الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهما كما قال أحمد بن حنبل رحمه الله في الشافعي: كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذين من بدل أو عنهما من عوض؟؟.
وقد اعتمدنا في موسوعتنا على هذين الكتابين الجليلين في ترتيب الأبواب والمسائل الفقهية والنقل لمذاهب الفقهاء ومذهب الجمهور وحكاية الإجماع أو الاتفاق أو عدم العلم بالمخالف، وإني أشهد بما أعلم من كتاب المغني أنُّ الموفق -رحمه الله تعالى- كان موفقًا بحقٍ وحقيق فهو ثقةٌ أمين، منصف أديب، عارف بالمذاهب وأدلتها، ناقد للأخبار وأسانيدها مع بعض الأخطاء اليسيرة في النقل لبعض الأقوال وبعض مسائل الإجماع، وعذره في ذلك -واللُّه تعالى أعلم- اختلاف الرواية عن بعض الأئمة أو النقل عنهم، وعدم العلم بالمخالف، أو عدم اعتبار المخالف في المسألة لضعف الرواية عنه أو لشذوذ شديد في قوله، وقد أثبتنا بعض هذه الملاحظات في موسوعتنا هذه، وفي تعليقنا على المغني الذي نسأل الله تعالى أن يعيننا على إخراجه للناس ابتغاء التبرك بخدمة الشيخ الموفق وكتابه، وإظهارًا لمزيد من القيمة العلمية لهذا العمل الجليل. فرحم الله تعالى الموفق، ووفقنا للحوق به وسائر شيوخ صالحية دمشق في الفردوس الأعلى مع النبين والصِّدِّيقينَ والشهداء والصالحين، إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه آمين.
الإِمام الرباني والعالم الصمداني محيي الملة والدين أبو زكريا يحيى بن شرف النواوي (631 هـ = 676 ه
ـ)
لا أمل من قراءة كتبه أو النظر في مصنفاته، بكينا كثيرًا لذكر سيرته والإطلاع على أحواله، أحببناه فوق العادة، وشُغفنا بطريقته ومَسلكه حتى لم نستطع في كتابنا "فقه السنن" إلا أن نحذو حذوه ونقتفي أثره، حتى لكأننا بضعة منه، ولا أظنُّ أن الزمان إلى الآن قد جاد بمثل هذا الإِمام الجليل، وكان أخصَّ ما اختصَّ به -رحمه الله تعالى- هو أنسه باللُّه وانشغاله الكامل عن الخلق، واشتغاله بما يرضي خالقه، وكأنه رضي الله عنه قد ألهمه الله تعالى بقصر عمره وقلة بقائه في هذه الدار الفانية (1)، نعم لقد أحسَّ أنه -رحمه الله تعالى- كان يسابق الأجل بكل كلمة وبكل حرف، لا يضيع لحظة من وقته في غير ما ينفعه
= فرفضت ذلك رفضًا شديدًا ونصحته بغير ذلك من البدائل وكتبت للجامعة أنه لا يصح أن تُمس هذه الموسوعات الفقهية بشيء من الاختصار أو الحذف وإنما حقها علينا أن تُخدم بمزيد من التحقيق والتعليق.
(1)
لم يعمر النووي كثيرًا رحمه الله فقد وافته منيته وهو ابن خمسةٍ وأربعين عامًا.
في آخرته، أو يقرِّبه عند ربه، لا يبالي بإدبار الدنيا وإقبالها، ولا (1) بهجوم الناس عليه أو نفورهم عنه، هيبةُ الله في قلبه تحاقرت عندها ممالك السلاطين وتيجانهم، كان صوَّامًا قوَّامًا لا يأكل من فاكهة ولا خضرة دَمشق لكثرة ما فيها من أوقاف ورعًا واحتياطًا، خوَّفهُ الملك الظاهر وهدده كي يفتي بجواز أخذ الضرائب للصرف على الجند وحرب الأعداء من الكفار فامتنع -رحمه الله تعالى- عن الفتوى حتى يُخْرِجَ السلطان والأمراء والوزراء ما عندهم من الحلي والمتاع الفاخر فيُباع لمصلحة المقاتلة والجند فإذا احتيج بعد ذلك للمال أفتى بجوازه، فهدده الملك الظاهر بالسجن وغيره فهدده الإِمام النووي بالله، فلم يلبث الملك الظاهر حتى مات، فهؤلاء رجال
…
وها هنا أقوام يزعمون أنهم رجال وهم (السابقون) رجال يفتون السلطان قبل أن يستفتيهم ويعطونه ما يريد من دينهم قبل أن يسألهم!!! فلله الأمر من قبل ومن بعد.
لقد خضع الموافق والمخالف لهذا العالم الجليل، وأجمع الناس على تبحُّره في مذهب الشافعي وسائر الأئمة رحمهم الله تعالى، وأنه كان من أهل الإنصاف والنزاهة والأمانة والدقة في النقل، فلذا جعلنا مجموعه عمدة في موسوعتنا، ولمَّا لم يَكْمُلْ المجموع بانقضاء أجل مؤلفه عليه الرحمة والرضوان استعضنا عمَّا فاتنا من المجموع بما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم وشيء يسير من روضة الطالبين، لقد أكثر النووي -رحمه الله تعالى- من النقل في كتابيه هذين عن الإمامين أبي بكر ابن المنذر والقاضي عياض (2) صاحب الشفاء وشرح مسلم وكلاهما إمام وعمدة، ولولا ما فيهما من صفات الأمانة والنزاهة وسعة الاطلاع لما اعتمد عليهما إمامنا النووي رحمهم الله تعالى ولولا خشية الإطالة على القارئ لما أمسكنا عن الكلام عن هذا العالم الفريد فجزاه الله عنا وعن المسلمين والإِسلام خير ما جازي عالمًا عن أمته.
(1) لم أملك عند وصولي إلى هذه الكلمة إلا أن بكيت بكاة شديدًا انقطع القلم على إثره عن الكتابة، أسأل الله تعالى أن ينفعنا بذكر الصالحين وخدمة الصالحين ودعاء الصالحين. لقد قلت لزوجتي وأنا أبكي لا نريد من هذه الدنيا شيئًا سوى أن نخرج منها برضى مولانا، وأن لا نحتاج لا أنا ولا أنت والأولاد إلى أحدٍ من خلقه عز وجل آمين اللهم آمين.
(2)
وكذلك نقل كثيرًا -رحمه الله تعالى- عن الإمامين البغوي صاحب شرح السنة والخطابي صاحب معالم السنن فصار المجموع للنووي خلاصة النقل عن الكبار المعتمدين في نقل مذاهب الفقهاء عامة ومسائل الجمهور والإجماع خاصة.