الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجرموق خلافًا لقوله الجديد بالمنع من ذلك تحرزًا من انفراد الشافعي عن سائر العلماء الذين وافقوه في مذهبه القديم. قال المزني رحمه الله: قال الشافعي رضي الله عنه (1): ولا يمسح على جرموقين. قال (يعني الشافعي) في القديم يمسح عليهما (قال المزنى) قلت أنا: ولا أعلم بين العلماء في ذلك اختلافًا وقوله (يعني قول الشافعي) معهم (يعني مع العلماء) أولى به من انفراده عنهم (2) .. اهـ.
ومن هذا القبيل: ترجيح الموفق ابن قدامة إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله باعتبارات عدة. منها أنه قول أكثر أهل العلم، ومن أمثلة ذلك: اختلاف الروايتين عن أحمد في من جنى على سنٍّ فسودها هل فيها حكومة، أم ثلث الدية (3). ومن أمثلته: ما قاله الموفق في مسألة الموضحة في الوجه والرأس وأنها فيهما سواء وقد روى عن أحمد ما يخالف ويوافق هذا، قال الموفق: وحمل كلام أحمد على هذا (يعني التسوية فيهما) أولى من حمله على ما يخالف الخبر وقول أكثر أهل العلم (4) اهـ.
ومن هذا القبيل: ترجيح الإِمام ابن بطال المالكي لإحدى الروايتين عن مالك رحمه الله تعالى في مسألة التكبير بعد الفراغ من التشهد الأول من حين بدء قيامه إلى الركعة الثالثة أو بعد انتصابه قائمًا قال ابن بطال: وهذا الذي يوافق الجمهور أولى (يعني الرواية الأولى)، قال: وهو الذي تشهد له الآثار .. اهـ نقله عنه النووي رحمه الله تعالى (5).
قال الحافظ ابن الصلاح ذاكرًا بعض ما يترجح به أحد القولين للشافعي أو الوجهين للأصحاب (يعني أصحاب الشافعي في المذهب): ويترجح أيضًا ما وافق أكثر أئمة المذاهب، قال النووي: وهذا الذي قاله فيه ظهور واحتمال (6). اهـ.
"
قول الجمهور" وقاعدة "الخروج من خلاف العلماء مستحبٌّ
"
نقل غير واحدٍ من الأئمة اتفاق العلماء على استحباب الخروج من خلاف العلماء في
(1) يجوز الترضي عن غير الصحابة الكرام وهو هنا من باب الدعاء وأما في حق الصحابة فهو من باب الإخبار عن شهادة الله تعالى عنهم وهذا الذي ذكرته هو الذي عليه أكثر العلماء، وذكر هذا النووي وغيره.
(2)
انظر الحاوي للماوردي في ج 1 ص 366.
(3)
انظر المغني في ج 9 ص 637.
(4)
المغني في ج 9 ص 642.
(5)
انظر المجموع في ج 3 ص 406.
(6)
انظر مقدمة المجموع للنووي في ج 1 ص 115
المسائل المتنازع فيها إذا أمكن ذلك (1) فقهًا وتطبيقًا، وقد جرى عمل الفقهاء على هذا في مصنَّفاتهم رحمهم الله تعالى وهي قاعدة جليلة فيها ورع واحتياط، وفهم لمقاصد الشريعة، وأدب بين المختلفين من أهل الفقه والمجتهدين.
قال الإِمام ابن قدامة رحمه الله بعد ما ذكر القولين لأهل العلم في وقت جواز صلاة الجمعة، وهما بعد الزوال وقبله قال رحمه الله: إذا ثبت هذا فالأولى أن لا تصلي إلا بعد الزوال ليخرج من الخلاف ويفعلها في الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها فيه في أكثر أوقاته (2) .. اهـ.
وقال الإِمام الشيرازي صاحب المهذب رحمه الله: قال الشافعي: وأحب أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام، قال الشيرازي: وإنما استحب ذلك (يعني الشافعي) ليخرج من الخلاف؛ لأن أبا حنيفة لا يبيح القصر إلا في ثلاثة أيام (يعني مسيرة ثلاثة أيام)(3) .. اهـ.
قال النووي في نفس المسألة: قال الشافعي والأصحاب: والأفضل أن لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام للخروج من خلاف أبي حنيفة وغيره مِمَّن سنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى (4) .. اهـ.
وقال النووي -رحمه الله تعالى- في مسألة ترتيب القضاء بين الفوائت من الصلوات: إذا فاته صلاة أو صلوات استحب أن يقدم الفائتة على فريضة الوقت المؤداة، وأن يرتب الفوائت فيقضي الأولى ثمَّ الثانية ثمَّ الثالثة وهكذا لحديث جابرٍ، وللخروج من خلاف العلماء الذي سنذكره إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء (5) .. اهـ.
فإذا كان الخروج من خلاف العلماء في الجملة مستحبًّا ومطلوبًا، وسواء قلَّ المختلفون أم كثروا، فكيف إذا كان المخالفون أكثر العلماء، وجمهورهم لا شك أن الخروج من
(1) يعني أن يكون في المسألة قولان للعلماء. أحدهما بالوجوب والآخر بالندب أو أحدهما بالتحريم والآخر بالكراهة، أو أحدهما بالصحة، والآخر بالبطلان، فالخروج من الخلاف في تلك الأحوال يكون بالأخذ بقولٍ يخرج من تبعة القول المخالف، فمن قال مثلًا البسملة من الفاتحة، وقال غيره ليست منها، فإن الخروج من الخلاف أن يقال ويُستحب أن يقرأ البسملة ولو بدون جهر خروجًا من خلاف من أوجب قراءتها مع الفاتحة، ومن قال غسل الجمعة واجب وقال غيره بل مندوب، فيقال: ويُستحب أن لا يترك غسل الجمعة لمن قدر عليه خروجًا من خلاف من أوجبه، وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع. وانظر نقل النووي اتفاق العلماء على استحباب الخروج من الخلاف شرح صحيح مسلم في ج 2 ص 23.
(2)
بعد الزوال هو وقت الجمعة عند الجمهور. انظر المغني في ج 2 ص 212.
(3)
مجموع ج 4 ص 190.
(4)
مجموع ج 4 ص 191.
(5)
انظر مجموع ج 3 ص 67.