنعام" (1).
* تفسير القرآن باعتماد أسباب النزول:
الذي يطلع على تفسير الشيخ محمد الخضر حسين يلفت انتباهه كثرةُ عنايته بأسباب النزول، ورفضُه اعتمادَ المفسرين على الكثير من الروايات
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 349).
الضعيفة، حتى أوهموا كثيراً من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث. والقرآن الكريم عنده "أتى للإصلاح والهداية
…
" (1).
ونموذج ذلك: ما ذكره بصدد تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189].
"لما ذكر في الآية السابقة أن الأهلة مواقيت للحج، صح أن يوصل ذلك بإنكار عادة جرى عليها الأنصار في حجهم، فقال تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا]، هذه العادة -كما روي في سبب نزول الآية-: أن الأنصار كانوا إذا أحرم الرجل منهم في الجاهلية، لم يدخل بيتاً من بابه، بل كان يدخل من نَقْب من ظهره، أو يتخذ سُلَّماً يصعد فيه، فقيل لهم: ليس البر بتحرجكم من إتيان المنازل من أبوابها"(2).
* تفسير القرآن باعتماد القراءات:
اهتم الخضر حسين في تفسيره بالقراءات، واعتمدها في بيان معاني القرآن الكريم، وترجيح بعض المعاني على بعض، ومن نماذج ذلك: ما قاله في معرض تفسيره لقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].
يقول: "المالك: وصف من المِلْك -بكسر الميم-. والدين: الجزاء؛ أي: إنه تعالى يتصرف في أمور الدين تصرفَ المالك فيما يملك؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19]. وقُرئ: {ملك يوم الدين} من المُلك -بضم الميم-، ومعناه: المدبّر لأمور يوم
(1) محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 26).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 307).
الدين؛ كما قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16](1).
ومما تقدم نلاحظ أن محمد الخضر حسين قد اقتصر على الروايات الصحيحة دون الشاذة، حيث لم نجده يطرح قضية اختلاف القراءات. ونهجُه لهذا الخط جعله في غنى عن نقد بعض القراءات، وقد كانت موافقة القراءة للغة العربية من أهم الشروط التي حرص الشيخ على توافرها في القراءة، خاصة لغرض تفسير آيات الذكر الحكيم.
* الأخذ عن التوراة والإنجيل:
لم يختلف المعاصرون عن القدامى في الرجوع إلى التوراة والإنجيل في تفسيرهم للقرآن، فها هو محمد الخضر حسين يعتمدها في تفسيره لبعض الآيات، على غرار ما قاله في تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: 157].
"فهذه الآية صريحة في أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مكتوب في التوراة والإنجيل، والمراد بكتابته فيهما: ذكر مبعثه، ودعوته، وشيء من نعوته، وهذا المعنى موجود في الكتابين يقيناً. ومن البشائر الباقية في التوراة والإنجيل إلى هذا العهد. ما جاء في سفر التثنية من التوراة:(أقم لهم نبياً من وسط إخوتك مثلك، واجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به).
والنبي المماثل لموسى عليه السلام في الرسالة العظيمة، والشريعة المستأنفة هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإخوة بني إسرائيل هم العرب؛ لأنهما يجتمعان
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 9).
في إبراهيم عليه السلام
…
" (1).
ومن خلال هذا النموذج وغيره يتجلى لنا أن الشيخ محمد الخضر حسين قد اعتمد على التوافق الوارد بين القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية؛ من حيث تأكيدهُا على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتكامل بين الرسالات السماوية؛ مما يثبت وحدة المصدر.
الأساس الثالث - التفسير بالرأي:
يعتبر التفسيرُ بالرأي من الوسائل المعتمدة في تفسير الشيخ محمد الخضر حسين للقرآن الكريم، إضافة إلى التفسير باللغة، والعكسير بالمأثور.
والتفسيرُ بالرَّأي، أو التفسيرُ العقلي هو ما يقابل التفسيرَ النقلي؛ إذ "يعتمد على الفهم العميق والمركز لمعاني الألفاظ القرآنية، بعد إدراك مدلول العبارات القرآنية التي تنتظم في سلكها تلك الألفاظ، وفهم دلالاتها"(2).
وعلى هذا، فالتفسير بالرأي يقوم على الاجتهاد في فهم الآيات القرآنية، وإدراك مقاصدها اعتماداً على كلام العرب، و "الوقوف على معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وما يتبع ذلك من الأدوات التي يحتاج إليه المفسر"(3).
وكان رجالُ التفسير الذين أخذ عنهم الشيخ محمد الخضر حسين
(1) محمد الخضر حسين "محمد رسول الله وخاتم النبيين"(ص 45 - 46).
(2)
خالد عبد الرحمن العك "أصول التفسير وقواعده" دار النفائس، بيروت، ط 2، 1986 م، (ص 117).
(3)
ن م ص.
في معظمهم ينتمون إلى المدرسة العقلية في التفسير (1)، بدءاً بالزمخشري (ت 538 هـ)، فالرازي (ت 606 هـ) في القديم، وانتهاءً بالأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في العصر الحديث.
ومن هذا المنطلق سأحاول أن أبيّن منهج الشيخ محمد الخضر حسين، وموقفه من قضية التفسير بالرأي، وكيف اعتمد المنهج العقلي في "أسرار التنزيل". ونجده يحدد ضوابط التفسير بالرأي إذ يقول:"تفسير يستند إلى فهم علماء اللغة والبلاغة"(2).
ومن مظاهر التفسير بالرأي نجد:
- استخدام الترجيح: استخدم الشيخ محمد الخضر حسين في ترجيحه لما يتعرض له من تفسير بعض الآيات على قواعد أساسية، وهي -كما وقفتُ عليها - أولها لغوي، والثاني مأثور، والثالث عقلي.
ومن النماذج الدَّالَّةِ على استخدام الجانب اللغوي في الترجيح أو التضعيف ما يلي:
1 -
الترجيح باللغة: قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
يقول: "لعل: حرف موضوع ليدل على الترجي، وهو توقُّع حصول الشيء عندما يحصل سببه، وتنتفي موانعه. والشيء المتوقع حصوله في الآية هي: التقوى، وسببه هي: العبادة؛ إذ بالعبادة يستعد الإنسان لأن يبلغ درجة
(1) لمزيد التعرف على المدرسة العقلية القديمة والمدرسة العقلية الحديثة راجع: "منهج المدرسة العقلية في التفسير" لفهد الرومي.
(2)
محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 23).
التقوى، وهي الفوز بالهدى والفلاح.
والترجي قد يكون من جهة المتكلم، وهو الشائع، وقد تستعمل "لعل" في الكلام على أن يكون الترجي مصروفاً للمخاطب، فيكون المترجي هو المخاطب، لا المتكلم.
وعلى هذا الوجه يحمل الترجي في هذه الآية؛ لاستحالة حصول الشيء من عالم الغيب والشهادة؛ لأن توقع الإنسان لحصول الشيء هو أن يكون متردداً بين الوقوع وعدمه، مع رجحان الوقوع، والمعنى: اعبدوا ربكم راجين أن تكونوا من المتقين، وهم البالغون الغاية في الهدى والفلاح (1).
2 -
الترجيح بالأثر: ومن نماذج استخدام المأثور في الترجيح: ما ذكره الخضر حسين عند تفسيره قوله تعالى: {. . . فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38].
إذ يقول: "
…
وليس ببعيد أن يكون معنى (لا خوف عليهم): أنهم بلغوا استقامة السيرة وفضل التقوى؛ حيث لا يخاف عليهم أحد أن يصيبهم في يوم الجزاء مكروه. ونفي الخوف والحزن ورد في الآية على وجه الإطلاق، وظاهره: أن المهتدين لا يعتريهم الخوف ولا الحزن في دنياهم، ولا في آخرتهم.
ولكن قوله فيما يقابله من جزاء الكافرين: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39] يرجح أن يكون المراد: نفي الخوف والحزن عنهم في الدار الآخرة. ثم إن الذين يتقون الله حق تقاته قد يأخذهم شيء من الحزن في الدنيا.
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 38).
وأوضح شاهد على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضار ابنه إبراهيم عليه السلام: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"(1)، وقول يعقوب عليه السلام فيما قصه الله في القرآن:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، ونفي الخوف والحزن عن المهتدين يوم القيامة كناية عن سلامتهم من العذاب، وفوزهم بالنعم الخالدة في الجنة، فتتم المقابلة بين جزاء المهتدين، وجزاء الكافرين المشار إليه بقوله تعالى:{أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39](2).
3 -
الترجيح بالعقل: أما استخدامه للجانب العقلي في الترجيح، فمن شواهد ذلك: ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى:
أ - {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16].
يقول: "جاءت هذه الجملة عقب الحديث عن استبدال المنافقين الضلالةَ بالهدى، فيكون المعنى: وما كانوا مهتدين إلى سبيل الرشد، وما تتجه إليه العقول الراجحة من الدين الحق. ويصح أن يراعى في هذه الجملة إخراج لك الاستبدال في صورة المبايعة التجارية، فيكون المعنى: وما كانوا مهتدين إلى طرق التجارة الرابحة؛ حيث باعوا الهدى -الذي هو مطلع النجاح والسعادة- بالضلالة التي هي مهواة الخيبة والشقاء"(3).
(1) رواه البخاري كتاب: "الجنائز"، باب:"قول النبي: إنا بك لمحزونون"(ج 1/ ص 402 حديث رقم/ 1303).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 67).
(3)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 30).
يقول: "ذكَّر المسلمين في هذه الآية بأن ما عسى أن يلاقوه من آلام الحروب يلاقي خصومُهم مثلَها، فكأنه يقول لهم: لا ينبغي أن يكون خصومكم -وهم أشياع الباطل- أصبرَ على الآلام، وأثبتَ في مواقف الأخطار منكم، وأنتم حماة الحق، والدعاة إلى الخير، ولا سيما حماة يرجون نصر الله وجزاء مثوبته ما لا يرجوه أعداؤهم الغاوون المفسدون"(1).
* موقف الخضر حسين من الأقوال المختلفة في التفسير:
نجد محمد الخضر حسين يعرض الأقوال المختلفة في تفسير الآية الواحدة، ثم يحاول التوفيق بينها، إن أمكن له ذلك. فإن لم يمكن الجمع، قارن بين الآراء، ورجح فيها ما رآه راجحاً بالدليل
…
ومن نماذج ذلك كما ورد في تفسيره نذكر:
قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24].
يقول: "من المفسرين من حمل الآية على قوم ينكرون وجود الخالق، وهذا ما سلكه القرطبي في تفسيره؛ إذ قال في تفسير هذه الآية: وكان المشركون أصنافاً، منهم هؤلاء، ومنهم من كان يثبت الصانع، وينكر البعث. وجرى على هذا أبو البقاء في "كلياته"، فقال: والدَّهري -بالفتح- هو: الذي يقول: العالم موجود أزلاً وأبداً، ولا صانع له، وما هي إلا حياتنا الدنيا
…
(1) محمد الخضر حسين "رسائل الإصلاح"(ص 30).
ومن المفسرين من جعل الآية محتملة لأن تكون في قوم لا يعرفون الله، ولا يقرون به، وهم الدهرية، وأن تكون في قوم يقرون بالخالق، وينكرون البعث، وينسبون الآفات إلى الدهر؛ لجهلهم أنها مقدَّرة من الله، وجرى على هذا أبو حيان في تفسيره "البحر".
وليس في الآية ما يدل على أن هؤلاء القوم يقرون بالإله، أو يجحدون به. فمن ذهب إلى أن موردها قوم لا يقرون بالإله، فلأن إضافة الحوادث إلى الدهر مقترنة بإنكار البعث؛ شأن الدهريين الذين ينكرون وجود الخالق -جل شأنه-" (1).
* التفسير بالعقل والنقل:
يتضح لي من خلال ما وقفتُ عليه من "أسرار التنزيل"، وبقية آثاره: أن الشيخ محمد الخضر حسين يراوح بين التفسير بالرواية (النقل)، وبين التفسير بالدراية (العقل)، ويزاوج بينهما.
1 -
المراوحة بين العقل والنقل:
قال تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184].
يقول: "هذا الخطاب لمطيقي الصيام من الذين خُيروا بين الصوم والفدية، فهي من متممات قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184].
والمعنى: أن الصوم أفضل من الفدية؛ ذلك أن الفوائد الروحية والاجتماعية التي تحصل بالصوم أرجحُ من الفوائد التي تحصل بالفدية،
(1) محمد الخضر حسين "محمد رسول الله وخاتم النبيين"(ص 28 - 29).
ويصح أن تكون هذه الجملة موصولة بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، فيكون المراد منها: فُرض عليكم الصيام إلخ. ثم قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]؛ أي: إن الصوم من الأعمال التي تورثكم خيراً عظيماً (1).
2 -
المزاوجة بين العقل والنقل:
قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: 164].
يقول: "لما تضمنت الآية السابقة إثباتَ وجوده تعالى، ونفيَ الإلهية عما سواه، جاءت هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها منبهةً لبعض الأدلة على وجوده تعالى. وقد اشتملت على آيات يخرج الناظر من التفكير فيها إلى بطلان ما يفعله طوائف من البشر من عبادة بعض المخلوقات؛ كالكواكب، والنار، والحيوان، والأحجار، بزعم أنها آلهة، أو شركاء الله في إلهيته.
وأول هذه الآيات: السموات. فقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} السموات: جمع سماء. والسماء: كل ما علا؛ كالسقف. المراد في الآية: الأجرام المقابلة للأرض، وهي سبع كما ورد ذلك صريحاً في قوله تعالى:{خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [الطلاق: 12].
ذكرها القرآن هنا في جملة المصنوعات التي يجد فيها الناظر آياتٍ عظيمةً على وجود الله ووحدانيته. ونبه في آيات أخرى على بعض وجوه الاعتبار فيها؛ من نحو تزيينها بمصابيح، ورفعها بغير عمد" (2).
(1) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 294).
(2)
محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل"(ص 256).
* الصيغ الدالة على إعماله الرأي:
إذا نظرنا إلى تفسير محمد الخضر حسين للقرآن الكريم من خلال كتاب "أسرار التنزيل"، وجدْنا صيغاً متنوعة ومتعددة عبر بها عن استعماله للرأي، وإعطاء وجهة نظره المخالفة لغيره من المفسرين، ويمكن حصرُ هذه الصيغ في التعابير التالية:
(الأقرب إلى الذهن: ص 115)، (ويصح فيما نرى ص 126)، (ويصح فهم ص 125)، (ويصح أن يفهم ص 221)، (ويصح أن يفسر ص 146)، (صح تفسير ص 146)، (ويصح أن يراعى ص 30)، (فيؤول معنى
…
إلى معنى ص 85)، (ومن أقرب ما تفسر به الجملة: ص 97)، (ويصح تفسير ص 142)، (ويصح أن يراد ص 88 - 242
…
)، (ويحتمل أن يراد ص 105)، (هنا صح تفسير ص 106)، (والتقدير ص 101، 111، 118، 119، 215)، (ويصح أن يكون المراد ص 127)، (ويصح أن تحمل على معنى ص 221)، (ويصح أن يكون المعنى ص 317)، (هذا ما يصح أن تفسر به ص 357)، (فمن تعسف وأتى
…
تألفه العقول الراجحة: ص 159)، (ومن المحتمل القريب أن يفهم ص 304)، (وإذا نظرنا على ما جاء في آية أخرى ص 85)، (ومن أقرب ما تفسر به الجملة ص 97)
…
ولم يقتصر على استعمال الصيغ الدالة على إعمال الرأي في تفسيره من خلال "أسرار التنزيل"، بل كانت هذه الصيغ مميزة لكل مقالاته في التفسير.
والمتأمل لمقالاته في كتاب "تفسير الهداية الإسلامية" يلاحظ العديد من الصيغ، ومن أمثلة ذلك:(والأقرب أن يقال ص 106)، (ويصح أن يكون
المعنى ص 109)، (ويفهم من الآية بعد هذا ص 114).
وفي كتاب "محمد رسول الله وخاتم النبيين":
(بيان هذا ص 43)، (فهنه الآية صريحة ص 45)، (فهذه الآية تفهم على معنى ص 158)، (فالمقصود في الآية ص 160)، (فرأيت في الآية مرعى خصباً ومجالاً فسيحاً ص 160).
* الخاتمة:
بعد هذه المداخلة المتواضعة لاستجلاء منهج الشيخ محمد الخضر حسين في تفسير القرآن الكريم، يمكن الإقرارُ بأنّ كتاب "أسرار التنزيل"، وما ورد في بقية آثاره، يعدُّ محاولة جادة في إرساء مدرسة جديدة في التفسير، حاول صاحبُها ملامسةَ الجوانب الاجتماعية، والحِكَم التشريعية، والوقوف على أهم القضايا المعاصرة التي كانت تشغل الأمة، وهي تعيش التخلف والتجزئة والاستعمار الغربي، وتتوق إلى النهضة والوحدة؛ لتسترد وعيها لبناء المشروع الحضاري العالمىِ.
ولعل أهم النتائج التي يمكن التوصلُ إليها، هو: أن للنشأة والبيئة التي عاش فيها الخضر حسين دوراً كبيراً في تكوين شخصيته، فمنذ طفولته توجَّه إلى حفظ القرآن الكريم، وتلقَّى علومَ الشَّرع والالتزام بآدابه.
وكانت رغبتُه في طلب العلم حيث استفاد من المناخ الثقافي، فأقبل على دروس التعليم، ولازم عدداً من الشيوخ المعروفين؛ مثل خاله "محمد المكي بن عزوزا" والشيخ "سالم بوحاجب"، و"عمر بن الشيخ"، وغيرهم.
وقد حرص -برغم كثرة الترحال والتنقل- على دوام الكتابة، وإلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد والجمعيات، وإنشاء المجلات، والإقبال
على مطالعة أمهات الكتب في التفسير وعلوم اللغة والأدب والحديث. فكان تفسيرُ "أسرار التنزيل" من التفاسير السهلة التي اعتنى فيها صاحبُها بالصور البيانية، والمحسِّنات المعنوية، برغم شغفه بالأسلوب. وابتعد فيه عن ذكر مصطلحات الفنون، والتوسع فيما لا تفهمه العامَّةُ، وهو في ذلك يتفق مع "تفسير المنار" لرشيد رضا، برغم عدم التأثر المباشر بمدرسة المنار.
وما يتميز به الخضر حسين -روَّحَ الله روحَه- من استقلال في التفسير عن بقية المفسرين، على الرغم من اعتماده على العديد من التفاسير، وما توصل إليه أصحابها، قد أظهره شديد الالتزام بتفسير القرآن بالقرآن، دون إهمال للحديث النبوي الشريف، والاعتماد على الشعر العربي.
هذه الميزة وغيرها جعلته تفسيراً عصرياً يعكس بصدق ووضوح توجهاتِ العصر، وحاجة المجتمع الإسلامي والمكتبة الإسلامية إلى هذه النوعية من التفاسير، ومن ثمَّة بدتْ علاقتُه بمعطيات عصره الثقافية والاجتماعية والسياسية وثيقةً جداً.
لذلك يمكن اعتبار "أسرار التنزيل" في منهجه المعتدل تفسيراً مثالياً بكل معاني الكلمة، وذلك في ظل الضوابط والشروط التي وضعها العلماءُ والمفسرون لبناء تفسير سليم. ويُعتبر صاحبُه من المجتهدين القلائل المعدودين في العصر الحديث ممن دَعَوْا إلى نبذ التقليد والجمود.
والمُطَّلعُ على بعض مواطن من التفسير، يلحظ -دون عناء- أن الخضر حسين قد جمع في طريقة تفسيره بين اتجاهات ثلاث، ولم يكن أسير مذهب أو مدرسة. فنجد الاتجاه اللغوي؛ إذ ركًّز على الأساس اللغوي، فتوسع لقبول
كل المعاني التي يتحملها اللفظ، ويشترط على المفسر "أن يكون عارفاً لعلوم اللغة العربية، وفنون بلاغتها"(1).
والملاحَظ: أن قيمة هذا المنهج برزتْ تاريخياً في الردّ على التيارات الباطنية التي أدَّى بها تأويلُها إلى العبث باللغة العربية، فاندفع الخضر حسين لغوياً بارعاً إلى دحض هذه النزعات الرامية إلى إهدار الدلالة اللغوية التي تقوم عليها معاني القرآن الكريم.
وركّز على المأثور، فأخذ من القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يساعد على استخراج المعاني، ويقرِّب الدلالة إلى الأفهام، دون إهمال لما تركه الصحابة والتابعون، ولا تغافل عن أسباب النزول. واشترط على المفسر:"أن يتَّجه إلى تمحيص الروايات، ولا يعوِّل إلا على ما صحت روايته"(2).
وقيمة هذا المنهج تبدو أساساً في الرد على مختلف من زيَّنتْ له نفسه إمكانية النظر إلى القرآن الكريم نظرة مجردة عن كل ما ظهر حوله من نصوص، حتى ولو كانت سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد عمل الخضر حسين على إحياء هذا النسق، مؤمناً بأن المأثور هو الأداة الأنجعُ والأسلمُ في العملية التفسيرية.
وبين اللغة والمأثور يظهر الرأي نبراساً يعتمده الخضر حسين؛ ليستخرج ما توحي به اللغة، وما يكشفه المأثور؛ إذ لا يمر بآية إلا استحضر رأيه.
(1) محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 24).
(2)
محمد الخضر حسين "بلاغة القرآن"(ص 24).
ويلحظ القارئ ذلك من خلال الألفاظ والمصطلحات المستعملة من جهة، وما يصل إليه من فهم لدلالات الآيات من جهة أخرى.
وقيمة هذا المنهج تبدو في سعي صاحبه إلى أن يجعل أحكام القرآن ومعانيه مستجيبة لمتطلبات العصر وتطوره، مؤمناً بأن القرآن الكريم هو أهم دستور يضمن للأمة السلامة، ويخرج بها من بوتقة التخلف لمعالجة أهم المعضلات.
وقد تبين لي أن الخضر حسين عَلَمٌ من أعلام التفسير الإسلامي، ساهم بشكل كبير في إثراء المكتبة العربية الإسلامية بكتاباته في التأليف، والمقالات في المجلات والصحف، والقاء المحاضرات، كما كان له الدور الريادي في كشف معاني القرآن الكريم من خلال تفسيره، ودعوته إلى التمسك بأحكامه وتشريعاته، وجعلها مسايرة لمتطلبات العصر وضرورات التقدم. كل ذلك كان باعتدال يعكس قوة شخصيته، وهدوء طبعه، وغزارة علمه، وسعة اطلاعه.
ولا يسعنا -في خاتمة هذا العمل- إلا أن نقترح على المهتمين بالحقل المعرفي جمعَ ما كتبه الشيخ محمد الخضر حسين في التفسير، ونشره مستقلاً عن تآليفه الأخرى، وتحقيقه.
وعلى المشرفين على وضع البرامج إدراجُ دراسة تفسيره في برامج المعاهد والجامعات الإسلامية في فصل من الفصول تحت عنوان مادة "التفسير في العصر الحديث".
كما أدعو المختصين من أهل الفكر والثقافة، والمهتمين بتفسير القرآن إلى مواصلة بناء مشروعه التفسيري الذي رسم معالمه، وبيّن أسسه. على نحو
ما قام به محمد رشيد رضا مع محمد عبده في مصر. وفي تونس المراهنة على إحياء التراث رجال صدقوا ما عاهدوا عليه أنفسهم من بر للمعارف والعلوم، وخاصة ما تعلق بتفسير القرآن الكريم، نأمل أن يوجهوا هممهم لهذا المبحث سبيلاً لمساوقة التغيرات التي يشهدها العصر، والتحديات التي يفرضها، فتفرض علينا أن نتوجَّه إلى ما به يكون تأصيل الهوية.
* المصادر:
القرآن الكريم:
- برواية قالون لقراءة نافع من طريق أبي نشيط، الطبعة الأولى، صادر عن دار الفجر الإسلامي، دمشق (1426 هـ / 2005 م).
حسين محمد الخضر:
- "أسرار التنزيل" - المطبعة التعاونية، دمشق، 1976 م.
- "بلاغة القرآن"، طبعة المطبعة التعاونية، دمشق، 1971 م / طبعة الدار الحسينية للكتاب، 1997 م.
- "خواطر الحياة"، المطبعة التعاونية، دمشق، 1978 م.
- "رسائل الإصلاح"، المطبعة التعاونية، دمشق، 1971.
- "محمد رسول الله خاتم النبيين"، المطبعة التعاونية، دمشق، 1971 م.
- "الهداية الإسلامية"، المطبعة التعاونية، دمشق، 1976 م.
* المراجع:
ابن خلكان أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر:
- "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت لبنان.
الحسيني علي الرضا:
- "الإمام محمد الخضر حسين بأقلام نخبة من أهل الفكر"، الدار الحسينية للكتاب، طبعة 1، 1992 م.
الزركلي خير الدين:
- "الأعلام" - دار العلم للملايين، بيروت، طبعة 2، 1982 م.
ابن عاشور محمد الفاضل:
- "تراجم الأعلام" - الدار التونسية للنشر، تونس، 1970 م.
العك خالد عبد الرحمن:
- "أصول التفسير وقواعده" - ط 2، دار النفائس بيروت، 1986 م.
محمد كرو أبو القاسم:
- "أعلامنا" - دار المغرب العربي، تونس، 1973 م.
مواعدة محمد:
- "محمد الخضر حسين حياته وآثاره"، الدار التونسية للنشر، 1974 م.