المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الشعر - نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد - جـ ٢

[اليازجي، إبراهيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السادس: في العلم والأدب وما إليهما

- ‌فَصْلٌ في الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي الأَدَبِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحِفْظِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّأْلِيفِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْفَصَاحَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبَلاغَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْخَطَابَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالإِنْشَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشِّعْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي النَّقْدِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْجَدَلِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِرَاءةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْخَطِّ

- ‌الباب السابع: فيما يعرض في الألفة والمجتمع والتقلب والمعاش

- ‌فَصْلٌ في الاجْتِمَاعِ وَالافْتِرَاقِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْجَمَاعَاتِ

- ‌فَصْل فِي الْمُخَالَطَةِ وَالْعُزْلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَدِيثِ

- ‌فَصْلٌ فِي الإِصْغَاءِ

- ‌فَصْلٌٌ فِي الْجِدِّ وَالْهَزْلِ

- ‌فَصْلٌٌ فِي السُّخْرِيَةِ وَالْهُزُؤِ

- ‌فَصْلٌٌ فِي الإِخْبَارِ وَالاسْتِخْبَارِ

- ‌فَصْلٌٌ فِي ظُهُورِ الْخَبَرِ وَاسْتِسْرَارِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ

- ‌فَصْلٌ فِي النَّمِيمَةِ وَإِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي كِتْمَانِ السِّرِّ وَإِفْشَائِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُشَاوَرَةِ وَالاسْتِبْدَادِ

- ‌فَصْلٌٌ فِي جَوْدَةِ الرَّأْيِ وَفَسَادِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي اِتِّفَاقِ الرَّأْي وَاخْتِلافِهِ

- ‌فَصْلٌ في النَّصِيحَةِ وَالْغِشِّ

- ‌فَصْلٌٌ فِي الإِغْرَاءِ بِالأَمْرِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ

- ‌فَصْلٌٌ فِي الثِّقَةِ وَالاتِّهَامِ

- ‌فَصْلٌٌ في الذَّنْبِ وَالْبَرَاءةِ

- ‌فَصْلٌٌ في اللَّوْمِ وَالْمَعْذِرَةِ

- ‌فَصْلٌٌ فِي الصَّفْحِ وَالْمُؤَاخَذَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الإِحْسَانِ وَالإِسَاءةِ

- ‌فَصْلٌ فِي أَخْيَارِ النَّاسِ وِأَشْرَارِهِم

- ‌فَصْلٌ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكَدِّ وَالْكَسَلِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّعَبِ وَالرَّاحَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي عُلُوِّ الْهِمَّةِ وَسُقُوطِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ

- ‌فَصْلٌ فِي الإِعْجَالِ وَالاعْتِيَاقِ

- ‌فَصْلٌ فِي إِطْلاقِ الْعِنَانِ وَحَبْسِهِ

- ‌فَصْل في التَّمَادِي فِي الضَّلالِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ

- ‌فَصْل فِي الانْقِيَادِ وَالامْتِنَاعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكُرْهِ وَالرِّضَى

- ‌فَصْل فِي الشَّفَاعَةِ وَالْوَسِيلَة

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَذِكْر الْحَلِف وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ

- ‌فَصْل فِي الْوَفَاءِ وَالْغَدْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ

- ‌فَصْلٌ فِي الإِسْعَافِ وَالرَّدِّ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقَصْدِ وَالاسْتِمْنَاحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّنِيعَةِ

- ‌فَصْل فِي الْهِبَة وَالْحِرْمَانِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرَادُف النِّعَم

- ‌فَصْلٌ فِي الشُّكْرِ وَالْكُفْرَانِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ

- ‌فَصْلٌ فِي حُسْنِ الصِّيتِ وَقُبْحِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي رُكُوبِ الْعَارِ وَاجْتِنَابِهِ

- ‌الباب الثامن: في معالجة الأمور وذكر أشياء من صفاتها وأحوالها

- ‌فَصْلٌ في الْعَزْمِ عَلَى الأَمْرِ وَالانْثِنَاءِ عَنْهُ

- ‌فَصْلٌ فِي مُزَاوَلَةِ الأَمْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي صُعُوبَةِ الأَمْرِ وَسُهُولَتِهِ

- ‌فَصْل فِي تَقْسِيمِ الصُّعُوبَةِ

- ‌فَصْل فِي اِلْتِبَاسِ الأَمْر وَوُضُوحِهِ

- ‌فَصْل فِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ

- ‌فَصْلٌ فِي الظَّنِّ

- ‌فَصلٌ فِي الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالْجَهْلِ بِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْفَحْصِ وَالاخْتِبَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَلامَاتِ وَالدَّلائِل

- ‌فَصْلٌ فِي تَوَقُّعِ الأَمْرِ وَمُفَاجَأَتِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي مُرَاقَبَةِ الأَمْر وَإِغْفَالِهِ

- ‌فَصْلٌ في الاسْتِعْدَادِ لِلأَمْرِ

الفصل: ‌فصل في الشعر

مُتَقَدِّمِي الْكُتَّابِ، يُبَدِّلُ جَيِّدَهُ بِالرَّدِيءِ، وَيَخْلِطُ الْفَصِيح مِنْهُ بِالْعَامِّيِّ، وَيُفْرِغُهُ فِي قَالَبٍ مِنْ أُسْلُوبِهِ تَتَعَاوَرُهُ الرَّكَاكَة، وَيُشَوِّهُهُ اللَّحْن، وَيَتَجَاذَبُهُ التَّعْقِيد، وَلا يَرْجِع إِلَى ذَوْق، وَلا تَخْدِمُهُ سَلِيقَة، وَلا يَمُدّهُ اِطِّلاع، وَلا يُمَحِّصُهُ نَقْد، وَلا يَعْلَقُهُ لِلْفَصَاحَةِ سَبَب.

‌فَصْلٌ فِي الشِّعْرِ

يُقَالُ: فُلانٌ شَاعِرٌ مُتَفَنِّنٌ، مُجِيد، مُتَأَنِّق، مُتَنَوِّق، مُفْلِق، بَلِيغ، فَحْل، خِنْذِيذ، عَزِيز الْمَذْهَبِ، بَعِيد الْغَايَةِ، رَفِيع الطَّبَقَة، مُتَصَرِّف فِي فُنُونِ الشِّعْرِ، مُوفٍ عَلَى شُعَرَاءِ عَصْرِهِ، وَهُوَ شَاعِرُ عَصْرِهِ، وَهُوَ أَشْعَرُ أَهْل عَصْرِهِ، وَهُوَ شَاعِرُ بَنِي فُلان، وَهُوَ شَاعِرُهُمْ غَيْر مُدَافِع، وَهُوَ شَاعِرٌ بِالطَّبْعِ، وَشَاعِرٌ مَطْبُوعٌ، وَهُوَ مِنْ أَطْبَع النَّاس، وَهُوَ مِنْ فُحُول الشِّعْرِ، وَفُحُولَته، وَمِنْ أُمَرَاءِ الشِّعْرِ، وَزُعَمَاء الْقَوْل، وَمِنْ مَشَاهِير الشُّعَرَاءِ، وَمِنْ

ص: 35

الشُّعَرَاءِ الْمَذْكُورِينَ، جَيِّد الشِّعْر، رَصِين الشِّعْرِ، جَيِّد النَّظْمِ، الْحَبْك، صَحِيح السَّبْكِ، مُنَضَّد اللَّفْظ، مُرَصَّف الْمَعَانِي، مُنْسَجِم الْكَلام، رَائِق الأُسْلُوبِ، مَلِيح الدِّيبَاجَة، حَسَن الْوَشْي، شَائِق اللَّفْظ، رَشِيق الْمَعْنَى، دَقِيق الْمَعْنَى، دَقِيق الْفِكْرِ، دَقِيق السِّلْكِ، لَطِيف التَّخَيُّل، مَطْبُوع النَّادِرَةِ، نَبِيه الأَغْرَاض، شَرِيف الْمَعَانِي، وَاضِح الْمَنْهَجِ، سَدِيد الْمَسْلَكِ، سَهْل الشَّرِيعَةِ، لَيْسَ فِي شِعْرِهِ تَكَلُّف، وَلا تَعَسُّف، وَلا تَعَمُّل، وَلا قَلَق، وَلا اِرْتِبَاك، وَلا تَعْقِيد، وَلا غُمُوض، وَلا اِلْتِبَاس، وَلا تَقْصِير.

وَلَيْسَ فِيهِ حَشْو، وَلا سَفْسَاف، وَلا لَغْو، وَلا إِحَالَة، وَلا ضَرُورَة، وَلا تَجَوُّز، وَلا تَسَمُّح.

وَلا تَرَى فِي قَوَافِيهِ قَلَقاً، وَلا ضَعْفاً، وَلا نُفُوراً، وَلا هِيَ أَجْنَبِيَّة، وَلا مُسْتَدْعَاة، وَلا يَسْتَكْرِهُهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، وَلا يَركَب فِيهَا عَيْباً وَلا سِناداً.

وَفُلانٌ مِنْ قَالة الشِّعْر، وَحَاكَّة الشِّعْر، وَصَاغَة الشِّعْر، وَصَاغَة الْقَرِيض، ورُوَّاض الْقَوَافِي، وَإِنَّ لَهُ شِعْراً

ص: 36

صَافِي الدِّيبَاجَة، نَقِيّ الْمُسْتَشَفّ، كَثِير الطُّلاوَة، كَثِير الْمَاءِ كَثِير الْمَحاسِن، واللَّطَائِف، والْمُلَح، والنُّكَت، والْبَدَائِع، وَالطُّرَف، وَإِنَّ شِعْرَهُ لَيَتَدَفَّق طَبْعاً وَسَلاسَة، وَيَطَّرِد فِيهِ مَاء الْبَدِيع، وَيَجُولُ فِيهِ رَوْنَق الْحِسّ، رَقِيق التَّشْبِيب، رَائِق النَّسِيب، حُلْو التَّغَزُّلِ، حَسَن الْمَطَالِعِ وَالْمَقَاطِعِ، حَسَن التَّشَابِيه، بَدِيع الاسْتِعَارَات، لَطِيف الْكِنَايَاتِ.

وَفُلانٌ إِذَا رَامَ نَظْم الشِّعْرِ قَامَتْ الأَلْفَاظُ فِي خِدْمَتِهِ، وَتَلَبَّبَتْ الْمَعَانِي لِدَعْوَتِهِ، وَإِنَّهُ لَيَرُوض الْقَوَافِيَ الصَّعْبَة، وَتَرْتَاض لَهُ شُمُس الْقَوَافِي، وَيَسْتَفْتِحُ أَغْلاق الْمَعَانِي، وَيَغُوصُ عَلَى الْمَعْنَى الْغَرِيبِ، وَالنُّكْتَةِ النَّادِرَةِ، وَلا يَزَالُ يَأْتِي بِالْبَيْتِ النَّادِرِ، وَالْمَثَلِ السَّائِرِ، وَالْحِكْمَةِ الْبَلِيغَةِ، وَالْمَعْنَى الْبَدِيعِ.

وَإِنَّهُ لَيَبْتَكِر الْمَعَانِيَ، وَيَسْتَنْبِطهَا، وَيَخْتَرِعهَا، وَيَبْتَدِعهَا، وَيَقْتَرِحهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُبْتَكَرَاتِ فُلان، وَمِنْ بَنَاتِ أَفْكَارِهِ، وَمِنْ مُخَدَّرَات أَفْكَاره، وَمِنْ أَبْكَار مُخْتَرَعَاته، وَإِنَّ فُلاناً لَيَزُفّ بَنَات الأَفْكَارِ، وَيَجْلُو أَبْكَار الْمَعَانِي، وَقَدْ جَاءَ

ص: 37

بِهَذَا الْكَلامِ اِسْتِنْبَاطاً، وَقَرِيحَة، وَابْتِكَاراً، وَاقْتِرَاحاً، وَهَذَا مَعْنىً لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ سَابِق، وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِيهِ مُنَازِع، وَلَمْ يَتَمَثَّلْ فِي لَوْح خَاطِر، وَلَمْ يَحُمْ عَلَيْهِ طَائِرُ فِكْر.

وَإِنَّ فُلاناً لَيَنْظِم اللَّآلِئَ، وَيَنْظِم الْعُقُود، وَيُقَرِّط الآذَان، وَيُشَنِّفُ الأَسْمَاع، وَيُسْكِر الأَلْبَاب، وَيُسْحِرُ الْعُقُول، وَيَخْلُبُ الْقُلُوب، وَكَأَنَّ شِعْرَهُ أَفواف الْوَشْي، وَكَأَنَّ لَفْظَهُ الْوَشْي الْفَارِسِيّ، وَكَأَنَّ مَعَانِيه السِّحْر الْبَابِلِيّ، وَكَأَنَّ كَلامَهُ قَدْ صِيغَ مِنْ خَالِصِ النُّضار، وَإِنَّ شِعْرَهُ لَهُو السَّهْل الْمُمْتَنِع، الْقَرِيب الْبَعِيد، وَإِنَّهُ لَشِعْر حَرِيّ بِأَنْ يُكْتَب عَلَى جَبْهَة الدَّهْر، وَيُعَلَّق فِي كَعْبَة الْفَخْرَ.

وَهَذَا الشِّعْرُ مِنْ قَلائِدِ فُلان، وَمِنْ فَرَائِده، وَنَفَائِسه، وَبَدَائِعه، وبَدَائِهه، وَعَقَائِله، وَغُرَرِه، وَحَسَنَاته، وإِحْسَانَاتِه، وإِجاداتِه، وبَرَاعَاته، وَهُوَ مِنْ حَسَنَاتِهِ الْمَعْدُودَةِ، وَبَدَائِعه الْمَشْهُورَة، وبَرَاعَاته الْمَأْثُورَة، وَأَبْيَاته السَّائِرَة، وَقَلائِده الْمَرْوِيَّة، وَهَذِهِ الْقَصِيدَة مِنْ خَارِجِيَّات فُلان، وَمِنْ عَبْقَرِيَّاتِهِ، وَهِيَ كُلُّ مَا فَاقَ جِنْسَهُ وَنَظَائِرَهُ.

وَيُقَالُ: نَبَغَ فُلان فِي الشِّعْرِ إِذَا أَجَادَهُ

ص: 38

وَلَمْ يَكُنْ فِي إِرْث الشِّعْر، وَهُوَ نَابِغَة عَصْرِهِ، وَقَدْ نَبَغَ مِنْ فُلان شِعْرٌ شَاعِرٌ، وَهُوَ مِنْ رُوَّام الشِّعْر، وَمِمَّنْ يَنْظِمُ الشِّعْر، وَيَنْسِجُهُ، ويَحُوكُهُ، وَيَحْبُكُهُ، وَيُلْحِمُهُ، وَيَصُوغُهُ، وَيُقْرِضُهُ، وَيَبْنِيه، وَيُنْشِئُهُ، وَيُحَبِّرُهُ، وَيُدَبِّجُهُ، وَيُوَشِّيه.

وَقَدْ نَظَمَ فِي كَذَا، وَعَمِل فِيهِ شِعْراً، وَقَالَ فِيهِ شِعْراً، وَقَدْ جَاشَ الشِّعْر فِي خَاطِرِهِ، وَجَاشَ فِي صَدْرِهِ، وَفِي فُؤَادِهِ، وَاسْتَنْشَأْتُهُ قَصِيدَة فِي كَذَا فَأَنْشَأَهَا لِي.

وَيُقَالُ: فُلان يَهْضِبُ بِالشِّعْرِ أَيْ يَسِحُّ سَحاً، وَهُوَ شَاعِرٌ مُكْثِرٌ وَهُوَ خِلافُ الْمُقِلِّ.

وَقَدْ سَنَحَ لَهُ شِعْر كَذَا أَي عَرَض أَوْ تَيَسّر، وَإِنَّهُ لَيَرْتَجِل الشِّعْر، وَيَقْتَضِبُهُ، وَيَقْتَرِحُهُ، وَيَبْتَدِهُهُ، وَيَقُولُهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ، وَعَلَى الْبَدِيه، لا يُسْهِر عَلَيْهِ جَفْناً، وَلا يَكُدّ فِيهِ طَبْعاً، وَقَدْ قَالَ هَذِهِ الأَبْيَات عَلَى رِيقٍ لَمْ يَبْلَعْهُ، وَنَفَس لَمْ يَقْطَعْهُ، وَهِيَ مِنْ عَفْو السَّاعَة، وَمِنْ فَيْضِ الْخَاطِر، وَفَيْضِ الْقَرِيحَة، وَفَيْضِ الْقَلَم، وَفَيْضِ الْيَدِ، وَمُجَارَاة الْخَاطِر، وَإِنَّهُ لَسَرِيع الْخَاطِرِ، غَمْر الْبَدِيهَة،

ص: 39

طَلْق الْبَدِيهَة، سَمْح الْقَرِيحَة، غَمْر الْقَرِيحَة، حَافِل الْقَرِيحَةِ فَيَّاض الْقَرِيحَة، مُتَدَفِّق الْقَرِيحَةِ، شَدِيد الْعَارِضَةِ، حَادّ الْبَادِرَةِ، سَرِيع الذِّهْنِ، حَاضِر الذِّهْنِ، وَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحْضَرَ مِنْهُ ذِهْناً، وَلا أَسْرَعَ خَاطِراً، وَلا أَوْسَعَ خَاطِراً، لَوْ حَلَّ خَاطِرُهُ فِي الْمُقْعَدِ لَمَشَى، أَوْ فِي الأَخْرَسِ لَخَطَبَ.

وَيُقَالُ: فُلان يَخْشُب الشِّعْر، وَيَخْتَشِبُهُ، إِذَا أَرْسَلَهُ كَمَا يَجِيءُ وَلَمْ يَتَنَوَّقْ فِيهِ وَلَمْ يُنَقِّحْهُ، وَهَذَا شِعْر مَخْشُوب، وَخَشِيب، وَخَيْر الشِّعْرِ الْحَوْلِيّ الْمُنَقَّح، وَفِي الأَسَاسِ كَانَ الْفَرَزْدَق يُنَقِّحُ الشِّعْرَ وَكَانَ جَرِير يَخْشُبُ وَكَانَ خَشْب جَرِير خَيْراً مِنْ تَنْقِيح الْفَرَزْدَق، وَتَقُولُ: عَارَضْت فُلاناً فِي الشِّعْرِ، وَمَاتَنْتُهُ، وَنَاشَدْتهُ، وَرَاسَلْتهُ، وَقَارَضْتهُ، وَهِيَ الْمُبَارَاةُ فِي نَظْمِ الشِّعْرِ، وَهُمَا يَتَقَارَضَانِ الأَشْعَار.

وَتَقُولُ: أَجِزْ هَذَا الْبَيْت أَوْ هَذَا الشَّطْر إِذَا نَظَمْتهُ أَوْ أَخَذْتهُ مِنْ شِعْرِ غَيْرِك وَسَأَلْتهُ أَنْ يَنْظِمَ عَلَيْهِ لِيُتِمَّهُ، وَيُقَالُ: فُلان شَاعِر فَصَّال وَهُوَ الَّذِي يَمْدَحُ النَّاسَ لِيَأْخُذ الْجَوَائِزَ.

ص: 40

وَتَقُولُ فِي الذَّمِّ: فُلان شَاعِر ضَعِيف، سَخِيف النَّظْمِ، مُهَلْهَل الشِّعْر، مُقَصِّر عَنْ طَبَقَةِ الْفُحُولِ، نَازِل عَنْ رُتْبَةِ الْمُجِيدِينَ مِنْ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ مِنْ سَاقَة أَهْل الشِّعْرِ، وَمِنْ مُتَخَلِّفِي الشُّعَرَاء، لا مَلَكَة عِنْدَهُ لِلنَّظْم، وَلَمْ يُرَكَّبْ فِي طَبْعِهِ الشِّعْرُ، وَلَيْسَ فِي سَلِيقَتِهِ الشِّعْر.

وَإِنَّهُ لَصَالِد الْفِكْر، كَابِي الزَّنْد، كَهَام الذِّهْنِ، سَخِيف الطَّبْعِ، مُتَخَلِّف الطَّبْع، سَقِيم الْخَاطِر، مُقْعَد الْخَاطِر، زَمِن السَّلِيقَة، نَاضِب الْقَرِيحَة، جَامِد الرَّوِيَّة، خَامِد الْبَدِيهَة، نَكِد الْقَرِيحَة، صَلْد الْخَاطِر.

وَإِنَّمَا هُوَ شُوَيْعِر، وَشُعْرُور، وَمُتَشَاعِر، رَثّ الأَلْفَاظ، قَلِق الأَلْفَاظ، قَلِق الأَسَالِيب، سَقِيم الْمَعَانِي، فَاسِد الْمَعَانِي، مُبْتَذَل الْمَعَانِي، مَطْرُوق الأَغْرَاض، فَاسِد التَّعْبِيرِ، مُشَوَّش الْقَوَالِب، ضَعِيف النَّقْدِ، كَثِير التَّكَلُّفِ، شَدِيد التَّعَمُّل، وَهُوَ إِنَّمَا يَنْظِمُ بِالصَّنْعَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَرُوضِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَطِّعُ أَبْيَات، وَوَزَّان تَفَاعِيل،

ص: 41

وَإِنَّمَا هُوَ وَزَّانٌ لا شَاعِر.

وَإِنَّ شِعْرَهُ لِبَشِع فِي الذَّوْقِ، تَافِه فِي الذَّوْقِ، وَإِنَّهُ لَجَافّ الْكَلامِ، لَيْسَ عَلَى كَلامِهِ بِلَّة الْفَصَاحَة، وَلَيْسَ عَلَى شِعْرِهِ طُلاوَة، وَلا حَلاوَة، وَلا رَوْنَق، وَلا رَشَاقَة، وَلا بَدَاهَة، وَلا قُدْرَة لَهُ عَلَى الاخْتِرَاعِ، وَلا فَضْل فِيهِ لِلاسْتِنْبَاطِ، وَلا تَكَادُ تَرَى فِي كَلامِهِ إِلا مُتَرَقَّعاً، وَلا تَقَعُ إِلا عَلَى مُتَرَدَّم، وَلا تَسْقُط إِلا عَلَى مُتَنَصَّح، وَفُلان لَوْ تَمثّل شِعْره لَكَانَ أَشْبَه شَيْء بِالْعَجَائِزِ الْفَانِيَة، فِي الأَسْمَالِ الْبَالِيَة.

وَيُقَالُ: كَسَرَ الشِّعْر إِذَا لَمْ يُقِمْ وَزْنَهُ، وَفُلان يُصَابِي الشِّعْر إِذَا لَمْ يُقِمْ إِنْشَاده وَتَقُول: فُلان مِنْ مُتَلَصِّصِي الشُّعَرَاء، وَهُوَ فِي الشِّعْرِ سِبْد أَسْبَاد وَإِنَّهُ لَشِظَاظ الشِّعْر، وَإِنَّهُ لَيَسْرِق الشِّعْر، وَيُغِير عَلَيْهِ، وَيَنْتَحِلهُ، وَيَنْسَخُهُ، وَيَسْلَخُهُ، وَيَمْسَخُهُ، ويُصالِت فِيهِ، وَإِنَّهُ لَيُغِير عَلَى أَبْيَاتِ الشُّعَرَاءِ، وَيَعْدُو عَلَى بَنَاتِ الأَفْكَارِ، وَقَدْ أَطْلَقَ يَدَهُ فِي شِعْرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَحَكَّمَ رَاحَته فِي شِعْر الأَوَائِل،

ص: 42

وَقَدْ تَحَيَّف شِعْر فُلان، وَأَخَذ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ فُلان، وَأَلَمّ بِبَيْتِ فُلان، وَهَذَا الْبَيْت مِنْ قَوْلِ فُلان، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِ فُلان وَيُقَالُ: أَصْفَى الشَّاعِر إِذَا اِنْقَطَعَ شِعْره.

وَقَالَ: فُلان كَذَا بَيْتا وَأَكْدَى إِذَا اِمْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَقَدْ أُرْتِج عَلَيْهِ، وَرُجِيَ عَلَيْهِ، وَصَلُد خَاطِره، وَتَقُولُ لا يَسْتَذِيقُ لِي الشِّعْر إِلا فِي فُلان، وَإِلا فِي غَرَضِ كَذَا، أَيْ لا يَنْقَادُ لِي.

وَيُقَالُ: رَجُلٌ مُفْحِمٌ وَهُوَ الَّذِي لا يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ شِعْراً وَتَقُول: هَذِهِ قَصِيدَة عَائِرَة، وَكَلِمَة عَائِرَة، وَقَافِيَةٌ شَارِدَةٌ، وَشَرُود، وَهَذِهِ آبِدَة مِنْ أَوَابِد الشِّعْر، كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْقَصِيدَة السَّائِرَة.

وَإِنَّهَا لَكَلِمَة شَاعِرَة، وَهِيَ مِنْ غُرَر الْقَصَائِد، وَمِنْ الْقَصَائِدِ الْمُخْتَارَةِ، وَمِنْ حُرِّ الْكَلامِ، وَمِنْ عُيُونِ الشِّعْرِ، وَمَحْفُوظ الشِّعْرِ، وَعَقَائِل الشِّعْر، وَمِنْ مُحْكَمِ الشِّعْرِ وَجَيِّده،

ص: 43

وَهَذِهِ قَصِيدَة حَذَّاء أَي سَائِرَة أَوْ مُنْقَطِعَة الْقَرِين.

وَهِيَ مِنْ مُقَلَّدَات الشِّعْرِ، وَقَلائِده، أَي الْبَوَاقِي عَلَى الدَّهْرِ، وَإِنَّهَا لَحَسَنَة الشَّبَابِ أَي التَّشْبِيبِ، وَهَذِهِ قَصِيدَة حَكِيمَة أَي فِيهَا كَلام حِكْمَة، وَهَذَا شِعْر مُقَصَّد أَي مُهَذَّب مُنَقَّح، وَهَذَا الْبَيْتُ فِقْرَة هَذِهِ الْقَصِيدَةِ أَي أَجْوَد بَيْتٍ فِيهَا، وَهُوَ بَيْتُ الْقَصِيدِ، وَتَقُولُ: هَذِهِ قَصِيدَة رَيِّضَة أَي لَمْ تُحْكَمْ.

وَإِنَّهَا لَمِنْ سَفْسَاف الشِّعْر أَي مِنْ رَدِيئِهِ أَوْ مَا لَمْ يُحْكَمْ مِنْهُ، وَفُلانٌ يُنْشِد مُقَطَّعَات الشِّعْرِ وَهِيَ قِصَارُهُ وَأَرَاجِيزه.

وَتَقُولُ: شِعْر فُلان أَحْسَن مِنْ حَوْلِيَّات زُهَيْر، وَأَحْسَن مِنْ حَوْلِيَّات مَرْوَان بْن أَبِي حَفْصَة، وَأَحْسَن مِنْ اِعْتِذَارَاتِ النَّابِغَةِ، حَمَاسِيَّات عَنْتَرَة، وَهَاشِمِيَّات الْكُمَيْت، وَنَقَائِضِ جَرِير، وَخَمْرِيَّات أَبِي نُوَاس، وَتَشْبِيهَات اِبْنِ الْمُعْتَزِّ، وَزُهْدِيَّات أَبِي الْعَتَاهِيَةِ، وَرَوْضِيَّات الصَّنَوْبَرِيّ، وَلَطَائِف كُشَاجِم.

وَهَذَا أَحْسَن مِنْ ابْتِدَاءات أَبِي نُوَاس، وَمِنْ تَخَلُّصَات الْمُتَنَبِّئ، وَمَقَاطِع أَبِي تَمَّام.

ص: 44