المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تطوير الفكر الديني من خلال مجلة "السعادة العظمى - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٥/ ٢

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(30)«الإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين وإصْلَاحُ المُجْتَمَعِ الإسلامِي - تُونس»

- ‌المقدمة

- ‌كلمة اللجنة التنظيمية

- ‌كلمة السيد والي توزر الترحيبية

- ‌كلمة السيد وزير الثقافة والمحافظة على التراث الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي بافتتاح أعمال الندوة

- ‌كلمة الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي

- ‌كلمة عائلة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌كلمة المشاركين في الندوة

- ‌كلمة الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي

- ‌المرحلة التونسية في حياة الإمام العلامة محمد الخضر حسين

- ‌المرحلة السورية في حياة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌المرحلة المصرية في حياة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌زواية الشيخ مصطفى بن عزوز، وأشهر أعلامها

- ‌مناقشة حول المحاضرات وتعقيبات المحاضرين

- ‌الفكر الإصلاحي ومشاريع التحديث

- ‌الإصلاح التربوي في فكر الإمام العلامة محمد الخضر حسين

- ‌مجلة "السعادة العظمى" وقضايا الإصلاح

- ‌تطور الخطاب الديني عند الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌تطوير الفكر الديني من خلال مجلة "السعادة العظمى

- ‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين مفسرا ً

- ‌دور المثقف في توثيق العلاقات المغاربية

- ‌كلمة وزير الشؤون الدينية الدكتور أبي بكر الأخزوري في اختتام أعمال الندوة

- ‌تحية إلى نفطة والجريد في ختام الندوة

- ‌ملاحظة واعتذار

- ‌الورقة العلمية

- ‌برنامج الندوة

- ‌شهادات حول العلامة محمد الخضر حسين

- ‌نفطة (الكوفة الصغرى) تحتضن ندوة علمية حول العلامة محمد الخضر حسين

- ‌الفن يحتفي بخريج الزيتونة - شيخ الأزهر

- ‌شيخ الأزهر العلامة التونسي محمد الخضر حسين محل ندوة علمية في "نفطة

- ‌شهادة تقدير

الفصل: ‌تطوير الفكر الديني من خلال مجلة "السعادة العظمى

محاضرات الندوة

‌تطوير الفكر الديني من خلال مجلة "السعادة العظمى

" (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

ما أريد أن أقول في هذا العمل الذي قمت به هو: أن الشيخ محمد الخضر حسين له مكانة في تونس، حينما كان يعيش في تونس، حينما أنشأ مجلة "السعادة العظمى"، جدير بنا أن نفكر بها، لا أن نستعرضها.

فلذلك سأبدأ بمقدمة، ثم سأتطرق إلى جوهر الموضوع من خلال نقاط ثلاث.

أما المقدمة، ففيها جانبان:

الجانب الأول: يتمثل في قدوم، "الآفاقي"(2) إلى الحاضرة، هذا الذي جاء من "نفطة" كما جاء الشيخ سالم بو حاجب من "بنبلة" إلى تونس الحاضرة بما فيها من "علماء".

ماذا أحدث؟ من أين انطلق؟ وماذا أحدث؟

(1) محاضرة الدكتور كمال عمران رئيس (الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي)، وأستاذ جامعي، ومدير إذاعة الزيتونة بتونس.

(2)

تطلق كلمة (الآفاقي) في تونس على القادم من خارج المدينة، من الريف أو الصحراء، وهي كلمة كانت تعني في الماضي شيئاً من الحطّ بالقيمة.

ص: 143

انطلق من "نقطة" حيث الاتساع، حيث الجرأة، حيث الشجاعة، حيث الفطرة، الفطرة الذي يجعل التفكير بداية لا نهاية؛ لأن هناك من يستعمل الفطرة؛ بكون الأنسان بلا فطرة، وانتهى، لا الفطرة باعتبارها بداية للتفكير.

حينما دخل -في تقديري- الشيخُ محمد الخضر حسين بعقلية (الآفاقي) فتح فتحاً مبينا في الحاضرة (1)، وفي جامع الزيتونة، بهذه القيم التي استلهمها من موطنه من "نقطة" كما استلهم الشيخ سالم بو حاجب، وغير هؤلاء الكثير الذين دخلوا إلى تونس، لا أذكر الشابي، لا أذكر الحداد، لا أذكر زعماء السياسة الذين جاؤوا من الآفاف، ودخلوا الحاضرة، فأهاجوا في الحاضرة نوعا من التفكير غيَّر نزعة الثقافة التونسية العربية الإسلامية. وحينما أقول: تونسية، فإني أتكلم على ثقافة تونسية عربية إسلامية قومية.

هذا الجانب -في تقديري- مهم، والتفكير فيه ضروري، حتى ندرك فضل هؤلاء الذين جاؤوا إلى تونس، وفتحوا الفتح المبين، بأن جعلوا من النسق الفكري نسقاً فيه من الجرأة، وفيه من الشجاعة ما جعل الشيخ الخضر يكتب هذه الكتب، وأكثر منها غير موجود على المنصة.

النقطة الثانية: الجامع الأعظم في تونس حينما جاء الشيخ الخضر حسين، كان فيه -في تقديري- نزعتان: نزعة يترأسها الشيخ سالم بو حاجب، ونزعة يترأسها شيخ الإسلام أحمد بن الخوجة.

سأذكر حادثتين، وهما تكفيان عن الإبانة عن خصائص جامع الزيتونة بين هذين المفترقيْن:

(1) يطلق لفظ (الحاضرة) على مدينة تونس العاصمة.

ص: 144

الشيخ أحمد بن الخوجة كان هو شيخ الإسلام حينما دخلت فونسا تونس ليلة 12 ماي 1881 م، ولعله من الصدف أن مراسل جريدة "التايمز" أحدث معه حواراً، مختصرُ هذا الحوار هو ما يلي: كيف لك سيدي شيخ الإسلام، وأنت نصير الإسلام، ترتضي أن يُمضي الباي معاهدة فيها حماية أجنبي مسيحي غربي على تونس المسلمة الشرقية إلى آخره، كيف كان الجواب؟ جواب شيخ الإسلام هو: أنه لا يُمضي إلا بعد أن أمضى ولي أمره، وشأنه أن يكون خاضعأ لولي أمره، فالصادق باي أمضى، فعليّ أنا -شيخ الإسلام- أن أمضي. لا أريد أن أعلق، الأمر واضح.

الشيخ أحمد بن الخوجة هو الذي أفتى فى مشكلة (الشوكولاته)(شوكولاته مينييل) التي دبَّ في تونس الحاضرة أن هذه الشوكولاته التي تأتي من مرسيليا كانت تصنع من شحم الخنزير، فعطّل الناس شراء هذه الشوكولاته، فأفتى في حِلِّية أكل الشوكولاته. هذا نموذج من شيوخ جامع الزيتونة، مع احترامنا لهم.

الشيخ سالم بو حاجب كان صفة أخرى من الآفاق، الذي جاء فحرر بالجرأة والشجاعة. أكتفى بأن أقول بأنه في المحاضرة التي افتتح بها دروس المدرسة الخلدونية سنة 1897 م، قال كلاماً ليس له من نظير لربما إلى يوم الناس هذا، وإذا قارنته بمحاضرة الشيخ محمد عبده في نفس المكان، وبعد سنوات، فمانني أرى البون بائناً بين الشيخ سالم بو حاجب، والشيخ محمد عبده؛ لأن الشيخ سالم بو حاجب خلاصة ما قاله، قال: إن العلوم الدينية لا ترقى إلا إذا ارتقينا بالعلوم الدنيوية، شرط الارتقاء بعلوم الشرع: الارتقاء بالعلوم الدنيوية. الشيخ محمد عبده قال، وأطال في الطريقة التقليدية في

ص: 145

استنهاض همة المدرسين والطلبة في جامع الزيتونة.

هاتان المقدمتان أردت بهما أن أشير إلى الوضع، البيئة، التي نشأ فيها الشيخ محمد الخضر حسين، وشارك فيها. كيف شارك؟

في تقديري، منظومة التطوير عند الشيخ محمد الخضر حسين فيها مجالات تحتاج إلى المراجعة، مراجعتنا نحن؛ لأننا -في تقديري- من المقصرين إزاء الشيخ محمد الخضر حسين وغيره من الذين كانوا أعلاماً، وأعطوا للفكر التونسي إلى يوم الناس هذا الثوابتَ التي ينبغي أن نعرفها، وأن نعرّف بها شبابنا على وجه الخصوص.

أول فكرة -في تقديري- جوهرية، هي فكرة العقل. كيف عاد الشيخ محمد الخضر حسين إلى منظومة العقل لتطوير المنظومة الدينية، العقل في تاريخ المسلمين له شأن كبير، ولكنه شأن منزلق من القوة إلى الضعف.

بدأ العقل اجتهاداً واستنباطاً، ونشراً للعلوم والمعارف، ثم ارتبط بالتقليد، والتقليد إنما هو كسر للعقل، واتباع لآراء البشر، وتبني الآراء المقلدة بدلَ العودة إلى القرآن والسنّة، والتماس الحجج منهما. الشيخ محمد الخضر حسين حينما نظر إلى العقل كأني به يسترجع ما قاله أبو سليمان المنطقي، ابن بهرام السجستاني له كتاب عنوانه:"سوار الحكمة"، نقل عنه أبو حيان التوحيدي ما يلي، يقول: إن الشريعة حق، ولكنها ليست من الفلسفة في شيء، وإن الفلسفة حق، ولكنها ليست من الشريعة في شيء، فوجب الأخذ بهما في مكانين متوازيين؛ وصولاً إلى السكينة الإلهية، أو إلى الحكمة الإلهية.

انظروا العقل الذي كان صافياً إلى درجة التمييز بين الفلسفة، وهي واجب على المجتمع، والشريعة، وهي واجب على المجتمع.

ص: 146

لم ينفِ هذا بذاك كما سيحصل انطلاقاً من القرن الخامس إلى يوم الناس هذا تقريباً حينما أصبحت الفلسفة بدعة أو زندقة، وعلم الكلام بدعة. وما أدراكم أن المقَّري يخبرنا أن أمراء الأندلس كانوا يقتلون الفلاسفة تقرباً من العامة.

العقل عند الشيخ محمد الخضر حسين -والشاهد على ما أقوله مأخوذ من مجلة "السعادة العظمى"- هو المؤسس لكل تطوير في المنظومة الدينية الإسلامية.

فإذن العقل عند الشيخ هو أداة للتأسيس، وأداة لمراجعة الثقافة العربية الإسلامية.

الجانب الثاني: هو التطوير بالعودة إلى الأصل، وهنا من النقاط الجوهرية التي وجدتها واضحة لدى الشيخ في "السعادة العظمى".

ما معنى الأصل؟ كيف نعود إلى الأصل لنطوّر؟ كيف نعود إلى الوراء لنطوّر؟

هنا التمس الشيخ مبدأً جوهرياً يتمثل في مناقشة معنى الأصل، ما هو الأصل؟

الأصل عنده: هو مقتضى حديث نبوي شريف "خيرُ القرون قَرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، ما معنى هذا الحديث؟ القرن هو: الجيل، ثلاثة أجيال زكّاها النبي، وجعلها المرقاة إلى كل تطوير.

ما معنى العودة إلى الأصل؟ العودة إلى الأصل: العودة إلى القديم.

والقديم في مناقشة لطيفة بين الأستاذ عبد الوهاب بو حدييه، والمستشرق الفرنسي (جاك بيرك).

ص: 147

يعالج الأستاذ عبد الوهاب بو حديية فكرة القديم، ويقول لجاك بيرك: القديم عندنا ليس نصّه عندكم. ثمة فرق كيير بين القديم عندنا بمقتضى العلاقة بين التجديد والقديم، يقول: القديم عندنا فترة من التاريخ، نعم، فترة من الزمان، نعم، حددت بالسنوات اثنين، ثلاثة، تسعين سنة، أو مئة سنة على أقل تقدير. هي في الزمان، ولكن أصبحت أنموذجاً على الزمان.

الاختراق، فترة الأصل فترة القديم من الزمان تسعين أو مئة سنة التي عاشها الصحابة بأخطائهم بالفتنة الكبرى، بما فيها من معايب، لكن بما فيها من الخصال الممارسة عن النبي، والتابعين عن الصحابة، وتابعي التابعين عن التابعين.

هذه الأشياء الثلاثة يقول الأستاذ عبد الوهاب بو حديية ما لم يقله الشيخ، ولكن كان ليختصره اختصاراً

الفترة القديمة التي كانت في الزمان من الزمان، ولكنها أصبحت أنموذجاً لذي ينبغي أن يعود إليه البشر حتى يدركوا ثوابت الإسلام، حتى يستصلحوا أحوالهم في ضوء هذه الفترة القديمة؛ لأن شريعة الحق، شريعة الأصل: الفترة التي ذكرها "خير القرون قرني"، هي الشريعة تؤدي إلى حقوق الإنسان بلا منازع، ولكن الركام ساد على الفكر الإسلامي، الركام هو الذي أفقدها نظرتها.

هل يمكن أن نعد الشيخ مصلحاً في هذا السياق؟

أظن أنه نجنبه مصطلح الإصلاح بالمعنى الضيق، أما بالمعنى العام لعبارة الإصلاح، فنعم، لم يكن الشيخ محمد الخضر حسين مصلحاً كشأن الشيخ بيرم الخامس، وإن كان الشيخ بيرم الخامس متطوراً، أو غيره من الذين عاشوا؛ كخير الدين الذي تكلم عن الإصلاح، والطهطاوي، وكل الذين

ص: 148

تكلموا على موضوع الإصلاح بالمعنى الذي ذكرته.

الفكرة الأخيرة تتعلق بالتطوير انطلاقاً من القيم المدنية، وهذا لافت في نظر الشيخ؛ لأن العودة إلى الأصل، التطوير بالتفقه بالدين، هذا من شأن المنظومهّ الدينية الداخلية، ولكن للشيخ فكراً يدعو إلى تطوير المنظومة الدينية عبر القيم التي هي إسلامية محضة؛ كالوقت، كالعمل، كالعمران، هذه المصطلحات التي تناولها الشيخ في "السعادة العظمى".

هذه القيم التي كان يبدو أن ثقافة المسلمين كانت خالية منها، فجاء يدعو إليها بمقتضى الأصل، بمقتضى القرآن والسنّة، وبمقتضى حال الوقت، أو بمقتضى روح العصر الذي عاشه، وهو في سنة 1904 م، وقد أصدر مجلة "السعادة العظمى".

أريد أن أختم بأن الشيخ اهتدى لأول مرة في تونس إلى الصحافة الدينية.

صحافة، ما دورها؟ من كان يكتب فيها في تلك الفترة من 1860 إلى 1888 م بجريدة الحاضرة إلى "السعادة العظمى"، وإلى المجلة "الزيتونية"؟

أقطاب الفكر التونسي كلهم كانوا يكتبون في الصحافة.

جلّ المفكرين التونسيين من المدرسيين، أو من المسجديين كانوا يكتبون في الصحافة.

أليس من الجرأة التي تعيدني إلى من جاء من "نقطقه" حيث الاتساع إلى الحاضرة؛ حييث الضيق والمحبس، لكي ينشر قيما في الصحافة التي كانت تقرأ في المقاهي الأدبية، وفي الجمعيات، وفي المنتديات؛ حيث كان عامة الناس من الذين يجهلون القراءة والكتابة، يصغون إلى من يقرؤون عليهم الصحف والمجلات، ومنها:"السعادة العظمى".

ص: 149

خاتمتي: هي كون الشيخ لم يكن من الإصلاحيين، بل كان من التطويريين، لم يكن من المجددين، بل كان من التطويريين، وحسبه أنه نفخ في البلاد التونسية عبر "السعادة العظمى" هذه النسمات التي سيجني منها الفكر التونسي من خلال "المجلة الزيتونية" ما به يرسي ثوابت للفكر الديني.

وكانت "السعادة العظمى" تجذف مع تيار لمجلة أخرى هي مجلة "العالم الأدبي" لزين العابدين السنوسي، وكانت نفحاتها تحديثية. و"المجلة الزيتونية" كانت تجذف مع تيار مجلة "المباحث"، وإن كانت -أيضاً- تحديثية.

انظروا هذا التوازي في المجلات الدينية التحديثية، كيف أننا إزاء تيارين هما اللذان سيصنعان هويتنا اليوم، فأية هوية نختار خارج هذا الاعتدال بين منابت دينية ومنابت حداثية.

وهذا ما أرساه فينا الشيخ محمد الخضر حسين.

وشكراً لكم على الصبر.

ص: 150