الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّدُورُ، وَسَئِمَتْهُ النُّفُوسُ.
وَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَلامِهِ طَلاوَة، وَلا عَلَيْهِ رَوْنَق، وَلا وَرَاءهُ مَحْصُول، وَإِنَّمَا جُلُّ بِضَاعَتِهِ حَنْجَرَة صُلْبَة، وَشِقْشِقَة عَرِيضَة، وَأَلْفَاظ يَفْنَى بِكَثْرَتِهَا الرِّيق، وَتَضِيقُ مِنْ دُونِهَا أَصْمِخَة الآذَان.
فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالإِنْشَاءِ
يُقَالُ: فُلانٌ كَاتِبٌ مُجِيد، بَارِع، لَبِق، مُتَأَنِّق، مُتَفَنِّن، رَشِيق اللَّفْظِ، مُنَمَّق الْعِبَارَةِ، بَدِيع الإِنْشَاءِ، صَحِيح الدِّيبَاجَةِ، رَائِق الدِّيبَاجَة، أَنِيق الْوَشْي، حَسَن التَّحْبِير، حَسَن التَّرَسُّل، وَإِنَّهُ لَسَبَّاك لِلْكَلامِ، وَهُوَ مِنْ صِيَاغَة الْكَلام، وَإِنَّهُ لَجَيِّد السَّبْكِ، حَسَن الصِّيَاغَةِ، مَصْقُول الْعِبَارَةِ، حُرّ اللَّفْظِ، مُنْتَقَى اللَّفْظِ، سَهْل الأُسْلُوبِ، مُنْسَجِم التَّرَاكِيبِ، مُطَّرِد السِّيَاقِ، وَاضِح الطَّرِيقَةِ، نَاصِع الْبَيَانِ، سَلِيم الذَّوْقِ، عَذْب الْمَشْرَب، مُهَذَّب الْعِبَارَةِ، غَرِيزِيّ الْفَصَاحَة، مَطْبُوع عَلَى الْبَيَانِ، مُتَصَرِّف بِأَعِنَّة الْكَلام، مُتَفَنِّن فِي ضُرُوبِ الْخِطَابِ، لَطِيف الْمَدَاخِل وَالْمَخَارِج،
مَلِيح الْفُصُول، رَائِق الْفِقَر، مَقْبُول الإِطْنَابِ، بَلِيغ الإِيجَازِ، قَدْ أُنْزِلَتْ الْفَصَاحَة عَلَى قَلَمِهِ، وَأُنْزِلَت الْبَلاغَة عَلَى فُؤَادِهِ.
وَإِنَّهُ لَمِنْ أَجْرَى الْكُتَّاب قَرِيحَة، وَأَغْزَرهمْ مَادَّة، وَأَطْوَلهمْ بَاعاً، وَأَوْسَعهمْ مَجَالا، وَأَمْضَاهُمْ سَلِيقَة، وَأَسْرَعهُمْ خَاطِرا، وَأَحْضَرهُمْ بَيَاناً، وَإِنَّهُ لَيُبَارِي فِكْره الْبَرْق، وَتُبَارِي أَقْلامه النَّسِيم، وَتُبَارِي خَوَاطِرُه أَقْلامَه، وَتُبَارِي رَشَاقَةُ أَلْفَاظِهِ رَشَاقَةَ أَقْلامه.
وَإِنَّ فُلانا لَمِنْ أَكَابِر الْكُتَّاب، وَمِنْ مَشَاهِير الْمُتَرَسِّلِينَ، وَمِنْ نُخْبَةِ الْكُتَّابِ الْمُجِيدِينَ، وَمِنْ الْكَتَبَةِ الْمَعْدُودِينَ، وَمِنْ قُرَّح الْكَتَبَة، وَهُوَ مُجَلِّي هَذِهِ الْحَلْبَة، وَهُوَ عُطَارِد فَلَكهَا، كَامِل الآلَةِ، مُتْقِن لأَدَوَاتِ الْكِتَابَةِ وَالإِنْشَاءِ، عَارِف بِآدَابِ الْكُتَّابِ، جَمِيل الْخَطِّ، مُتَضَلِّع مِنْ عُلُومِ الأَدَبِ، مُحِيط بِأَسْرَارِ الْبَلاغَةِ، مُتَبَحِّر فِي ضُرُوبِ الإِنْشَاءِ، مُتَبَسِّط فِي فُنُون الْيَرَاع، حَافِظ لأَقْوال الْفُصَحَاء، وَخُطَب الْبُلَغَاء، مُطَّلِع عَلَى أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَالْمُوَلَّدِين، جَامِع لِلْحِكَمِ الْمَسْطُورَةِ،
وَالأَحَادِيثِ الْمَنْقُولَةِ، وَالْبَلاغَاتِ الْمَأْثُورَةِ، لا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْء مِنْ طَرَائِفِ الْكَلامِ، وَلَطَائِفه، وَنَوَادِره، وَنِكَاته، مُتَبَحِّر فِي مَعْرِفَةِ مُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ، مَحْص لِفَرَائِدِهَا، عَارِف بِفَصِيحِهَا وَرَكِيكِهَا، ومَأْنُوسِها وَغَرِيبِهَا، عَلِيم بِأَسْرَارِ اللَّفْظِ وَاشْتِقَاقه، وَحَقِيقَته وَمَجَازه، بَصِير بِصَرْفِ الْكَلامِ، خَبِير بِنَقْدِ جَيِّده وَرَدِيئة، مُتَصَرِّف فِي رَقِيقِهِ وَجَزْلِهِ، مُجَوِّد فِي مُرْسَلِهِ، وَمُسَجَّعه.
وَإِنَّهُ لَيَتَعَهَّد كَلامهُ، وَيُكْثِرُ فِيهِ مِنْ التَّأَنُّقِ، وَيُبَالِغُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَتَصْحِيحِهِ، وَتَحْرِيرِهِ، وَتَحْبِيره، وَتَهْذِيبه، وَتَشْذِيبه، لا تَرَى فِي سِلْكِهِ أُِبْنَة، وَلا فِي نِظَامِهِ تَشَظِّياً،
وَلا تَرَى فِي كَلامِهِ رَكَاكَة، وَلا غَثَاثَة، وَلا سَخَافَة، وَلا قَلَقاً، وَلا تَعَسُّفاً، وَلا تَكَلُّفاً، وَلا مُنَافَرَة، وَلا مُعَارَضَة، وَلا تَنْقَطِعُ سِلْسِلَة أَغْرَاضه، وَلا تَتَبَايَنُ لُحْمَة مَعَانِيه، وَلا يَهْجُمُ عَلَى الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ بَابِهِ.
وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسَائِلِ الْمُحَبَّرَة، وَمِنْ كُتَّابِ الرَّسَائِلِ، وَكُتَّابِ الدَّوَاوِينِ، مُتَصَرِّف فِي جَمِيعِ فُنُون المُرَاسَلات، وَالْمُكَاتَبَات، وَالْمُخَاطَبَات، وَالْمُطَارَحَات، وَالْمُرَاجَعَات، مُحْسِن فِي جَمِيعِ ضُرُوبِ الرَّسَائِلِ، وَالْكُتُبِ، وَالرِّقَاع، وَالْمآلِك.
وَقَدْ كَتَبَ الرِّسَالَةَ، وَسَطَّرَهَا، وَرَقَمَهَا، وَرَقَشَهَا، وَنَمَّقَهَا، وَدَبَّجَهَا، وَحَبّرهَا، وَوَشَّاهَا، وَزَخْرَفَهَا، وَطَرَّزَهَا، وَنَمْنَمَهَا.
وَصَدَّر رِسَالَته بِكَذَا، وَعَنْوَنَهَا بِكَذَا، وَقَرَأْت هَذَا الْخَبَرَ فِي لَحَق كِتَابِهِ وَهُوَ مَا يُلْحَقُ بِالْكِتَابِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَتُلْحِقُ بِهِ مَا سَقَطَ عَنْك، وَجَاءَ كَذَا فِي إِزَار كِتَابه وَهُوَ مَا يُكْتَبُ آخِر الْكِتَابِ مِنْ نُسْخَة عَمَل أَوْ فَصْل فِي بَعْضِ الْمُهِمَّاتِ، وَقَدْ أَزَّر كِتَابَهُ بِكَذَا.
وَهُوَ أَكْتَب مِنْ الصَّابِئِ،
وَأكْتَب مِنْ اِبْن الْمُقَفَّع، وأكْتَب مِنْ عَبْد الْحَمِيد.
وَيُقَالُ فِي الذَّمِّ: فُلان مِنْ ضَعَفَة الْكُتَّاب، وَمِن أَصَاغِر الْكُتَّاب، وَمُتَخَلِّفِي الْكُتَّاب، سَقِيم الْعِبَارَةِ، سَخِيف الْكَلامِ، ضَعِيف الْمَلَكَةِ، ضَعِيف الأَدَاةِ، قَاصِر الآلَةِ، ضَيِّق الْحَظِيرَةِ، ضَيِّق الْمُضْطرَبِ، مُتَطَفِّل عَلَى مَوَائِد الْكَتَبَة، مُنْحَطّ عَنْ طَبَقَةِ الْمُجِيدِينَ، بَعِيد عَنْ مَذَاهِبِ الْبُلَغَاءِ، مَدْفُوع عَنْ طَبَقَةِ الْمُجِيدِينَ، عَامِّيّ اللَّفْظ، مُبْتَذَل اللَّفْظِ، مُبْتَذَل التَّرَاكِيبِ، يَتَلَمَّظُ بِرَكِيكِ الْكَلِمِ، وَيَحُومُ حَوْلَ الْمَعَانِي الْمَطْرُوقة، ضَعِيف النَّقْدِ، سَيِّئ اِخْتِيَارِ الأَلْفَاظِ، لَمْ يَطَأْ عَتَبَةَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يُصَافِحْ رَاحَة الأَدَبِ، وَلَمْ يَرْتَضِعْ أَخْلاف الْفَصَاحَة، وَقَدْ أَلِفَ مَضَاجِع الرَّكَاكَة، وَنَشَأَ عَلَى وَهْن السَّلِيقَة، وَقَعَدَ بِهِ طَبْعه عَنْ مُجَارَاةِ الْبُلَغَاءِ.
وَفُلانٌ مِنْ صَيَارِفَة الْكَلام، جُلّ بِضَاعَتِهِ مَا يَنْسَخُهُ مِنْ كَلامِ الْفُصَحَاءِ، وَيَمْسَخُهُ مِنْ أَلْفَاظِ