الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلسة مناقشة
مناقشة حول المحاضرات وتعقيبات المحاضرين
* الأستاذ فتحي القاسمي (1):
- أريد أن أشكر الشكر كلّه لأساتذتي الذين تفضلوا بهذه المداخلات. هناك بعض التساؤلات التي أسوقها سريعاً:
بقدر ما أنا مسرور بصدور كتاب الأستاذ محمد مواعدة "محمد الخضر حسين حياته وآثاره" مستقبلاً في جزأين، أتساءل: أليس من باب الإضافة والطرافة أن نضيف إلى هذه اللبنات: المرحلةَ الأوروبية، خصوصاً أن هناك وثائق ومخطوطات كثيرة موجودة في برلين. وأنا بلغني منذ مدة قصيرة أن الأستاذ منير فندي قد جلب من المكتبات الألمانية وثائق هامة جداً حول فترة إقامة الشيخ الخضر في ألمانيا، وكانت للشيخ لقاءات هامة مع كبار المستشرقين، وأنا أضم صوتي إلى ما قاله الأستاذ علي الرّضا الحسيني من أنه كان يتقن اللغة الألمانية كتابة وقراءة.
- بالنسبة إلى المرحلة السورية، أتساءل: ألا يمكن أن نتحدث بهذا الإطار عن الدور التونسي في تأجيج مقاومة السوريين للاستعمار الفرنسي،
(1) الكاتب العام للجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي، وأستاذ محاضر مختص في النهضة الفكرية في الوطن العربي عموماً، وتونس خصوصاً.
وقد وظف الشيخ صالح الشريف، والخضر حسين اللذان اكتويا من الاستعمار الفرنسي، وقد وظفا تلك الثقافة لتأجيج شعور المقاومة ضد الجيش الفرنسي في سورية؟
ألا يمكن الحديث عن الخضر في تعاونه مع كوكبة من التونسيين الذين استقروا فترة ما بدمشق، وكان لهم دور في هذا الوعي الوطني؟
- بالنسبة إلى صديقي الدكتور حسين بن عزوز، لماذا مررتَ مرور الكرام عن تلك القضية الكبيرة التي جرى حولها حديث كثير؟ وهي وساطة الشيخ مصطفى بن عزّوز في قضية ابن غذاهم، خصوصاً أن وساطة الشيخ مصطفى ابن عزوز لإقناع علي بن غذاهم في إيجاد حل سلمي، في حين أن غاية الباي الغدر، وقتل بالسم علي بن غذاهم وهو في ريعان شبابه. وربما نجد هنا أن الشيخ التقي الورع لم يكن له الدهاء السياسي، وأنه ربما لو لم يتوسط في هذه القضية، لكان لابن غذاهم شأن آخر، وشكراً لكم.
* الأستاذ الحبيب الجنحاتي (1):
في الحقيقة، نظراً لما استمعت إليه، وخاصة في النقاش، حرصت على أن أسهم إسهاماً متواضعاً.
وقعت إشارة في كلام الأستاذ محمد مواعدة عن قضية تصنيف فكر الشيخ محمد الخضر حسين ضمن مفهوم الإصلاح.
أولاً: من المعروف أن الحركات الإصلاحية التي عرفها المجتمع العربي الإسلامي، وخاصة في منتصف القرن التاسع عشر إلى ما بعد ذلك: أن هذه
(1) باحث وكاتب وأستاذ في الجامعة التونسية.
الحركات مرت بمراحل وتيارات مختلفة، ويمكن تصنيفها بأكثر من تيار.
ثم نجد ضمن التيار الواحد من روّاده خصوصيات، وهذا الرائد ضمن تيار معين يتغير موقفه من هذه القضية، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، ومنها: شخص محمد عبده، كانت له علاقات مع الأفغاني، ثم أصدروا "العروة الوثقى"، ثم اختلف معه في الرأي.
بالنسبة للشيخ الخضر حسين، أعتقد -أيضاً- أن فكره الإصلاحي مرَّ بمراحل مختلفة، وليس هنا المجال للحديث عن هذه المراحل، المهم في هذا تفاعله، خاصة وأنه عاش في بيئات ثقافية وسياسية متنوعة، كيف أثرت هذه البيئات في تحوله الفكري الإصلاحي، ومواقفه الإصلاحية والسياسية.
مثلاً عندما نأخذ المرحلة السورية، هناك بدأ تيار واضح في قضية العروبة، وموقفه من السلطة العثمانية، ونجده في بعض الأحيان تحدث عن هذه العروبة، هل هو تحوّل؟
ما أريد أن أصل إليه، هو: المهم تنزيل هذه المراحل المختلفة في سياقها التاريخي؛ لأن هناك-أيضاً- فترة مهمة، هي قضية رحلته من إستنبول إلى ألمانيا، وانضمامه إلى حركة أصبحت تظهر الآن حولها الوثائق، وليس فقط مجهود أفراد، وإنما حركة تمثل تياراً يستغل ظروف الحرب العالمية الأولى؛ ليخدم القضايا الوطنية في المغرب العربي والعالم الإسلامي، وهناك علاقته المتينة مع أنور باشا.
وأختم بهذه الملاحظة: بأنه إلى جانب الدراسات المعروفة، ولاسيما الدراسات الأخيرة التي خرجت بالألمانية، وبعضٌ منها مذكرات ممن عرفوا بالقرب في برلين الشيخَ الخضر حسين، وليست مذكرات أنور باشا فقط، فهذه
الكتب معروفة نسبياً، الجديد هو الوثائق الألمانية الأصلية الرسمية؛ لأنه من حسن الحظ أن الوثائق الأصلية في برلين، والذين ترددوا على الشيخ الخضر، هذه الوثائق منعتها الحرب الثانية، موجودة، وأهم ما في هذه الوثائق هي: المراسلات من سفير ألمانيا في إستنبول إلى الخارجية الألمانية في برلين، وكثير من هذه الوثائق تحدثت عن هؤلاء الأشخاص، كيف نتعامل معهم؟ ما هي أهدافهم؟ هل هي متناقضة مع مصلحة ألمانيا؟ كل هذه التفاصيل أصبحت- والحمد لله- متوفرة بالنسبة للدارسين في المستقبل لهذه القضية. وشكراً.
* الأستاذ محمد قويدري (1):
شكراً للجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي على دعوتنا للمشاركة في هذه الندوة الهامة، وفي هذا اللقاء. عندي عدة ملاحظات:
أولاً: ذكر الأستاذ علي الرضا الحسيني: أن الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله عندما كان في دمشق، كان له اتصال مع تونس والجزائر.
أقول: وكذلك لم ينس الشيخ الخضر الجزائر عندما كان في تونس، فكان له اتصالات وزيارات ورحلات كتبها في مجلة "السعادة العظمى"، فهو قلبه دائماً على تونس، وعلى الجزائر، وعلى الأمة العربية والإسلامية رحمه الله.
ثانيا: إن والدة الشيخ الخضر حسين السيدة حليمة السعدية هي بنت
(1) باحث ومستشار في المحكمة العليا بالجزائر.
سيدي مصطفى بن عزوز، وجدته السيدة (للا دخَّة) أخت سيدي مصطفى بن عزوز، والدة سيدي الحسين، وزوجة جده سيدي علي بن عمر؛ أي: إن الشيخ مصطفى خاله وجده من جهة الأم، فجدّه عزوزي، ووالدته عزوزية رحمه الله.
ثالثاً: أحب أن أقول عن الطريقة الرحمانية: إنها تختلف عن الطرق الأخرى، القادرية والتيجانية يقدمون الرجل، والطريقة الرحمانية يقدمون الرجال والنساء، ومنهن من تولى شيخ الطريقة الرحمانية، وزينب البتول في زاوية الهامل تولت مشيخة الزاوية بعد وفاة والدها، وهي أول شيخة تحكم الزاوية في الجزائر، وسميت البتول؛ لصلاحها وتقواها.
رابعاً: إن الشيخ مصطفى بن عزوز دخل تونس سنة 1837، وأقام زاويته الشهيرة بنفطة لنشر الطريقة الرحمانية، ولتكون موئلاً وملجأً للثوار المجاهدين الجزائريين. وقامت هذه الزاوية بتقديم خدمات جليلة في نشر الطريقة والجهاد الوطني. والسلام.
* الأستاذ المنجي الشملي (1):
أتيت إلى هنا؛ تقديراً واعتزازاً بمحمد الخضر حسين، وتقديراً لأهل "نفطة"، والجزائر، والعرب جميعاً.
القضية، هي قضية شخصية العلامة محمد الخضر حسين، ولكن كنت أود في التدخل بالمرحلة التونسية، لكن لماذا ترك تونس؟ يجب أن نحلّل، لِمَ؟
(1) أستاذ في الجامعة التونسية، وباحث ومحقق.
عندما غادر الشيخ الخضر حسين تونس كان محروماً مقهوراً، هي قضيته، لما تقدم وشارك في امتحان الطبقة الأولى في الزيتونة، ولم ينصف؟
ثم مسألة أخرى وأخيرة، هي المرحلة الألمانية، وبعد صدور الوثائق الألمانية يجب أن ندرسها درسا هادئاً وموضوعياً. وشكراً.
* الأستاذ أنور بن خليفة (1):
لقد بحثت في تفسير الإمام محمد الخضر حسين للقرآن الكريم، وأعتبره في نهاية البحث شيخي وإمامي ووالدي؛ لأني صراحة عشت معه مرحلة طويلة جعلتني وإياه في روح واحدة.
سؤالي موجه إلى الأستاذ محمد مواعدة: في خدمة هذه الشخصية العظيمة غيّبت بكتابك موضوعاً هاماً، وهو تفسيره للقرآن الكريم برغم أهمية هذا الموضوع؟
* الأستاذ شمام:
لست مؤرخاً، وإنما أهتم بحضارتنا، عندما استمعت إلى ما قيل حول شخصية الشيخ الخضر، تبادر إلى ذهني شخصية أخرى تشترك مع الشيخ الخضر حسين في اهتماماته وجذوره، أعني بذلك: شخصية اهتمت بالإصلاح والسياسة، وعانت كذلك من المطاردة والنفي.
لماذا لم نذكر هذه الشخصية؟ وهو عبد العزيز الثعالبي.
سؤالي هو الآتي: هل للشيخ الخضر علاقة بهذه الشخصية، هل كانا يتصلان ببعضهما في الخارج والداخل؟ والسلام.
(1) أستاذ في معاهد الجامعة الزيتونة، وباحث ومحقق.
* مداخلات أخرى من الحضور:
- عندي اقتراح، هذا الاقتراح يتعلق بحياة الشيخ، وباعتبار أن حياته مليئة بالأحداث، وأن لنا دراسات مستفيضة عن فكره ونضاله السياسي، لماذا لا تكون هذه الدراسات ضمن إنتاج تلفزي كما هو الحال في الشرق يكرمون علماءهم؟
- المداخلات التي تمت وتناولت هذه الشخصية الجديرة بالاهتمام، مداخلات جيدة بالنسبة لما ذكره الأستاذ علي الرّضا الحسيني، ما هي الأسباب الوجيهة التي أدت إلى محاكمة الشيخ أمام المحكمة العرفية بدمشق أيام جمال باشا؟
- وغيرها من المداخلات التي تتضمنها إجابة المحاضرين عليها.
* تعقيب المحاضر الأستاذ محمد مواعدة:
أيها الإخوة والأخوات!
جواباً على الأسئلة والتساؤلات التي طرحت:
- حقيقة هذه الجلسة اليوم هي بداية الجلسات العلمية، أعطت الندوة البعد الحقيقي العميق.
نقول بكل صراحة: في بعض الندوات، تقع الجلسة الافتتاحية فقط، بعد الافتتاح تنطلق الأمور عادية، ولكن هذه الندوة أخذت أبعاداً علمية جادة بفضل الأساتذة والمحاضرين والمشاركين الذين أبدوا اهتماماً خاصاً بهذه الشخصية، شخصية محمد الخضر حسين بكافة وجوهها الإصلاحية والأدبية والنضالية.
- أقول بصراحة -أيضاً-: إنه ترددنا كثيراً في مكان تنظيم الندوة،
في تونس العاصمة، أم في نفطة؟ ولكن جميع الأساتذة والمهتمين بهذا العلامة كدوا أن تنعقد في "نفطقة"، والإخوة في (الجمعية التونسية للبحوث والدراسات حول التراث الفكري التونسي) قالوا: لابدَّ أن تنعقد في "نفطقة" لسبب أساسي، هو: أهمية تنظيم هذه الندوة من حيث الهوية الوطنية الحضارية، برغم أنه كان هناك اتجاه أن تنعقد في تونس.
هذه الشخصيات الهامة هي ركائز موجودة في مكان ما، ولكل بلد له وضعه ومكانته: ابن الشباط في "توزر"، الحبيب بورقيبة في "المنستير"، وغيرهم. هذه الشخصيات هي ركائز حضارية تؤكد تثبيت الهوية الوطنية في الأماكن التي ولدت فيها.
- بالنسبة للمرحلة التركية، والمرحلة الألمانية للشيخ. أنا قلت في كتابي ملاحظة إن هذه الشخصية لها جوانب متعددة تستحق الدرس والتحليل، وفي الطبعة الأولى لكتابي أشرت إلى العديد من الأمور التي تحتاج إلى بحث واستقصاء توضيح.
وهناك مساعٍ جادة للتوصل إلى وثائق الخارجية الألمانية والتركية، ووزارة الحرب التركية والألمانية؛ للتمكن منها، وسأتناول في الطبعة الثانية من كتابي هاتين المسألتين الهامتين، وهما مرحلتان سياسيتان، بالإضافة إلى العديد من الأسئلة التي مازالت تطرح في سيرة الرجل، وتحتاج إلى جواب.
- بخصوص وساطة الشيخ مصطفى بن عزوز بين الباي وابن غذاهم، فإن الشيخ تدخل بصفة دينية وعلمية، وبالإضافة لذلك: مكانته لدى السلطة الحاكمة في عهده، وخاصة لدى الباي محمد الصادق، ولولا ما كان يتمتع به
شيخ الطريقة الرحمانية من تقدير وإكبار من قبل الجانبين المتنازعين، لما نجحت هذه الوساطة، أما ما نتج عن هذه الوساطة، فالواقع يحتاج الموضوع إلى التوسع في البحث والدراسة لنصل إلى الحقيقة، هذا يحتاج إلى ندوة في المستقبل.
- رداً على الأستاذ ابن خليفة، فإن كتابى قد استوفى كل ناحية من حياة الشيخ الخضر، وإذا قرأ كتابي بإمعان، فسيجد أني أوليت مكانة القرآن الكريم في حياة الشيخ مكانها الأول، وقد أبرزت في الكتاب البيئةَ التي عاش خلالها الشيخ في نفطة، وقلت: إن عدداً كبيراً من الجوامع والمساجد يتجاوز الأربعين كانت كلها مواطن عِلْم يتلى فيها كتاب الله، وتلقى فيها دروس الفقه والحديث واللغة والأدب.
وقلت بشكل واضح: إن الشيخ محمد الخضر حسين تربى في هذه البيئة العلمية الثقافية، وما يحيط بها من ورع ديني، وحفظ القرآن الكريم على مؤدبه الخاص الشيخ عبد الحفيظ اللموشي.
ثم إن الشيخ الخضر هو ابن زاوية عاش فيها، وتعلم في صغره العلوم الدينية واللغوية، بما في ذلك تفسير القرآن الكريم، وهذا واضح في كتابي.
- إن هذه الندوة ستتبعها ندوات، وستتناول بشكل دقيق كل المواضيع التي طرحها الإخوة المتداخلون، والجواب على كافة التساؤلات التي مازالت حتى اليوم على الألسنة.
وهذه الندوة لا يمكن أن تلمّ بكل ما يتعلق بشخصية متعددة المواهب والكفاءات، مثل شخصية الشيخ محمد الخضر حسين، والندوات القادمة
سوف تبين كل ما يمكن السؤال عنه.
- بالنسبة للعلاقة بين الشيخ الخضر حسين والشيخ الثعالبي لم تكن قائمة، هذا باختصار شديد، وهذه معلوماتي الخاصة، وهذه قضية تحتاج إلى بيانها، والأسباب التي كانت في تلك الفترة، والتي أدت إلى هذا الأمر.
- لماذا غادر الشيخ محمد الخضر حسين تونس؟ هذه الأسباب أوضحتها في كتابي "محمد الخضر حسين حياته وآثاره"، وفي الطبعة الجديدة ساتناولها بتفاصيل أكثر.
هناك ثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول: هي الطريقة التي عومل بها الشيخ من قبل علماء الزيتونة عندما تقدم للمناظرة للطبقة الأولى من المدرسين
…
هذه القضية طرحتها مع الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، وقال لي: إن الشيخ الخضر لم يجد حقه.
والسبب الثاني: القضية السياسية.
والسبب الثالث: وجود عائلته بدمشق؛ لأنه ذهب إلى دمشق مرتين، ذهب في المرة الأولى برحلة إلى بلاد الشام كما يقول الشيخ:"إن الباعث هو زيارة الأهل وفاء بحق صلة الرحم" في جويلية 1912 م، ثم عاد إلى تونس يوم 24 نوفمبر 1912 م، ومن ثم قرر العودة إلى الشرق، والاستقرار مع إخوته بدمشق، ورأى:"أن القيام بحق الاسلام يستدير مجالاً واسعاً، وسماء صافية"، وتم ذلك خلال شهر ديسمبر 1912 م.
- بخصوص البحوث والدراسات حول الشيخ محمد الخضر حسين، هناك عدة دراسات حوله، وهناك في الجامعة التونسية توجهات حول هذا
الموضوع، بعد أن توفرت مؤلفاته التي كانت نادرة، ونامل المزيد من دراسة هذه الشخصية وتحليلها والتعريف بها، والاستفادة من آرائها في كافة المجالات العلمية التي يتناولها الشيخ.
- إن هذه الندوة ليست للتعريف فقط بالشيخ، إنما هي للدراسة والتحليل، والبحث في علومه وآثاره، إن هذه الشخصية عظيمة، صامدة، لها أبعاد متعددة، وكما قلت في كتابي: هو الرجل العالم، والأديب، واللغوي، والمصلح، والسياسي، ومع ذلك عندما ستعقد الندوات عن الشيخ الخضر مستقبلاً ستتناول هذه الشخصية وفق تلك الصفات. وشكراً.
* تعقيب المحاضر علي الرضا الحسيني:
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك نقاط هامة تساءل عنها المتداخلون والحضور الكرام، أحببت أن أوضحها باختصار:
- أرى أنه من الواجب تجاه الشيخ الإمام محمد الخضر حسين أن لا نفسر أمراً من أموره بأكثر مما يستحق من التفسير؛ لأن تفسير الأمر يتعلق حسب زمانه ومكانه، والشيخ في حياته المباركة من "نفطة" إلى مشيخة الأزهر في القاهرة لم يكن غامضاً، ولم يكن ذا وجهين، ولم يكن في السر ما لم يكن في العلن، فإن صلته بالله سبحانه وتعالى، وإيمانه القوي برسالة الإسلام، فتح له الطريق واضحة لا عوج فيها، على هذا المبدأ يجب أن نفهم الشيخ، ونقرأه، وندرسه، ونحلله.
- لماذا لم يتعامل مع المجاهدين العظيمين: إسماعيل الصفايحي، وصالح الشريف بدمشق؟
سبق وأن قلت: إنه لاشك ولا ريب عند كل منصف: أن الإمام محمد الخضر حسين، والمجاهد الشيخ صالح الشريف، والعلامة المناضل الشيخ إسماعيل الصفايحي، هؤلاء الأبطال الثلاثة تونسيو الولادة، زيتونيون تعلماً وثقافة، إسلاميون نضالاً وفكراً ودعوة.
لم يجتمع الإمام الخضر حسين بالشيخين في دمشق؛ لأن الشيخ الخضر قدم دمشق سنة 1912 م، وقد سبقه الشيخان بمدة، فالشيخ صالح الشريف غادر تونس 1906 م، وعاش مدة ستتين في دمشق، وكان له شأن عظيم لا مجال لذكره في هذه العجالة، ثم سافر إلى تركيا، أما الشيخ إسماعيل الصفايحي، فقد توجه إلى الشرق سنة (1324 هـ - 1906 م)، وأقام مدة قصيرة في دمشق، وانتقل إلى تركيا.
فالشيخان سبقا الشيخ الخضر إلى دمشق، وغادراها قبل قدومه، وهذا سبب عدم تعامله معهما في دمشق، وكان تعامله ولقاؤه بهما لأول مرة في إستنبول سنة 1915، أو 1916 م) ثم كان كفاحهم المشهود له في برلين. وهذا يحتاج إلى متسع من الوقت للإفاضة، وما أكثرَ ما في الجعبة من تلك المشاهد الرائعة!
- لماذا لم يحارب الشيخ الخضر الاستعمار الفرنسي الذي فرَّ منه في تونس، لماذا لم يحاربه بدمشق؟
إن حياة الشيخ الخضر -منذ مغادرته تونس وحتى آخر حياته الشريفة- كلها نضال وكفاح، ولتونس القسم الأكبر من هذا النشاط.
لقد حارب الشيخ الخضر فرنسا في كافة الميادين، بدمشق، وألمانيا، ومصر. وبالرجوع إلى نشاطه في برلين، وقيامه بتحريض الجنود المغاربة
في الجيش الفرنسي للفرار من الجبهة الألمانية - الفرنسية، وانضمامهم إلى جيش وطني يعمل على تحرير تونس والمغرب من الاحتلال الفرنسي الغاشم. وما حكمُ الإعدام الذي أصدرته فرنسا، ومصادرةُ أملاكه إلا الدليل القوي على أثر محاربته ونضاله ضد فرنسا عند المحتل الفرنسي. وآمل من السائل أن يرجع بإمعان إلى تاريخ الشيخ؛ ليجد الجواب الكافي والشافي.
- لماذا اتصل بالتونسيين، ولم يتصل بالجزائريين؟
لا أدري ماذا يقصد الأخ السائل؟ هل يقصد اتصاله بالتونسيين والجزائريين في دمشق؟ أم مراسلة بعض التونسيين والجزائريين من دمشق؟
للشيخ اتصالات واسعة بدمشق مع كل من أبناء تونس والجزائر، ولمزيد من الإيضاح هنا أشير أن أبناء المغرب العربي من المغرب إلى الجزائر وتونس وليبيا هم في عرف السوريين مغاربة، لا فرق بين هذا وذلك -أقول هذا بصدق لا عن عاطفة-، وكان اتصاله بهم مستمراً ومتيناً، حتى إن حي المغاربة في مدينة دمشق، وفي منطقة تسمى:"السويقة" حي كبير يضم كافة أبناء المغرب دون تفريق.
أما مراسلاته من دمشق مع المغاربة، فلاشك أنها كانت قائمة، ولا ندري حجمها، أما مراسلاته خاصة مع التونسيين، فقد اتصل بشخصين -حسب ما وقع تحت يدي من رسائله- هما: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الصديق والأخ الوفي، والشيخ محمد الصادق النيفر، برسائل عاطفية، ولم يتدخل فيهما بالسياسة.
إن المهام العظام التي يحمل الشيخ رسالتها لم تسمح له بالمراسلات الكثيرة التي لا طائل منها إلا بث الشوق. فقد كان الشيخ وقتُه مليئاً بالأعمال،
وحتى الشيخ محيي الدين القليبي رحمه الله يتحدث عن يوم في حياة الشيخ، إذا قرأناه، نستغرب هذه الطاقة الإيمانية عند الشيخ، فهو يخرج من داره بعد صلاة الفجر
…
وتبدأ أعماله، ولا أريد أن أطيل هنا، ولعلها في مناسبات أخرى.
- يسأل الأستاذ عن الصلة بين الشيخ الخضر حسين والشيخ الثعالبي، وهل كانا يتصلان بالداخل والخارج؟
لم تكن هناك علاقة قائمة بين الشيخين، أما عن الأسباب، فالله أعلم بذلك، إلا أنني لم أجد في كافة كتبه وأوراقه الخاصة التي حصلتُ عليها كلمةً واحدة عن الشيخ الثعالبي، ومن طبيعة الشيخ الخضر لا يرغب في عمل حزازات شخصية مع أي شخص كان، أما إذا كان الأمر يتعلق بعظمة الإسلام -كالرد على طه حسين، وعلي عبد الرازق وغيرهما-، فلن يقف صامتاً، بل يغضب لله، ويقول حقاً.
- لم تقم أية صلة بينه وبين الشيخ محمد عبده، ولا علم لي بالسبب، ولم أجد في أوراقه وكتبه ما يتعلق بهذا الأمر.
- الشيخ الخضر من دعاة الوحدة الإسلامية، وله في هذا الميدان بحوث ومقالات عديدة، وقد انتقد رجال الخلافة الإسلامية؛ لما شاهده من ضعف ووهن في نظامها، ولكنه كان من دعاة التقاء المسلمين ووحدتهم؛ لما في ذلك من قوة للإسلام.
- دعوته إلى الإصلاح من أولى مبادئه وعقيدته، وإن مؤلفاته مليئة بالبحوث التي تدعو إلى الاصلاح في كافة ميادين الحياة، الدينية والاجتماعية والأدبية، وأول كتاب نشر في تونس:"الدعوة إلى الإصلاح"، وهو - على
صغر حجمه - يمثل مدرسة في الإصلاح، وفي القاهرة أصدر كتابه:"رسائل الإصلاح".
إن مواضيع الإصلاح واضحة في مؤلفاته، ولا تحتاج إلى عناء للوصول إليها.
- لماذا ترك تونس؟
سؤال يتناقله الكثير من الباحثين، ويفردون له التحاليل والظنون، وأنا أرى من خلال دراستي لحياة الشيخ، وطموحه في خدمة الإسلام: أنه ليس هناك غرابة، صحيح أن ما ناله من شيوخ الزيتونة من أذى، هذا سبب، ولا أعتقد أنه السبب الأهم؛ لأن الشيخ فوق هذا التفكير. ولعل السبب المهم في الدرجة الأولى: رغبته في الانتقال إلى ميدان أوسع للنضال والكفاح، والإصلاح والعمل السياسي، فأتى إلى سورية، ووجد فيها مبتغاه، يضاف إلى هذين السببين: وجود عائلته في دمشق.
- أما اعتقاله في دمشق في عهد جمال باشا؟
من سجل الإمام المتعلق بجهاده الإسلامي اعتقاله في دمشق في (شهر رمضان 1334 هـ - 15 أوت 1916 م) لمدة ستة أشهر وعشرة أيام، وجرت محاكمته أمام المجلس العرفي العسكري، وطلب المدعي العام عقوية الإعدام، والتهمة: أنه حضر في مجلس خاض فيه أحدُ المحامين اللبنانيين في سياسة الدولة، وسعى إلى تأسيس جمعية تدعو إلى الانفصال عن الدولة العثمانية، وقد استفتي الشيخ في هذا، ورأت إدارة البوليس أنه مسؤول عن عدم إبلاغ الحكومة في حينه، وحكم المجلس العرفي بالبراءة. ومن رفاقه في السجن: شكري القوتلي الذي شغل منصب رئيس الجمهورية السورية، وفارس الخوري
رئيس وزرائها، وسعدي بك الملا الذي أصبح رئيسا للوزارة اللبنانية، فكان اعتقال الشيخ سياسيا، وقضت المحكمة ببراءته.
- أقول في الختام: إن كثيراً من مراحل حياة ومؤلفات وأفكار الشيخ الخضر حسين تحتاج إلى مزيد من الدرس والتحقيق، ولعل الندوات القادمة تنجز هذه الآمال في هذه الشخصية الإسلامية العالمية، والسلام عليكم.